” يقوم بمسح كل شيء أمامه”.. هكذا وصف اللواء أحمد المسماري (المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي) إعصار ميديكاين Medicane أو دانيال خلال مؤتمر صحفي عقده يوم 15 سبتمبر 2023 لاستعراض حجم الأزمة التي تعانيها منطقة الجبل الأخضر بشرقي ليبيا، وذلك بعد وقوع ظاهرة الإعصار العاتية، وغير المسبوقة في التاريخ الليبي الحديث، والتي تسببت في الإضرار بما يزيد على المليون نسمة على حد قوله، وهم من المواطنين الليبيين، وأبناء الجاليات العربية والأجنبية المقيمة، علاوة على الآلاف من العمال، والطلبة من العرب والأفارقة.
على جانب آخر، وصف مارتن جريفيث –وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية، ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ- الكارثة في شمال شرق ليبيا بأنها “مروعة وصادمة ولا يمكن تصور عواقبها“، فالتقديرات الأممية تشير إلى احتمالية سقوط أكثر من 20 ألف ضحية، فيما أكدت الإحصاءات المحلية سقوط ما يزيد على 11 ألف قتيل حتى مساء يوم 16 أغسطس 2023 فقط.
أزمة مُباغتة
شهدت سماء اليونان أولى مراحل تشكل الإعصار المدمر، حيث سجلت إحدى المحطات الرصدية التابعة لخدمات الأرصاد الجوية اليونانية في يوم 5 سبتمبر ظهور عاصفة مطيرة سُميت في حينها باسم دانيال، وفي الأيام التالية بدأت العاصفة في اجتياز البحر المتوسط باتجاه الجنوب، حتى وصلت إلى سواحل ليبيا في يوم 10 سبتمبر، لكنها تفاعلت خلال تلك الرحلة مع مياه البحر المتوسط الدافئة بفعل حرارة الصيف، خاصّة عند السواحل الليبية التي وصلت حرارة سطحها إلى 27.5 درجة مئوية، وهو ما ساهم في مضاعفة قوة العاصفة من خلال زيادة نسبة الرطوبة، وأدى إلى تحولها سريعًا إلى إعصار متوسطي (انظر الصورة التالية رقم 1) لم تتمكن الجهات الرصدية الليبية من التنبؤ به، كما لم تتمكن من تحديد مساراته أو تأثيراته، هذا ما دفعها إلى الاكتفاء بإطلاق تحذيرات من اقتراب عاصفة استوائية قوية وليس إعصارًا.
صورة رقم 1: إعصار ميديكان عند وصوله إلى الساحل الليبي يوم 10 سبتمبر 2023
المصدر: موقع earthobservatory التابع لوكالة ناسا الأمريكية.
وتُبين المعلومات المتوفرة أنّ أول ظهور للإعصار على اليابسة في الليبية كان في منتصف ليلة 10 سبتمبر 2023، حيث شعر سكان مدن الساحل الأوسط مثل: سرت، والعقيلة، ومرسى البريقة، بتياراته الهوائية القوية. لاحقًا بدأ الإعصار في التوجه ناحية الشرق حيث دخل إلى منطقة الجبل الأخضر بسرعة تتراوح ما بين 70 إلى 80 كم في الساعة، حيث عبر على بنغازي دون إحداث أضرار كبيرة -وذلك على غير المتوقع- ليتجاوزها ناحية مناطق الأبيار، وجردس العبيد، والخروبة، والمخيلي، وسهل المرج، وغيرها من مناطق الجبل الأخضر، وهو ما كان سببًا في هطول أمطار بكميات مياه ضخمة تراوحت ما بين 100 مم و300 مم على تلك المناطق (انظر الخريطة التالية رقم 2)، ليؤدي ذلك إلى تدمير البنية التحتية من الطرق، وشبكات الكهرباء، والاتصالات، كما تسببت رياح الإعصار وفيضاناته في تدمير عدد من التجمعات، والمناطق السكنية الريفية، بشكل كلي، أو جزئي، ومنها مثلًا منطقة الوردية التي أزيلت بالكامل.
