في أعقاب الانقلاب الذي شهدته النيجر، في 26 يوليو، أعلن شركاء النيجر الإقليميون والغربيون سلسلة من العقوبات ضد البلاد، في محاولة للضغط لإنهاء الانقلاب واستعادة النظام الدستوري بعودة الرئيس محمد بازوم إلى الحكم، حيث فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي تضم 15 دولة، في قمة طارئة لها يوم الأحد 30 يوليو، مجموعة واسعة من العقوبات الاقتصادية، إلى جانب تعليق عدد من الدول والمنظمات الدولية مساعداتها للنيجر إثر الانقلاب، مما أدى إلى تداعيات سلبية على اقتصاد النيجر، واقتصادات دول خارجية أخرى.
وقد تضمنت العقوبات التي فرضتها إيكواس وقف جميع المعاملات المالية مع النيجر، وتجميد أصول الدولة في البنك المركزي الإقليمي، وتجميد أصول مؤسسات الدولة والشركات التابعة للدولة في البنوك التجارية لدول التجمع، كما قررت القمة تجميد أصول المسئولين العسكريين الضالعين في محاولة الانقلاب، بالإضافة إلى تعليق جميع المساعدات المالية مع بنوك التنمية الإقليمية، فضلًا عن إغلاق الحدود مع النيجر، وحظر الرحلات التجارية.
يأتي ذلك بينما علقت كل من فرنسا وكندا وواشنطن والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المساعدات والقروض والدعم المالي للنيجر، بمبالغ تتخطى 2 مليار دولار.
التداعيات الداخلية للعقوبات
تتمثل أبرز التداعيات الاقتصادية للعقوبات المفروضة على النيجر في:
انقطاع التيار الكهربائي:
تعرضت مدن نيجرية رئيسية لانقطاع الكهرباء بدءًا من يوم الثلاثاء 1 أغسطس، ضمن العقوبات المفروضة من إيكواس، حيث صرحت شركة كهرباء النيجر “نيجيليك” بأن نقص الطاقة يرجع إلى قطع نيجيريا إمدادات الطاقة عن جارتها الشمالية، للضغط عليها لإعادة الرئيس بازوم. وتعتمد النيجر على نيجيريا المجاورة في إمدادها بـ70% من الكهرباء، مما سيؤثر على نطاق واسع على كل القطاعات الاقتصادية في البلاد.
احتمال التخلف عن سداد الديون:
كجزء من العقوبات الاقتصادية المفروضة من إيكواس، ألغى البنك المركزي الإقليمي إصدار النيجر لسندات بقيمة 51 مليون دولار في سوق الدين الإقليمي لغرب لأفريقيا، والذي كان مقررًا يوم الاثنين 31 يوليو، كجزء من مخطط أكبر للنيجر لجمع 834 مليون دولار من سوق الديون الإقليمية في عام 2023، مما قد يؤدي إلى تخلف النيجر عن سداد ديونها، في ظل تعليق المنح والمساعدات الخارجية.
- تخفيض التصنيف الائتماني:
شهدت حكومة النيجر تخفيض تصنيفها الائتماني إلى منطقة غير مرغوب فيها من قبل وكالة “موديز”، حيث انخفض التصنيف درجتين إلى “Caa2” من “B3″، وقالت إن خفض التصنيف جاء نتيجة العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في 30 يوليو على حكومة النيجر في أعقاب الانقلاب العسكري في 26 يوليو. وحذرت الوكالة من احتمال خفض التصنيف مرة أخرى إذا تم الإبقاء على هذه العقوبات وتصاعدت التوترات.
- تعليق تجارة النيجر الخارجية:
بلغ حجم تجارة النيجر مع دول إيكواس في عام 2021 حوالي 870 مليون دولار، وهو ما يمثل تقريبًا ربع تجارتها الخارجية، ونصف صادراتها للعالم في نفس العام، مما يعني أن النيجر تعتمد بشكل كبير على دول الإيكواس في تجارتها، وبالتالي فتعليق التبادل التجاري بين النيجر وإيكواس سيمثل ضربة كبيرة للاقتصاد النيجري، الذي يعاني صدمات متلاحقة جراء الانقلاب، ويضاعف الأثر على اقتصاد النيجر قرار إغلاق المجال الجوي للبلاد تحسبًا لأي اعتداء من دول إيكواس، وما يستتبعه من وقف الجزء الباقي من النشاط التجاري للدولة الحبيسة التي تعتمد على جاراتها في تجارتها الخارجية.
- ارتفاع أسعار السلع:
شهدت أسعار كثير من السلع الأساسية ارتفاعًا كبيرًا في أسواق نيامي خلال الأيام الماضية، بسبب العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” على البلاد، وتعليق التجارة مع دول الجوار، مما يشكل ضغطًا على شعب النيجر، ويرفع من تكاليف المعيشة في دولة يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر.
