تتوالى تطورات الأحداث في الحرب الروسية – الأوكرانية بصورة دراماتيكية تصاعدية، وتبعد عن أي طريق يؤدي لموائد المفاوضات أو الحلول السياسية الممكنة، فنرى تصاعد نوعيات الأسلحة والذخائر الأشد فتكًا، فمؤخرًا وبصورة استثنائية حصلت أوكرانيا على ذخائر اليورانيوم المنضبة المحرمة دوليًا من بريطانيا، وحاليًا تضيف الولايات المتحدة نوعًا آخر من الذخائر العنقودية المحرمة أيضًا دوليًا، في دلالة على استمرار التصعيد للحرب، وكأن أوكرانيا فقط تستطيع كسب الحرب بالأسلحة المحرمة دوليًا، مما يُنذر بالاقتراب من استخدام أسلحة دمار شامل، وتحويل تلك الحرب إلى منحى آخر، وربما الدفع لتوريط أوروبا في حرب نووية، تحترق فيها روسيا وأوروبا فقط.
وتدمر الأسلحة المحرمة دوليًا الإنسان والطبيعة، كما تضر بالبنية، وهناك تصور بأن أكثر ضحاياها من المدنيين، وتسببت بمآسٍ للإنسانية لا تقل خطرًا عن تلك التي سببتها أسلحة الدمار الشامل. وفي هذا الإطار، يمكن إلقاء الضوء على الأسلحة المحرم استخدامها دوليًا، وماهية “القنبلة العنقودية” وتركيبها وأسلوب استخدامها، ومدى تأثيرها، والحيثيات التي من أجلها تعتبر القنبلة من الذخائر المحرم استخدامها دوليًا وما هي القنابل العنقودية غير المحرمة، والحروب التي تم فيها استخدام القنبلة العنقودية.
أولًا: الأسلحة المحرمة دوليًا
ويندرج تحت قائمة الأسلحة المحرمة دوليًا العديد الفئات، من أبزرها ما يلي:
الأسلحة الكيميائية: والتي تصنف كسلاح دمار شامل على الرغم من أنها تختلف عنِ الأسلحة النووية، وتختلف أشكال الأسلحة الكيميائية، فعادة ما تكونُ غازية لكنها قد تتخذ شكلًا مغايرًا، كأن تكون سائلة أو صلبة، فهناك غازات الأعصاب، والغازات المسيلة للدموع، ورذاذ الفلفل، ويمكن أن تقذف هذه الأسلحة الطائرات والمدفعية والصواريخ، حيث تعمل الرياح على نشر المادة الكيمائية السامة، التي تقتل أو تصيب الإنسان والحيوان والنبات، كما تبقى في أماكن استخدامها لساعات أو أسابيع.
قنابل الفوسفور الأبيض: وتُعرف القنبلة الفوسفورية باعتبارها قنبلة أو قذيفة تحتوي ذخيرتها على الفوسفور الأبيض، وهو شكل نشط كيميائيًا من أشكال عنصر الفوسفور، ويشتعل الفوسفور الأبيض تلقائيًا عند التماس مع الهواء، ويحترق بشدة ومن الصعب إطفاؤه.
الأسلحة البيولوجية: وتتكون الأسلحة البيولوجية من مكونات بكتيرية سامة أو طفيليات أو فيروسات، وتعتبر خطورتها في انتشارها، وتعتبر أخطر نماذجها هي الجدري والجمرة الخبيثة وإيبولا، وتعد الأسلحة البيولوجية من أخطر الأسلحة حيث قد يؤدي خروج آثار السلاح البيولوجي عن السيطرة أو تحوره إلى ما قد يهدد الوجود الإنساني بحد ذاته.
