تلعب مصر دورًا محوريًا في حلحلة الأزمات وإعادة الاستقرار في دول المنطقة العربية، حيث تحتل القضية الفلسطينية الاهتمام الأكبر ومركزية الأولويات، باعتبارها قضية العرب الأولى، لدى الدولة المصرية لعدة اعتبارات في مقدمتها الأمن القومي المصري، وروابط التاريخ والجغرافيا. ويظل الموقف المصري ثابتًا من القضية، ويتمثل في ضرورة التوصل إلى حل جذري شامل، وضمان حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته وفقًا للمرجعية الدولية، وبذلت مصر العديد من الجهود الحثيثة لوقف إطلاق النار، والتمسك بالحل في السلام العادل القائم على الشرعية الدولية. من هذا المنطلق، سيتم توضيح دور وموقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية، في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، والأزمات العالمية المتتالية، والتحوّلات غير المسبوقة في المشهد الميداني للتصعيد الحالي في فلسطين منذ السابع من أكتوبر 2023.
محددات وأبعاد المقاربة المصرية لدعم القضية الفلسطينية
استندت الرؤية المصرية لتسوية القضية الفلسطينية على مسارات محددة لتحقيق حلول مستدامة للسلام العادل القائم على مرجعيات الشرعية الدولية، وبرز الدور التاريخي لمصر في القضية منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993، والتفاهمات الأمنية عقب الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، والإشراف على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وتوقيع اتفاق المصالحة عام 2005، والوساطة المصرية خلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة بين 2008-2022، وإنجاز صفقة شاليط لتبادل الأسرى عام 2011. كما تنوعت أشكال وملامح الدعم المصري على كافة الأصعدة، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أولاً- تكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية: سلكت مصر استراتيجية شاملة لإحداث اختراق جديد في سُبل حل القضية الفلسطينية، كان من بينها الأدوات الدبلوماسية التي تمثلت في التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية المعينة بالقضية، والتحرك الإقليمي كمدخل للتحرك الدولي، وشملت الاجتماعات العربية مثل قمم مصر والأردن، واستضافة القمم الثلاثية بين مصر والأردن وفلسطين، وتدشين آلية التعاون الثلاثي بين مصر والأردن والعراق، ومناقشة القضية في كافة المحافل الدولية مثل اللجنة الرباعية الدولية (مصر، الأردن، ألمانيا، فرنسا)، من أجل تضافر الجهود ودعم كافة جهود التهدئة لحلحلة القضية ودفع عملية السلام، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتجاوز تحديات استئناف المفاوضات.
ثانيًا- تبني نهج حل الدولتين وتعزيز المصالحة الوطنية وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني: سعت مصر لضمان إقامة دولة فلسطينية مُستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وتوفير المناخ الملائم والأمن والسلام للتعايش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل، وبرزت مؤشرات هذا المسار في المواقف المصرية المعلنة لمبادرات السلام خلال الفترة الأخيرة، ومنها صفقة “القرن” لعام 2020. كما عملت مصر على بناء أسس الثقة بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وتكثيف المساعي المصرية بشأن توحيد الرؤى الفلسطينية باعتباره السبيل الوحيد لإيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، وظهرت نتائج الجهود المصرية في هذا المسار برعاية اتفاق المصالحة الفلسطينية عام 2017، بين حركتي فتح وحماس، واستضافة اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين يوليو 2023. كما تابعت مصر ديمومة انعقاد الاجتماعات بين الطرفين، للتوصل إلى التفاهمات الثنائية بشأن إجراء الانتخابات الفلسطينية، وضمان الحفاظ على كيان شرعي موحد للشعب الفلسطيني يتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية.
ثالثًا- المساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة: حرصت مصر على إيقاف جولات التصعيد المتكررة على قطاع غزة من الجانب الإسرائيلي، حيث استطاعت إيقاف جولة التصعيد الأعنف في مايو 2021، من خلال التحرك في عددٍ من المسارات المختلفة. وطرح المبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة بمبلغ قدره 500 مليون دولار، في إطار الدعم المباشر للأمن والاستقرار، وتخفيف معاناة الفلسطينيين في القطاع، وتقوية السلطة الفلسطينية، وتحييد عزل غزة من خلال مشاركة الشركات المصرية العاملة في مجالات البنية التحية، وتأسيس لجنة وطنية مصرية للإشراف على عملية إعادة الإعمار، والتنسيق المصري مع الأطراف المعنية، ودمج الشركات الفلسطينية. وجاءت هذه المبادرة لدعم جهود مصر الدبلوماسية والسياسية على الصعيد الدولي لإيقاف حالة الحرب.
رابعًا- تعزيز الجهود الإنسانية والإغاثية: تعددت أنماط المساعدات المصرية المقدمة لفلسطين خلال الأزمات المختلفة، سواء بفتح معبر رفح لتقديم المساعدات الغذائية والطبية، واستقبال الجرحى والمصابين الفلسطينيين، أو إرسال قوافل الإغاثة والدعم الدوائي. وفي خضم المشهد الحالي، بتوجيهات من الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، أعلنت العديد من المنظمات الإغاثية المصرية، والتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، إرسال قوافل مساعدات إنسانية، فضلاً عن جهود الهلال الأحمر المصري، ومبادرة حياة كريمة لدعم الفلسطينيين، وتخصيص مطار العريش لتلقي المساعدات الدولية وتأمين دخولها لقطاع غزة.
حاصل ما تقدم، تبذل مصر جهودًا دبلوماسية حثيثة لتجنب الارتدادات الخطرة للتصعيد الحالي، والمواجهات المفتوحة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في ظل الدور المحوري لمصر في القضية الفلسطينية، وإمساك القاهرة بكافة جوانبها، باعتبارها الضامن والمساند لفلسطين عبر التاريخ وحتى هذه اللحظة الراهنة، وأهمية التأكيد على حل السلام العادل القائم على الشرعية الدولية، من أجل دعم وتحقيق استقرار الأمن القومي العربي ككل.