بعد تأجيل انتخابات مجالس المحافظات عدة مرات والتي كان من المقرر عقدها في عام 2019، تم تحديد موعدها في 18 ديسمبر 2023. أجريت الانتخابات المحلية السابقة في أعوام 2005 – 2009 – 2013 ومن المتوقع مشاركة نحو 280 حزبًا بنحو 50 تحالفًا سياسيًا في الانتخابات القادمة، وقد أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تمديد فترة تسلم قوائم الأحزاب والتحالفات حتى 22 أغسطس الجاري، وبالرغم من تحديد موعد الانتخابات من قبل رئاسة الوزراء العراقية، لكن تثور الشكوك حول تاريخ انعقادها من عدمه، وربما الاتجاه إلى تأجيلها إلى عام 2024. وعليه تناقش هذه الورقة طبيعة النظام الانتخابي واتجاهات التحالفات.
طبيعة النظام الانتخابي
تم النص في التعديل الثالث لقانون انتخابات مجالس المحافظات في المادة الخامسة بأن يقوم مجلس الوزراء مع المفوضية بتحديد موعد انتخابات مجالس المحافظات بحيث لا يتجاوز 20 ديسمبر 2023. والمحافظة بحدودها الإدارية الحالية دائرة انتخابية واحدة لانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات وفقًا للمادة الثانية عشرة منه. وفقًا للتقديرات الأولية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، سيتم أعداد 47655 مركز اقتراع، ووصل عدد المرشحين 348 مرشحًا، وعدد الناخبين المحدثين لبياناتهم 942.406 ألف ناخب بينهم 3331 نازحًا، وتجرى الانتخابات على 15 محافظة من أصل 18، إذ لا تتضمن محافظات إقليم كردستان (السليمانية، أربيل، دهوك) في الانتخابات باعتبارها تخضع للحكم الذاتي ولها إجراءات انتخابية منفصلة عن بغداد. وتُعد هذه الانتخابات الأولى للمجالس المحلية منذ نحو عشر سنوات مضت على آخر انتخابات عقدت في أبريل 2013 والتي حظي بها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بتصدر قائمته.
تم حل مجالس المحافظات بعد اعتراضات المحتجين باعتبارها إحدى بؤر الفساد، إذ لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو أي جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة، وفقًا للمادة 122 من الدستور العراقي، لهذه المجالس دور في وضع خطط التنمية المحلية وانتخاب حكام الأقاليم وإجراء التعيينات الخاصة. ولها صلاحيات إدارية ومالية واسعة بما يمكنها من إدارة شئونها وفقًا لمبدأ اللا مركزية الإدارية وينظم ذلك وفقًا للقانون، وتكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس المحافظة والقضاء أربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة لها وفقًا للمادة 48 من قانون مجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018.
لكن أجري التعديل الثالث على قانون مجلس النواب ومجالس المحافظات والأقضية رقم 12 لسنة 2018، ليصبح قانون رقم 4 لسنة 2023 وصدر في مايو 2023 وتقرر به اعتماد نظام سانت ليغو (تتضمن هذه الآلية ثلاث خطوات لاحتساب المقاعد التي فاز بها كل حزب من خلال – التقسيم والتحديد والتوزيع – بمعنى أنه يتم احتساب عدد المقاعد للأحزاب الفائزة، بتقسم مجموع الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب المشاركة في الانتخابات على الأعداد الفردية (1،3،5،7،9،11) وغالبًا ما ينتهي تقسيم الأعداد عندما يصل عدد الأعمدة في الجدول إلى عدد يساوي نصف مقاعد الدائرة). مثال على ذلك، إذا كان عدد المقاعد المخصصة للدائرة 10 فغالبًا ما يكون عدد الأعمدة في الجدول يساوى 5، وبعد الانتهاء من تقسيم مجموع الأصوات على الأعداد الفردية يتم تحديد أعلى ناتج قسمة، ويكون التحديد وفقًا لعدد من المقاعد المخصصة للدائرة، وبناء على أعلى ناتج القسمة يتم معرفة عدد المقاعد التي سيحصل عليها كل حزب في الانتخابات، وتحديد الفائز الذي يستحق المقعد من خلال النظر إلى الأصوات التي حصل عليها كل مرشح في كل قائمة.
