تنعقد الأحد 24 فبراير الجاري، أول قمة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في مدينة شرم الشيخ، تحت رئاسة الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، ورئيس المجلس الأوروبي السيد “دونالد تاسك” (البولندي). وستكون مشاركة الدول الأعضاء في أي من هاتين المنظمتين على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات. ومن المنتظر حضور السيد “جان كلود يونكر” (رئيس المفوضية الأوروبية)، والسيدة “فيدريكا موجيريني”، بالإضافة إلى مشاركة أكثر من ٢٤ قائدًا أوروبيًّا، من بينهم المستشارة الألمانية “ميركل”، ورئيسة الوزراء البريطانية “تريزا ماي”، ورؤساء الوزراء البلجيكي “شارل ميشيل” والأيرلندي “فرادكار”.
أجندة عمل واسعة
قالت مصادر دبلوماسية غربية، إن كل الموضوعات ذات الاهتمام المشترك مدرجة على جدول الأعمال: الإرهاب، والهجرة، والطاقة، وليبيا، واليمن، وسوريا، والصراع العربي-الإسرائيلي، وإيران ومصير الاتفاق النووي، والتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني والثقافي والبيئي، والاستثمار، والاحتباس الحراري، وحوار الحضارات، وحقوق الإنسان، والمساعدات الإنسانية.. إلخ، إلى جانب التشاور حول آلية القمة بين المنظمتين.
ومن الواضح أن الوقت لن يتسع لمناقشات متعمقة لكافة هذه الموضوعات، لكن الإعلام الغربي قال في أكتوبر الماضي إن قضية الهجرة ستتصدر جدول الأعمال، وإن رئيس المفوضية الأوروبية أثنى بشدة وأشاد بالسياسة المصرية “النموذجية” في تلك القضية. وذكر الإعلام الأوروبي أيضًا أن المستشار النمساوي “كورتز” أدلى بتصريحات مشابهة. ويلاحظ أن المقالة التي كتبها وزير الخارجية الإسباني السيد “بوريل”، والتي نشرتها صحيفة “الأهرام ويكلي” يوم الأربعاء 20 فبراير؛ خصصت مساحة كبيرة لتلك القضية، ولضرورة بناء مجتمعات أوروبية تحترم التعددية الثقافية. وفي المقابل، قالت السيدة “تريزا ماي” إن التعاون الأمني سيكون على رأس الموضوعات. ولم تحتلّ الهجرة إلا المركز الثالث على قائمة الأولويات التي حددها موقع رئيس وزراء بلجيكا. ولم يشر هذا الموقع إلى الوضع الليبي رغم أهميته البالغة لفرنسا وإيطاليا مثلًا.
التباين واضح، لكنه يعطي مؤشرات حول القضايا التي يريد كل طرف إثارتها في لقاءاته الثنائية الجانبية. وقالت ورقة نُشرت على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الاتحاد سيركز على العمل المشترك لمواجهة قضايا الأمد الطويل، وإن هذا التركيز سيكون غالبًا على حساب بحث الأزمات الآتية.
وجدير بالذكر أن الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية عجزت عن التوصل إلى اتفاق فيما بينها حول قضية الهجرة، إن استثنينا الإجماع على ضرورة حث دول الجنوب على بذل الجهود لمنع الهجرة غير الشرعية. فالمواقف متباينة جدًّا نظرًا لاختلاف المصالح والوضع السكاني والجغرافي، وتباين أيديولوجيات النخب الحاكمة وتوجهات الرأي العام. فعلى سبيل المثال، اعترضت دولة من دول أوروبا الشرقية على مجرد الإشارة إلى الوثيقة التي أصدرها مؤتمر مراكش في ديسمبر الماضي، ومنعت التوصل إلى موقف أوروبي موحد.
