الإشراف العام / أ عزت إبراهيم
رئيس وحدة الدراسات الإعلامية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
محرر التقرير: أ/ محمد عبد الرازق
الباحثون: بيير يعقوب – محمد منصور – مروة عبد الحليم – هايدي الشافعي
مثّل عنصر المفاجأة الذي صاحب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس) عاملًا حاسمًا في ردود الفعل الإعلامية الدولية إزاء هذه العملية بالشكل ذاته الذي كان فيه عاملًا حاسمًا في الداخل الإسرائيلي على المستويين السياسي والإعلامي. ولكن على الرغم من تعدد المسببات التي أدت إلى هذه الجولة من التصعيد بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، لا سيّما بالنظر إلى الممارسات التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو خلال عام 2023، والتي لم تغفل وسائل الإعلام الغربية ذكرها أو التعريج عليها في إطار تغطياتها لما حدث؛ فإنها أظهرت دعمًا مطلقًا ومنهجيًا لإسرائيل، وكرست تغطياتها للحدث بما يخدم الرواية الإسرائيلية على المستوى الدولي.
المواقف المبدئية للصحف الغربية
سارعت القوى الغربية وأدواتها الإعلامية إلى إدانة هجوم حماس المباغت، وشوه الإعلام الغربي المعطيات المتعلقة بالأزمة، وانحاز بشكل واضح لوجهة النظر الإسرائيلية في حق الدفاع عن نفسها بأي شكل وثمن. فوصفت الصحافة الغربية هجوم حماس بأنه “باهظ الثمن” لأنه الآن لا يضفي الشرعية على الاحتلال فحسب، بل يوفر ذريعة للجهات الفاعلة في إسرائيل للذهاب إلى أبعد الحدود في المذبحة التي تقوم بها حاليًا. ورغم وحدة المواقف الغربية، لكن هناك بعض التمايز على المستوى الرسمي الذي انعكس بدوره على التناول الإعلامي، ففي حين تنهمك واشنطن ولندن في إرسال المدد العسكري لإسرائيل، تبدو باريس حريصة على الدفع نحو ضرورة البحث في نهاية المطاف عن حل سياسي للقضية الفلسطينية، وفق حل الدولتين وبما يضمن الأمن والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين.
1- تناول الإعلام الأمريكي: اعتادت معظم وسائل الإعلام الأمريكية على تأطير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي باعتباره حربًا من جانب واحد، واستخدمت لغة متحيزة لإسرائيل. وأظهرت تغطيتها الأخيرة انشغالها البالغ بتجريم حركة حماس، وتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية طيلة الأعوام السابقة، بحيث بدا الهجوم الفلسطيني وكأنه نوبة غير مبررة من العنف وكراهية اليهود. ففي المقابلة التي أجرتها قناة (CNN)[1] مع مصطفى البرغوثي، رئيس المبادرة الوطنية الفلسطينية، ركزت على تجريم المقاومة الفلسطينية وإبراز الاحتلال الإسرائيلي على أنه في وضع الضحية أو المعتدى عليه من قبل المقاومة الفلسطينية التي تمارس إرهابًا كلاسيكيًا ضد المدنيين الإسرائيليين والنساء والأطفال والجدات. وركزت الصحف على الادعاء بمقتل أطفال إسرائيليين على يد حركة حماس، أكثر مما ركزوا على تقرير وزارة الصحة الفلسطينية بأن إسرائيل قتلت 447 طفلًا في غزة.
ولم تتوقف التغطية الأمريكية عند هذا الحد، بل تجاوزتها بنشر شبكة من المراسلين في إسرائيل، دون وجود يذكر لأي مراسل صحفي في غزة. ومنحت وسائل الإعلام الأمريكية وقتًا أكبر للأصوات الإسرائيلية مقارنة بالأصوات الفلسطينية. وساهم العدد الكبير من المراسلين في إسرائيل، في إجراء تغطية صحفية منحازة ركزت على الضحايا الإسرائيليين، وتجاهل الفلسطينيين تقريبًا. فمثلًا، تمحورت تغطية قناتي CNN وMSNBC حول الوضع والدمار في إسرائيل، وأجرت أندريا ميتشل مقابلة مع السفير الإسرائيلي السابق مايكل أورين على قناة MSNBC[2]. بينما أجرى بوريس سانشيز من شبكة [3]CNN مقابلة مع مايكل ميلشتاين وهو ضابط متقاعد برتبة كولونيل في الجيش الإسرائيلي، مؤكدًا خلال اللقاء أن الهجوم الإسرائيلي ليس “غشيمًا”، وأن إسرائيل “ليس لديها مصلحة في إيذاء المدنيين”.
وأجرت شبكة [4]CNN لقاءً مع جورج بيرنباوم المساعد السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، وشبه هجمات حماس بالنازيين. في حين أجرت قناة [5]CNBC مقابلة مع نداف زفرير، القائد السابق لوحدة التكنولوجيا العسكرية في إسرائيل، ودعا إلى تسوية غزة بالأرض. هذا وقد أجرت دانا باش من MNSBC[6] مقابلة مع السفير الإسرائيلي السابق داني دانون، وسمحت له بالادّعاء بأن إسرائيل لا تستهدف المدنيين، وأن إسرائيل ستضرب حماس بشدة.
وبالتالي، تعاملت التغطية الأمريكية المبدئية للحرب على أن الإسرائيليين بشر لهم كامل الحقوق، أما الفلسطينيون فهم أقل من أن ينالوا تعاطفًا إنسانيًا، وهو ما يعكس ازدواجية المعايير التي توضح قواعد اللعبة التي تمارسها وسائل الإعلام الأمريكية حول كيفية تشويه الأزمة، من خلال استخدام لغة أحادية الجانب وإطار متحيز، تشير فيه إلى الجنود الإسرائيليين باسم “قوات الدفاع الإسرائيلية”، في حين يُشار إلى المقاومة الفلسطينية باسم “الإرهابيين”.
استخدمت وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية ([7]AP News CNN[8] ,, [9]NBC News, Washington Post[10]) كلمة “رهائن” لوصف الإسرائيليين الذين أسرهم مقاتلو حماس. ومن الجدير بالذكر هنا أنه خلال الانتفاضة الأولى[11] (1967-1993) قامت إسرائيل بسجن حوالي 700 ألف رجل وصبي فلسطيني في الضفة الغربية، أي حوالي 40% من إجمالي السكان الذكور هناك. وإلى الآن، يواصل الاحتلال الإسرائيلي اعتقال الفلسطينيين واحتجازهم لفترات طويلة دون أي محاكمة عادلة. ومع ذلك لا تصف وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة الفلسطينيين بالـ”رهائن”.
ووصفت صحيفتا “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست[12]” المقاتلين الفلسطينيين “بالمسلحين”. أما مجلة The Nation[13] الأسبوعية فوصفت ما قامت به حركة حماس بتوغل سافر يمكن مقارنته بالهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001، بل هجوم حماس ارتكب المزيد من جرائم الحرب باختطاف المدنيين. ومنحت المجلة الحق لنتنياهو في استخدام القوة الغاشمة ضد غزة مثلما فعل جورج بوش الابن في العراق.