وبالرغم من توجيه بعض الانتقادات لنظام سانت ليغو بعد احتجاجات أكتوبر، باعتباره يخدم مصالح الكتل السياسية الكبيرة الأكثر ثقلًا وتمويلًا على المرشحين المستقلين، ويتيح لها السيطرة على المحافظات، فضلًا عن سيطرتها على البرلمان والحكومة برئاسة “محمد شياع السوداني”، وقد تم إلغاؤه بموجب قانون رقم 9 لسنة 2020 (قانون انتخابات مجلس النواب العراقي)، إلا أنه أعيد مرة أخرى في التعديل الثالث للقانون. ويعتمد هذا النظام التمثيل النسبي الذي يقسم الدولة إلى دائرة واحدة، على عكس النظام السابق الذي قسم العراق إلى 83 دائرة وهو ما أتاح للأحزاب الجديدة المنبثقة عن احتجاجات أكتوبر 2019 المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة 2021، ودخولها البرلمان العراقي الحالي.
ونظرًا لأن المحكمة الاتحادية العليا قضت بعدم دستورية القانون الانتخابي، لأنه تم تشريعه قبل دستور 2005، بما يتعارض مع القانون الإداري الانتقالي لعام 2004، لذا تم التعديل قبل انتخابات 2010 للسماح للناخبين بتفضيل مرشحين ضمن قوائم. وفي عام 2014، عقب تولي “مصطفى الكاظمي” رئيس الوزراء العراقي السابق، صدر قانون انتخابي جديد اعتمادًا على نظام الصوت الواحد غير القابل للتحويل، وتم تقسيم العراق إلى 83 دائرة انتخابية، لكن تم إلغاء النظام المتبع في انتخابات أكتوبر 2021 الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة بنحو 83 دائرة. ووفقًا لقانون رقم 4 لسنة 2023 المادة التاسعة البند الثاني منها فإن مجلس المحافظة يتكون من اثني عشر مقعدًا، واحد لكل مائتي ألف نسمة لما زاد على مليون نسمة وحسب إحصائية وزارة التخطيط لعام 2019 وكما هو مبين في الجدول رقم 2 .
وفقًا للجدول السابق فإن حوالي 350 عدد مقاعد مجالس المحافظات موزعة على النحو الآتي (الأنبار 16 مقعدًا و4 للنساء، البصرة 22 مقعدًا و6 للنساء، الديوانية 14 مقعدًا و4 مقاعد للنساء، المثنى 12 مقعدًا و3 للنساء، النجف 15 مقعدًا و4 للنساء، بابل 18 مقعدًا و5 للنساء، بغداد 49 مقعدًا و13 للنساء، ديالى 15 مقعدًا و4 للنساء، ذي قار 18 مقعدًا و5 للنساء، صلاح الدين 15 مقعدًا و4 للنساء، كربلاء 13 مقعدًا و4 للنساء، كركوك 15 مقعدًا و4 للنساء، ميسان 13 مقعدًا و4 للنساء، نينوى 26 مقعدًا و7 مقاعد للنساء، واسط 14 مقعدًا و4 مقعد للنساء).
أما بالنسبة لتوزيع المكونات المسيحية والصابئة المندانيين والكرد الفيليين، وفقًا للقانون المعدل فهناك ثلاثة مقاعد لكل مكون مقعد واحد في بغداد، والمكونات المسيحية والإيزيدية والشبك في نينوى ثلاثة مقاعد لكل مكون، وللمكون المسيحي مقعد واحد في البصرة، والكرد الفيليون مقعد واحد في واسط، والصابئة المندائيين مقعد واحد في ميسان، والمكون المسيحي مقعد واحد في كركوك. وفيما يتعلق بالمقاعد المخصصة لهذه المكونات تكون المحافظة التي خصص لها مقعد الكوتة دائرة انتخابية واحدة لانتخابات مجالس المحافظات، ويكون الترشيح فرديًا ضمن الدائرة الانتخابية، ويعد الفائز الحاصل على أعلى الأصوات.
