أحدث الانقلاب العسكري في النيجر مجموعة من التطورات المتسارعة سواء على مستوى الأوضاع الداخلية أو موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وما أبدته من احتمالية استخدام القوة والتدخل العسكري. ومع تباين مواقف دول الجوار حيال ذلك، في ظل تصاعد الضغوط مع انتهاء مهلة السبعة أيام (7 أغسطس 2023) للعودة إلى الحكم المدني أو مواجهة التدخل العسكري، في ظل عدم تحديد موعد نشر قوة التدخل العسكري، ضمن هذا السياق سيتم توضيح خلفية عملية التدخل العسكري، وحجم قوات الجيوش في غرب أفريقيا، وتداعيات التدخل العسكري على المنطقة ككل.
عملية التدخل العسكري وحجم القوة العسكرية لإيكواس
تعددت سوابق التدخل العسكري لمنظمة “إيكواس”، حيث نشرت قوة لحفظ السلام والاستقرار في غينيا بيساو بحوالي 600 جندي من نيجيريا والسنغال وساحل العاج وغانا في أعقاب المحاولة الانقلابية في فبراير 2022، ولا يزال حوالي 2500 جندي من السنغال وغانا ومالي وتوجو ونيجيريا يشاركون في عمليات حفظ السلام في جامبيا. ضمن هذ السياق، قامت المجموعة بتنفيذ عملية حفظ سلام إقليمية عُرفت باسم قوات مجموعة المراقبة التابعة لإيكواس (ECOMOG) والتي قادتها نيجيريا في التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين للمساعدة في استعادة الأنظمة في العديد من دول المنطقة، مثل ليبيريا عندما تم نشر القوات لأول مرة عام 1990 خلال الحرب الأهلية، وفي سيراليون عام 1997 عندما أُطيح بحكومة “أحمد تيجان كبه” كحكومة منتخبة ديمقراطيًا. وفي ديسمبر 2022، أعلنت المجموعة عن تشكيل قوة إقليمية للتدخل في حالات الانقلابات والتغييرات غير الدستورية للسلطة، ومكافحة الجماعات الإرهابية، لكن لم يتم الحديث عنها مجددًا.
ومن حيث الأعداد، إذا قررت المجموعة نشر قوات في النيجر، فإن عددهم سيكون أكبر من 7000 فرد وهو حجم القوة متعددة الجنسيات التي أُرسلت لجامبيا عام 2017، وسيعتمد التدخل في النيجر بشكل كبير على نيجيريا التي تضم عدد كبير من القوات بالإضافة إلى الطائرات المقاتلة الحديثة والمروحيات المسلحة، واعتبارات أخري مثل الحدود المشتركة. وسيعتمد نجاح مثل هذا التدخل العسكري على مدى قدرة المجموعة على التنسيق بين أعضائها ومع الهيئات الخارجية مثل الاتحاد الأفريقي، في ظل عدم التوافق حول المهلة المقررة للمجلس العسكري في النيجر.
لكن، توجد قيود مالية على كيفية تنفيذ الخدمات اللوجستية والتمويل لقوة التدخل العسكري، مما يترك المجال مفتوح للدعم الغربي. كما يعتبر أي تدخل عسكري عبر البر مقيدًا إلى حد كبير بحدود نيجيريا التي يبلغ طولها 1600 كم مع النيجر، حيث سيتعين على قوة تدخل قادمة برًا من نيجيريا عبور منطقة معظمها غير مأهولة والتي تستضيف أكثر من 200000 لاجئ فروا من العنف في شمال نيجيريا. فضلا عن مخاطر اتساع الحرب بين دول الجوار، وصعوبة وصول قوة التدخل إلى القصر الرئاسي دون الإضرار بالرئيس “بازوم”. لذلك، كل هذه العوامل ستعقد أي قرار تتخذه إيكواس لاستخدام القوة لإعادة “بازوم” إلى السلطة.