وفي ظل تصعيد إسرائيل لقصف قطاع غزة، أخفى موقعا “إنستجرام” و”فيسبوك” (المملوكان لشركة ميتا)، الهاشتاجات المتعلقة بحماس و”طوفان الأقصى” من البحث. ولا تعد هذه المرة الأولى التي تشهد فيها فترات من العنف بين إسرائيل والفلسطينيين قمعًا للمستخدمين الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي. في عام 2021، على سبيل المثال، حجب إنستجرام المنشورات التي تذكر المسجد الأقصى في القدس. كما أن سياسات التضييق التي تطبقها شبكات التواصل الاجتماعي لا تستهدف بشكل متساوٍ كلا الطرفين في الصراع. ففي حين يتم حظر أو حذف حسابات فلسطينية لأسباب غامضة، يظهر أن بعض الحسابات المؤيدة لإسرائيل تستخدم خطابًا عدائيًا ومحرضًا دون عقاب.
2- تناول الإعلام البريطاني: يرى الإعلام البريطاني أن إسرائيل في حالة حرب مع حماس، الجماعة الفلسطينية المسلحة المدرجة كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة. واعتمد الإعلام البريطاني الرواية الإسرائيلية بأن هجوم حماس لا يقل عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ونجم عنه خسائر كبيرة في أرواح اليهود لأول مرة منذ المحرقة. ويبرر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة للتأكيد على أن حماس لن تمارس انتهاكات مرة أخرى داخل إسرائيل.
استخدم الإعلام البريطاني لغة خطاب منحازة لإسرائيل. ففي أعقاب الهجوم نشرت صحيفة الجارديان[14] في افتتاحيتها مقالًا عنوانه: “الهياج القاتل الذي قامت به حماس”. وبالمثل، أشارت مجلة الإيكونوميست[15] إلى “الهجوم المتعطش للدماء من قبل حماس”. وفي حين أن هذه اللغة قد تكون أو لا تكون مناسبة، إلا أن الحقيقة أنها لم تستخدم من قبل وسائل الإعلام البريطانية لوصف الجرائم الإسرائيلية ذات الحجم المماثل أو حتى الأسوأ. فلم تصف قتل إسرائيل لآلاف المدنيين في غزة بأنه “هياج إسرائيلي قاتل” أو “هجوم إسرائيلي متعطش للدماء”.
كشف التناول المبدئي أيضًا عن انحياز الإعلام البريطاني للجانب الإسرائيلي، من خلال تناول أخبار القتلى والأسرى والقصص الإنسانية للإسرائيليين دون الفلسطينيين. واللافت هنا هو أن صحفًا بريطانية مثل الصن والتايمز والإندبندنت وتليجراف وميل ومترو وأكسبريس وغيرها، نقلت الزعم الإسرائيلي بأن “حماس قتلت 40 طفلًا” ووضعته في عناوين رئيسية، دون أي دليل أو صورة أو مقطع فيديو أو حتى تأكيد رسمي من جانب جيش الاحتلال.
وادعت بعض وسائل الإعلام البريطانية بأن إسرائيل ليست المسئولة عن تشريد وتجويع المدنيين في غزة نتيجة الحصار، وأن حماس هي المسئولة عن ذلك. وليس على إسرائيل[16] أي التزام بموجب القانون الدولي بتوفير الإمدادات لغزة لأنها ليست محتلة غزة. وهو ما أكدته تغطية “ديلي ميل” التي أبرزت في أحد عناوينها أن حرب غزة من أجل مستقبل إسرائيل[17]. كما استخدمت صحيفة التايمز[18] أعمدتها لتصوير الفلسطينيين ومؤيديهم على أنهم “تجار كراهية”.
وأظهرت ([19]BBC News) انشغالها البالغ بتجريم حركة حماس، في لقائها مع السفير الفلسطيني في لندن “حسام زملط”، الذي فضح مغالطات المذيع عند سؤاله: “هل تؤيد ما فعلته حماس صباح يوم السبت؟”، أكد زملط أن “هذا ليس السؤال الأهم”. وأشار إلى أن “السؤال الأهم هو كيف يمكننا وقف المجازر الإسرائيلية التي ستحصل بحق المدنيين الفلسطينيين؟. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تساوي بين الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال، هذا لا يخدم العدالة ولن يخدم جمهورك في فهم الصورة الحقيقية”.
3- تناول الإعلام الفرنسي: لم يبتعد الإعلام الفرنسي كثيرًا عن التناول الأمريكي والبريطاني المتضامن مع إسرائيل، خاصة أن فرنسا تضم أكبر جالية يهودية في أوروبا. ولكنه كان محايدًا بعض الشيء في معظم تغطيته المعروفة بتمايز مواقفها السياسية ضمن الكتلة الغربية. لكن في المجمل فإن ثمة تناغمًا واسعًا بين الإعلام الأمريكي والبريطاني والفرنسي حول ضرورة الوقوف مع إسرائيل، وهو ما جعل الصحافة الفرنسية تبرز المظاهرات الداعمة لإسرائيل، وتركز على أعداد القتلى والجرحى الإسرائيليين، وحجم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين.
في بداية الأحداث، اتخذت مجلة [20]Le Point، الجانب الإسرائيلي في تغطيتها، وأشارت إلى أن ثمانية فرنسيين قتلوا وأن عشرين في عداد المفقودين. وأشارت إلى أن الرد الإسرائيلي يجب أن يكون بمستوى هذه الجريمة. وأن العمل الشنيع الذي ارتكبته حماس لا يترك مجالًا لأي حذر عملياتي. وعلى إسرائيل أن تكون عدوانية جدًا. ومع تزايد وتيرة الأحداث، تطرقت إلى الوضع الكارثي في مستشفيات قطاع غزة[21].
في حين أبرزت صحيفة [22]Liberation، تظاهرة في ليون دعمًا لإسرائيل، وأن ما فعلته حماس إرهاب يجب التعامل معه بشدة. أما [23]Le Mond فقد وصفت الوضع بأنه أعنف أعمال الحرب ضد إسرائيل منذ ظهور الدولة اليهودية عام 1948. وأن حماس تمكنت من إخفاء استعداداتها، التي كانت بالضرورة طويلة ومعقدة، عن المخابرات الإسرائيلية. وأبرزت تضامن فرنسا مع إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها.
صحيفة La Croix[24] تطرقت إلى الوضع المأساوي في غزة، والقصف الإسرائيلي المتواصل، وحجم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين، وأماكن توزيعها، وأبرزت معارضة فرنسا تعليق المساعدات الأوروبية للفلسطينيين بعد أن أعلن الاتحاد “مراجعة” برنامجه، وأكدت الصحيفة أن أكثر من 80% من السكان يعتمدون على المساعدات بسبب الحصار والأعمال العدائية التي تقوض اقتصاد غزة.