اتجاهات التحالفات
تُمثل هذه الانتخابات أهمية كبيرة لأن نتائجها سوف تحدد حصص الأحزاب والقوى السياسية من مجالس المحافظات التي لها دور في التشريع والرقابة داخل المحافظات، ولا تخضع وفقًا للدستور لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو أي جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة، وربما تكون نتائج الانتخابات الحالية والتحالفات المنبثقة عنها مؤشرًا للتفاعلات والتحالفات بين القوى السياسية التي سوف تتشكل خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.
تُعد أبرز التحالفات المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات (ائتلاف الوطنية، تحالف النهج الوطني، تحالف الحسم الوطني، تحالف الرئاسة، تحالف مدار باستثناء مجلس البصرة، تحالف دولة القانون وتحالف قيم المدني، تحالف القوى المدنية، تحالف تركمان العراق). لكن الانتخابات هذه المرة ستعيد تشكيل خريطة التوازنات بين القوى السياسية، خاصة أن هناك اتجاهًا لتفكك قوى الإطار التنسيقي، إذ تعاني القوى الشيعية من بعض الخلافات الداخلية التي ربما تقودها إلى المشاركة في الانتخابات دون تشكيل كتلة واحدة، بعد فشل محاولات لاحتواء هذه الخلافات من قبل رئيس ائتلاف الفتح “هادي العامري” أو رئيس تيار الحكمة “عمار الحكيم” للحفاظ على وحدة الإطار التنسيقي.
إذ برزت خلافات بين “نورى المالكي” مع نائبه “محمد سعدون الصهيود السوداني” وطرد الأخير من ائتلاف دولة القانون، بالإضافة إلى رفض “المالكي” التحالف مع عصائب أهل الحق أو تيار الفراتين برئاسة رئيس الوزراء “السوداني”. وربما يُفسر ذلك نتيجة أن تحركات رئيس الحكومة “شياع السوداني” أصبحت لا تتوافق مع قوى الإطار، وأبرز مظاهر هذه التحركات أو الخلافات هو انتقاد السوداني لأداء الوزراء المحسوبين على قوى الإطار التنسيقي، واتجه لتغيير بعض الوزراء المرتبطين بالفصائل الشيعية المسلحة قائلًا: “علاقة الوزير تنتهي مع القوى السياسية بعد ترشيحه ونيله ثقة البرلمان”، الأمر الذي يعني أن اتجاهات السوداني باتت تختلف أو تسير في اتجاه معاكس مع الكتل الشيعية الأخرى. وبالتالي، سوف تؤثر هذه الخلافات على مناصب مجالس المحافظات، خاصة أن توزيع هذه المناصب يخضع للأوزان التي تحصل عليها القوي السياسية في الانتخابات، وقد أعلن تيار الفراتين في 9 أغسطس الجاري عدم مشاركته في الانتخابات، أما التيار الصدري فلم يعلن عن المشاركة في الانتخابات.
من ناحية أخرى، يرغب “نوري المالكي” في خوض الانتخابات بشكل فردي، إذ سبق وحصد أصواتًا كبيرة منفردًا في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021 بنحو 34 مقعدًا مقارنة بباقي الكتل السياسية الشيعية، وحصل ائتلاف الفتح برئاسة “هادي العامري” على 14 مقعدًا، فالفائز في الانتخابات يكون له دور في انتخاب المحافظ ونوابه، بالإضافة إلى الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة، وفقًا للدستور في المادة 123 منه فإنه “يجوز تفويض سلطات الحكومة الاتحادية للمحافظة أو العكس بموافقة الطرفين وينظم ذلك بقانون”.
في سياق متصل؛ من المحتمل أن يشارك كل من ائتلاف النصر برئاسة “حيدر العبادي” بتحالفه مع تيار الحكمة برئاسة “عمار الحكيم”، ويشارك عصائب أهل الحق برئاسة “قيس الخزعلي” بتحالف الصفوة الذي يضم كلًا من (صادقون، حركة الصدق والعطاء، حزب سومريون، حزب منتصرون، حركة إرادة). ويتحالف الخزعلي مع منظمة بدر برئاسة “هادي العامري” والعقد الوطني برئاسة “فالح الفياض”.