وسبق القمة اجتماع تحضيري بين المنظمتين على المستوى الوزاري، عُقد في بروكسل في ٤ فبراير. وشدد البيان الختامي على أهمية تلك اللقاءات، وعلى شمولها، وعلى الحرص على تعميق التعاون في شتى المجالات. لكن اللقاءات التحضيرية السابقة على هذا الاجتماع (اجتماع ٤ فبراير) لم تنجح في تجسير الفجوة بين العواصم الأوروبية المعنية، ومن ثم فشل الاجتماع في إصدار الوثيقة التي أعدها الخبراء، رغم موافقة جامعة الدول العربية على مسودتها، إذ حالت الخلافات العميقة بين دول أوروبا دون التوصل إلى اتفاق بشأن الوثيقة.
ما الذي تنتظره أوروبا من القمة؟
قالت مصادر دبلوماسية غربية إن انعقاد القمة ومكانها يعكسان التقدير الأوروبي للدور المصري المسئول، والرغبة في تعميق العلاقة مع القاهرة. ورجحت هذه المصادر صدور بيان ختامي مشترك رغم تباين المواقف. وستكون تلك القمة فرصة سانحة لعقد لقاءات ثنائية بين زعماء الدول، تكتسب أهمية خاصة لأنها تسمح للدول الأكثر بعدًا عن الملفات، أو الأصغر حجمًا، بمد جسور للتعارف بين قادتها والفاعلين الأساسيين، ولبحث فرص التعاون والتشاور، وللاطلاع على مواقف كل طرف من الأطراف وعلى آخر التطورات. وتكتسب تلك اللقاءات الثنائية أهمية خاصة (رغم أن اللقاء يجمع منظمتين) لعجز كل من الدول الأوروبية من ناحية، والدول العربية من ناحية أخرى، على الاتفاق على موقف موحد بشأن كل القضايا ذات الاهتمام.
خلاصة القول، إن القمة تُعد تكريمًا لدور مصر، وإرساء سابقة قد تصبح مهمة، وتأكيدًا على ضرورة التعاون والتشاور بين المنظمتين، وفرصة لتنظيم لقاءات ثنائية مكثفة، رغم أنها قد لا تنجح في تقوية أيٍّ من المنظمتين تقوية يُعتد بها، رغم أن ذلك كان أحد الأهداف الدافعة إلى انعقادها.
إنّ عجز الاتحاد الأوروبي عن بلورة سياسة واحدة واستراتيجية متماسكة وتطبيقهما ليسا بالأمر الجديد. فقد أشارت مقالة مهمة نُشرت على موقع “معهد الشرق الأوسط” (الأمريكي) إلى أن الاتحاد لم ينجح أبدًا (منذ سنة ١٩٩٣) في إصدار وثيقة “شاملة ومفصلة ومتماسكة وواقعية” ترسي أسس نشاطه وتحركاته ودبلوماسيته في الشرق الأوسط، بينما نجح في إصدار وثائق تتضمن استراتيجية شاملة فيما يتعلق بالتعامل مع آسيا، وآسيا الوسطى، وأمريكا الوسطى، وإفريقيا، والمحيط المتجمد الشمالي. أما فيما يخص منطقة الشرق الأوسط فإن الاتحاد ينطلق ويتفاعل مع المنطقة من خلال وثائق متنوعة تنظم التعاون، ومن خلال مبادرات واتفاقات مثل “سياسة الجوار” و”الاتحاد من أجل المتوسط”، والاتفاق القديم مع دول الخليج. ويترتب على غياب مرجعية جامعة شاملة انتهاج سياسات مفككة وغير متسقة.
وفسّر كاتب المقالة هذا الوضع بالخلافات العميقة بين الدول الأوروبية الكبيرة، وباكتفاء أوروبا بسياسة ردود الأفعال. وأضاف الكاتب ساخرًا أن وثيقة “الاستراتيجية الشاملة” (الكونية) التي أصدرها الاتحاد أشارت في عجالة إلى المنطقة. ويرى الكاتب في هذا التشخيص إقرارًا ضمنيًّا بالعجز عن التأثير وعن رسم خطط وسياسات، ولكنه يتراجع بعد قليل مُقرًّا بأن كل الدول الأوروبية الكبرى نشيطة في المنطقة، لكنها تعمل منفردة نظرًا للاختلاف الكبير بين مصالحها. ومن الواضح أن فعاليات المؤتمر ستعكس بدقة هذا الوضع.