القنبلة الفراغية (القنبلة الحرارية الضغطية): وتصنف كسلاح محظور، وتحتوي على ذخيرة من وقود صلب يحترق متساميًا بسرعة فائقة متحولًا إلى غاز أو رذاذ ملتهب ينفجر مسببًا تخلخلًا هائلًا في الضغط في موقع الانفجار. وسميت أيضًا بالقنبلة الفراغية لما تولده من ضغط سلبي (تفريغ) في موقع الانفجار يدوم لبعض أجزاء من الثانية. والحق أن هذه القضية تسبب تفريغًا في البداية يعقبه هجوم للضغط الجوي من جميع الجهات تعويض الضغط السلبي الناجم عن الانفجار مما يؤدي إلى تدمير مضاعف بالمنطقة المحيطة بالهدف.
القنابل الحارقة: وهي نوع من القنابل يصمم من أجل إحداث الحرائق عند إلقائها على الخصم في المعارك العسكرية، وتستخدم في تركيبها مواد كيميائية صعبة الإطفاء مثل النابالم والثرميت ومسحوق المغنسيوم وثلاثي فلوريد الكلور والفوسفور الأبيض.
الأسلحة النووية: وهي أسلحة تدمير فتاكة محرمة دوليًا، وتعتمد قوتها التدميرية على عملية الانشطار النووي أو الاندماج النووي، ونتيجة لهذه العملية تكون قوة انفجار قنبلة نووية صغيرة أكبر بكثير من قوة انفجار أضخم القنابل التقليدية، ويفترض أن يخضع تصنيعها واستعمالها لضوابط دولية حرجة.
ثانيًا: القنبلة العنقودية
تتكون حاوية القنابل العنقودية من عدد كبير من “القنيبلات” الصغيرة، وتستخدم للهجوم على أهداف مختلفة مثل العربات المدرعة أو الأشخاص، أو لإضرام الحرائق، ويمكن للقنابل الصغيرة الموجودة داخلها أن تغطي منطقة كبيرة، وتتوقف مساحة انتشار القنيبلات على ارتفاع فتح الحاوية ونثر القنيبلات، فكلما زاد ارتفاع فتح الحاوية زادت مساحة منطقة التأثير، وقلت كثافة عدد القنيبلات في وحدة المساحة.
وتصمم الذخيرة العنقودية وهي “ذخيرة تقليدية” لتنثر أو تطلق ذخائر صغيرة متفجرة، وهناك عدة صفات لا بد من توافرها في الذخيرة كي تكون محظورة، منها عامل التصميم للنثر أو الإطلاق لعدد يتجاوز عشر ذخائر صغيرة متفجرة. ولا يقل وزن كل واحدة منها عن 20 كلجم. كما تختلف أشكال وأحجام ووسائط تفجير القنابل العنقودية ولكن وسيلة انفلاق الحاوية الرئيسية (القنبلة) التي تحوي على القنابل الصغيرة هي واحدة تقريبًا، حيث تحتوي على (ALTIMETER FUSE) أي “بادئ ينفجر حسب الارتفاع”، وبعد انفجار الحاوية الأم تنطلق القنابل الصغيرة فوق منطقة الهدف مسببة دمارًا وتلفًا للآليات والمعدات والأشخاص الموجودين هناك، وبإمكان القنابل الصغيرة تغطية منطقة كبيرة ولكنها تفتقر للتوجيه الدقيق.
ومن القنابل العنقودية المعروفة (CBU-87) ويمكن لقنبلة واحدة تم ضبطها بمعدل دوران منخفض (على سبيل المثال، 500 دورة في الدقيقة) أن تنثر القنابل الصغيرة إلى منطقة 120 × 200 قدم، مع تناثر القنابل الصغيرة بمتوسط تسعة أقدام، ويمكن تحقيق مجموعة من أنماط التأثير من 70 × 70 قدمًا إلى 150 × 450 قدمًا اعتمادًا على الارتفاع. وهناك أيضًا القنبلة CBU-97 وهي قنبلة جوية من القنابل العنقودية غير الموجهة (سقوط حر) تزن 1,000-رطل (450 كـج)، والتي تستخدمها القوات الجوية الأمريكية. وبحسب تقارير البنتاجون فإنه سيتم توريد قذائف من عيار 155 ملم، حيث تحتوي كل قذيفة مدفعية من هذا النوع على 88 ذخيرة صغيرة (قنيبلة)، وكل ذخيرة صغيرة، بدورها، لها نصف قطر دمار يبلغ 10 أمتار، ويمكن إطلاقها من المدافع الأمريكية والفرنسية والألمانية.