تداعيات التدخل العسكري
يظل احتمال التدخل العسكري قائمًا من قبل مجموعة إيكواس، كمحاولة لإثبات قدرتها على ردع ظاهرة “العدوى الانقلابية” التي اجتاحت دول المنطقة منذ عام 2020، في ظل فشل المحاولات الدبلوماسية لحل الأزمة، والإخفاقات المتكررة في التوصل إلى جداول زمنية محددة لإجراء الانتخابات في دول مثل مالي وبوركينافاسو وتشاد وغينيا كونكاري، مع رغبة الرئيس النيجيري الجديد “بولا تينوبو” في استعادة قيادة نيجيريا لدول الإقليم. لكن قواتها قاتلت المتمردين بناءً على دعوة من الحكومات المعنية.
وتعتبر أحدث سابقة لتدخل إيكواس عسكريًا في جامبيا عام 2017، مع رفض الرئيس “يحيى جامع” نتيجة الانتخابات، لكن يختلف التدخل العسكري في النيجر هذه المرة، حيث يبلغ عدد سكان النيجر 25 مليون نسمة، وهي ثاني أكبر دولة في غرب أفريقيا من حيث المساحة، وتمتد على أكثر من 1.26 مليون كيلومتر، أي مائة مرة من دولة جامبيا. كما أن رد فعل المجموعة لم يكن بالإجماع، وهذه المرة الأولى التي تواجه فيها انقسامًا بين الدول الأعضاء، وتشكل تحديًا خطيرًا لقوتها الإقليمية، في ظل اختلاف السياقات الإقليمية وتغير شكل التحالفات الدولية في دول المنطقة.
يأتي ذلك، مع تباين مواقف الدول بشأن التدخل العسكري؛ إذ أعلنت كل من مالي وبوركينافاسو دعم المجلس العسكري في النيجر، واعتبار التدخل بمثابة إعلان حرب ضد البلدين، وجاء موقف غينيا متوافقًا مع ذلك. في حين حذرت الجزائر من تداعيات التدخل، وأكدت تشاد على عدم رغبتها في التدخل. بينما أعلنت نيجيريا والسنغال وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وبنين، الاستعداد للتدخل العسكري في النيجر، لكن رفض مجلس الشيوخ النيجيري هذه الخطوة باعتبارها غير محسوبة، مع تأكيده على الخيار السلمي وإعادة النظر في خطة التدخل. علاوة على ذلك، نفت فرنسا أية محاولة للتدخل، وحذرت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من مخاطر التدخل العسكري.
كما سيتيح التدخل العسكري الفرص لتفاقم التوترات الإثنية العابرة للحدود، حيث تشترك سبع ولايات (سوكوتو وكيبي وكاتسينا وزامفارا وجيجاوا ويوبي وبورنو) في شمال نيجيريا في الحدود مع جنوب النيجر، وتتمتع بروابط اجتماعية وتجارية من خلال العديد من العادات الثقافية والدينية واللغوية، واستخدام لغة الهوسا في كلا المنطقتين كأحد القواسم المشتركة بين البلدين.
بالإضافة إلى ذلك، ستزداد المخاطر الأمنية الإقليمية إذا أصبحت النيجر منطقة غير مستقرة كما حدث في مالي وبوركينافاسو وليبيا، بسبب الدور الاستراتيجي للنيجر في محاربة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، في ظل تحديات منطقة غرب أفريقيا من العنف المرتبط بالجماعات الإرهابية الذي يشمل تنظيم داعش – ولاية غرب أفريقيا، وتنظيم بوكو حرام، وتنظيم داعش الصحراء الكبرى – ولاية الساحل، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة. علاوة على المشكلات الداخلية في دول المنطقة. كما سيؤدي زعزعة الاستقرار الإقليمي إلى زيادة تهديدات البنى التحتية الاستراتيجية الخاصة بمشروعات الطاقة وإمدادات الغاز في النيجر والدول المجاورة، وتزايد تدفقات موجات الهجرة جراء تداعيات الانقلاب إلى الحدود الجنوبية للدول الأوروبية.
حاصل ما تقدم، يمكن القول إن التدخل العسكري ستكون له ارتدادت خطرة على دول المنطقة ككل، مع تفاقم مخاطر السيولة الأمنية، وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية، وتصاعد أنشطة العصابات الإجرامية، واحتمالية تحوّل المنطقة لمسرح حرب إقليمية واسعة النطاق، تزيد من عدم الاستقرار الإقليمي، وتُفاقم حدة الأزمات الإنسانية والاقتصادية.