أهم اتجاهات تغطية الإعلام الغربي
ظهرت اتجاهات أساسية لتغطية الصحف ووسائل الإعلام الغربية منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في صباح يوم 7 أكتوبر 2023 عكست بشكل واضح مدى الصدمة التي تعرضت لها إسرائيل ومن ورائها العالم الغربي جراء الهجوم، ومدى الاندفاع في تبني الرواية الإسرائيلية إزاء ما يحدث، وصولًا إلى محاولة تحليل ذلك الهجوم ومساراته المستقبلية. وتتمثل هذه الاتجاهات فيما يلي:
الحديث عن جرائم بحق المدنيين الإسرائيليين: كان الاتجاه الأهم الذي ركزت عليه وسائل الإعلام الدولية خلال الساعات الأولى من هجوم حركة حماس هو الحديث عن أن جرائم قد ارتكبتها الحركة بحق المدنيين الإسرائيليين، وتصوير الأمر بأن الهدف الأساسي للحركة كان قتل الإسرائيليين المدنيين الآمنين في بيوتهم في وقت مبكر من يوم السبت اليهودي وعيد “فرحة التوراة”، وتبني رواية أنهم أعدموا المدنيين الإسرائيليين الأبرياء من النساء والأطفال والمعاقين بدم بارد في منازلهم، وأنهم ليسوا إلا مسلحين متعطشين للدماء حسبما وصفت صحيفة إيكونوميست[25]، وجاء على سبيل المثال في تقرير لبي بي سي[26] نقلًا عن مصادر إسرائيلية. هذا بجانب روايات مبهمة عن إطلاق نار عشوائي في حفل غنائي حسبما نقلت صحيفة الجارديان[27]، والترويج لتعمد قتل المدنيين الذين أُخذوا كأسرى في الهجوم اعتمادًا على كلام مرسل وفيديوهات مجتزأة[28] مثلما فعلت قناة “سي إن إن” الأمريكية بشأن فتاة إسرائيلية من أصل ألماني تُدعى “شاني لوك”[29]، وتشبيه ممارسات “حماس” بداعش على غرار تحذير المدارس الأمريكية والإسرائيلية من أن “إرهابيي حماس سيستخدمون التطبيقات الشائعة لنشر عمليات القتل البشعة للرهائن، وعلى الآباء جعل أطفالهم يحذفون وسائل التواصل الاجتماعي”[30].
وكان لافتًا في هذا الإطار انتقال هذه الأوصاف من وسائل الإعلام الغربية الخبرية التقليدية إلى المجلات والدوريات المرموقة مثل مجلة “فورين أفيرز”[31] التي قالت إن “بقية العالم أدرك أخيرًا أن حماس برمتها جماعة إرهابية، ولا بد من التعامل معها على هذا النحو”. وكذلك المحللون ذوو الشأن مثل “توماس فريدمان” الذي قال في صحيفة “نيويورك تايمز”[32]: “في حين لا تساورني أي أوهام بشأن التزام حماس الراسخ بتدمير الدولة اليهودية، فإنني مع ذلك أسأل نفسي اليوم: من أين أتى هذا الدافع الشبيه بتنظيم داعش للقتل الجماعي كهدف أساسي؟ ليس الاستيلاء على الأراضي، بل القتل”.
ذلك بالإضافة إلى الهجوم على المدونين العرب على وسائل التواصل الاجتماعي بأنهم “بينما كان الإسرائيليون ينعون موتاهم كانوا يدعمون علنًا هجوم حماس الوحشي” حسب صحيفة فايننشال تايمز[33]، وأن هذه “المذبحة وقعت نتيجة للكراهية والتعصب السام في أنقى صوره، وتشويه حماس والمتآمرين معها في العالم الإسلامي لسمعة اليهود وبناؤهم بنية كاملة من معاداة السامية وأيديولوجيا الكراهية” حسب مجلة التايم[34].
الإخفاق الاستخباراتي والأمني الإسرائيلي: الاتجاه الثاني الأهم الذي سيطر على وسائل الإعلام الدولية على اختلافها هو الحديث عن أن هجوم حركة حماس قد عكس إخفاقًا أمنيًا واستخباريًا إسرائيليًا كبيرًا[35]، فقد أعرب عدد من الإسرائيليين عن صدمتهم من أن قوات الأمن الإسرائيلية لم تحضر بسرعة أكبر لمساعدتهم، بجانب أسر وقتل الجنود الإسرائيليين في مواقعهم.[36] بجانب أنه من المؤكد أن حماس قد خططت لهذا الهجوم على مدار أشهر دون أي علم لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بما يجعله فشلًا ذريعًا للمؤسسات الدفاعية الإسرائيلية[37]، وأمرًا شديد الشبه بأكبر فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل وهو حرب السادس من أكتوبر لعام 1973، حسب توصيف معظم وسائل الإعلام الدولية39
ومّلت معظم وسائل الإعلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسئولية هذا الإخفاق لأن حكومته فشلت في الاضطلاع بمسئوليتها الرئيسية وهي حماية حياة مواطنيها، وتركت حركة حماس تصبح أكثر قوة،[38]، وانشغلت بمعارك داخلية أهمها الإصلاحات القضائية، في وقت كانت التحذيرات قائمة من احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة على وقع ممارسات الحكومة التي توهمت أنها نجحت في إدارة القضية الفلسطينية[39]. وهو ما يجعل من الصعب على نتنياهو تجنب تحمل المسئولية واللوم عن هذا الهجوم رغم مهارته في البقاء بالمشهد السياسي طيلة السنوات الماضية[40].
كيفية تنفيذ الهجوم: ركزت وسائل الإعلام الغربية على معرفة كيف نفذت حركة حماس هذا الهجوم المتقن والمفاجئ للأوساط الإسرائيلية كافة، وقد انقسم تناول هذا الأمر إلى جزأين أساسيين: الأول تحدث عن تكتيكات التنفيذ من خلال رسم خرائط للهجوم والحديث عن كيفية تسلل مقاتلي “القسام” إلى مستوطنات غلاف غزة[41] تحت حماية آلاف الصواريخ التي أُطلقت على المدن الإسرائيلية[42]. أما الثاني فتمثل في الحديث عن مدى الدعم الذي قدمته إيران لحركة حماس لشن هذا الهجوم؛ فقد أكدت صحيفة وول ستريت جورنال[43] على سبيل المثال أن مسئولين أمنيين إيرانيين قد ساعدوا في التخطيط لهذا الهجوم وأعطوا الضوء الأخير له في اجتماع عُقد في بيروت يوم 2 أكتوبر، وأكدت نيويورك تايمز أن أشخاصًا مطلعين على العملية أكدوا أن مسئولين من إيران وحزب الله ساعدوا في التخطيط للهجوم، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يعثروا على أدلة تربط طهران بشكل مباشر.[44]
دوافع الهجوم: أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن هذا الهجوم ربما تولد نتيجة الغضب وتحديدًا سلوك الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو المستمر منذ أشهر بما في ذلك الاستفزازات في المسجد الأقصى[45]، وربما كان نتيجة طبيعية لغياب الدولة الفلسطينية وتكريس واقع مرير في قطاع غزة وغيره[46]، ومعاناة القطاع من حصار مستمر منذ 16 عامًا، والغضب الفلسطيني المتزايد إزاء الإذلال والتهميش الذي أدى بالفعل إلى تصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية هذا العام[47]. لكن غالبية وسائل الإعلام قد أشارت إلى دوافع أخرى وراء هذا الهجوم، من بينها تعطش حماس للدماء مثلما ورد سالفًا وكونها جماعة إرهابية كل ما تفعله هو التفكير في طرق لقتل الأمريكيين وحلفائهم[48]، أو أن الهجوم قد يكون بتشجيع من إيران كوسيلة لإحباط تحركات تحقيق تطبيع بين السعودية وإسرائيل[49]، أو السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية من القيام بذلك وكسب نقاط سياسية على حساب السلطة الفلسطينية[50].
