بالنظر إلى أهمية القمة العربية-الأوروبية الأولى التي ستُعقد يومي 24 – 25 فبراير 2019، والدور الذي لعبه السفير “جمال بيومي” في إدارة العلاقات المصرية-الأوروبية في مرحلة مهمة من تاريخ هذه العلاقات؛ أجرى معه المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية هذا الحوار. والسفير “جمال بيومي” هو أمين برنامج المشاركة المصرية-الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، ومساعد وزير الخارجية الأسبق.
وفيما يلي نص الحوار:
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: هل تُعد هذه القمة العربية-الأوروبية الأولى بالفعل؟ وكيف يمكن تصور ذلك في ظل المصالح العربية-الأوروبية المشتركة والتاريخية؟
السفير جمال بيومي: نعم هي القمة الأولى، لكن سبقها حوار عربي-أوروبي لم يصل إلى مستوى القمة. وقد جاء هذا “الحوار” بمبادرة من القمة العربية في الجزائر سنة 1974 عقب انتصار أكتوبر 1973، حيث دعت القمة العربية دول التجمع الأوروبي (الاتحاد الأوروبي حاليًّا) لهذا الحوار، واستجابت دول التجمع لذلك، حيث بدأ حوار عربي-أوروبي من خلال جامعة الدول العربية.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: ما الذي تُمثّله قمة بهذا المستوى للدول العربية في ظل الخلافات التي حدثت في الاجتماع الوزاري ببروكسل (4 فبراير 2019) على موضوعات جدول الأعمال، وتوصلوا بعدها لجدول يشمل أبرز ما يهم الدول الأوروبية كقضية الهجرة، وما يهم الدول العربية كقضية مكافحة الإرهاب، لكن ما زالت الرؤى غير متجانسة. فما هي احتمالات نجاح القمة في تغطية موضوعات جدول الأعمال، والوصول إلى تفاهمات بشأنها؟
السفير جمال بيومي: انعقاد القمة في موعدها هو أول خطوة على طريق النجاح، تليها خطوة الاتفاق على جدول الأعمال، وهذا هو ما حدث بالفعل. والخطوة الختامية هي الاتفاق على التفاصيل الخاصة بالمسائل محل النقاش على جدول الأعمال، والتوصل إلى رؤى وأرضية مشتركة بشأنها. علمًا بأن الجانبين -الأوروبي والعربي- لديهما بالفعل اتفاقات مشتركة؛ فهناك اتفاق خليجي-أوروبي، وهناك اتفاق متوسطي-أوروبي يضم الدول العربية المتوسطية الثماني. أيضًا هناك اتفاقات بين أوروبا والدول العربية الأقل تقدمًا. وهناك تأكيد بتلك الاتفاقات المشتركة على العديد من القضايا، أبرزها: إعلاء قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ومحاربة الجريمة المنظمة التي تم الاتفاق على تعريف محدد لها، لكن توجد مشكلة خاصة حول تعريف محدد للإرهاب بين الجانبين العربي والأوروبي، حيث يخلط الأوروبيون بين حركات التحرر الوطني وجماعات الإرهاب. على سبيل المثال، كان الأوروبيون يعتبرون منظمة التحرير الفلسطينية حتى وقت قريب منظمة إرهابية. وبالتالي، فإن ما يجب التركيز عليه هو توضيح ذلك المفهوم، والوصول إلى اتفاق بشأنه. لكن في المجمل فإن احتمالات نجاح القمة لا تزال كبيرة باعتبار أننا خطونا ثلثي الطريق.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: هل يظل الاتحاد الأوروبي على نفس أهميته السابقة بالنسبة للدول العربية في ظل ما يعصف بالداخل الأوروبي من تحديات، كتظاهرات السترات الصفراء، والبريكست، ما يجعل التركيز على القضايا الداخلية أكثر أهمية من المشاكل الخارجية؟
السفير جمال بيومي: بالتأكيد، فالطرفان على المستوى التجاري من أكبر الشركاء، لذا فنحن نبني على علاقات قائمة بالفعل. وإذا كانت هناك مشاكل لدى أحد الطرفين فالكل لديه مشاكله. وهذه القمة تعد فرصة كبيرة لمساعدة الدول العربية في حل قضايا مهمة بالنسبة لها، كقضية سوريا؛ فالاتحاد مندمج في القضية بشكل فعال، وكذلك في ليبيا. وبالتالي فإن أهمية الاتحاد ما زالت كبيرة في الدفع لحل تلك القضايا، ما يجعله على أهمية كبيرة بالنسبة للدول العربية.
