بدءًا من يوم السبت الموافق ٧ أكتوبر 2023، شنت حركة “حماس” عملية عسكرية استهدفت مستوطنات غلاف غزة، وشكلت هذه العملية التي عرفت باسم “طوفان الأقصى” صدمة غير مسبوقة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إذ عدت أكبر هجوم شنته “حماس” على إسرائيل منذ تأسيس الحركة عام 1987، ومن ثَمّ يُثير هذا المشهد سالف الذكر جملة من التساؤلات حول الكيفية التي تعاطت بها تنظيمات الإرهاب المعولم، لا سيما “القاعدة” و”داعش” مع عملية “طوفان الأقصى” على خلفية ترويجها في خطاباتها الدعائية بدعمها للقضية الفلسطينية.
بيانات متعددة
كانت البداية مع تنظيم “القاعدة”، إذ توالت البيانات الصادرة عن فروعه وقيادته المركزية، فقد أصدر تنظيم “القاعدة في شبه القارة الهندية” بيانًا بعنوان “خيبـر خيبـر يا يهـود.. جيش محمد سوف يعود..” في 8 أكتوبر2023، أشاد خلاله بـ”كتائب القسام” دون الإشارة إلى حركة “حماس”، حيث أكد على أن عملية “طوفان الأقصى” هي الرد المناسب للعدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيًّا منذ أكثر من 70 عاما”، كما لفت إلى أن “السبيل الوحيد لتحرير الأمة الإسلامية من براثن أنظمة الكفر هو الجهاد في سبيل الله”
ثم تبعه بعد ذلك تنظيم “القاعدة في اليمن” حيث نشر بيانًا في ٩ أكتوبر2023، بعنوان “بشأن عملية طوفان الأقصى المباركة”، أشاد فيه بالهجوم ونسبه إلى “كتائب القسام” دون ذكر حركة “حماس”، وناشد الجوار الفلسطيني إلى مساندة الفصائل في الداخل على خلفية كونهم الأقرب جغرافيًا إلى فلسطين. كما دعا الفصائل الفلسطينية إلى الوحدة ونبذ ما “يورث الفرقة والخلاف بينكم وبين إخوانكم المسلمين”
وفي اليوم ذاته، أصدر تنظيم “حراس الدين” بيانًا بعنوان “القدس لن تُهوّد” تحدث فيه عن الدعم الغربي الموجه لإسرائيل، داعيًا إلى استغلال الظرف الراهن من أجل “الجهاد في سبيل الله والدفاع عن المقدسات”، مؤكدًا على أن ” الجهاد في سبيل الله” هو سبيل العزة والتمكين.
وفي السياق ذاته أصدرت حركة “الشباب الصومالية” بيانًا في 11 أكتوبر2023، جاء بعنوان ” تهنئة ومباركة بغزوة طوفان الأقصى”، قدم فيه التهنئة “للمجاهدين في فلسطين على الغزوة المبشّرة”، دون إشارة صريحة لحركة “حماس” لافتًا إلى الدعم الغربي الموجه “لمساندة اليهود”، موضحًا أن المعركة مع “اليهود ليست معركة الفصائل الإسلامية في أرض فلسطين، إنما هي معركة الأمة المسلمة كاملة”، داعيًا إلى دعم “المجاهدين في فلسطين بالمال والرجال”، معتذرًا عن عدم تقديم الكثير للدعم للفلسطينيين: “لو وجدنا إليكم سبيلًا لما تأخرنا عنكم، ولكنكم تجاهدون في أرض فلسطين هناك، ونحن نجاهد في أرض شرق أفريقيا ” مؤكدًا على أن ” الجهاد في سبيل الله “هو الطريق إلى العزة.
وقد أصدر كل من تنظيم “قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بيانًا مشتركًا في 13 أكتوبر2023، بعنوان ” وارتاعت يهود لقرب الوعد”، أشاد خلاله بدور كل من: “جند الأقصى” و”كتائب القسام” متجاهلًا الإشارة إلى حركة “حماس”، داعيًا الفصائل الفلسطينية المتواجدة في الضفة الغربية إلى دعم ” المجاهدين في غزة”.