تبرير الجرائم الإسرائيلية: عكفت وسائل الإعلام الغربية من خلال تصوير ما قالت إنه جرائم حركة حماس بحق الإسرائيليين على تبرير أي رد فعل إسرائيلي وصفته بأنه انتقامي من حركة حماس، حتى لو كان ذلك على حساب المدنيين في قطاع غزة، حيث من اللازم “إرغام حماس على دفع ثمن فظائعها”[51]، و”سوف تنتقم إسرائيل بدرجة أكبر مما كانت عليه من قبل”[52]، وأنه جاء “ردًا على أن الاجتياح الذي شنه مقاتلو حماس هو الأكثر دموية منذ حرب أكتوبر، فأصابت الغارات الجوية الإسرائيلية مباني سكنية وأنفاق ومساجد ومنازل في غزة تنفيذًا لتعهد رئيس الوزراء نتنياهو بالانتقام الشديد”.[53] علاوة على القول إن قيام إسرائيل بقطع إمدادات الكهرباء والوقود والسلع عن قطاع غزة هو فقط “محاولة أخرى لزيادة الضغط على حماس”[54]، لأنها كان عليها أن تعلم أن إسرائيل سوف ترد على هجومها بشدة “وربما كان جزءًا من خطتها لجر إسرائيل إلى حرب شوارع في غزة”[55].
أدوات الانحياز لإسرائيل
استخدمت وسائل الإعلام الغربية مجموعة من الأدوات والوسائل التي قامت من خلالها بالانحياز الواضح لإسرائيل وروايتها للأحداث على حساب الرواية الفلسطينية أو الواقعية لما يجري في قطاع غزة من جرائم إسرائيلية. وتمثلت هذه الأدوات فيما يلي:
1 – توظيف مصطلحات “الحرب على الإرهاب”: تحركت ببطء روايتان أساسيتان من جانب الإعلام الغربي بعد بدء الهجوم، تحاول الأولى تناول هذا الملف من زاوية “استهداف المدنيين”، وهي الزاوية التي تمحورت حولها معظم وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها. أما الزاوية الثانية فهي “وجود تشابهات عديدة بين حركة حماس وتنظيمي القاعدة وداعش”، وهي زاوية تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بالكامل، وتحاول تصوير الأمر على أنه هجوم شنته مجموعات إرهابية على مدن وقرى دولة ذات سيادة، وأنه لا يختلف كثيرًا عن أي هجوم إرهابي تعرضت له دول الشرق الأوسط وأفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
استندت الرواية الثانية في الأساس إلى حديث الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حول “ذبح الفلسطينيين للأطفال” والمستقى بشكل أساسي مما يصدر عن الجانب الإسرائيلي من تحليلات وتصريحات، مثل تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، حول وجود دلائل على “ذبح أطفال” في مستوطنات غلاف غزة، أو تغريدة رئيس الوزراء الإسرائيلي التي تقول “حماس أسوأ من داعش”[56]، أو حتى عثور القوات الإسرائيلية على راية لتنظيم داعش[57]، خلال عمليات تطهير مستوطنة “صوفا” قرب قطاع غزة.
وهو ما يتوافق بشكل كبير مع المحاولات الإسرائيلية للربط بشكل أكبر بين حماس والتنظيمات الأصولية العاملة في المنطقة؛ فنشرت صحيفة “دايلي ميل” البريطانية على سبيل المثال تقريرًا[58] تحت عنوان “بالتزامن مع العثور على رايات داعش التي تركها إرهابيو حماس في غلاف غزة، يقول الجيش الإسرائيلي إنه تم قطع رؤوس الأطفال، وأكد الطبيب الشرعي هذا”، عرضت فيه صورًا يظهر فيها “تأثر” الجنود الإسرائيليين من مشاهد الدماء والدمار التي طالت المستوطنات الإسرائيلية، وتؤكد داخل مضمون التقرير على رواية “قطع رؤوس الأطفال” التي روجت لها إسرائيل، وهذا يضاف بالطبع إلى استخدام مصطلح “إرهابيين”. كذلك اتبعت قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، نفس النهج، حيث كانت من وسائل الإعلام الغربية القليلة، التي أشارت[59] إلى راية تنظيم داعش، التي عثر عليها الجنود الإسرائيليون في غلاف غزة، وربطت بين هذا الحدث وبين تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول حماس وداعش.
ورغم تراجع قصة “ذبح الأطفال” لاحقًا، إلا أن المحور الرئيسي للتغطية الإعلامية الغربية لما يحدث في غزة هو “استهداف المدنيين”، وإن كان هذا لم يمنع وزيري الدفاع الأمريكي والإسرائيلي، في مؤتمرهما الصحفي الأخير، من إعادة المقارنة بين حركة حماس وتنظيم داعش، من منطلق محاولة تصوير ما حدث في السابع من أكتوبر، على أنه مشابه لهجمات تنظيم داعش السابقة.
2 – تزييف الحقائق وترويج الأكاذيب: تروج وسائل الإعلام الغربية للهجمات الإسرائيلية المروعة على قطاع غزة على أنها محاولات إسرائيلية للقضاء على “الإرهاب” بحد وصفها، وحفظ أمان الشعب الإسرائيلي. وتتبنى وسائل الإعلام هذه سياسة واضحة في صياغة الأخبار خاصتها لتضخيم حجم الخسائر الإسرائيلية الناجمة عن هجمات حماس، وفي نفس الوقت تخفيف حجم وأهمية الخسائر الفلسطينية الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية.
فعلى سبيل المثال، في البرنامج الإخباري الصباحي في قناة “بي بي سي”[60] البريطانية، بينما كانت المذيعة تستعرض بعض الإحصائيات للخسائر من الطرفين، قالت: “212 شخصًا ومن بينهم 61 طفلًا قد ماتوا في غزة، و12 من بينهم طفلان قد قُتِلوا في إسرائيل”. ويظهر في هذه الصياغة أنه بالرغم من ارتفاع عدد الضحايا في غزة من المدنيين والأطفال بشكل كبير مقارنة بالضحايا من الجانب الإسرائيلي، إلا أن استخدام المذيعة لكلمة “قُتِلوا” مع الضحايا الإسرائيليين، مع تجنب استخدام نفس التعبير مع الضحايا الفلسطينيين واستخدام تعبير أخف (ماتوا) يساعد على الشعور بالتعاطف بشكل أكبر مع الضحايا الإسرائيلية، بالإضافة إلى عدم التأكيد على أسباب وفاة الضحايا الفلسطينية وعدم التركيز عليها.
