شهدت القمة الإفريقية الأخيرة التى عُقدت فى أدريس أبابا، والتى انتقلت فيها رئاسة الاتحاد الإفريقى الى مصر، حدثا فريدا وهو مشاركة بيل جيتس (الرئيس السابق لشركة مايكروسوفت) فى الأعمال الافتتاحية للقمة، وقيامه بإلقاء خطاب أمامها، مثله مثل الرؤساء الأفارقة المشاركين فى القمة.
هذا التقدير الرئاسى يعود بالأساس الى الجهد التنموى الكبير الذى تقوم به مؤسسة بيل جيتس وزوجته ميلندا فى الدول الإفريقية. ولكن الأمر لم يقتصر فقط على التبرعات، حيث ألقى بيل جيتس خطابا أمام القمة الإفريقية، يمكن ان يوصف أيضا بأنه ذو مستوى رئاسي، طرح فيه رؤيته لتحقيق التنمية فى القارة السمراء.
تحدث بيل جيتس عن أن اهتمامه بإفريقيا بدأ منذ خمسة وعشرين عاما، عندما تلقى مكالمة هاتفية من نيلسون مانديلا، يطلب منه المساعدة فى تمويل أول انتخابات حرة فى جنوب إفريقيا. فى ذلك الوقت، كان جيتس مشغولا بإدارة شركة مايكروسوفت وتطوير البرمجيات، ولم يكن يعرف الكثير عن جنوب إفريقيا أو إفريقيا على الإطلاق. ولكن إعجابه بنيلسون مانديلا جعله يشعر بأن عجلات التاريخ كانت تدور فى هذه القارة. من هنا بدأ اهتمامه بإفريقيا، وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، استثمرت مؤسسة بيل جيتس 15مليار دولار فى مكافحة الفقر والمرض فى القارة الإفريقية، وقامت بدعم مجموعة من البرامج التى ركزت على الصحة والتغذية، والوقاية من الأمراض، والماء والصرف الصحى والنظافة، والخدمات المالية للفقراء، واستثمرت أيضا فى لقاحات جديدة للأمراض، والمحاصيل ذات الإنتاجية الأعلى للمزارعين.
رؤية بيل جيتس للتنمية فى إفريقيا ونصيحته للقادة الأفارقة الذين استمعوا لخطابه فى القمة الأخيرة للاتحاد الإفريقى يمكن تلخيصها فى عبارة أساسية، وهى أولوية الاستثمار فى رأس المال البشرى وخاصة الصحة والتعليم. وأقتبس من خطاب جيتس الفقرة التالية هناك أشياء واضحة: الاستثمارات فى البنية التحتية – الصلب والأسمنت وكابلات الألياف البصرية. لكن هل هذا يكفي؟ من الذى سيهندس المكوكات الفضائية على سبيل المثال؟ ومن الذى سيقوم بالتدريس فى الفصول الدراسية، ويخطط لشبكة المواصلات الحديثة؟ وذكر أن الاستثمار فى التنمية البشرية يمكن أن يؤدى إلى عوائد أفضل. وأن كل دولار يستثمر فى هذا المجال يمكن أن يخلق عشرين دولارا إضافية من الفوائد الاجتماعية والاقتصادية. وأشار على وجه الخصوص الى أن الاستثمار فى صحة الجيل القادم لا تنقذ الأرواح فحسب؛ بل تسهم أيضا فى النمو الاقتصادي، وأن كل جرعة من اللقاح فى ذراع الطفل هى أيضًا جرعة من الهرمونات الصحية فى قلب الاقتصاد، وأن الحسابات فى مجال الرعاية الصحية تعمل بشكل معكوس، حيث إن خفض الإنفاق الحكومى على الصحة سيكلف الاقتصاد أكثر مما يوفره.
ويؤمن بيل جيتس بأنه عندما تكون أجسام وأدمغة الأطفال صحية، فإن الخطوة التالية هى التعليم الذى يساعدهم على تطوير المعرفة والمهارات ليصبحوا مساهمين منتجين فى المجتمع، وان هذا الأمر يحتاج إلى تفكير جديد وأدوات تعليمية جديدة لضمان توفير تعليم عالى الجودة لكل طفل. وعلى المستوى الجامعي، يشير جيتس الى أهمية وجود جامعات عامة / حكومية لا تستهدف فقط توفير الإتاحة للتعليم الجامعي، بل تضمن أيضا تقديم خدمة عالية الجودة تسهم فى إطلاق الجيل القادم من العلماء، ورواد الأعمال، والمعلمين، والقادة الحكوميين.
ويؤكد جيتس أهمية الاهتمام بالشباب باعتبارهم القوة الأساسية للابتكار، وانه بدأ تشغيل مايكروسوفت عندما كان فى عمر التاسعة عشرة، وأسس ستيف جوبز شركة آبل وعمره 21 عاما، وكان مارك زوكربيرج عمره 19 عاما عندما بدأ فى فيس بوك.
وأحد أسباب تفاؤل بيل جيتس بمستقبل إفريقيا يعود إلى أنها أكثر قارات العالم شبابا، وأنه فى السنوات الـ 35 المقبلة، سيولد مليارا طفل فى إفريقيا، وبحلول عام 2050، سيعيش 40% من أطفال العالم بأسره فى هذه القارة. وتتم الإشارة هنا الى ما يسمى بالعائد الديموغرافي، حيث يمكن تحقيق معدل نمو اقتصادى هائل عندما يكون لديك عدد أكبر من الأشخاص فى سن العمل وعدد أقل من المعالين فى سن المعاش، كما حدث فى شرق آسيا فى السبعينيات والثمانينيات.
باختصار رؤية جيتس ونصيحته للدول الإفريقية هى ان الاستثمار الذكى هو الاستثمار فى البشر.
*نقلا عن صحيفة “الأهرام”، نشر بتاريخ ٢٢ فبراير ٢٠١٩.