لطالما كان تقييم نتاج الأبحاث العلمية التي يتم نشرها من قبل العلماء والباحثين مثار تساؤل بين المهتمين بهذا الشأن حول جودتها وفائدتها، خاصةً وأن الأبحاث العلمية تعد أولى الخطوات في عملية التطوير التي تتبناها الدول والمؤسسات الدولية الرامية إلى تعزيز مكانتها في مجال الابتكار. وقد تم تطوير مؤشر هيرش المعروف في الأوساط العلمية بما يسمى H-Index كأحد المقاييس التي استخدمها العلماء في قياس جودة الأبحاث العلمية المنشورة، وفي تقييم أداء الباحثين ومؤسسات التطوير والبحث العلمي والدول في المجالات ذات الصلة بالابتكار. فكيف يبدو الوضع العالمي في هذا المجال، وما هو موقع مصر منه؟.
عن مؤشر هيرش
مؤشر هيرش هو أحد معاملات قياس قوة إنتاجية الباحث وتأثير أوراقه البحثية المنشورة، والذي قد تم اقتراحه للمرة الأولى عام 2005 من قبل عالم الفيزياء الأرجنتيني الأصل جورج هيرش، حيث وضع معاملاً لقياس عدد البحوث التي نشرها الباحث وعدد مرات اقتباس تلك البحوث في بحوث الآخرين، بحيث إنه كلما زادت نسبة الاقتباس كلما اعتبر ذلك زيادة في تأثير الباحث. ويرجع سبب وضعه لهذا المؤشر إلى عمله بلجان تقييم إنجازات الباحثين المرشحين للمناصب في جامعته، والتي كانت تُمنح بها الدرجات والتقدير لأمور ذاتية مثل خطابات التوصية بدلاً من الأمور الموضوعية المتعلقة بالبحث العلمي.
سرعان ما جذب المؤشر اهتمام المجتمع العلمي، حيث تبنته مجلات علمية مرموقة مثل مجلتي Nature وScience البارزتين، حيث وجدت فيه طريقة موضوعية لتقييم جودة الأبحاث المنشورة ومقدار إسهام كل باحث في تطور المعرفة في مجاله، وذك من خلال وضع قيمة برقم واحد (يرمز له بالرمز h) وهو رقم ليس ثابتًا، بل إنه يتزايد مع تزايد عدد الأبحاث التي تم نشرها أو مع تزايد عدد مرات اقتباسها. كما جذبت فكرة تصنيف العلماء برقم واحد بناءً على عدد مرات النشر والاقتباس انتباه محرري الأخبار العلمية، وأصبح يُنظر إلى مؤشر هيرش كمؤشر موضوعي لتقدير التأثير التراكمي لإسهامات الباحثين(.
وقد أدى تزايد ثقة العلماء في هذا المؤشر إلى اعتماده من قبل مؤشر الابتكار العالمي كأحد مؤشرات مخرجات المعرفة والتكنولوجيا المتعلقة بخلق المعرفة ليقدم نظرة عامة عن مخرجات البحث العلمي الدولي)(. وامتد تأثير المؤشر ليشمل تقييم اقتباس براءات الاختراع، وذلك بعد أن نشرت جامعتا فودان وبكين الصينيتان بحثًا مشتركًا عام 2009 عن قدرة مؤشر هيرش على تقييم الأهمية والجودة التكنولوجية لبراءات الاختراع وتأثيرها. حيث استندت تلك الورقة البحثية إلى دراسة تحليلية لعينة من أكبر 20 شركة على مستوى العالم حصلت على براءات الاختراع نتيجة أنشطة البحث والتطوير في مجال صناعة أشباه الموصلات في الفترة ما بين عامي 1996-2005)(.
اللاعبون الرئيسيون في مؤشر هيرش
وفقاً لتصنيف SCImago Journal لعام 2022، وهو مؤشر مفتوح يتم إصداره من قبل مجموعة SCImago لتصنيف المجلات العلمية المدرجة بقاعدة سكوبوس (Scopus)؛ تعتبر الصين والولايات المتحدة الأمريكية والهند وبريطانيا اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال. حيث تأتي الصين في مقدمة الدول ذات التأثير في مخرجات البحث العلمي من حيث النشر ونسبة الاقتباس بإجمالي 1009891 بحثًا منشورًا وبعدد اقتباسات بلغت 1153104، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بإجمالي 702840 بحثًا و735027 اقتباسًا، تعقبها كل من الهند وبريطانيا بواقع 275367 و236145 بحثًا منشورًا و252555 و308133 اقتباسًا على التوالي. وتتبادل تلك الدول الأدوار فيما بينها في مجالات الأبحاث التطبيقية المنشورةـ وإن كانت الصين تتربع على عرش الدراسات الخاصة بمجال الذكاء الاصطناعي ودراسات المواد الحيوية دون منازع.
أما عن الدول العربية، فتأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة 18 دوليًا والأولى عربيًا بإجمالي 58712 بحثًا و105776 اقتباسًا. بينما تأتي مصر في المرتبة 24 دوليًا والثانية عربيًا بإجمالي 44219 بحثًا و65869 اقتباسًا، ولتتصدر بذلك الرقم قائمة الدول الأفريقية تتبعها دولة جنوب أفريقيا التي أتت في المرتبة 30 عالميًا بإجمالي 34268 بحثًا و42967 اقتباسًا.