ولم يتوقف الأمر عند التركيز الإعلامي على الخسائر الإسرائيلية وإهمال الخسائر الفلسطينية، وجرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، ونشر المغالطات فقط، لكن وصل الأمر إلى نشر العديد من الأخبار الكاذبة وتزييف الحقائق. وفيما يلي عرض لبعض الحوادث الأخبار الكاذبة التي روجتها وسائل الإعلام الغربية:
- ذبح 40 طفلًا: انتشر خبر في الكثير من الصحف الغربية بذبح حركة حماس لأكثر من 40 طفلًا رضيعًا، بعد تصريح زعيم المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية “ديفيد بن صهيون” بهذا على قناة “i24 News” الإسرائيلية التي ادعت مراسلتها خلال تغطيتها أنه تم العثور على هذه الجثث. وانتشر هذا الخبر بشكل واسع في معظم الصحف الغربية بدون تحري الدقة فيه، حتى وصل الأمر إلى تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” على الخبر وتصريح الرئيس الأمريكي “بايدن” بأنه رأى صورًا مروعة لهذه الواقعة. ولكن عاد ونفى البيت الأبيض هذا التصريح معللًا بأن الرئيس لم يكن يقصد هذا المعنى. وعادت مراسلة القناة لتوضح أنها لم تر الجثث أو صورًا لها كما وأنها فقط أخذت التصريح من المسئولين الإسرائيليين، ولم تظهر أي أدلة إلى الآن على هذه الواقعة، والتي نفتها حركة حماس.[61] والملفت هنا أن التناول الإعلامي للحادثة، على الرغم من عدم صحتها، لم يكن منصفًا للجانب الفلسطيني الذي يواجه أحداثًا مماثلة باستمرار منذ عقود دون أن يكترث له المجتمع الدولي، وحتى في ظل الأحداث الحالية، ركزت وسائل الإعلام الدولي على الضحايا والخسائر الإسرائيلية مع تهميش للضحايا والخسائر من الجانب الفلسطيني.
- حرق طفل إسرائيلي: نشرت صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي على “فيسبوك” صورًا لجثة طفل إسرائيلي محروق نتيجة هجوم حماس على المواطنين الإسرائيليين، مشيرًا إلى أن تم عرض هذه الصور على وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن”، وهو ما نقلته وسائل إعلامية كثيرة. ولكن تم الكشف بعدها أن هذه الصور مزيفة باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأنها في الأصل صورة لكلب صغير يتلقى العلاج وتم تعديلها باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.[62]
- تعرض مراسلة “سي إن إن” للهجوم: نشرت قناة “سي إن إن” الأمريكية مقطعًا لمراسلتها، تظهر فيه مستلقية على الأرض خوفًا من هجمات وتفجيرات حماس، وتعتذر للمشاهدين على وضع التصوير غير المعتاد هذا، ولكنهم مرغمون عليه للحفاظ على وضعية آمنة لهم. انتشر بعدها تسريب لما قبل تصوير هذا المقطع، حيث تظهر فيه المراسلة مع اثنين من المصورين يختارون فيها البقعة المناسبة لاتخاذ هذا الوضع، ويُسمع صوت (في الغالب قادم من إعداد البرنامج) يخبرها بأن تحاول أن تظهر خائفة في المقطع وتلتقط أنفاسها من الركض والخوف لأن هذا الإحساس هو ما يرغبون في تصديره للمشاهدين.[63]
- اغتصاب النساء: أيضًا من الأكاذيب التي نشرتها الصحف ووسائل الإعلام الغربية المختلفة أخبار عن اغتصاب عناصر حماس للنساء عند الهجوم على الإسرائيليين وأخذ الأسرى وأيضًا اغتصاب الفتيات اللائي اتُّخذن كأسرى. ونشرت غرفة الحرب في إسرائيل[64] على تويتر تغريدة تفيد بأنه تم تأكيد استخدام حماس للاغتصاب كسلاح حرب، وتناولت وسائل الإعلام الغربية وبعض الصحف الخبر على نطاق واسع، مع اصطحابه بعدد من الصور لنساء إسرائيليات وقعن في الأسر. وذلك رغم نفي العديد من الأسرى الذين أُطلق سراحهم هذه الأخبار، وأكدوا مرارًا على أنهم لم يتم انتهاك حقوقهم بأي شكل أو يعاملوا بأسلوب سيئ أو همجي.
- قتل 250 شخصًا في حفل موسيقي: انتشرت الكثير من مقاطع الفيديو لمدنيين يهربون تزعم أنهم كانوا في حفل موسيقي هجمت عليه حماس وقتلوا فيه أكثر من 250 شخصًا، ولكن تم الكشف بعدها على أن مقاطع الهروب هذه في مكان مختلف تمامًا عن الحفل وغير واضح من ماذا يهربون. أيضًا في نفس الحادثة انتشر مقطع مروع آخر يدعي أنه لفتاة إسرائيلية تبلغ من العمر 14 عامًا كانت تحضر هذا الحفل ويتم حرقها من قبل عناصر حماس، وهو ما اتضح أنه مقطع يعود لعام 2015 لفتاة من جواتيمالا تبلغ من العمر 16 عامًا ولا يتعلق بالأزمة الأخيرة بين إسرائيل وفلسطين على الإطلاق.[65]
- هجوم 4 مسلحين: نشر الجيش الإسرائيلي مقطعًا تداولته وسائل الإعلام الغربية يظهر فيه 4 مسلحين فلسطينيين تمت تصفيتهم بعد محاولتهم التسلل والهجوم على عناصر الجيش الإسرائيلي، في رسالة من الجيش الإسرائيلي بأن “هذا ما يحدث لمن يحاول التسلل على الجيش الإسرائيلي”. ولكن تم الكشف بعدها أن هؤلاء الأفراد كانوا مدنيين عزل وعندما رأوا القوات الإسرائيلية خلعوا قمصانهم ملوحين بها في إشارة منهم للاستسلام، ثم جلسوا على الأرض استجابة لأمر القوات الإسرائيلية، من ثم ظهروا بعدها في المقطع بعد قتلهم وموضوع أمامهم أسلحة ولكن تظهر وراءهم آثار جر جثثهم ليصبحوا في الوضع الذي ظهروا عليه في المقطع على أنهم مسلحون فلسطينيون تم تحييدهم.[66]
ولا تعد هذه حالات التزييف الوحيدة التي يقوم بها الإعلام الغربي، فبالرغم من كشف العديد من هذا التزييف ونشر المغالطات، إلا أن هذه الصحف ووسائل الإعلام ما زالت مستمرة على نفس النهج، ولا تبذل مجهودًا حتى في إخفائه. ويشير هذا الانحياز الواضح من وسائل الإعلام التي تدعي حريتها، والتي من المفترض أنها على مستوى عالٍ من الاحترافية إلى موقف الدول الغربية التي تطالب دائمًا بتطبيق الديمقراطية ومنح الحريات والاهتمام بحقوق الإنسان، واستعدادها للتخلي عن كل هذه المبادئ السياسية والإنسانية في سبيل ضمان مصلحتها وتواجدها بالشرق الأوسط عن طريق توفير الحماية المطلقة لإسرائيل مهما كانت الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها.