كذلك، نجد أن الاتحاد الأوروبي يُعمّق تحركاته الخارجية، وبخاصة في المنطقة العربية؛ فهو يساهم في دفع المليارات سنويًّا في شكل منح لا تُرد، وغيرها. لذا فإن الاتحاد الأوروبي ما زال مهتمًّا بمشاكل جيرانه، ما دفعه إلى إطلاق “سياسة الجوار” التي لا تهتم فقط بالدول المجاورة له بشكل مباشر، بل من تجاور جيرانه.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: إن وجود هذا الحجم من الوفود الرسمية الأوروبية، وأبرز رؤساء هيئات الاتحاد الأوروبي؛ يُعد فرصة كبيرة لمصر باعتبارها رئيس الاتحاد الإفريقي، فهل ستكون هنالك فرصة لتعميق المشاركة بين إفريقيا وأوروبا لحل مشكلات إفريقيا من خلال هذه القمة؟
السفير جمال بيومي: في قمة كهذه بالتأكيد سيكون هناك العديد من الفرص للتعاون وإيجاد أرضية مشتركة لحل تلك المشكلات؛ فنجد مثلًا أن مصر نجحت مؤخرًا في اجتماع “مجلس المشاركة المصرية-الأوروبية” ببروكسل في إقناع الجانب الأوروبي بقيام تعاون مصري-أوروبي في إفريقيا تحت اسم “التعاون الثلاثي”، على أن يكون هناك تمويل لمشروعات محددة في إفريقيا بخبرة مصرية وتمويل أوروبي. ومن الممكن من خلال هذه القمة أن نعظم ذلك التمويل بتمويل خليجي أيضًا. بمعنى آخر، أمامنا من خلال هذه القمة العديد من المجالات التي يمكن إطلاقها والتوسع في دائرة العلاقات التي تزيد فاعليتها.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: تُعتبر تلك الخطوة من أكبر الخطوات على طريق العلاقات بين الجانبين، فكيف يمكن تطويرها؟ وما هو الشكل الذي من الممكن أن يكون عليه هذا التطور؟
السفير جمال بيومي: إن هذه الخطوة هي شكل من أشكال مختلفة للسبل التي يمكن أن يأخذها الجانبان لتطوير وتعميق علاقاتهما؛ فنجد أن مصر ودول المتوسط تتفاوض مع الاتحاد للوصول إلى منطقة تجارة حرة أكثر عمقًا من القائمة حاليًّا، بحيث نوسّع دائرة تحرير التجارة، ونوحّد قواعد التجارة بين الطرفين.
بالإضافة إلى ذلك، يُمكن تعميق وتطوير هذه العلاقات عن طريق تعاون أكبر في مجال الاستثمار، بهدف الوصول إلى اتفاقية مشتركة تخص حماية رؤوس الأموال الخاصة بالاستثمار، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر لما يمكن عمله.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: هل يوجد أفق لتحويل هذه القمة إلى قمة سنوية؟
السفير جمال بيومي: هذا شيء سيحدده الجانبان في القمة حسب استعدادهما. لكن على الجانب الآخر، نجد أن هناك اجتماعًا سنويًا لوزراء دول المتوسط منذ فترة طويلة.
المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية: ما هي أبرز القضايا التي يجب أن تكون لها الأولوية وتشغل حيزًا كبيرًا بالقمة؟
السفير جمال بيومي: على الجانب الأمني هناك قضايا فلسطين وسوريا واليمن وليبيا، وقضايا الجريمة المنظمة. وسيُعد نجاحًا كبيرًا فيما يخص الجانب العربي بشكل عام والمصري بشكل خاص في حال تعميق التعاون الخاص بمكافحة الإرهاب، سواء من خلال تبادل المعلومات، أو استخدام الأقمار الاصطناعية لرصد التحركات الإرهابية.
وعلى المستوى الاقتصادي، هناك قضية منطقة التجارة الحرة وسبل تعميقها، والمشروعات المشتركة المهمة، مثل المشروعات الإقليمية التي ستفيد المساعدة الفنية الأوروبية بها، كالربط الكهربائي بين الدول العربية وإفريقيا، ثم الربط الكهربائي بأوروبا. وهناك كذلك مشروعات الربط البري والبحري، وربط الدول الأوروبية جنوب المتوسط بشمال إفريقيا والخليج (ربط الإسكندرية بجوهانسبرج). وأخيرًا وليس آخرًا، فإن نجاح الطرفين في الوصول إلى موقف عربي-أوروبي فيما يخص قضية التغير المناخي سيكون له صدى مهم.