- عجز الموازنة وزيادة الفقر نتيجة لوقف المساعدات:
على الرغم من ثرواتها الهائلة تُعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم في ظل معدل فقر يبلغ حوالي 49%، وفي ظل الأزمة الحالية علق كل من فرنسا وكندا والاتحاد الأوروبي مساعدتهم للحكومة النيجرية، بما يتخطى الـ2 مليار دولار، كما تضمنت العقوبات الاقتصادية من الإيكواس تجميد المساعدات إلى النيجر، ما يتسبب في عجز كبير في ميزانية الدولة التي تعتمد في 40% من ميزانيتها على المساعدات الخارجية، وينذر بزيادة عدد الفقراء في البلاد. ولا يتوقع أن يتوقف أثر العقوبات عند هذا الحد، خاصة وأن البنك الدولي أوقف صرف الأموال لجميع عملياته في النيجر لحين إشعار آخر، وكان البنك قد أنفق في عام 2022 حوالي 1,5 مليار دولار عبر مختلف برامج المساعدة التي يوفرها، وبلغ إنفاقه منذ مطلع العام 730 مليون دولار، فضلًا عن تعليق صندوق النقد الدولي لقرض بقيمة 131.5 مليون دولار، مما يؤثر سلبًا على المشروعات التنموية في النيجر.
- تأخر العمل في خط أنابيب (النيجر-بنين):
تعمل النيجر على الانتهاء من أكبر خطّ لأنابيب النفط في أفريقيا سيربط آبار النفط في حقل أغاديم بالنيجر بميناء سيمي في بنين، وأُطلق المشروع في العام 2019، وكان من يفترض أن يكتمل عام 2022، لكن إنجازه تأخر بسبب تفشي كوفيد-19، وتهدد التطورات الأخيرة في النيجر والعقوبات المفروضة عليها بمزيد من التأخير في الانتهاء من خط الأنابيب، مما يشكل ضغطًا كبيرًا على اقتصاد الدولة التي كانت تعول على صادرات النفط لتعزيز ميزانيتها التي يَستنزف جزءًا كبيرًا منها القتالُ ضد الجماعات الجهادية في الجنوب الشرقي والغرب، في ظل انهيار عائدات اليورانيوم الذي تعتبر النيجر منتجًا رئيسيًا له، حيث من المتوقع أن يسهم المشروع عند اكتماله في زيادة إنتاج النفط من 20 ألف برميل يوميًا إلى 110 آلاف برميل يوميًا في عام 2023، و200 ألف برميل بحلول عام 2026، ليولّد بذلك ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد مقابل 4% حاليًا.
التداعيات الخارجية للعقوبات
فضلًا عن التداعيات الداخلية للعقوبات الاقتصادية على النيجر، برزت مجموعة من التداعيات الخارجية أبرزها:
- تنامي الخوف من تدفق اللاجئين والمهاجرين عبر الحدود:
تشترك النيجر في حدودها مع سبع دول أفريقية، حيث يحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينافاسو ومالي ومن الشمال كل من الجزائر وليبيا، فيما تحدها تشاد من جهة الشرق، مما جعلها ممرًا للمهاجرين واللاجئين المتجهين من غرب وجنوب القارة الأفريقية إلى دولتي الجزائر وليبيا، كخطوة للهجرة إلى أوروبا عبر المتوسط، ويتدفق عبر النيجر آلاف المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى الجزائر عبر الحدود المشتركة، كما تستقبل النيجر آلاف المهاجرين غير الشرعيين المعاد ترحيلهم إلى أفريقيا جنوب الصحراء لحين إعادتهم إلى أوطانهم، فخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023 استقبلت النيجر ما يقترب من 20 ألف مهاجر تم إعادتهم من الجزائر معظمهم من غرب أفريقيا، وتهدد ظروف عدم الاستقرار في النيجر بتدفق مزيد من المهاجرين غير النظاميين والأسلحة إلى الجزائر وليبيا عبر النيجر، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في النيجر التي ستزداد حدة بعد العقوبات الاقتصادية المفروضة على الدولة ستكون دافعًا لهجرة مزيد من الأشخاص لدول الجوار.
- تعليق العمل في خط الغاز الإقليمي بين نيجيريا والنيجر والجزائر:
أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى بحث دول أوروبا عن بديل للغاز الروسي، وبرز خط الغاز الذي يربط بين نيجيريا والجزائر عبر النيجر كبديل جيد لتصدير غاز نيجيريا إلى أوروبا، وتم توقيع اتفاقية بين الدول الثلاث في يونيو 2022، وتهدد العقوبات الاقتصادية بتأخر العمل في خط الغاز المنشود، وستكون نيجيريا الخاسر الأكبر من ذلك، فضلًا عن خسارة دول أوروبا التي تطمح في الحصول على غاز نيجيريا.
- وقف صادرات الذهب واليورانيوم:
ردًا على العقوبات المفروضة عليها، علقت النيجر صادراتها من الذهب واليورانيوم إلى فرنسا، التي تعتمد على واردات اليورانيوم من النيجر لتغطية 35% من الاحتياجات الفرنسية من اليورانيوم، ويساعد محطاتها النووية على توليد 70 في المائة من الكهرباء، مما يضع فرنسا في مأزق خاصة أنها اتخذت قرارًا استراتيجيًا بتوسيع محطاتها النووية. أما بالنسبة للذهب، فصدرت النيجر ذهبًا بقيمة 2,7 مليار دولار في عام 2021، وقد تكون وقفت تصديره في محاولة لرفع سعر المعدن وتأمين المزيد من التدفقات النقدية -فيما بعد- في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.في الختام، على الرغم من أن العقوبات الاقتصادية على النيجر تستهدف في الأساس إنهاء الانقلاب العسكري وعودة الرئيس بازوم للحكم، إلا أن الشعوب غالبًا هي التي تدفع ثمن العقوبات، وفي دولة يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر ستكون النتائج كارثية إذا استمر الوضع دون الوصول إلى حل في أقرب وقت.