3- توظيف الصورة: بعد بدء هجوم حماس انتشر عدد لا يحصى من الصور المرتبطة بالهجوم، بعضها مضلل عن أحداث أخرى أو تمت معالجته على الإنترنت مثلما سبقت الإشارة، والبعض الآخر تم نزعه عن سياقه التاريخي في التناول الإعلامي للأحداث، مما ترك لدى الجمهور تصورًا مشوهًا لما يحدث بالفعل في الشرق الأوسط، وفتح الباب أمام إسرائيل للقيام بردود أكثر وحشية، ولكن هذه المرة بدعم دولي موسع، سواء على مستوى الحكومات أو الشعوب.
وقد استحوذت الصور التي تحتوي على الدمار من الجانب الإسرائيلي على الجانب الأكبر من التغطية الإعلامية الغربية للحدث، بما في ذلك: صور قتلى، ومبانٍ متهدمة ومحترقة، وآثار دماء في أماكن متفرقة، بما في ذلك على كرسي أطفال، خلال الساعات الأولى من الحدث. وحتى بعد أن ردت إسرائيل بقصف أماكن متفرقة داخل قطاع غزة لم تنل الصور ذات الاهتمام. فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة “الدايلي ميل” تقريرًا يرصد الأعمال الوحشية التي قامت بها “حماس”، وضم في مقدمة التقرير عشرات من الصور للانتهاكات ضد الجانب الإسرائيلي.
وأكدت “ديلي ميل” خلال التقرير على ذبح 40 طفلًا إسرائيليًا على يد حماس، ثم ذيّلت التقرير بعدد من الصور لبعض الجرحى الفلسطينيين وبينهم أطفال، فضلًا عن الدخان المتصاعد من القذائف، ليصور الأمر وكأنه رد من إسرائيل على ما فعلته “حماس”، وأنه لا يرقى إلى نفس الأهمية.[67] فقد استطاعت إسرائيل أن توظف صور الحرب في وسائل الإعلام الغربية لتحقيق مصالحها، بغض النظر عن مدى مصداقية هذه الصور وسياقها، مما يعطي دليلًا جديدًا على انحياز الإعلام الغربي وتناوله هو الآخر للأحداث وتوظيفه لها وفقًا لمصالحه بعيدًا عن مبدأ البحث عن الحقائق.
4- الحياديّة الشكلية: على الرغم من محاولة وسائل الإعلام الغربية على اختلافها بشكل أو بآخر إدانة الفصائل الفلسطينية وتصويرها في خانة “الجاني”، فإنها قد حاولت في الوقت ذاته أن تظهر بمظهر الحياد في تناول الأحداث كجزء أساسي من أدوات محاولة إقناع الرأي العام بصدق ما تقوم بتمريره على الجهة الأخرى من أكاذيب أو روايات إسرائيلية محضة. ويظهر هذا الاتجاه من خلال بعض الأساليب، منها تفادي بعض وسائل الإعلام وصف الفصائل الفلسطينية بأوصاف تشير إلى أنها مجموعات إرهابية مثل هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” التي قالت إن المبادئ التوجيهية لسياستها التحريرية تنص على أن استخدام مصطلح “إرهابي” يمكن أن يكون عائقًا للمتلقي عن الفهم الدقيق للخبر وتفاصيله، وأنه يجب ترك الجمهور كي يشكل قناعاته الخاصة بشأن الأخبار والتغطيات، ولهذا يجب استخدام مصطلحات تصف مرتكبي الأفعال بشكل أكثر تحديدًا، مثل “مفجر”، و”مهاجم”، و”مسلح”، و”خاطف”، و”متمرد”، و”متشدد”. هذا النهج وضع الهيئة تحت مرمى سهام الانتقاد الحكومية، حيث انتقدها بشكل واضح وزير الدفاع البريطاني، جرانت شابس[68]، معتبرًا هذا النهج “مشينًا”، ورأى أنه بالنظر إلى أن الحكومة البريطانية تعتبر حركة حماس “إرهابية”، فإنه يجب على هيئة الإذاعة البريطانية اتباع نفس هذا المسار في وصف مقاتلي الحركة.
يضاف إلى ذلك اتجاه بعض وسائل الإعلام بجانب ترويجها المكثف للرواية الإسرائيلية إلى عرض بعض وجهات النظر الفلسطينية مثل صحيفة “نيويورك تايمز” وافتتاحيتها المنشورة في 9 أكتوبر تحت عنوان “السياق العالمي للحرب بين حماس وإسرائيل”[69] والتي تضمنت صورتين: الأولى لصبي يركض على خلفية مبانٍ محترقة في مدينة عسقلان، أما الصورة الأخرى فتظهر فيها أم فلسطينية تبكي بجانب جثة ابنها، وتحدثت فيها عن أن “تشجيع” الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على تجاهل المصالح الفلسطينية، والسعي بدلًا من ذلك لتحقيق أقصى قدر من المكاسب الإسرائيلية، وأن هذا الوضع، مضافًا إليه فشل نتنياهو في تحديد مستوى المخاطر التي كان يقود إسرائيل إليها بتشكيله الحكومة الحالية، هو ما ساهم في الوصول إلى المشهد الحالي”، وكذلك عرض الصحيفة[70] أصوات أمريكيين من أصل فلسطيني قالوا إن السياسيين ووسائل الإعلام الأمريكية تجاهلوا الأسباب الأساسية وانحازوا إلى جانب إسرائيل.
وتُمثل استضافة أصوات فلسطينية خلال التغطيات أحد أشكال هذه الحيادية الشكلية، مثل مقابلة الصحفية في القناة الرابعة الإخبارية البريطانية، كاثي نيومان مع السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة حسام زملط، مباشرة بعد أن أجرت مقابلة مع سياسي إسرائيلي من حزب الليكود. كان السؤال الأول الذي طرحته نيومان على السفير الفلسطيني، هو ما إذا كان سيدين أعمال حماس. بطبيعة الحال رفض السفير الإجابة، مشيرًا إلى نقطة مهمة، تتعلق بأن هذا هو السؤال الذي يُطرح غالبًا على الفلسطينيين في وسائل الإعلام الغربية، بجانب تركيز وسائل الإعلام هذه في تغطياتها على الصواريخ الفلسطينية وتأثيراتها على إسرائيل، دون تناول الغارات الإسرائيلية بنفس القدر.
وفي لقاء للسفير الفلسطيني في لندن “حسام زملط” في قناة “بي بي سي”[71] سُئِل عما إذا كان يدعم أو يدين ما فعلته حركة حماس وهو ما رفض “زملط” الرد عليه، بسبب عدم فعل المثل مع المسئولين الإسرائيليين وتصدير الإعلام الغربي لصورة استهداف الفلسطينيين للمدنيين بالرغم من أن هذا ما تفعله الحكومة الإسرائيلية ليس فقط في الأزمة الأخيرة ولكن على مدار 75 عامًا، وبالرغم من ذلك لم يطلب أحد من المسئولين الإسرائيليين إدانة أي من الحوادث أو الاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين والأراضي الفلسطينية.
ذلك بجانب إطلالات الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، الذي ظهر مرتين على قناة سي إن إن الأمريكية، ورد بشكل واضح على السؤال المتعلق بـ”استهداف المدنيين”، علمًا بأنه ظهر في البرنامج الذي تقدمه المذيعة الشهيرة “كريستيان أمانبور” قبل يومين من إجراء رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، مقابلة مع نفس المذيعة، قارن خلالها بين حركة حماس وتنظيم داعش.