خريطة رقم 2: مواقع هطول الأمطار وكمياتها والمدن والسدود المتضررة من جرائها
المصدر: موقع reliefweb التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية
درنة الأكثر تأزمًا
شأنها شأن كل مدن الجبل الأخضر، واجهت درنة حركة كثيفة من الرياح بالإضافة إلى هطول كميات كبيرة من الأمطار، وصلت إلى حد 400 مم متر وفق بعض التقديرات المحلية، وهو ما كان كافيًا لأحداث حالة بالغة من الضرر لكافة البنى التحتية داخل درنة، وفي محيطها، لكن الكارثة في درنة تضاعفت عشرات المرات مع الانفجار غير المتوقع للسدين القريبين منها، وهما سد بو منصور الذي يبعد عن وسط المدينة بمسافة 13 كيلو متر، ويسع لتخزين 22.5 مليون متر مكعب من المياه، وسد البلاد الذي يقع جنوب وسط المدينة مباشرة، ويسع لتخزين 1.5 مليون متر مكعب من المياه.
حيث تسببت الأمطار الغزيرة في زيادة كميات المياه المحتجزة وراء السدين، وهو ما لم يتحمله بدناهما الضعيفان، اللذان لم يشهدا أية عمليات إصلاح أو صيانة، منذ اندلاع التوترات السياسية في ليبيا عام 2011، ولقد كانت كارثة سقوط السدين متوقعة من قبل، حيث أشارات إحدى الدراسات التي نشرتها جامعة سبها الليبية عام 2022 الفائت، إلى احتياجهما للصيانة الفورية، كما تنبئت الدراسة بأن تكون النتائج كارثية على سكان وادي ومدينة درنة في حال حدوث فيضان ضخم قبل إجراء عمليات الصيانة المطلوبة.
أدّى السيل الناجم عن انهيار السدين إلى اندفاع المياه في شكل مروحة باتجاه المناطق الشمالية من المدينة، والتي يقارب مستواها من مستوى سطح البحر، هذا ما أدّى إلى غمر 330 هكتارًا من المدينة، بالإضافة إلى تدمير 2,217 مبنى وفق التقديرات الأولية للأمم المتحدة – انظر الخريطة التالية رقم 3-، كما تسبب السيل في تقسيم المدينة إلى شطرين، وذلك من خلال تدمير الجسور الخمسة التي كانت تعلو مخر السيول الذي كان يتوسط المدينة، وهو ما أدّى إلى تصعيب حركة أفرقة الإغاثة والإنقاذ داخل المدينة، والتي كانت تعاني أصلًا من صعوبة في دخول المدينة نظرًا لتدمر شبكة الطرق السريعة المحيطة بدرنة من جراء الأمطار الغزيرة التي صاحبت حركة الإعصار.
خريطة رقم 3: المناطق المضارة داخل مدينة درنة بعد انفجار السدين
المصدر: موقع reliefweb التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية
اصطفاف سريع
ألقى العديدون باللائمة فيما شهدته درنة وشهده كل الشرق الليبي من دمار، على حالة الانقسام السياسي الممتد منذ عشر سنوات، والذي حرم البلاد من فرص تطوير بنيتها التحتية المتعلقة بالرصد الطقسي، بالإضافة إلى تطوير مرافق الإغاثة والإنقاذ التي يُعوّل عليها التدخل في مثل هذه الظروف، لكن الدول الصديقة والشقيقة لليبيا المكلومة لم يكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الظرف الإنساني الطارئ، الذي خلف آلاف القتلى وأضطر بعشرات ألاف أخرى من المواطنين إلى النزوح، لذلك استجابت تلك الدول، وبسرعة لمطالبة المجلس الرئاسي الليبي بمد يد العون للمناطق المنكوبة، وسيلي في النقاط التالية ذكر أبرز ملامح تلك الاستجابات، وذلك في حدود الفترة الممتدة بين 11 – 18 سبتمبر 2023:
- الأمم المتحدة:
أطلقت الأمم المتحدة في الرابع عشر من سبتمبر الماضي نداء دوليًا عاجلًا لمساعدة المتضررين من الفيضانات، ولقد وضعت لهذا النداء استراتيجية إغاثية يتم تنفيذها بالتعاون مع 26 كيانًا دوليًا، أحد عشر منها تابعة للأمم المتحدة مثل: منظمة الصحة العالمية، والبرنامج العالمي للأغذية، ومنظمة الأمم المتحدة لحماية الطفولة، أما الكيانات الخمسة عشر الباقية فمن المنظمات العالمية غير الهادفة للربح، ومنهم مثلًا مؤسسة BBC Media Action، ومؤسسة SUPER-NOVAE.
