تمثل بورصة السلع (Commodity Exchange) سوقًا تجارية لشراء وبيع السلع الأساسية، مثل النفط، الذهب، القمح، الألمنيوم، السكر، وغيرها، وتساهم في ضبط أسعار السلع، كونها تعمل كمنصة لتحديد سعر السلع، بناءً على عرض وطلب المشترين والبائعين. وتعمل على توفر بيئة تداول مركزية ومنظمة للسلع، مما يزيد من التكافؤ، والشفافية في عمليات الشراء والبيع. هذا يمكن أن يساهم في تحسين ضبط الأسعار، عن طريق توفير معلومات متاحة للجميع حول أسعار وحركة السلع. بالإضافة إلى دورها في توفير آلياتٍ للتأمين، وإدارة المخاطر للمشترين والبائعين. حيث يمكن استخدام العقود الآجلة، والخيارات لتقليل المخاطر المرتبطة بتقلبات أسعار السلع؛ مما يعزز الاستقرار، والثقة في السوق.
وقد أطلقت مصر بورصة للسلع بموجب قرار رئيس الوزراء المصري في يناير 2020، وتم بدء العمل الفعلي في نوفمبر عام 2022، لتخلق سوقًا منظمًا لتداول السلع الحاضرة القابلة للتخزين، وآلية هامة للتسعير، من خلال تفاعل قوى العرض والطلب؛ مما يساهم في تنظيم وزيادة فعالية التجارة الداخلية في مصر.
وبدأت نشاطها بالقمح، ولحقها إضافة كل من الذرة الصفراء، والردة، وأخيرًا تمت إضافة سلعة السكر لتكون السلعة الرابعة التي يتم طرحها للتداول عبر منصة البورصة المصرية للسلع؛ وبالتالي تكون سوق جاذب لشرائح كبيرة من التجار، والمستثمرين، مما يوفر سوقًا مصريًا ينافس البورصات الإقليمية والعالمية.
حيث تعد مصر ضمن أكبر الدول المستهلكة للسكر بكميات كبيرة سنويًا، نظرًا لاحتياجاتها الداخلية، وصناعة المواد الغذائية المختلفة. وفقًا للإحصائيات الأخيرة المتاحة، فإنّ إنتاج مصر من السكر يتراوح بين 2.4 مليون طن إلى 2.9 مليون طن سنويًا، بينما يتراوح استهلاك السكر في مصر بين 3.5 مليون طن إلى 4 مليون طن سنويًا.
أي إنّ مصر قد نجحت في تحقيق اكتفاء ذاتي من السكر تخطى 85%، إذ يتطلب تحقيق الاكتفاء الذاتي نسبة 100%.. لذا فمن المرجح أن تتأثر مصر جراء ارتفاع أسعار السكر العالمية، خاصة بعد قرار دولة الهند بتقييد صادراتها من السكر عند 10 ملايين طن خلال موسم السكر القادم الذي يبدأ في أكتوبر 2023، كخطوة احترازية لحماية إمداداتها الغذائية، والحفاظ على استقرار الأسعار.
لذا يحاول هذا المقال الوقوف على تحليل قرار ضم السكر، كسلعة استراتيجية للتداول في بورصة السلع المصرية، مستعرضًا أشهر البورصات العالمية في تداول السكر، ثم أبرز الانعكاسات المتوقعة للقرار على انضباط الأسعار المحلية.
- أشهر بورصات تداول السكر:
هناك عدة بورصات سلعية في جميع أنحاء العالم، التي تتيح تداول السكر، وتسهل عمليات الشراء والبيع. وفيما يلي بعض أشهر أسواق تداول السكر في العالم:
- بورصة نيويورك للسكر (ICE Sugar): تعتبر بورصة نيويورك للسكر، واحدةً من أكبر البورصات في العالم لتداول السكر. تقدم منصة تداول إلكترونية لعقود السكر الخام والمنتجات المشتقة منه، وتعتبر مرجعًا هامًا لأسعار السكر العالمية.
- بورصة لندن للسكر (Liffe Sugar): تقدم بورصة لندن للسكر منصة لتداول عقود السكر الخام والمنتجات المشتقة منه. وتعتبر لندن مركزًا هامًا لتداول السكر في أوروبا.
- بورصة السكر الأوروبية (European Sugar Exchange): والتي تقدم منصة لتداول السكر في أوروبا، وتعمل كنقطة تحويل وتسوية لمعاملات السكر في المنطقة الأوروبية.
- بورصة البرازيل الآجلة للسكر (B3 Sugar Futures): تعتبر واحدة من أكبر البورصات في العالم لتداول السكر. تركز على عقود السكر الخام، والمنتجات المشتقة المرتبطة بها، وتعكس تداولات سوق السكر في البرازيل أكبر منتجي السكر في العالم.
- تطور أسعار السكر العالمية:
شهدت أسعار السكر عالميًا شأنها شأن أسعار السلع الغذائية العالمية إبّان الحرب الروسية الأوركرانية، وما تسببت به من ارتفاعات لأسعار السلع الغذائية، ودفع بعض الدول لوضع قيود حمائية على تصدير المنتجات، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الشحن؛ نتيجةً لارتفاع أسعار البترول والسولار، بما أدى لارتفاع سعر السكر بنحو 29.6% في يونيو 2023 عن مستواه المسجل، خلال الشهر نفسه من سنة 2022، وفقًا لمؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار السكر.