وفي اليوم ذاته جاء بيان القيادة العامة لتنظيم “القاعدة” بعنوان” ألا نصر الله قريب” والذي أثنى على دور “المجاهدين في فلسطين “في معركة “طوفان الأقصى” مؤكدًا على أن الطوفان القادم من أبطال الإسلام سينسي الصهيوصليبيين أهوال سبتمبر”، موضحًا أن العملية كشفت بشكل مباشر عن “حجم الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي”، داعيًا الأمة الإسلامية إلى “تقديم الدعم المعنوي والمادي للأبطال في فلسطين”، محرضًا على استهداف كل ما هو “صليبي وصهيوني وإسرائيلي في حرب مفتوحة.”
وبالانتقال إلى تنظيم “داعش” نجد أنه لم يسع للتعقيب بوضوح على الأحداث، بل اكتفت افتتاحية صحيفة “النبأ” في عددها (412) الصادر في 12 أكتوبر والتي جاءت تحت عنوان “نصرة المسلمين” بالحديث عن المحن والابتلاءات التي يتعرض لها المسلم، لافتة إلى أن الأخوة الإيمانية والتي تعد من صميم الإيمان تلزم ” المؤمن نصرة أخيه في المحن الواقعة عليه، وأشدها “تعدي الكافر عليه بقتل، أو أسر، أو تهجير”، وذلك في إشارة ضمنية إلى دعم الفلسطينيين من دون الحديث بشكل صريح عن عملية “طوفان الأقصى”.
ملاحظات أساسية
في ضوء المشهد سالف الذكر، ثمة جملة من الملاحظات الأساسية والاستنتاجات الرئيسية، يمكن استعراضها على النحو التالي:
الملاحظة الأولى: تُشير إلى موقف تنظيمي “القاعدة” و”داعش” من القضية الفلسطينية، فبالنسبة لتنظيم “القاعدة” تشكل مسالة “تحرير القدس” أحد ركائز تأسيسه، إذ كانت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في خطابه الدعائي منذ تدشينه، إلا أن سجل هجماته ضد إسرائيل ضعيف مقارنة بعملياته في دول أخرى، مما عرضه لانتقاد واسع، وهو الأمر الذي برره ” أسامة بن لادن” في مارس 2009 عبر إصدار مرئي جاء تحت عنوان “خطوات عملية لتحرير فلسطين”، حيث أوضح أنه بسبب اتفاقيات السلام المبرمة بين إسرائيل والعديد من جيرانها العرب، كان من الصعب على عناصر التنظيم اختراق الحدود الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، وفقًا “لابن لادن”، فإن التنظيم يمنح الأولوية لإسقاط الأنظمة المحلية حتى يتمكن من تدشين نقطة انطلاق لهجمات مستقبلية ضد إسرائيل.
أما بالنسبة لتنظيم “داعش”، فيمكن القول إن القضية الفلسطينية لم تحتل مكانة بارزة في دعايته، وذلك على الرغم من أن إسرائيل والجاليات اليهودية يتم ذكرها بانتظام ضمن قائمة أعدائه، وقد وضح التنظيم موقفه من القضية الفلسطينية بشكل جلي في العدد (22) صحيفة “النبأ” والتي صدرت في 15 مارس2016، حيث جاءت مقالة بعنوان “بيت المقدس قضية شرعية أولا”، أكد فيها على أن القضية الفلسطينية لا تأتي قبل قضايا الجهاد الأخرى. إذ قال: “لو نظرنا إلى أرض الواقع اليوم، لوجدناها تحكم كلها بالشرك وقوانينه، وخلال بقاع منها مكّن الله الدولة الإسلامية من إقامة الدين فيها… بالتالي يتساوى الحكم على الجهاد في فلسطين مع غيره دون تمييز”. ولكن هذا الطرح لا يُنفى نجاحه في تنفيذ عدد من العمليات تجاه أهداف إسرائيلية، غير أن معظمها اتخذ شكل هجمات ضد مجتمعات يهودية خارج إسرائيل.