الإشكاليات والأبعاد الأيديولوجية لتغطية الإعلام الغربي للحرب الإسرائيلية
لعل السبب الواضح في تحيز الإعلام الغربي لإسرائيل، يعود في مجمله إلى القوة غير المتوازنة بين فلسطين وإسرائيل. فإسرائيل دولة معترف بها وتتمتع بعلاقات تجارية وعسكرية ودبلوماسية قوية مع الغرب، على عكس فلسطين. كما يُنظر إلى إسرائيل على أنها ديمقراطية غربية وحيدة الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من أنها قوة احتلال وتحتجر الملايين من السكان الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، في ظروف وصفتها جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة بـ”فصل عنصري”، لا يتمتع فيه الفلسطينيون حتى بالحقوق الأساسية.
التحيزات المؤيدة لإسرائيل في وسائل الإعلام الغربية تعد انعكاسًا للارتباط السياسي الأوسع بين إسرائيل والحكومات الغربية، وتساعد إسرائيل، عن عمد أو غير ذلك، على الإفلات من جرائمها التي لا يتم حتى الاعتراف بها كجرائم، في ظل الدعم الأمريكي والغربي والصمت الدولي. وبينما تقوم الولايات المتحدة بإرسال الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل، توقفت المساعدات الغربية عن التدفق إلى غزة حيث الأسر والأطفال في أمس الحاجة إليها. وخلق المزيد من عدم التوازن لن يؤدي إلا إلى التصعيد وخسارة الأرواح البشرية، كما أنه يؤخر أي إمكانية للتوصل إلى حل شامل.
هذا إلى جانب أن الإعلام يقوم في دعايته على تصوير إسرائيل بأنها دولة حرة وديمقراطية ذات سيادة، وتبذل قصارى جهدها للحد من الخسائر في صفوف المدنيين. حيث تستهدف القضاء على البنى التحتية والعسكرية لحماس والفصائل الفلسطينية مثل منصات إطلاق الصواريخ ومستودعات الأسلحة. وتتبع تكتيك “طرق الأسطح” لتحذير المدنيين من خلال الرسائل النصية أو المكالمات الهاتفية لإخلاء مبنى قبل استهدافه للتدمير. بينما تتعمد حماس تعريض المدنيين الفلسطينيين للخطر، وتخزين الأسلحة في المناطق المدنية، حول المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات.
فقد تجاهلت المواقف المبدئية للإعلام الغربي، في تغطيته للحرب في غزة، دوافع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين يوميًا، والاعتداءات على المسجد الأقصى. ولو ابتعدنا قليلًا، سندرك أن الإعلام الغربي تناسى أن هناك 75 سنة من الاحتلال والقهر والإذلال والتنكيل، وتناسى أن هناك 16 عامًا من حصار غزة غير الإنساني وغير الشرعي. والتزم الصمت لعقود بشأن الاحتلال العسكري الوحشي والفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين. وبالتالي فإن التحيز المؤيد لإسرائيل يظل منهجًا، وهو سمة، وليس خطأ في وسائل الإعلام الغربية.
لكن رغم هذا يمكن أن نعتبر أن تغيرًا لافتًا بدأ في التشكل تدريجيًا في نظرة الإعلام الغربي للملف الفلسطيني، بالنظر إلى تفضيل معظم وسائل الإعلام الغربية عدم الإشارة إلى عناصر الفصائل الفلسطينية على أنها عناصر إرهابية، رغم أن بعض الدول التي تنتمي لها وسائل الإعلام هذه، تصنف الحركة كتنظيم إرهابي. هذا التوجه يعتبر إيجابيًا من حيث المبدأ، ويضاف إليه بدء الفتح التدريجي لبعض الأصوات الفلسطينية كي توضح وجهة النظر الفلسطينية، وهي جميعها تطورات لا يمكن أن تتوازن مع التأثير الإسرائيلي الطاغي على وسائل الإعلام الغربية، التي لا يمكن تصنيف تغطيتها للملف الفلسطيني إلا كتغطية منحازة لإسرائيل. إلا أن التغيرات السالف الإشارة إليها تبقى مهمة ويمكن البناء عليها في قادم الأيام، خاصةً مع توالي الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، بما يحتم وضع هذه الفظائع الإنسانية في مقدمة التغطية خلال الفترة المقبلة.
[1] https://www.youtube.com/watch?v=3MERTh-mWxM
[2] https://www.msnbc.com/andrea-mitchell-reports/watch/fmr-israeli-amb-oren-there-will-be-efforts-to-minimize-people-in-densely-populated-warzone-195006021819
[3] https://transcripts.cnn.com/show/cnc/date/2023-10-12/segment/07
[4] https://www.youtube.com/watch?v=XLodKgfv4X4
[5] https://www.cnbc.com/video/2023/10/12/our-next-step-is-eliminating-hamas-former-commander-of-israelas-elite-military-technology-unit.html?&qsearchterm=Nada%20Zafrir
[6] https://www.msnbc.com/katy-tur/watch/-we-cannot-just-wait-israeli-mp-danny-danon-on-retaliating-from-hamas-attack-194917445779
[7] https://apnews.com/article/biden-israel-hamas-war-ae0217d2317002ddca003017df85e04f
[8] https://edition.cnn.com/2023/10/07/middleeast/hostages-hamas-israel-gaza/index.html
[9] https://www.nbcnews.com/news/world/hamas-israel-hostage-attack-us-palestinian-rcna119375
[10] https://www.washingtonpost.com/investigations/2023/10/12/israel-hostage-count-videos/
[11] https://mondoweiss.net/2023/10/nathan-thrall-has-written-a-masterpiece-about-israels-occupation/
[12] https://www.washingtonpost.com/world/2023/10/07/israel-gaza-hamas-attack-palestinians/
[13] https://www.thenation.com/article/world/israel-us-911-lessons/
[14] https://www.theguardian.com/world/2023/oct/09/how-did-hamas-manage-to-carry-out-its-rampage-through-southern-israel
[15] https://www.economist.com/middle-east-and-africa/2023/10/07/israel-reels-as-hamas-launches-a-spectacular-and-bloody-offensive
[16] https://www.channel4.com/news/factcheck/factcheck-what-is-a-war-crime-and-did-hamas-commit-war-crimes-in-its-attack-on-israel
[17] https://www.dailymail.co.uk/wires/reuters/article-12627523/Gaza-war-Israels-future-Hamas-Iranian-axis–Gallant.html
[18] https://www.thetimes.co.uk/article/why-is-the-uk-tiptoeing-around-hate-merchants-fh0jfcnkf
[19] https://www.youtube.com/supported_browsers?next_url=https%3A%2F%2Fwww.youtube.com%2Fwatch%3Fv%3DnZFCJ4NN4Dk
[20] https://www.lepoint.fr/monde/guerre-hamas-israel-les-combats-se-poursuivent-pres-de-1-500-morts-10-10-2023-2538691_24.php#xtmc=gaza&xtnp=1&xtcr=6
[21] https://www.lepoint.fr/monde/israel-gaza-le-bilan-s-alourdit-des-milliers-de-morts-au-total-11-10-2023-2538852_24.php#xtmc=gaza&xtnp=1&xtcr=5
[22] https://www.liberation.fr/international/moyen-orient/rassemblement-a-lyon-en-soutien-a-israel-comment-certaines-personnes-peuvent-ne-pas-condamner-le-hamas-20231010_PKX7SWACS5DCBMF7S4YAKACZVI/
