بعد التفجير الإرهابي الذى استهدف منطقة تقسيم وسط إسطنبول، في نوفمبر من العام الماضي، عاد الإرهاب لمهاجمة أهداف داخل المدن التركية الكبرى، وهذه المرة في العاصمة أنقرة، حيث استهدف حزب العمال الكردستاني، الأحد الماضي، مدخل المديرية العامة للأمن التابعة لوزارة الداخلية، التي تقع في منطقة مكتظة بالمؤسسات الرسمية منها مبنى البرلمان.
العملية الإرهابية، كما تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، التى هاجم فيها مسلحان مبنى مديرية الامن، كانت متواضعة من حيث الإعداد والتنفيذ والنتائج. من الواضح انه تم التخطيط لهذا الهجوم ليس من أجل حصد الأرواح او تسجيل عدد كبير من الإصابات، وانما فقط من أجل التذكير بأن الإرهاب لايزال موجودا وأنه يضع تركيا نصب عينه. وأيضا من أجل إحراج السلطات الأمنية التركية، باستهداف إحدى مؤسساتها. والاهم إحداث فرقعة إعلامية، من خلال اختيار موعد افتتاح السنة التشريعية الجديدة التى كان سيشارك فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، وإيصال رسالة مفادها مواجهة السلطة التشريعية، ومواجهة الأجندة التى يأمل اردوغان تنفيذها من خلال البرلمان.
المعلوم ان تركيا تخوض حربا ضروسا على تنظيم حزب العمال الكردستانى وامتداداته المسلحة عبر الحدود فى العراق وسوريا. وقد تبنى التنظيم، منذ تأسيسه عام 1978، أيديولوجية ذات جذور ماركسية ثورية، واتبع نهجا عسكريا عنيفا لتحقيق أهدافه بإقامة دولة قومية كردية مستقلة لاستعادة الجغرافيا التاريخية للأمة الكردية المشتتة فى تركيا وإيران والعراق وسوريا.
شن حزب العمال أولى عملياته العسكرية فى تركيا عام 1984، وبدأت الحكومة التركية مفاوضات معه فى عام 2013 سعيا لإيجاد حل للقضية الكردية. وبعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار فى عام 2015، استٍؤنف القتال بين الجانبين. كان حزب العمال الكردستانى يستهدف قوات الأمن التركية فى معظم هجماته، وتوسع لاحقا باستهداف مدنيين. وقد صنف كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبى وتركيا والولايات المتحدة، ووضع على قائمة الإرهاب.
رغم ان حرب تركيا ضد حزب العمال قد قاربت لأربعة عقود، فإن استراتيجيتها لمكافحة تمرده، التى بدأ تطبيقها فى عام 2015، تعتبر الأكثر قوة والأشد شراسة من حيث استهداف عناصر التنظيم. وفق أرقام متداولة، قضت قوات الأمن التركية على أكثر من 15 ألف إرهابى من تنظيم حزب العمال فى تركيا وشمال العراق وسوريا. وتم استهداف ما يصل الى 100 شخصية رفيعة المستوى داخل التنظيم بضربات الطائرات دون طيار. وهو ما يمثل أكبر عدد فى تاريخ عمليات مكافحة الإرهاب فى تركيا فى فترة زمنية قصيرة للغاية.
تعتمد انقرة فى استراتيجيتها لمكافحة حزب العمال على نهج «استراتيجية عبر الأفق»، بالاعتماد على الضربات الجوية والطائرات المسيرة دون إرسال جنود على الأرض. وتقول إنها تستند إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذى ينص على الحق المشروع فى الدفاع عن النفس، وأن الهدف من عملياتها الجوية «ضمان أمن الحدود» ومنع أى هجمات إرهابية تستهدف الشعب التركى والقوات الأمنية، واجتثاث الإرهاب من جذوره، عبر تحييد التنظيمات الإرهابية، حزب العمال الكردستاني، وأذرعه فى العراق وسوريا.
فى سوريا، نفذت أنقرة عمليات واسعة عبر الحدود بهدف إرغام وحدات حماية الشعب الكردية، المدعومة من أمريكا، والتى تعتبر فرعا من حزب العمال الكردستاني، على الرحيل. وفى العراق، قام الجيش التركى بعمليات مسح جوى بواسطة طائرات عسكرية دون طيار. وتهدف انقرة الى إرساء شريط أمنى فى كردستان العراق على طول الحدود مع تركيا، لاستئصال تحركات حزب العمال الكردستانى من المنطقة.
ومن المتوقع أن يدفع الهجوم الأخير على مقر مديرية الأمن، إلى مواصلة انقرة حملتها ضد حزب العمال وملاحقة قادته وعناصره فى الداخل وفى الخارج. وسوف تعتمد تركيا على ما تلقته من رسائل دعم وإدانة، عقب الحادث مباشرة، من عدة عواصم غربية، من اجل استكمال استراتيجيتها وتحقيق جميع أهدافها.