يسعى الاتحاد الأوروبي إلى نشر بعثة أمنية جديدة في غرب أفريقيا، وتحديدًا منطقة خليج غينيا، في دول غانا وتوجو وبنين وساحل العاج (كوت ديفوار)، وسيكون إطلاق البعثة بعد موافقة رسمية من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم في لوكسمبورج خلال أكتوبر القادم. جاء ذلك بعد توجيه بنين وغانا دعوة رسمية للاتحاد الأوروبي لنشر البعثة على أراضيهما. مع اتجاه الدول الأوروبية لتحويل تركيز تعاونها في غرب أفريقيا من دول الساحل الأفريقي إلى الدول الساحلية في خليج غينيا، في ظل الانسحاب الفرنسي والأوروبي من مالي وبوركينافاسو، ومع اقتراب انسحاب بعثة الأمم المتحدة (مينوسما) من مالي، وتداعيات الانقلاب العسكري في النيجر كنقطة تحول في السياسة الأوروبية بشأن منطقة الساحل.
أهداف محددة
بعد مرور عقد من تكثيف الجهود الأمنية، وأولوية التعاون العسكري والأمني بين دول الساحل الأفريقي والشركاء الأوروبيين، حيث اعتبرت المنطقة ساحة تجريب للمبادرات الأمنية الأوروبية والدولية في إطار عمليات مكافحة الإرهاب المُختلطة؛ إذ يُعدُّ الاتحاد الأوروبي لاعبًا رئيسيًا في تقديم الدعم لقطاع الأمن، وتعزيز الأمن الإقليمي، وإرسال بعثات بناء قدرات القوات الوطنية والأمن الداخلي (الشرطة والدرك والحرس الوطني)، وتقديم المشورة والتدريب، في ظل الدور النشط لبعثة الاتحاد الأوروبي للتدريب في مالي (EUTM)، وبعثة الاتحاد الأوروبي لبناء القدرات في النيجر (EUCAP)، ودور قوة تاكوبا الأوروبية قبل انسحابها من مالي؛ على هذا الأساس، تتمثل أهداف البعثة الأمنية الجديدة التي تستكمل جهود الاتحاد الأوروبي في منطقة غرب أفريقيا في أربعة أهداف رئيسية هي: تدريب وبناء قدرات قوات الأمن المحلية وتقديم المشورة، والمساعدة في الاستعداد العملياتي لمكافحة الإرهاب، وتقديم الدعم الفني، وتعزيز تدابير بناء الثقة في قطاعات الأمن المحلية.
يأتي ذلك بعد موافقة المجلس الأوروبي (في 29 يونيو 2023) على مفهوم إدارة الأزمات لشراكة أمنية ودفاعية محتملة مع الدول الساحلية في خليج غينيا، حيث يعتمد المفهوم على نهج متكامل للشراكة، بما في ذلك إنشاء بعثة في إطار السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة (CSDP)، وإرسال المستشارين العسكريين، بالتزامن مع تدابير المساعدة لمرفق السلام الأوروبي بتوفير المعدات العسكرية. وتأتي هذه الخطوة مع بروز عدة مؤشرات للاهتمام الأوروبي بدول منطقة خليج غينيا، ومنها خطط فرنسا لاستراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب بالاعتماد على وجود قواعد عسكرية في السنغال وساحل العاج والجابون، وتعتبر القاعدة العسكرية في ساحل العاج مثالية لتدريب جيوش غرب أفريقيا الأخرى، وبناء فرنسا الأكاديمية الدولية لمكافحة الإرهاب في أبيدجان بساحل العاج. بالإضافة إلى ذلك، إعادة إحياء مُبادرة أكرا الأمنية، وتعزيزات إدارة أمن الحدود المتكاملة، وتفعيل القوة المشتركة متعددة الجنسيات التابعة لمبادرة أكرا (MNJTF/AI) لتعزيز مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، سلسلة المراجعة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي في الساحل الأفريقي بعد تحولات معادلة توازن القوى، وتغير مسارات الأنظمة السياسية في المنطقة.