ويمكن تفسير فشل التنظيمين في تحويل خطابهما الداعم لفلسطين إلى عمليات ضد إسرائيل في ضوء عاملين أساسين، يتعلق أولهما: بصعوبة فرض السيطرة على الدول الواقعة في محيط إسرائيل، وبالتالي صعوبة استهدافها. وينصرف ثانيهما: إلى هيمنة فصائل المقاومة الفلسطينية المحلية على مشهد الصراع مع إسرائيل، وحرصها على منع التنظيمات الإرهابية من إقحام نفسها في الأراضي الفلسطينية.
الملاحظة الثانية: تنصرف إلى موقف تنظيمي “القاعدة” و”داعش” من حركة “حماس”، حيث أشاد الأول بـــ”كتائب القسام” في معظم البيانات الصادرة من مختلف فروعه دون الإشارة إلى حركة “حماس”، بينما رفض الثاني التعقيب على عملية “طوفان الأقصى” من قريب أو من بعيد، واكتفى بإشارة ضمنية إلى دعم الفلسطينيين.
ويمكن تفسير هذا التعاطي مع قبل تنظيمي “القاعدة ” و”داعش” في ضوء سياقين، أولهما: الاختلافات الأيدلوجية والعقائدية بينهما وبين حركة “حماس” في عدد من القضايا، يأتي على رأسها المشاركة السياسية، إذ أن تنظيمي “القاعدة” و”داعش” لا يؤمنا بالمشاركة السياسية ودخول المجالس النيابية، فحين أن حركة “حماس” تؤمن بالعملية السياسية وتشارك في الانتخابات.
وتبرز القضية الثانية في جغرافيا الصراع، حيث يملك كل من تنظيمي “القاعدة” و”داعش” عددًا من الجبهات المفتوحة داخل مناطق جغرافية مختلفة، بينما تركز حركة “حماس” في صراعها بشكل أساسي على الداخل الفلسطيني.
وثانيهما: العلاقة بين حركة “حماس” وإيران، إذ تعد إيران من أكبر الداعمين لحركة “حماس” ماليًا وعسكريًا وهذا الطرح تحدث عنه بشكل شديد الوضوح “يحيى السنوار” (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) في أغسطس 2017، وقد سعى تنظيم “القاعدة” إلى الخروج من هذه الإشكالية والمأزق التنظيري، عبر التمييز بين جناحي حركة “حماس” السياسي والعسكري، فمن وجهة نظره أن الجناح العسكري والمتمثل في “كتائب القسام” هو الذي يجاهد في فلسطين، بينما الجناح السياسي هو الذي يوالي لإيران. أما تنظيم “داعش” فطبقًا لرؤيته الأيدلوجية ومعتقداته الفقهية فهو يرى أن حركة “حماس” حركة “مرتدة” منحرفة عن الطريق الصحيح للعقيدة الإسلامية. وبالتالي لم يسع إلى التعقيب على عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها الحركة.
الملاحظة الثالثة: تشير إلى كيفية انعكاس عملية “طوفان الأقصى” على نشاط تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، ويمكن القول إن تعاطي تنظيم “القاعدة” العملياتي سوف يختلف عن تعاطي تنظيم “داعش” وهو ما اتضح من البيانات سالفة الذكر. فبالنسبة لتنظيم “القاعدة” من المحتمل أن يركز أولويات استهدافه في الفترة القادمة على أهداف غربية، لا سيما وأن بيان القيادة العامة للتنظيم جاء محرضًا على استهداف كل ما هو “صليبي وصهيوني وإسرائيلي في حرب مفتوحة.”
