من المقرر أن يجتمع قادة وممثلو خمسين دولة تضم كتلتي الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية (إلى جانب المؤسسات الأوروبية) في مدينة شرم الشيخ يومي 24 – 25 فبراير الجاري. والحاصل أنه قد بُذِلَت جهود لترتيب مثل هذا الاجتماع لأكثر من 20 عامًا دون نجاح، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان قد عقد مؤتمرات منتظمة لسنوات مع شركاء وتكتلات إقليمية أخرى في مناطق مختلفة من العالم، مثل أمريكا اللاتينية وآسيا وغيرهما. وعليه، فإن قمة شرم الشيخ التي سيترأسها الرئيس “عبدالفتاح السيسي” و”دونالد توسك” (رئيس المجلس الأوروبي)، تُعتبر الأولى من نوعها بين هاتين الكتلتين، أي الاتحاد الأوروبي ومجموعة الجامعة العربية.
وكانت فكرة القمة العربية-الأوروبية قد ظهرت بعد أن قام كل من “سيباستيان كورتز” مستشار النمسا (الدولة التي استضافت رئاسة المجلس الرئاسي للاتحاد الأوروبي في الخريف الماضي)، ورئيس المجلس الرئاسي للاتحاد الأوروبي “دونالد توسك”، بمقابلة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” في القاهرة، في شهر سبتمبر الماضي. آنذاك بدا واضحًا حجم الخطوات الكبرى التي اتخذتها مصر لمنع تحوّلها إلى نقطة عبور إلى أوروبا. ومن ثم، فقد أراد “كورتز” و”توسك” إضفاء طابع رسمي على هذا التعاون، والاحتفاء به من خلال تنظيم مصر لهذه القمه التي تعكس رغبة المنظمتين في العمل معًا -بشكل وثيق- على مجموعة من المصالح المشتركة.
من جانب الاتحاد الأوروبي، فإن المخاوف المتنامية بشأن الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، والحاجة إلى رفع مستوى المشاركة في هذه القضايا؛ لعبت بالتأكيد دورًا مركزيًّا في التأكيد على ضرورة انعقاد مثل هذه القمة، وفي تحديد جدول أعمالها. أما على الجانب العربي، الذي كان عادة المُطالِب الرئيسي بعقد القمة، فكانت هناك دفعة قوية له من جانب الرئيس “السيسي”، الذي حرص على استعادة الدور الإقليمي لمصر. فبعد سنوات من التركيز على الداخل لتحقيق الاستقرار اللازم على المستويين الاقتصادي والسياسي، تشعر مصر اليوم بالثقة الكافية لإعادة تأكيد نفسها بوصفها فاعلًا إقليميًّا أقوى من ذي قبل.
من ناحية ثالثة، فإن إسرائيل، التي عملت خلال السنوات الأخيرة على إعاقة هذه الفكرة، تبدو اليوم أقل قلقًا بشأنها، وذلك بالنظر إلى تحسن علاقاتها مع بعض الفاعلين العرب. وبالتالي، أدى هذا أيضًا إلى تهدئة شكوك الولايات المتحدة.
دوافع انعقاد قمة شرم الشيخ
من المعروف أن دول الاتحاد الأوروبي معنية بالعمل بشكل وثيق مع أعضاء جامعة الدول العربية حول موضوعات أصبحت تثير القلق الأوروبي في السنوات الأخيرة، خاصة مع دول شمال إفريقيا على وجه الخصوص التي تُعد شريكًا مهمًّا في إدارة تدفقات الهجرة وتبادل المعلومات حول الإرهاب. إذ حققت هذه الشراكات -باعتراف القادة الأوروبيين- نتائج مهمة، منها -على سبيل المثال- انخفاض عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من شمال إفريقيا بشكل حاد من أعلى مستوى وصل إليه عام 2015.
كما يمثل التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب أيضًا أولوية؛ فالهزيمة العسكرية لداعش في سوريا لا تحل مشكلة التطرف، لكن يمكن لداعش أن يرفع رأسه مرة أخرى في أوروبا وفي أماكن أخرى مع كمونه تحت الأرض. وبالتالي، فمع وجود تهديد دائم بأزمة أخرى، تتبدى حاجة الاتحاد الأوروبي للعمل بشكل وثيق مع العديد من دول جامعة الدول العربية لإبقاء الأمور تحت السيطرة.
من ناحية أخرى، يحتاج اقتصاد المنطقة إلى دفعة مهمة. وهناك الكثير الذي يمكن ويجب القيام به لتحسين التعاون بين الاتحاد الأوروبي والخليج حول الاستثمار (العام والخاص) في الاقتصادات المكافحة في شمال إفريقيا ومنها مصر. ولعل هذا هو السبب في حرص القاهرة على دعوة رؤساء البنوك الأوروبية الرئيسية للتنمية، مثل: بنك الاستثمار الأوروبي، ونظرائهم العرب، إلى شرم الشيخ كمراقبين. وسيكون حضور الأمم المتحدة في القاعة جيدًا أيضًا، وذلك بالنظر إلى دورها في كلٍّ من اليمن وسوريا وليبيا.