دوافع عديدة
يُمثل انعدام الأمن وتفاقم أعمال العنف والجريمة المنظمة وتهديدات الأمن البحري العابرة للحدود الوطنية، تهديدًا متناميًا للتجارة والتنمية الاقتصادية في غرب أفريقيا، حيث يعمل الاتحاد الأوروبي بنهج جديد في المنطقة بحكم عدة دوافع منها: القرب الجغرافي من جنوب أوروبا، وتعدد مصادر التهديدات الأمنية، وتصدير الهجرة غير الشرعية. وتعتبر منطقة خليج غينيا ذات أهمية استراتيجية للشحن العالمي، ويمكن توضيح أهم الدوافع المُحفزة لاهتمام الاتحاد الأوروبي بهذه المنطقة في ضوء البعثة التدريبية الجديدة على النحو التالي:
• احتواء تمدد نفوذ الجماعات الإرهابية: يتزايد قلق الاتحاد الأوروبي من توسع أنشطة الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا من منطقة الساحل الأفريقي إلى الدول الساحلية الجنوبية على طول خليج غينيا، مما يُفاقم من موجة عدم الاستقرار على نطاق واسع في المنطقة؛ إذ انتشرت الأنشطة المسلحة للجماعات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة في دول الساحل الأوسط (مالي، وبوركينافاسو، والنيجر)، وتواجه توجو وغانا وساحل العاج وبنين تحديات مماثلة ومنها: نقاط الضعف المحلية، وتنامي أنشطة العصابات الإجرامية، وتفاقم التوترات الإثنية، والصراعات الطائفية، وسهولة اختراق المناطق الحدودية؛ حيث تشهد هذه الدول هجمات إرهابية على حدودها الشمالية. فمنذ عام 2022، تم تسجيل أكثر من 20 هجومًا إرهابيًا في بنين وحدها، علاوة على مخاطر سيطرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة على جزء كبير من الأراضي في مالي في أقل من عام فقط، مع مخاوف تكرار سيناريو 2012، وتفاقم السيولة الأمنية في غرب أفريقيا.
• مُواجهة النفوذ الروسي: ترغب دول الاتحاد الأوروبي في احتواء الحضور المتنامي لروسيا في منطقة غرب أفريقيا بعد تمدد قوات فاجنر في مالي وبوركينافاسو خلال الفترة الأخيرة، مع التداعيات الكارثية على المدنيين والانتهاكات ضد حقوق الإنسان، في ظل تزايد سجل جرائم فاجنر في مناطق الصراع، بما في ذلك مذبحة “مورا” بوسط مالي، ولم يقتصر الوجود الروسي على تعزيز العلاقات الأمنية، ومناهضة الوجود الغربي، والحصول على عقود التعدين؛ بل شن حملات تضليل ضد فرنسا في غرب أفريقيا. بالإضافة إلى التصدي لارتفاع الطلب من الدول الأفريقية على المساعدة الأمنية من جانب روسيا. من أجل ذلك يعمل الاتحاد الأوروبي على تطويق الدول الحليفة لروسيا من عدة جبهات، ومن ذلك -على سبيل المثال- مالي عبر السنغال وساحل العاج، وجمهورية أفريقيا الوسطى من ناحية تشاد والكونغو، بما يضمن انخراطًا أوسع في منطقة وسط وغرب أفريقيا.
• التغلب على التهديدات الناشئة للأمن البحري: تظل منطقة خليج غينيا “منطقة الخطر الجديدة” مُتجاوزة منطقة خليج عدن والقرن الأفريقي، في تصاعد نشاط القرصنة البحرية، وأعمال السطو المسلح على السفن، وغيرها من الجرائم البحرية، فمنذ عام 2014، اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية الاتحاد الأوروبي لخليج غينيا بالاعتماد على الدروس المستفادة من جهود مكافحة القرصنة في منطقة القرن الأفريقي، بما يتماشى مع أهداف عملية ياوندي، ولجنة خليج غينيا (GGC) لمعالجة قضايا الجريمة البحرية بمعناها الأوسع، وتم إطلاق خطة عمل الاتحاد الأوروبي (2015-2020). كما جدد استراتيجية الوجود البحري المنسق المتكامل في المنطقة حتى فبراير 2024.
حاصل ما تقدم، يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي يُعول في الوقت الراهن على مناطق ارتكاز جديدة في الدول الساحلية بمنطقة خليج غينيا بعد تراجع مساحات النفوذ والانتكاسات المتتالية في منطقة الساحل الأفريقي، ويعتمد على تقارب الضرورة لتأمين مصالحه الحيوية، والحماية من التهديدات الناشئة، واحتواء تصاعد مخاطر تمدد العدوى الإرهابية، ومواجهة النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.