وأشارت الورقة المنشورة على موقع المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، السابق ذكرها، إلى أن الانقسامات الأوروبية ستكون محرجة، حيث قالت إن الاتحاد الأوروبي كان حريصًا على تنمية العلاقات وعلى التنسيق مع المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية، وفقًا لخطوط الاستراتيجية الشاملة (الكونية) التي تبناها، وكان يولي للبعد الرمزي لهذا المؤتمر -وهو الأول من نوعه- أهمية قصوى. وكان يعتبره تتويجًا لسياسات ولتعاون مع دول شمال إفريقيا في مجالات الهجرة والأمن ومكافحة الإرهاب ثبتت فعاليتها وجاءت بنتائج مرضية تمامًا للجانب الأوروبي، حيث انخفضت معدلات الهجرة غير الشرعية بنسبة كبيرة، ويرى الاتحاد فيه اعترافًا بأهمية دور دول الشمال الإفريقي، ولا سيما مصر، وتكريمًا لها. ويقول أيضًا إن الاتحاد كان يريد توصيل رسالة للدول العربية، رسالة تقول: إن الاتحاد قوي ومتماسك، ويجب عدم الاستخفاف به، وإن أوروبا قادرة على تبني مقاربة شاملة ومتماسكة لأزمات المنطقة. رسالة تعكس الرغبة في تقوية المنظمات الإقليمية، وفي فتح قنوات تمر من خلالها، لكن مجريات الأمور وعجز الدول الأوروبية عن الاتفاق على موقف موحد قد يوصل الرسالة العكسية؛ رسالة تقول إن الاتحاد الأوروبي لا يُعتد به لشدة التباينات بين أعضائه، وإن التعاون بين المنظمات الإقليمية غير مجدٍ، وإن الأصل والأفضل هو العلاقات الثنائية بين الدول، ولا سيما فيما يتعلق بالقضايا المهمة.
ويلوم كاتب الورقة السابقة الحكومات الشعبوية الأوروبية، ويحملها مسئولية هذا الوضع، لحرصها على إرسال رسائل إلى رأيها العام على حساب المصلحة العامة، لكن هذا الكلام غير مقنع مائة في المائة. حقيقي أن الحكومة التي منعت إصدار الوثيقة التي أعدها الخبراء حكومة شعبوية، لكن اختلاف المصالح سابق على صعودها من ناحية، وكل الحكومات تخاطب رأيها العام من ناحية أخرى. ونقطة التحول الحقيقية هي أزمة اللاجئين السوريين والمهاجرين القادمين من ليبيا.
ويختتم الكاتب مقاله بقوله كلامًا مكررًا، مفاده أن التطورات الداخلية خلال الأشهر الماضية في دول عربية كثيرة “غير مشجعة” لأن الرأي العام الأوروبي سيوبخ الرؤساء الذين قابلوا “طغاة” وشخصيات كريهة، ونحسب نحن أن الشعوب الأوروبية أكثر نضجًا وواقعية مما يقوله الكاتب وغيره. ويقول إن القادة العرب يتعاونون مع أوروبا لأنهم يجدون مصلحة في هذا، ويتقيدون بحدود تلك المصلحة. وتلك الإدانة هي في الواقع إشادة من حيث لا يدري، حتى لو حاول الكاتب إقامة تمييز هش بين مصلحة الأنظمة ومصلحة الدول. ويبدو أنه يفترض وجود دول في أوروبا دون العالم العربي وأنظمة في العالم العربي دون أوروبا. ومن ناحية أخرى، هذا الكلام يتجاهل بعض الحقائق، نذكر منها أن الإرهاب يهدد الكل، وأن مقاومة الهجرة غير الشرعية مصلحة مشتركة ودائمة مهما تطورت الأنظمة وتعددت أشكالها.