ترتبط العلاقات الأمريكية التايوانية ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات مع الصين، وبالتالي تفسر الأخيرة أي خطوة في أي نوع من العلاقات بينهما على أنها تهديد صريح لها، وبالرغم من ذلك تشهد العلاقات الاقتصادية التجارية بين الولايات المتحدة وتايوان تطورًا سريعًا كان آخرها توقيع الولايات المتحدة اتفاقًا تجاريًا مع تايوان الشهر الماضي، والتي تعد أول اتفاقية تجارية رسمية بين تايبيه وواشنطن منذ تولي الرئيس الأمريكي الحالي الرئاسة، في خطوة أظهرت تزايد توطيد العلاقات الاقتصادية التجارية الثنائية بين الجزيرة والولايات المتحدة الأمريكية.
أولًا: تاريخ العلاقات الأمريكية التايوانية
ترجع خلفية العلاقات التايوانية الأمريكية منذ عام 1978 عندما أعلنت الأخيرة عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع تايوان واعترافها بأن الصين هي الحكومة الشرعية الوحيدة، وبالرغم من ذلك حافظت الولايات المتحدة على علاقات غير رسمية مع الجزيرة إلا أنها اتسمت بالقوة، وفي عام 1979 أصدر الكونجرس قانون العلاقات مع تايوان والذي اعتبر حجر الزاوية الذي رسم العلاقات فيما بينهما.
ويقوم القانون على تعهد الولايات المتحدة بدعم تايوان في تحقيق القدرة الكافية للدفاع عن نفسها من خلال توفير المواد والخدمات الدفاعية اللازمة، إلا أنها لم تنصّ على اتفاقية دفاعية كتلك التي أبرمتها الولايات المتحدة مع اليابان وكوريا الجنوبية على سبيل المثال، وإنما اتسمت سياسة الولايات المتحدة مع تايوان بـ”الغموض الاستراتيجي” حول ما إذا كانت ستدافع عن تايوان إذا وقع هجوم عليها من الصين.
وأصبحت تايوان شريكًا مهمًا للولايات المتحدة في مختلف المجالات كالتجارة والاستثمار والصحة وأشباه الموصلات وغيرها، في ظل توقيع المعهد الأمريكي في تايوان الاتفاق الإطاري للتجارة والاستثمار مع مكتب تايبيه الاقتصادي والثقافي في الولايات المتحدة كإطار استراتيجي للحوار عام 1994، وتأمل تايوان في تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة عبر الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ الذي أعلنه الرئيس الأمريكي “بايدن” في قمة شرق آسيا 2021 والذي ضم 12 دولة بهدف تعميق العلاقات الاقتصادية بين الأطراف المشاركة والحد من النفوذ المتزايد للصين.
ثانيًا: دوافع اهتمام الولايات المتحدة بتايوان
أدت نهاية الحرب الباردة وصعود الصين كقوة على الساحة الدولية في السنوات الأخيرة إلى مراجعة الولايات المتحدة حساباتها فيما يتعلق بتايوان، وتواصل الولايات المتحدة الاهتمام بتايوان لعدة أسباب على رأسها:
- على المستوى الاستراتيجي: بالرغم من أن الولايات المتحدة تبتعد آلاف الأميال عن تايوان، إلا أن مصير الجزيرة ستكون له تداعيات على أمن الولايات المتحدة وقوتها، إذ إن للولايات المتحدة مصالح استراتيجية حيوية على المحك في مضيق تايوان بجانب تخوفاتها المتعلقة بصعود قوة مهيمنة إقليمية، إذ تقع تايوان في نقطة حرجة ضمن سلسلة جزر رسخت الولايات المتحدة دعائم وجودها فيها من اليابان مرورًا بالفلبين وحتى بحر جنوب الصين، وفي الوقت الذي تخشى فيه المنطقة من الصراع العسكري بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، إلا أن انسحاب الولايات المتحدة من تايوان إما بشكل صريح أو من خلال التنازل عن سياستها طويلة الأمد تجاه تايوان يعني تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة لصالح الصين، وهو ما يعني رسم شكل جديد لملامح النظام العالمي، وتحولًا في ميزان القوى الإقليمية وربما العالمية.
- على المستوى الاقتصادي: تُعد الإنجازات الاقتصادية التي حققتها تايوان سببًا هامًا في اهتمام الولايات المتحدة بها، ويعتمد اقتصاد تايوان على مزيج من الخدمات والتصنيع والتكنولوجيا، ونجحت الجزيرة أيضًا في جذب الاستثمار الأجنبي، على الرغم من الضغوط الشديدة من الصين، فضلًا عن التأثير الشديد لجائحة كورونا على الاقتصاد التايواني إلا أنه ظل قويًا ومستقرًا نسبيًا وإن كان مع بعض التباطؤ في نمو الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة.
ويُعزى النجاح الاقتصادي لتايوان إلى تصنيع شركاتها ما يقرب من 70% من أشباه الموصلات في العالم وحوالي 90% من الرقائق الأكثر تقدمًا، وبالتالي إذا فقد العالم قدرة تايوان الإنتاجية فلن تتمكن أي شركة أخرى من سد الفجوة على المدى القصير مما سيؤدي إلى نقص في كل منتج تقريبًا يحتوي على التكنولوجيا، ابتداءً بالهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر وانتهاءً بصناعة السيارات.
ثالثًا: العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين
كانت التجارة الأمريكية مع تايوان مستقرة جدًا خلال السنوات القليلة الماضية، على عكس العلاقات التجارية مع الدول الأخرى، وتعد تايوان واحدة من أكبر عشر شركاء تجاريين للولايات المتحدة، إذ تلعب تايوان دورًا رئيسيًا في سلاسل التوريد لمجموعة متنوعة من الصناعات. وفي عام 2022 كانت الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لتايوان في البضائع السلعية، كما كانت ثالث أكبر مصدر لتايوان بقيمة 46 مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى ثاني أكبر وجهة للصادرات بقيمة 75 مليار دولار أمريكي، وبشكل عام تعد تايوان مصدرًا رئيسيًا لواردات الولايات المتحدة من المحركات البحرية 21% والحديد والصلب 20%، وملحقات الكمبيوتر 16%، وأشباه الموصلات 14%.
وفي المقابل، تعد تايوان وجهة رئيسية للصادرات الأمريكية من السفن التجارية 28%، والخشب والزجاج والبلاستيك 11%، والملابس العسكرية 10%، وهناك أيضًا طلب متزايد على النفط الخام الأمريكي في تايوان، إذ يبلغ إجماليه حوالي 2% من إجمالي الصادرات الأمريكية، فضلًا عن صادراتها لتايوان من الأسلحة. وفيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر فقد بلغت الاستثمارات الأمريكية في تايوان 13% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر، وبلغت قيمة الاستثمارات التايوانية في الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار، وشهد عام 2022 إطلاق حوار اقتصادي بين الولايات المتحدة وتايوان لتعزيز وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين، ومؤخرًا توجت العلاقات بين الطرفين بتوقيع تايوان أول اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية فيما بينهما.
وأخيرًا، لابد من الإشارة إلى ما تحمله التحركات الأمريكية تجاه تايوان بشكل عام من استخدامها للأخيرة كورقة لتحقيق مصالحها وللضغط على طموحات الصين التوسعية، وفي نفس الوقت تتعامل الصين مع تايوان على أنها مقاطعة منشقة يجب ضمها للصين، وتفسر الصين أي تطور في العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان على أنها نذير شؤم لها، وبالتالي يواجه أي تطور في العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان معارضة شديدة من الصين وتعتبره تعديًا سافرًا على حقوقها في الجزيرة.