- الإمارات:
ما إن اتضحت معالم الكارثة الإنسانية في شرقي ليبيا، حتى أعلنت دولة الإمارات العربية يوم 11 سبتمبر عن تحركاتها لإرسال مساعدات إغاثية، وفرق بحث وإنقاذ إلى المناطق المضارة، لذلك أرسلت في مساء هذا اليوم فريقًا إغاثيًا مكونًا من 96 فردًا مزودين بالآليات والمعدات، وفريقًا طبيًا مدعمًا بعدد من سيارات الإسعاف، بالإضافة إلى 4 مروحيات، كما دشنت دولة الإمارات جسرًا جويًا ساهم حتى 16 سبتمبر في نقل 450 طنًا من المساعدات، بالإضافة إلى محطة توليد كهرباء متنقلة، وعدد من المولدات.
- الجزائر:
كانت دولة الجزائر من أوائل المساهمين في مد يد العون للمُضارين في شرق ليبيا، حيث أرسلت في 12 سبتمبر 8 طائرات محملة بمواد غذائية وطبية وملابس وخيام إيواء، كما أرسلت في اليوم ذاته فريقًا إغاثيًا قوامه 113 فردًا بكامل عتاده، ولقد قُسم هذا الفريق إلى ست مجموعات فرعية متخصصة في أعمال البحث تحت الأنقاض، والغطس، واستخدام كلاب الإنقاذ، وطب الكوارث، وإدارة عمليات الطوارئ، والدعم اللوجستي، كما توجد أخبار غير مؤكدة حول اعتزام الجزائر زيادة مجهوداتها الإغاثية من خلال إرسال إحدى سفن الإنزال البرمائي التابعة لقواتها البحرية، وذلك للعمل كمستشفى ميداني مخصص لعلاج مصابي الكارثة.
- تونس:
أعلنت الحكومة التونسية في 12 سبتمبر الحالي عن اعتزامها إرسال فريق إغاثي مكون من 52 فردًا بكامل عتاده وتجهيزاته (انظر الصورة التالية رقم 4)، كما عززت الدولة التونسية من مشاركتها في عمليات الإغاثة من خلال إرسال فريق طبي مختلط عشية يوم الأربعاء 13 سبتمبر، وذلك للمساعدة في علاج مصابي الكارثة.
صورة رقم 4: الفريق الإغاثي التونسي إلى شرقي ليبيا
المصدر: الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية التونسية على موقع التواصل الاجتماعي Facebook.
- قطر:
سعت دول قطر لمؤازرة الشعب الليبي في محنته من خلال تقديم مساعدات طبية ولوجستية ضرورية، حيث أرسلت خلال يومي 13 و14 سبتمبر أربع طائرات محملة بما مجموعه 121 طنًا، كما قدمت مستشفى ميدانيًا مجهزًا بمائة وستين سريرًا، وأطلقت مؤسسة قطر الخيرية حملة باسم “أغيثوا ليبيا” وذلك لجمع التبرعات النقدية بهدف شراء المستلزمات الإغاثية المطلوبة من غذاء، ودواء، ومأوى مؤقت.
- السعودية:
شأنها شأن بقية الدول العربية، قامت المملكة بإرسال مساعدات إغاثية عاجلة للشرق الليبي، ولقد كانت البداية في 16 سبتمبر حينما وصلت أول طائرة سعودية، وعلى متنها 90 طنًا من الاحتياجات الغذائية والإيوائية، تلتها طائرة ثانية يوم 17 سبتمبر وعلى متنها 40 طنًا من المساعدات، ثم طائرة إغاثية ثالثة بتاريخ 18 سبتمبر وعلى متنها 50 طنًا.
