في ختام قمة ناجحة استمرت ثلاثة أيام في جوهانسبرج، دعت مجموعة البريكس (وهي كتلة اقتصادية تتألف من: البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) ست دول جديدة للانضمام إليها، اعتبارًا من 1 يناير 2024، لتتمكن كل من مصر وإثيوبيا والأرجنتين وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من الحصول على عضوية بريكس.
ثقل كبير لبريكس
لا شكّ أن هذه الخطوة تُعد قرارًا مهمًا للمنظمة التي رفضت لوقت طويل انضمام العديد من الدول، فهذه الخطوة تعزز من مكانة المنظمة في مواجهة المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب، مثل مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وتمهد الطريق للتوسع المستقبلي المحتمل. في هذا الشأن، اعتبر رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا أن مجموعة بريكس قد بدأت في فصل جديد في جهودها لبناء عالم عادل وشامل ومزدهر أيضًا. وينتظر أن يكون التوسع في تكتل بريكس عنصرًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية، وزيادة صوت أعضائها في التجمعات الدولية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.
وتبدو أهمية بريكس في أنها تكتل اقتصادي يضم بعض الدول التي شهدت تجربة تنموية كبيرة خلال العقود الأخيرة، وتضم بعض الاقتصاديات الأكثر نموًا في العالم، ومع انضمام الأعضاء الجدد سوف تشكل دول مجموعة بريكس مجتمعة ما يقارب 46% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 47% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 11 دولة مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، عبر أربع قارات، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية منافسة للتكتلات الاقتصادية الأخرى خاصة مجموعة السبع، التي تستحوذ على 60% من الاقتصاد العالمي. وأظهرت نتائج الأرقام الصادرة من تكتل البريكس تفوق المجموعة على نظيرتها مجموعة السبع، حيث ساهمت البريكس في الاقتصاد العالمي بنسبة وصلت إلى 31%، مقارنة بمساهمة مجموعة السبع التي بلغت 30%.
استعادة التوازن في العلاقات الدولية
قد يكون توسع البريكس -سياسيًا- خطوة نحو تأكيد التغيير في طبيعة النظام الدولي الراهن، والطموح في الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب بدلًا من الهيمنة الأمريكية. وبطبيعة الحال فإن إمكانيات وقدرات الأعضاء الجدد ربما تسهم في تقوية ديناميكية التطوير والتفاعل. وقد تلعب بريكس دورًا مهمًا في إيجاد حلول جديدة لإيقاف تقلبات الأسواق العالمية فيما يتعلق بالعملات الوطنية والمالية، وربما تقليل الاعتماد على قوة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية، ناهيك عن الحد من فاعلية العقوبات الأمريكية.
لقد عانى العالم من الخلل في ميزان القوة العالمي بصورة أضرت بالأمن والاستقرار وبمصالح العديد من الدول، ولهذا فإن تكتل البريكس قد يصبح بأعضائه الجدد أكثر تجسيدًا للسعي لإعادة التوازن للنظام الدولي، خاصة أن روسيا والصين ستحاولان دفع التكتل نحو مزيد من السياسات المنسقة لمواجهة التوترات المتزايدة مع الغرب، ومواجهة استخدام العقوبات أحادية الجانب.
إن التوترات المتزايدة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، والتنافس المتنامي بين كل من روسيا والصين من ناحية والولايات المتحدة من ناحية أخرى، سيكون سببًا لدفع كل من روسيا والصين لأن تكون البريكس قوة في مواجهة سياسة واشنطن تجاه القارة الأفريقية، من خلال البريكس الموسع الذي ضم عددًا من الدول ذات الثقل الديمغرافي والتأثير الجيوسياسي والقدرات الاقتصادية في قارات مختلفة ومناطق مؤثرة في العالم.
وبفضل التنسيق بين أعضاء البريكس في القضايا الدولية والإقليمية الكبرى يسعى التكتل لرسم مسار مستقبلي لتكتل الدول النامية بهدف تعزيز نفوذها العالمي، لا سيما وأن التوسع بين أعضاء البريكس سيدعم جهود السلام والأمن الدوليين، في ظل استمرار عقلية الحرب الباردة في العالم، مما يعقد من الأوضاع الجيوسياسية ويزيد العالم توترًا.
خلق منافسة جيوسياسية واقتصادية
يسعى تكتل البريكس لدراسة مقترحات لتحسين النظام المالي العالمي بما في ذلك مقترحات إطلاق عملة موحدة مستقبلًا، يكون الغرض منها الحد من هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي. فضلًا عن تكوين آلية اقتصادية تجارية خارج هيمنة المؤسسات الغربية، وإنشاء بنك التنمية لضمان استقرار الأسواق العالمية، وتعزيز قدرة الدول النامية على التفاؤل بشكل إيجابي مع متطلبات السوق العالمية. كما أن تكتل البريكس بتلك الآليات يعمل على خلق نظام عالمي جديد رغبةً من هذه الدول في الخروج من العباءة القديمة التي تتبناها وتفرضها الولايات المتحدة فيما يتعلق بمصالحها أولًا.
وستكون عضوية السعودية وإيران ذات أهمية كبيرة بطرق أخرى أيضًا. فانضمام الرياض وطهران إلى البريكس، سيجعل الكتلة تضم أكبر مصدرين للنفط في العالم، بالإضافة إلى أكبر مستورد للنفط وهي الصين، فضلًا عن عضو رئيسي آخر منتج للنفط من خارج دول أوبك وهو روسيا. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تعاون أكبر بشأن قرارات إنتاج النفط التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على السوق العالمية.
لهذا فإن قمة البريكس الخامسة عشرة في جنوب أفريقيا، ربما يتم استخدامها في خلق ساحة جديدة للتنافس بين كل من الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، فمن الواضح أن جميع هذه الدول تتنافس وتتصارع في نفوذ اقتصادي يتركز بشكل أساسي في القارة الأفريقية. فالصين وروسيا ستدفعان بقوة للسيطرة على سوق الغذاء داخل القارة الأفريقية، وهو ما يثير قلقًا كبيرًا لكل من الولايات المتحدة وحلفائها من دول الاتحاد الأوروبي، كما تعمل دول المجموعة على زيادة التجارة فيما بينها ودول القارة الأفريقية التي تمتلك إمكانيات اقتصادية ضخمة.
ختامًا، لا تزال العديد من التحديات تواجه تكتل البريكس من أجل إعادة التوازن في الاقتصاد العالمي، رغم ما حققته المجموعة منذ قمتها الأولى عام 2009، على الرغم مما تمتلكه من قوة بشرية واقتصادية وسياسية وعسكرية، لكن يعول على قدرة دول التكتل على تجاوز هذه التحديات في إعادة تشكيل نظام عالمي جديد أكثر توازنًا.