حدود الفرص المتاحة في ظل التحديات المتعددة
هناك الكثير الذي سيُقال داخل أروقة القمة حول السعي إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي، وحول الالتزام المشترك بالتعددية، والتجارة، والاستثمار، مع التركيز على العمل معًا لمواجهة التحديات طويلة المدى. لكن هذا كله لا ينفي أن ثمة تحديات كبيرة من المنتظر أن توثر على النتائج النهائية للقمة العربية-الأوروبية في شرم الشيخ، نطرح منها تحديين رئيسيين:
1- انقسام الكتلة الأوروبية:
كشفت الفترة السابقة على انعقاد القمة عن عدم قدرة أوروبا على الظهور كجبهة متماسكة وموحدة بشأن القضايا محل التعاون المشترك مع المجموعة العربية. فبدلًا من استخدام القمة لإثبات أن الأوروبيين يمكنهم العمل معًا في المجالات الأساسية ذات الاهتمام المشترك، وبالتالي التأكيد للدول العربية بأنها تتعامل مع الثقل الجماعي للكتلة الأوروبية، قد ينتهي الأمر بالاتحاد الأوروبي إلى تحقيق العكس. إذ شابت الانقسامات الداخلية للاتحاد الأوروبي الاستعدادات للقمة، حيث عجزت الدول الأعضاء عن التوقيع على إعلان سياسي مشترك في اجتماع بين وزراء الخارجية الأوروبيين والعرب في بروكسل في 4 فبراير الجاري، على الرغم من موافقة العرب على مسودة القرار. ومع ذلك، أوضحت “فيدريكا موجيريني” (الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي)، في مؤتمرها الصحفي بعد هذا الاجتماع الوزاري، أن 90 – 95٪ من مضمون الإعلان قد تم الاتفاق عليه. ويشمل ذلك أرضية مشتركة مهمة في معظم القضايا الرئيسية اليوم، ولا سيما مكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، والصراعات الإقليمية، وحل الدولتين في الشرق الأوسط، والمناخ، والتجارة والاستثمار، والتنمية، والتعاون المالي والتقني.
ويبدو أن نسبة 5 – 10% المتبقية تتعلق في الغالب بقضية الهجرة، مع عدم رضى بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (المجر على وجه الخصوص) عن ذكر عمليات مثل الميثاق العالمي للهجرة التابع للأمم المتحدة. وهناك على الجانب العربي أطراف غير راضية -على حدٍّ سواء- عن اتفاق الهجرة، أو بعض الجوانب الأخرى، ومن ثم ربما يجدون أنه من الملائم أن يختبئوا خلف هذه الاعتراضات.
لذا، إذا كان على القمة أن تفي بممكناتها، فإن هذا سيعتمد بشكل كبير على الجهود التي ستبذلها الدبلوماسية لإيجاد حلول مقبولة لمسألة الإعلان المشترك.
2- تأثير محدود في حل النزاعات:
ثمة من يُرجِّح أن القمة ستفتقر إلى محتوى سياسي ذي مغزى حول القضايا الجوهرية التي تقود حاليًّا النزاع وعدم الاستقرار في المنطقة. والحاصل أن غياب فاعلين مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، قد يشير إلى أن تأثير القمة على حل النزاعات الإقليمية سيكون بالفعل محدودًا، لكن هذا لا ينفي أن مؤتمر شرم الشيح قد يساعد في مواجهة الجهود غير الحذرة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لدفع الفلسطينيين نحو قبول خطة سلام غير واقعية يمكن أن تنتهي في نهاية المطاف إلى إشعال النار في المنطقة بدلًا من إخمادها. وقد يساعد على إعطاء دفعة للآمال “الهشة” بالتقدم في اليمن، ويساعد أيضًا على تمهيد الطريق حول كيفية التعامل مع تحديات ما بعد الحرب في سوريا التي سيظل مقعد رئيسها في الجامعة العربية خاليًا في هذا المؤتمر، دون أن ينفي ذلك أن “بشار الأسد” قد يستعيده قريبًا.
في نهاية المطاف، يتعين لفت الانتباه إلى أمرين مهمين في سياق محاولة التعرف على ما يمكن أن تئول إليه أعمال هذه القمة:
الأول- أن لدى القمة شيئًا مهمًّا واحدًا، هي أنها القمة الأولى، وبالتالي فإنها تؤسس لأرضية جديدة. وعلى هذه الخلفية، يمكن القول إن القصد من القمة -في دورتها الأولى- ليس الكشف عن مبادرات جديدة، بل تسليط الضوء والاعتراف رسميًّا بعلاقة تلبي -إلى حد كبير- احتياجات الطرفين العاجلة.
الثاني- أن بقاء المخاطر معناه أن الأوروبيين والعرب لا يستطيعون تحمل الفشل، وهذا معناه أنه من غير المتصور أن ينتهي الأمر بالقمة الأولى إلى مجرد منتدى نقاش رفيع المستوى.