- الكويت:
دشنت دولة الكويت منذ 13 سبتمبر جسرًا جويًا لإرسال الاحتياجات الإغاثية لمضاري كارثة الإعصار من مستلزمات طبية، ووقائية، وغذائية، ولقد نجح هذا الجسر حتى صبيحة يوم 18 سبتمبر في نقل 110 أطنان من المواد الإغاثية.
- الأردن:
حرصت الأردن على تنويع مشاركتها بعمليات الإغاثة الجارية على الأراض الليبية، لذلك أرسلت المملكة الهاشمية في 13 سبتمبر طائرة محملة بأحد عشر طنًا من المساعدات الطارئة كالخيام، والبطانيات، والطرود الغذائية (انظر الصورة التالية رقم 5)، وأتبعتها في اليوم التالي 14 سبتمبر بطائرة محملة بفريق بحث وإنقاذ مكون من 88 عضوًا، وذلك للمساهمة في استخراج العالقين تحت الأنقاض، ولانتشال جثث الضحايا.
صورة رقم 5: طائرة المساعدات الإغاثية الأردنية أثناء عملية تحميلها
المصدر: الصفحة الرسمية لإذاعة القوات المسلحة الأردنية على موقع التواصل الاجتماعي Facebook.
- فلسطين:
دولة فلسطين هي الأخرى حرصت على المشاركة بما أتيح لها من إمكانيات في إزالة آثار الكارثة، حيث أرسلت الحكومة الفلسطينية في 13 سبتمبر 2023 فريقًا مكونًا من 34 فردًا من عناصر وزارة الصحة الفلسطينية، والدفاع المدني الفلسطيني، والوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي.
- تركيا:
بتاريخ 12 سبتمبر وبعد يومين من حلول أزمة الإعصار، قامت السلطات التركية بإرسال أول الفرق الإغاثية إلى شمال شرق ليبيا وكان قوامها 168 عنصرًا، وفي يوم 14 سبتمبر تم إرسال فريق آخر قوامه 15 فردًا مع خمس حاويات بها ملابس، ومواد إعاشية للناجين من الكارثة. وفي 17 سبتمبر، وصلت سفينتان عسكريتان تحملان على متنهما 360 فردًا بكامل تجهيزاتهم، وذلك لإقامة ثلاثة مستشفيات ميدانية.
- الاتحاد الأوروبي:
أعلن الاتحاد في صبيحة يوم 18 سبتمبر عن تقديمه دعمًا إنسانيًا قيمته 5.2 ملايين يورو، وذلك لتمويل عمليات توفير المأوى المؤقت، وتوفير المستلزمات الطبية، ومعدات الوقاية الوبائية، والمؤن الغذائية، بالإضافة إلى نقل مياه الشرب النظيفة، وإتاحة مرافق الصرف الصحي. ويأتي هذا التمويل الجديد بعد أيام من صرف إعانة عاجلة قيمتها 500 ألف دولار، وذلك للتعاطي السريع مع تأثيرات الأزمة على المواطنين.
- إيطاليا:
تُعتبر إيطاليا أكثر دول الاتحاد الأوروبي مساهمة في معالجة الأزمة الإنسانية بمنطقة الجبل الأخضر، حيث أرسلت حكومة روما في يوم 13 سبتمبر طائرتين، على متنهما خبراء طوارئ متخصصون في التعامل مع الفيضانات، كما أرسلت سفينة بحرية محملة بالعديد من المعدات الفنية والاحتياجات اللوجستية، كما وضعت سفينة أخرى وعددًا من المروحيات قيد الطلب، وذلك لمعاونة فرق الحماية المدنية العاملة على الأرض، وفرق الصليب الأحمر الإيطالية المبتعثة. ويقدر عدد العمال الإغاثيين من إيطاليا حاليًا بحوالي 450 فردًا.