وعند تحليل الوضع المصري في مؤشر هيرش، نجد تحسنًا ملحوظًا في الأداء العام لمؤشر هيرش، حيث زادت نسبة الأبحاث القابلة للاقتباس (وهي الأوراق البحثية المنشورة التي تقدم مساهمة جوهرية في مجال بحثي معين، ومن المرجح أن يتم الاستشهاد بها في أبحاث أخرى) إلى 42493 عام 2022 مقابل 1726 بحثًا غير قابل للاقتباس في العام ذاته. كما سجلت نسبة الاقتباسات الخارجية 79.06% مقابل 20.94% للاقتباس الذاتي. وأما عن المجالات البحثية، فقد تزايد إنتاج الباحثين المصريين في العلوم التطبيقية خلال السنوات القليلة الماضية عن العلوم النظرية، حيث ارتفعت نسبة الأبحاث المنشورة في مجال الزراعة والعلوم الحيوية من 685 عام 2008 إلى 5080 عام 2022، وكذلك أبحاث الكيمياء الحيوية وعلم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية من 720 عام 2008 إلى 5687 عام 2022. ويستحوذ الطب على نصيب الأسد في عدد الأبحاث العلمية المنشورة عام 2022 بعدد 13491 بحثًا يليه قطاع الهندسة بواقع 8677 بحثًا)(. ويأتي هذا التحسن تزامنًا مع ارتفاع مخصصات الإنفاق في البحث العلمي والتي سجلت ارتفاعًا تدريجيًا ما بين عامي 2016-2022 من نحو 2.8 مليار جنيه إلى 4.5 مليارات جنيه على التوالي، ويتوقع أن تصل إلى 5 مليارات جنيه في موازنة عام 2022/2023، وإن كانت تلك المخصصات -في مجملها- تمثل نسبة أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي)(.
العلاقة بين المؤشر والإنفاق
أثارت البيانات الخاصة بأداء الدول الكبرى بمؤشر هيرش ومدى قدرتها على الإنفاق تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين مستوى الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير والأداء العام في مؤشر هيرش، وأصبح هذا الموضوع محل بحث للعديد من الباحثين المهتمين بالاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بتعزيز المكانة العلمية للدول.
ففي إحدى الدراسات التي نشرتها جامعة بونجاب بالهند عام 2016، والتي عنيت بتوضيح الارتباط بين مستوى الإنفاق على البحث العلمي وتحسن الأداء في مؤشر هيرش من خلال المقارنة بين دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) والولايات المتحدة والمملكة البريطانية وفرنسا وكندا، تبين أن هناك علاقة إيجابية بين زيادة نسبة الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير من إجمالي الناتج المحلي وزيادة عدد الأبحاث المنشورة التي يتم إنتاجها. لكن ذلك لا يعني بالضرورة زيادة نسبة اقتباس هذه الأوراق وجودتها. لذا، فإن قدرة الباحث على نشر ورقة بحثية جيدة يبقى هو حجر الأساس في تحسن تصنيف الدولة في مؤشر هيرش)(. ولعل هذا ما يفسر حصول الهند على المركز الثالث عالميًا في مؤشر هيرش رغم انخفاض نسبة إنفاقها على البحث العلمي إلى 0.66% من إجمالي الناتج المحلي. كما لا يعني تحسن أداء الدولة في مؤشر هيرش وتحسن مستوى إنفاقها على أنشطة البحث والتطوير، بالضرورة تحسن أدائها في مؤشر الابتكار العالمي. فعند دراسة نسبة إنفاق الدول التسع المطروحة من قبل البحث السالف ذكره بالإضافة إلى مصر، يمكن ملاحظة أنه بالرغم من حصول الصين على المركز الأول في مؤشر هيرش لكنها تحتل المرتبة رقم 11 في مؤشر الابتكار العالمي رغم وصول نسبة إنفاقها إلى 2.55%، وكذلك روسيا التي تحتل المرتبة 47 بمؤشر الابتكار رغم حصولها على المركز الثاني عشر بمؤشر هيرش وتخصيصها نسبة 1.098% من الإنفاق.
وما يفسر هذا التفاوت بين المؤشرات الثلاثة هو اعتماد الابتكار على عناصر أخرى، إلى جانب الإنفاق وفاعلية الأوراق البحثية المنشورة، تتعلق برأس المال البشري والمؤسسات والبنية التحتية للدولة، بالإضافة إلى مدى جودة الأفكار المقدمة من نتاج البحث العلمي مع توفر الإرادة لتحويل تلك الأفكار إلى مشاريع وشركات ناشئة وإتاحة موارد تمويلها.
الدولة (وفقًا لترتيب مؤشر هيرش) | التصنيف في مؤشر هيرش | التصنيف في مؤشر الابتكار العالمي | نسبة الإنفاق بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي 2021 (%) |
الصين | 1 | 11 | 2.55 |
الولايات المتحدة | 2 | 2 | 3.45 |
الهند | 3 | 40 | 0.66 |
المملكة المتحدة | 4 | 4 | 1.71 |
فرنسا | 6 | 12 | 2.21 |
كندا | 9 | 15 | 1.6 |
روسيا | 12 | 47 | 1.098 |
البرازيل | 14 | 54 | 1.2 |
مصر | 24 | 84 | 0.96 |
جنوب أفريقيا | 30 | 61 | 0.62 |