[23] https://www.lemonde.fr/international/article/2023/10/07/gaza-pourquoi-le-hamas-a-decide-de-briser-le-statu-quo-et-de-defier-israel_6193034_3210.html
[24] https://www.la-croix.com/international/Palestiniens-quelle-aide-apporte-lUnion-europeenne-Gaza-Cisjordanie-2023-10-10-1201286305
[25] https://www.economist.com/leaders/2023/10/08/the-lessons-from-hamass-assault-on-israel
[26] https://www.bbc.com/news/world-middle-east-67044182
[27] https://www.theguardian.com/world/2023/oct/08/israel-hamas-gaza-palestinian-territories
[28] https://www.koin.com/video/tragic-loss-one-time-portlander-taken-by-hamas/9068915/
[29] https://edition.cnn.com/middleeast/live-news/al-aqsa-storm-militants-infiltrate-israel-after-gaza-rockets-10-07-intl-hnk
[30] https://www.forbes.com/sites/alexandralevine/2023/10/11/fearing-hamas-execution-videos-schools-urge-families-to-delete-tiktok-and-instagram/?sh=3d1df90f557f
[31] https://www.foreignaffairs.com/israel/war-hamas-always-wanted
[32] https://www.nytimes.com/2023/10/10/opinion/israel-hamas-.html
[33] https://www.ft.com/content/aad9fb2d-3fc5-48de-b79b-8d4971e36c10
[34] https://time.com/6323178/antisemitism-israel-gaza-attack-essay/
[35] https://www.foreignaffairs.com/middle-east/israels-intelligence-disaster
[36] https://www.bbc.com/news/world-middle-east-67043563
[37] https://www.theguardian.com/world/2023/oct/08/israel-hamas-gaza-palestinian-territories
[38] https://www.nytimes.com/2023/10/08/world/middleeast/israel-hamas-gaza-analysis.html
[39] https://foreignpolicy.com/2023/10/07/hamas-attack-israel-declares-war-gaza-why-explained/
[40] https://www.theguardian.com/world/2023/oct/08/hamas-attack-has-abruptly-altered-the-picture-for-middle-east-diplomacy
[41] https://www.washingtonpost.com/world/2023/10/07/israel-gaza-timeline-videos-maps/
[42] https://www.axios.com/2023/10/08/israel-gaza-hamas-war-explainer
https://www.wsj.com/world/middle-east/iran-israel-hamas-strike-planning-bbe07b25[43]
[44] https://www.nytimes.com/2023/10/13/world/middleeast/hamas-iran-israel-attack.html
[45] https://www.theguardian.com/world/2023/oct/08/hamas-attack-has-abruptly-altered-the-picture-for-middle-east-diplomacy
[46] https://www.lemonde.fr/en/international/article/2023/10/13/israel-hamas-war-the-gaza-model-is-de-facto-the-alternative-solution-to-the-absence-of-a-state_6169048_4.html#
[47] https://www.nytimes.com/2023/10/08/world/middleeast/israel-hamas-gaza-analysis.html
[48] https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2023/10/hamas-strategy-israel-gaza-war/675618/
[49] https://www.theguardian.com/world/2023/oct/08/israel-hamas-gaza-palestinian-territories
[50] https://foreignpolicy.com/2023/10/07/hamas-attack-israel-declares-war-gaza-why-explained/
[51] https://www.economist.com/leaders/2023/10/08/the-lessons-from-hamass-assault-on-israel
[52] https://www.newyorker.com/news/q-and-a/could-the-attack-on-israel-spell-the-end-of-hamas
[53] https://www.reuters.com/world/middle-east/israeli-forces-clash-with-hamas-gunmen-after-hundreds-killed-2023-10-08/
https://www.ft.com/content/8561ecb1-8c3f-4df0-92d3-4f935bcc6b06[54]
[55] https://www.foreignaffairs.com/israel/war-hamas-always-wanted
[56] https://twitter.com/netanyahu/status/1712070444713468034
[57] https://twitter.com/imshin/status/1712382843643396214
[58] https://www.dailymail.co.uk/news/article-12622079/Israeli-military-says-babies-beheaded-coroner-confirmed-died-IDF-spokesman-says-hard-believe-Hamas-perform-barbaric-act.html
[59] https://www.foxnews.com/world/isis-flag-found-hamas-equipment-netanyahu-makes-direct-connection-between-terror-groups-hamas-isis
[60] https://www.facebook.com/watch/?extid=WA-UNK-UNK-UNK-IOS_GK0T-GK1C&mibextid=j8LeHn&v=776145319738445
[61] https://www.facebook.com/watch/?v=1425779541323056&extid=CL-UNK-UNK-UNK-AN_GK0T-GK1C&ref=sharing&mibextid=Nif5oz
https://edition.cnn.com/2023/10/12/middleeast/israel-hamas-beheading-claims-intl/index.html
[62] https://www.facebook.com/watch/?v=855625419213634&extid=CL-UNK-UNK-UNK-AN_GK0T-GK1C&ref=sharing&mibextid=Nif5oz
[63] https://twitter.com/ivan_8848/status/1712172084661510537?s=48&t=siBEU_1hNcum4zcEZkq_kw
[64] https://twitter.com/IsraelWarRoom/status/1710743998732640368?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1710743998732640368%7Ctwgr%5E181a82c00793d3c4192c0d62aa2bedbc3a4a9120%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Fwww.ndtv.com%2Fworld-news%2Fmissing-israelis-viral-post-shows-pics-of-men-and-women-kidnapped-by-hamas-4461651
[65]https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=pfbid02wbnLgnTzVqSyUqnvmLKSm3dDvseSYnxmgcuwWQ9CPiqF6yFAa7MpkGEepuNAYQoGl&id=753815064&mibextid=Nif5oz
https://forward.com/news/564318/sexual-assault-rape-proof-hamas-idf-israel-gaza/
[66] https://www.facebook.com/watch/?v=3511261145781469&extid=CL-UNK-UNK-UNK-AN_GK0T-GK1C&ref=sharing&mibextid=Nif5oz
[67] https://www.dailymail.co.uk/news/article-12615031/Hamas-terrorists-beheaded-babies-kibbutz-slaughter-IDF-soldiers-reveal-horrific-scenes-carnage-discovered-site-scores-people-massacred.html
[68] https://www.bbc.com/news/entertainment-arts-67076341
[69] https://www.nytimes.com/2023/10/09/briefing/hamas-israel-war.html
[70] https://www.nytimes.com/2023/10/12/us/palestinians-reaction-israel-hamas.html
[71] https://www.facebook.com/watch/?v=3166044270368660&extid=CL-UNK-UNK-UNK-AN_GK0T-GK1C&ref=sharing&mibextid=Nif5oz