- مالطا:
أعلنت الحكومة المالطية في يوم 12 سبتمبر عن مشاركة فريق إنقاذ مكون 43 عضوًا، مقسمين إلى 31 فردًا متخصصًا في البحث والإنقاذ، و12 فردًا من مقدمي الخدمات المعاونة، ولقد كان لهذا الفريق دورٌ في اكتشاف المئات من الجثث التي توفي أصحابها أثناء كارثة درنة.
- ألمانيا:
كما قررت الحكومة الألمانية في اليوم ذاته (14 سبتمبر) إرسال طائرتي نقل عسكري محملتين بمائة خيمة، وألف سرير ميداني، وألف بطانية، وألف 1000 حصيرة نوم، بالإضافة إلى 80 مولدًا كهربائيًا، كما يُنتظر أن تقدم الحكومة الألمانية خلال وقت قريب مبلغ أربعة ملايين يورو كمساعدة إغاثية لليبيا.
- فرنسا:
أعلنت سفارة فرنسا في ليبيا يوم 14 سبتمبر اعتزام بلادها تشييد مستشفى ميداني متكامل بطاقة 14 سريرًا (انظر الصورة التالية رقم 6)، كما انتدب لتشغيله 54 عنصرًا من المتخصصين في الإنقاذ وطب الكوارث.
صورة رقم 6: المستشفى الميداني الفرنسي يباشر مهام عمله
المصدر: الموقع الإلكتروني Libya update.
- أسبانيا:
شاركت أسبانيا في العمليات الجارية داخل مدينة درنة بفريق بحث وإنقاذ صغير، لم يزد قوامه على العشرين فردًا، ولقد امتدت فترة عمله لخمسة أيام فقط، ليعُلن عن نهاية أعمال هذا الفريق يوم الأحد 18 سبتمبر 2023.
- روسيا:
وصلت أولى المساعدات الروسية المقدمة لليبيا ليلة يوم 15 سبتمبر، حيث حطت بمطار مدينة بنغازي طائرة محملة بكمية من المواد الإغاثية، تبعتها طائرة أخرى في اليوم نفسه، وكانت محملة بمؤن طبية ومولدات كهربائية. وفي اليوم التالي 16 سبتمبر أرسلت السلطات الروسية فريقَ بحث وإنقاذ مكونًا من 50 فردًا للمساهمة في عمليات البحث والإنقاذ والانتشال البري والبحري.
- اليونان:
أرسلت الحكومة اليونانية يوم 17 سبتمبر فريقًا مكونًا من 19 فردًا، إلا أنّ الفريق لم يتمكن من المشاركة في عمليات الإنقاذ بسبب وقوع حادث مروري أثناء انتقاله من مدينة بني غازي إلى مدينة درنة الليبية، وهو ما أدّى إلى وفاة 5 من أعضائه، فيما قررت الحكومة اليونانية إعادة باقي الفريق إلى الوطن، وذلك لتلقي العلاج.
مصر في الطليعة
ما إن قامت الأجهزة المختصة بعمل تقييم سريع للموقف الكارثي على الأرض الليبية، إلا وبدأت الدولة المصرية في اتخاذ خطوات عاجلة وسريعة لدعم الأشقاء الليبيين في مصابهم الجلل، ولقد كانت البداية في صبيحة يوم 12 سبتمبر، حينما عقدت القيادة السياسية اجتماعًا طارئًا مع عدد من قيادات القوات المسلحة، وذلك لتوجيه تلك الأخيرة بتقديم الإغاثات الإنسانية المطلوبة لليبيا، وأيضًا للمغرب الشقيق الذي ضربه زلزال مدمر مساء يوم 8 سبتمبر 2023.
ليتوجه في اليوم ذاته وفد عسكري رفيع المستوى إلى الشرق الليبي، وذلك للتباحث مع المسئولين هناك حول الاحتياجات الإغاثية الأولية المطلوبة، وما هي إلا ساعات بعد هذا اللقاء حتى دشنت القاهرة الجسر الجوي الرابط مع المناطق المنكوبة في الجبل الأخضر، حيث حلقت عصر هذا اليوم ثلاث طائرات محملة بكميات من المواد الطبية والإغاثية (انظر الفيديو التالي رقم 7)، كما حملت معها 25 فريقًا من المختصين بعمليات الإنقاذ والإخلاء الطبي، وتبعتهم طائرة أخرى لتنفيذ أعمال الإخلاء الطبي للمتوفين والمصابين.