أما من حيث طريقة الاستخدام فهناك أنواع متعددة الأهداف من القنابل العنقودية، فمنها المضاد للأفراد، ومنها المضاد للمدرعات والمركبات، ومنها ذو زمن تأخير عشوائي في التفجير. وتتعدد وسائل الاستخدام، فمنها ما يطلق بالمدفعية، ولكن أغلبها يُقذف من الطائرات. كذلك تعتبر معظم أنواع القنبلة العنقودية غير موجهة، بمعنى أنها تستعمل ضد أهداف في منطقة بصفة عامة (ضرب مساحي)، حيث تحدث القنابل الصغيرة عند انفجارها أضرارًا وإصابات في مساحة واسعة، وبإمكان شحنة المتفجرات اختراق مدرعة يبلغ سمكها حوالي 17 سمم، ويصل طول نصف قطر المساحة التي يغطيها الانفجار إلى 76 م، ويحتوي أحد أنواع القنابل العنقودية على قنابل صغيرة تنجذب نحو الحرارة، حيث تنطلق تلقائيًا نحو العربات والمركبات العسكرية، وتستخدم أنواع أخرى من القنابل العنقودية لنشر الألغام الأرضية.
ثالثًا: تسليح “كييف” بالقنابل العنقودية
ترى بعض التقديرات العسكرية الأمريكية أن واشنطن تريد بهذه الطريقة حل مشكلة “نقص القذائف” في القوات المسلحة الأوكرانية، بغض النظر عن المسار الحالي للهجوم، حيث لم يعد لدى كييف إنتاجها الخاص من ذخيرة المدفعية، ولا تستطيع دول الاتحاد الأوروبي بسرعة زيادة المعروض من القذائف التقليدية أيضًا. كما أن لدى الولايات المتحدة مخزونًا كبيرًا منها، والآن أوشك عمرها الافتراضي على الانتهاء، ومن ثم قررت الإدارة الأمريكية تقديمها كدعم لأوكرانيا عوضًا عن إتلافها، وأن القرار اتخذ بالرغم من الخسائر التي ستقع في صفوف المدنيين. خاصة وأن دخول الذخائر العنقودية بشكل عام إلى ساحة الحرب الروسية الأوكرانية ليس جديدًا.
وفي ضوء ذلك، من المتصور أن إمداد واشنطن لكييف بالقنابل العنقودية يرجع إلى سببين، الأول: يتعلق بنقص شديد في الإمدادات بقذائف المدفعية الغربية، ومن ثم تعتبر بديلًا لتعويض النقص، أما السبب الثاني: فيتعلق بالأحكــام الــواردة في المــادة 21 من اتفاقية الذخائر العنقودية (العلاقات مع الدول غير الأطراف في الاتفاقية)، بشأن التعامــل بــين الــدول الأطــراف والــدول غــير الأطــراف في الاتفاقيــة، ولا سـيما في عمليـــات يقـــوم بهــا تحــالف بــين عــدة بلــدان، مما يحتم “فرضية” إعلان الولايات المتحدة عن تزويد أوكرانيا بذلك السلاح المحرم دوليًا.
لكن في المقابل لذلك، فعلى الأرجح لن تساعد تلك القنابل العنقودية كييف على تغيير ميزان القوى بسبب نقص تدريب القوات المسلحة الأوكرانية ونقص الخبرة المناسبة. ورغم أن الذخائر العنقودية قوية بالفعل، لكنها في حد ذاتها لن تغير ميزان القوى في الصراع لصالح أوكرانيا. بالإضافة إلى ما سبق فإن معارضة بعض الدول الغربية لتسليح أوكرانيا بقنابل محرمة دوليًا، رغم علمهم بنقص الذخيرة لدى أوكرانيا، ومعارضة الولايات المتحدة في ذلك، له دلالة على عدم الانصياع المعهود للقرارات الأمريكية.