وفيما يتعلق بمشاركة القوى السنية، فإنه تم إقصاء الحلبوسي من تحالف السيادة الذي كان يضم حزب تقدم برئاسته، ومن المحتمل أن يشارك تحالف عزم برئاسة “خميس الخنجر” مع حزب الوطن برئاسة “مشعان الجبوري”، وانضم لهم “رافع العيساوي” نائب رئيس الوزراء الأسبق. بينما يتجه الحلبوسي إلى تشكيل تحالف بواسل نظرًا لتراجع شعبيته في الأنبار، اتجه الحلبوسي إلى تشكيل تحالف جديد بهدف الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات، ووفقًا لتصريحات القيادي في تحالف الأنبار “محمد دحام” سيشارك الأنبار في الانتخابات بمفرده.
أما بالنسبة لقوى تشرين فقد تشكل تحالف قيم المدني الذي يضم كلًا من (حركة نازل أخذ حقي، الحزب الشيوعي العراقي، التيار الاجتماعي الديمقراطي، حزب التنوير الوطني، حزب البيت الوطني، الحركة المدنية الوطنية، حزب المثقف العراقي، حزب الريادة العراقي، التجمع الجمهوري العراقي، تيار الديمقراطي، الحزب الشيوعي الكردستاني) لكن لن تشارك حركة امتداد في انتخابات مجالس المحافظات وفقًا للبيان الذي خرجت به الحركة، لتأخرها في عقد مؤتمرها الأول لانتخاب قيادة جديدة.
وفيما يتعلق بمشاركة القوى الكردية، فقد تشكل تحالف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والحركة الإسلامية الكردستانية وعدد من الأحزاب التركمانية الصغيرة، بينما يشارك الاتحاد الوطني الكردستاني بمفرده، وقد قررت حركة التغيير الكردية عدم المشاركة بسبب غياب الاتفاق على قائمة واحدة.
ختامًا، ستخلف الانتخابات تأثيرًا كبيرًا على المشهد السياسي العراقي، خاصة بعد قرار مقتدى الصدر بالانسحاب من مجلس النواب العراقي وإعلانه الاعتزال النهائي في أغسطس 2022، بالرغم من أن التيار الصدري حصل في الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021 على أكبر عدد من الأصوات في محافظات (بغداد، والبصرة، وذي قار، وكربلاء، وميسان، والنجف، والقادسية)، وفي حال استمرار اعتزال المشهد فينعكس ذلك على نفوذ التيار في محافظات الجنوب مما يعزز نفوذ قوى أخرى بالحصول على المزيد من الأصوات في العديد من المحافظات، وربما يحدث العكس في حال مشاركة الصدر في انتخابات مجالس المحافظات بما يجعله يحصد أصواتًا كبيرة مثلما في الانتخابات التشريعية السابقة، خاصة في المحافظات الجنوبية والوسط. أما بالنسبة لقوى الإطار التنسيقي فإنها تحاول كسب الوقت خلال هذه الفترة لإجراء مباحثات مكثفة لتشكيل التحالفات قبيل الانتخابات، ودائمًا ما ترفع شعارات التغيير وبدء الإصلاح ومكافحة الفساد وأخرى تتعلق برواتب الموظفين، لكن هناك حالة من السخط الشعبي الرافض لمثل هذه الشعارات التي لم تنعكس بشكل أو بآخر على الأوضاع الداخلية في الدولة، وما زالت تقف عند حدود الشعارات السياسية، ولم تأخذ أطرًا جادة في مواجهة الفساد وحل الأزمات الداخلية، وعليه ربما تعكس حالة السخط الشعبي اتجاهات الناخبين خلال الانتخابات القادمة، وعدم مشاركتهم بها في إطار حالة فقدان الثقة في النخب السياسية ووعودها، وتجاه الأحزاب الجديدة التي تحالفت مع بعض الأحزاب التقليدية، ولم تتمكن من فتح ملفات مثل محاسبة قتلة المتظاهرين.