فيديو رقم 7: تدشين الجسر الجوي الإنساني الرابط مع شرق ليبيا
المصدر: الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع المصرية على موقع التواصل الاجتماعي Facebook.
المعلومات الواردة من ليبيا على مدار الساعات التالية أكدت أنّ حجم الكارثة أكبر بكثير من القدرات والإمكانات المتوفرة لدى الأشقاء الليبيين، لذلك أعلنت الدولة المصرية في صبيحة يوم 13 أغسطس عن قرارها بتجهيز عشر طائرات مروحية للمشاركة في أعمال البحث والإنقاذ على الأراضي الليبية، لتشكل تلك الطائرات أكبر أسطول جوي غير ليبي مشارك في أعمال الإغاثة الإنسانية بشمال شرق البلاد،
كما وجهت عبر معبر السلوم الواقع غربي مصر، قافلة برية مكونة من حوالي 150 مركبة مختلفة الأنواع، ما بين عربات إطفاء وإنقاذ، وعربات إسعاف، ومعدات هندسية، وناقلات مستلزمات إغاثية، بالإضافة للحافلات التي تنقل الفرق الطبية وفرق الإنقاذ المشاركة في مجهودات الإغاثة على الأرض الليبية.
وبالتوازي مع ما سبق من جهد، قامت الجهات المعنية بتجهيز حاملة المروحيات جمال عبد الناصر للذهاب إلى مدينة درنة المنكوبة بهدف العمل كمستشفى ميداني، كما حُمّلت السفينة في رحلتها نحو الشرق الليبي بمئات الأطنان من مواد الإعاشة والمساعدات الإغاثية (انظر الصورة التالية رقم 8)، ونقلت أيضًا فرقًا إغاثية وطبية جديدة مدعومة بالعشرات من عربات الإسعاف، إضافة إلى نقل عشرات أخرى من المعدات الفنية والهندسية، التي يُعوّل عليها أن تشارك في رفع الأنقاض بحثًا عن الناجين، ولانتشال جثث الضحايا.
صورة رقم 8: حاملة المروحيات جمال عبد الناصر أثناء تحميلها بالمواد الإغاثية، والمركبات المشاركة في عمليات الإنقاذ
المصدر: الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع المصرية على موقع التواصل الاجتماعي Facebook.
خاتمة
تتضافر مجهودات العديد من دول العالم الآن لمحاولة التخفيف من عبء المعاناة الإنسانية التي يواجهها الشعب الليبي الشقيق، ولعل تلك المجهودات ستحتاج لأسابيع أو شهور، فحجم الدمار كبير، ولا يمكن إزالة آثاره في وقت وجيز، ويفتح هذا التوقع الباب للتفكير في ضرورة تنظيم المجهودات الإغاثية بين كافة الدول المشاركة، والتي تعاني حتى الآن من وجود حالة فوضى إدارية على الأرض، وهو ما يعرقلها عن تحقيق أهدافها الإغاثية التي جاءت من أجلها.
لذلك، قد يكون من المفيد أن تقوم السلطات الليبية بتدشين مركز سيطرة، وتحكم مشترك، هدفه خلق حالة من التناغم بين مختلف الفرق الإغاثية الأجنبية، كما سيكون لهذا المركز الدور الهام في إصدار مختلف البيانات والمتابعات الإعلامية الخاصة بالتعامل مع تداعيات الأزمة، وذلك لمنع اللغط والبلبلة، وانتشار المعلومات المغلوطة، وأخيرًا سيكون من مهام هذا المركز نشر الاحتياجات الإغاثية عبر وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، وإتاحتها للمجتمع الدولي، وذلك لتسهيل مهمة إرسال المساعدات الإغاثية.