ولا يمكن إغفال أن عملية “طوفان الأقصى” أحدثت ضجة إعلامية تشابه ما أحدثته أحداث 11 سبتمبر 2001. وبالتالي فإن التنظيم بأفرعه في احتياج إلى عملية ضخمة توازن بها ما أحدثته “حماس”، حتى يستعيد تفرده في تهديد الغرب، وما يؤكد هذا التصور سعي بيان القيادة المركزية للتنظيم إلى استدعاء أحداث 11 سبتمبر مرة أخرى بقولها “: إن الطوفان القادم من أبطال الإسلام سينسي الصهيوصليبيين أهوال سبتمبر”.
أما تنظيم “داعش” فمن المرجح أن يتبع الاستراتيجية نفسها التي اتبعها مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والمتمثلة في عدم الانخراط في مشهد الحرب، وقد عبر عن هذا التوجه في العدد (328) من صحفية النبأ والتي صدرت 4 مارس2022، حيث جاءت الافتتاحية تحت عنوان “حروب صليبية- صليبية” وتطرقت إلى موقف التنظيم من المشاركة في الحرب، محذرة المسلمين القاطنين في روسيا وأوكرانيا من المشاركة في الصراع، على خلفية كونها حروبًا “صليبية- صليبية”. وبالتالي سوف يتبنى التنظيم هذا التوجه في ضوء رؤيته لحركة “حماس ” باعتبارها حركة “مرتدة” من ناحية، فضلًا عن تركيزه في الوقت الحالي على توسعه في أفريقيا من ناحية أخرى، وهو ما اتضح عبر التزامه الصمت وعدم تعقيبه على الأحداث. بعبارة أخرى، سيستغل التنظيم تحول الاهتمام الدولي إلى المشهد في غزة من أجل بناء هياكله التنظيمية في الساحات ذات الأولوية بالنسبة له، وعلى رأسها أفريقيا.
الملاحظة الرابعة: تدور حول تشبيه الدوائر الغربية عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حماس بأحداث 11 سبتمبر 2001 التي نفذها تنظيم “القاعدة”، هذا فضلًا عن ربط القيادتين الإسرائيلية والأمريكية بشكل مباشر بين تصرفات “حماس” وتنظيم “داعش”، هذه السردية تمنح إسرائيل حرية الحركة، وتتيح لها نطاقًا أوسع للقيام بعمليات تصفها بـأنها تهدف لمكافحة الإرهاب في غزة والأراضي الفلسطينية، لا سيما وأن استراتيجية “جزّ العشب” التي اتبعتها إسرائيل تجاه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لم تثبت فاعلية في الحفاظ على أمنها في ضوء ما كشفت عنه عملية “طوفان الأقصى” من فشل استراتيجي إسرائيلي، وبالتالي من المؤكد أن يحل محلها تحركات أكثر قسوة.
ومن ثَمّ تشير العديد من التحليلات الغربية إلى أن التداعيات المرتبطة بعملية “طوفان الأقصى” تقف على قدم المساواة مع تداعيات هجمات 11 سبتمبر 2001، إذ ستمثل نقطة فاصلة في الأمن الإقليمي والدولي، وذلك في ضوء احتمالية قيام إسرائيل بغزو بري لقطاع غزة، الأمر الذي قد ينصرف إلى تورط أطراف إقليمية أخرى في الصراع، مما يترتب عليه إعادة ترتيب المعادلة الإقليمية.
مجمل القول، لا يمكن غض الطرف عن موقف التنظيمات الإرهابية من المشهد الحالي، إذ يمثل زاوية مهمة لا بد من النظر لها واستعراضها، على خلفية كونها فاعلًا عنيفًا يسعى لاستغلال الأحداث من أجل تأكيد وجوده. وعلى الرغم من التوظيف المتكرر للقضية الفلسطينية في خطابات التنظيمات الإرهابية، بهدف تقديم نفسها كجهة داعمة لنضال الفلسطينيين، إلا أن عملية “طوفان الأقصى” تعد عملية استثنائية في تأثيرها، الأمر الذي يحمل بالضرورة انعكاسات استثنائية على نشاط التنظيمات الإرهابية من ناحية، والأمن الإقليمي من ناحية أخرى.