ويشير الشكل التالي إلى تطور أسعار السكر عالميًا منذ يوليو 2022، وحتى يوليو 2023، وتشير البيانات إلى ارتفاع مؤشر منظمة الأغذية العالمية للسكر من 112.8 نقطة في يوليو 2022، لتسجل نحو 146.3 نقطة في يوليو لعام 2023. وجدير بالإشارة بأنّ الأشهر الأخيرة قد شهدت تراجعًا لأسعار السكر العالمية، متاثرةً بالتقدم الجيد المحرز في حصاد قصب السكر في الفترة 2023/2024 في البرازيل، وتحسّن تساقط الأمطار التي عادت بالنفع على رطوبة التربة في معظم المناطق المزروعة في الهند. وأدّى تباطؤ الطلب على الواردات من إندونيسيا والصين – وهما أكبر بلدين مستوردين للسكّر- إلى ممارسة ضغوط إضافية نحو خفض الأسعار.
- تطور إنتاج واستهلاك السكر في مصر:
تحتل مصر المرتبة الـ12 عالميًا في إنتاج السكر، لتأتي بعد مجموعة من الدول، تتقدمهم البرازيل، بكميات تتجاوز 38 مليون طن سنويًا، وفق تقرير وزارة الزراعة الأمريكية. حيث تعد مصر من أكبر الدول المنتجة والمستهلكة للسكر، نظرًا لنمطها الغذائي، وتعتمد مصر على إنتاج السكر من قصب السكر، والبنجر السكري، وتمتلك البلاد عدة مصانع لتكرير السكر، وتصنيع منتجاته المختلفة. وفق تقديرات وزارة الزراعة الأمريكية؛ من المتوقع أن يستقر إنتاج مصر من السكر عند 2.9 مليون طن من المحاصيل السكرية المحلية “قصب وبنجر” لعام 2022، وتنتج مصر السكر من محاصيل القصب التي تصل مساحاتها السنوية إلى نحو 320 ألف فدان، في حين تستخدم البنجر أيضًا في عمليات الإنتاج، بمساحات تصل إلى 650 ألف فدان في المتوسط سنويًا.
رغم ذلك لا تزال مصر بحاجة لاستيراد نحو 600 – 800 ألف طن سنويًا من السكر، لتغطية الاستهلاك المرتفع من السكر محليًا، كونه من المكونات الأساسية في النظام الغذائي المصري، ويستخدم على نطاق واسع في الطهي، والمشروبات، والحلويات. ويعتمد حجم استهلاك السكر في مصر على عدة عوامل مثل النمو السكاني، والعادات الغذائية.
وقد تأثرت أسعار السكر المعبأ في مصر، كنتيجة لارتفاع أسعاره العالمية من جهة ليرتفع سعره من 14.2 جنيها للكيلو في سبتمبر عام 2022 ليبلغ نحو 25.8 جنيهًا للكيلو في اغسطس من عام 2023، وفقًا لبيانات الرصد الميداني التابعة لمركز المعلومات، ودعم اتخاذ القرار، بما استلزم معه اتخاذ عدد من القرارات، لتحقيق الانضباط في الأسعار، والتخفيف من كاهل المواطنين، بداية من حظر صادرات السُكر بجميع أنواعه لمدة 3 أشهر، بداية من شهر مارس 2023، لتأمين الاحتياطيات من السكر للاستهلاك العام، كما اتخذت الدولة قرارًا بضم السكر لبورصة السلع المصرية.
إنّ تأثير البورصة السلعية إيجابيٌّ على السوق، فمنذ تداول السلع الاستراتيجية من خلالها، جرى تداول مليون طن قمح، ولم يحدث أي نوع من التشوهات السعرية، أو الزيادات غير المبررة في الأسعار، وقد تم تكويد عدد 7 شركات من بين 8 شركات، تعمل في سوق إنتاج السكر في مصر، وبلغ السعر 24.3 ألف جنيه للطن. وتم تداول 5 آلاف طن.
ختامًا، يرجى ملاحظة أنّ تأثير بورصة السلع على ضبط أسعار السلع يتأثر بعوامل متعددة، بما في ذلك العرض، والطلب، والأحوال الجوية، والأحداث السياسية، والاقتصادية، وعوامل أُخرى. يجب أيضًا أن يؤخذ في الاعتبار أنّ هناك أسواقًا مختلفة للسلع، وقد تكون هناك بورصات لبعض السلع الرئيسية مثل النفط، والذهب، بينما يتم تداول السلع الأخرى في أسواق غير مركزية، أو من خلال عقود خاصة مع البائعين.
في النهاية، بورصة السلع توفر إطارًا لتداول وتحديد أسعار السلع الأساسية، وتأثيرها على ضبط أسعار السلع يتوقف على عوامل متعددة، والتفاعلات المعقدة في سوق السلع والقوى الاقتصادية.