تعقد قوى الحرية والتغيير على مدار يومي 24 و25 يوليو اجتماعًا بالقاهرة، ضمن جولة إقليمية بدأتها من أوغندا في الثالث من يوليو، شملت كلًا من جنوب السودان وتشاد والسعودية. وتأتي تلك الجولة في سياق مساعي قوى الحرية والتغيير للبحث عن فرص وقف إطلاق النار، والبحث في مستقبل المفاوضات السياسية وعملية بناء السلام.
وتحمل تلك التحركات دلالات مرتبطة بموقف القوى المدنية من شكل التسوية التي يفترض أن تتم، ومستقبل وحدود دور المكون المدني في قيادة العملية السياسية وفق رؤيته وشروطها. وفي هذا السياق، يمكن النظر إلى تلك الجولة من خلال السياق والأهداف التي تجري في إطارها على النحو التالي.
جولة إقليمية
في الثالث من يوليو بدأت القوى المدنية جولتها والتي ضمت عددًا من ممثلي الأحزاب السياسية والحركات، ضمت كلًا من: الهادي إدريس، والطاهر حجر، ومحمد الفكي سليمان، وإبراهيم الميرغني، بجانب محمد حسن التعايشي. كذلك، يضم الوفد وزير العدل في حكومة عبد الله حمدوك المقالة، ونصر الدين عبد الباري، ورئيس الحركة الشعبية التيار الثوري ياسر عرمان، والقيادي في تجمع المهنيين السودانيين طه عثمان إسحاق، والقيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي إبراهيم الميرغني، ووزير شئون مجلس الوزراء في حكومة حمدوك والقيادي في حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف، والأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير.
وقد بدأت الجولة من أوغندا حيث مقابلة الرئيس الأوغندي الذي أكد استعداد بلاده للوساطة من أجل إيجاد حل، على أن أسس الحل تكمن في الوقف الفوري للحرب، والوصول إلى حكم مدني ديمقراطي، وبناء جيش موحد ومهني، والمصالحة بين جميع المكونات السودانية، مع تأكيده أهمية الدور الأفريقي في الحلّ.
وقد انقسم الوفد إلى فرق، منهم من ذهب إلى السعودية، ومن ذهب إلى تشاد وكينيا وجنوب السودان حتى الوصول إلى محطة القاهرة، التي أكدت الحرية والتغيير على أهمية الدور الذي تلعبه مصر ودول الجوار في البحث عن فرص للحل، نظرًا للروابط والتداعيات المشتركة التي تطال الجميع.
مساعي السلام
سعت قوى الحرية والتغيير والقوى المدنية بشكل عام للخروج عن حالة الحياد والصمت التي التزمت بها في بداية الصراع، والذي تسبب في اتهامها بالانحياز لأحد طرفي الصراع، وخصوصًا الدعم السريع، نظرًا لموقف القوى المدنية من استمرار قيادة المؤسسة العسكرية للمرحلة الانتقالية والعملية السياسية، بما يجهض أية محاولات مستقبلية للتحول الديمقراطي.
ونظرًا لإخفاق طرفي الصراع في التوصل إلى أية تسوية تسهم في وقف إطلاق النار وتيسير إيصال المساعدات الإنسانية، ومن ثم استكمال العملية السياسية والانتقالية المتعثرة، وتعثر المبادرات الإقليمية سواء مباحثات جدة أو مبادرة الإيجاد التي تحفظ عليها المجلس السيادي؛ تبدو أهمية الضغط الذي قد تمارسه القوى المدنية لحمل الطرفين على الالتزام بصيغة للتسوية، سواء بالعودة لمباحثات جدة والالتزام بمخرجاتها، أو يجاد تسوية مرضية بديلة، مع انحياز القوى المدنية لمبدأ الحلول الأفريقية.
ونظرًا لأن كافة التدخلات الدبلوماسية ركزت على طرفي الصراع، تحاول قوى الحرية والتغيير إعادة التموضع ضمن المشهد السياسي، حتى لا يتم تهميشها في أية جهود للتسوية، خاصة مع بروز توجه أمريكي لإشراك القوى المدنية في أية حوار سياسي مستقبلي باعتباره الضامن لمستقبل التحول الديمقراطي، بعد ضمان توقف الصراع، فإن تحركات القوى المدنية الراهنة يمكن النظر إليها من منظور السعي عن ضمانات لإشراك القوى المدنية في أية تسوية مستقبلية.
ونظرًا للمبادرات العديدة المطروحة حاليًا على الساحة من قبل العديد من القوى المدنية، فإن توحيد مواقف القوى المدنية يبدو ذات أهمية، نظرًا لحالة الانقسام السابقة التي ساهمت في تعقيد المشهد في نهاية المطاف. وقد أعلنت الحرية والتغيير عن سعيها للقاء القوى والمجتمع السوداني المقيم بالقاهرة لمناقشة المواقف والآراء مما يحدث، في الوقت الذي تبحث فيه قوى المجتمع المدني ولجان المقاومة في الداخل مستقبل المرحلة الانتقالية وتناقش قضايا ما بعد الصراع مثل مستقبل النظام الفيدرالي في البلاد والعدالة الانتقالية وإعادة توزيع الموارد وغيرها من القضايا التي كانت محل جدل بين مختلف القوى مما أفضى لمشهد الصراع في نهاية المطاف.
اجتماع القاهرة
يأتي اجتماع القوى المدنية السودانية في القاهرة مكملًا لما بدأ في 13 يونيو من استضافة القاهرة لقمة دول جوار السودان، كمبادرة مطروحة من دول الجوار لإيجاد صيغة مرضية لكافة الأطراف، في ضوء القيود المفروضة على الرؤى البديلة وفي ضوء سعي المبادرة لضم كافة دول الجوار الأفريقي. وتساهم اجتماعات الحرية والتغيير في القاهرة في توسيع مساحة اشتراك القوى المدنية في التفاعلات الرامية لوقف الحرب، بما يسهم في بناء رؤية مشتركة للسلام، خاصة وأن قمة دول الجوار تسعى لبناء سلام مستدام وطرح رؤى مشتركة أبعد من مجرد وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية.
ولتعزيز هذه الرؤى كان من الأهمية عقد حوار وطني جامع بين كافة القوى، وهو ما كانت تسعى إليه قوى الحرية والتغيير في وقت سابق على اندلاع الصراع، خاصة مع حالة الانقسام التي اعترت كافة القوى السياسية. وجاءت كافة المبادرات المطروحة لترسم خارطة طريق لما بعد وقف إطلاق النار، تستند بالأساس على الحوار وإشراك القوى المدنية في رسم مسار المستقبل، ومن هذا المنطلق تبدو أهمية إفراد مساحات للقوى المدنية للتعبير عن موقفها من شكل التسوية، في الوقت الذي تبدو فيه الحاجة لأهمية تحقيق قدر من التوافق حول القضايا الخلافية التي مثلت أحد عوامل الخلاف في السابق وأدت لانقسام القوى السياسية وإلى محاولات التهميش والإقصاء.
ويمكن البناء على مخرجات قمة دول الجوار السوداني التي اشتملت على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار. وتأتي هذه المحاولة لتضاف إلى الجهود المصرية في الانفتاح والتواصل مع كافة القوى المدنية، كخطوة تمهيدية لتحقيق تواصل وتوافق أكبر مع المكون العسكري، في ضوء الحديث عن التقاء نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بالوفد في القاهرة، وأيضًا بعدما استضافت القاهرة في فبراير الماضي ورشة القاهرة للحوار السوداني – السوداني، التي حضرتها قوى الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، بينما تغيب فصيل المجلس المركزي عن الحضور، مما يجعل الاجتماع الراهن فرصة مناسبة لبناء توافق غائب بين التيارات والقوى المدنية المختلفة.في الأخير، قد يوفر اجتماع القاهرة لقوى الحرية والتغيير منصة وانطلاقة مهمة لمزيد من التواصل مع كافة القوى السياسية لتوحيد الرؤى والمواقف من جهة، وفرصة للوسطاء للبناء على ما سبق من مخرجات تقتضي تطوير العملية السياسية لما هو أبعد من وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية.