تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار” يجتمع قادة خمسين دولة تشمل (دول الاتحاد الأوروبي ودول جامعة الدول العربية) في منتجع شرم الشيخ يومي 24 – 25 فبراير 2019، تحت رئاسة كلٍّ من الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” ورئيس المجلس الأوروبي “دونالد توسك”، في قمة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات العربية-الأوروربية. بمعنى آخر، تمثل هذه القمة السابقة الأولى التي تجتمع فيها كافة دول الاتحاد الأوروبي ودول جامعة الدول العربية بهذا الشكل، وعلى هذا المستوى، وذلك على الرغم من أنه كانت هناك محاولات لترتيب مثل هذه القمة على مدى العشرين عامًا الماضية، لكنها لم تُكلَّل بالنجاح. ويشمل جدول أعمال القمة مناقشة عدد كبير من القضايا، تتراوح بين قضايا التعددية، والتجارة والاستثمار، والهجرة، والأمن والأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. وانطلاقًا من ذلك يحاول هذا التقرير استكشاف دلالات التوقيت (لماذا الآن؟)، ومعوقات وفرص نجاح القمة.
أولًا: دلالات التوقيت.. لماذا الآن؟
فيما يتعلق بدلالات التوقيت، فعلى الجانب الأوروبي أدى تصاعد المخاوف من تزايد تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا ومخاطر الإرهاب إلى وجود حاجة أوروبية ملحة لرفع مستوى التنسيق والتعاون مع الجانب العربي لبحث سبل المواجهة بشكل مشترك. وقد لعبت “فيدريكا موجيريني” (الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية الأوروبية) دورًا رئيسيًّا في عقد تلك القمة باعتبارها ستكون جزءًا من إنجازها وميراثها السياسي. وتمثل هذه القمة جزءًا من التوجه الأوروبي الأكبر لإعطاء دفعة كبيرة لبناء علاقات أوثق مع إفريقيا، كما جاء في خطاب رئيس المفوضية الأوروبية “جان كلود يونكر”، في سبتمبر 2018. فقد أشار “يونكر” إلى هذه القمة بوصفها جزءًا من الاستراتيجية الأوروربية لبناء تحالف جديد مع إفريقيا يهدف إلى خلق ملايين من فرص العمل ومنطقة تجارة حرة كبرى مع العالم العربي وإفريقيا. وفيما يتعلق بالهجرة، استطاع الاتحاد الأوروبي إبرام اتفاقيات تعاون مع كلٍّ من تركيا وليبيا، وتدريب بعض قوات خفر السواحل لمنع زحف الهجرة غير الشرعية. وترغب المفوضية الأوروبية في إبرام اتفاقيات مماثلة مع باقي دول شمال إفريقيا.
على الجانب العربي الذي كان يُطالب تاريخيًّا بعقد مثل هذه القمم، فقد حصل على قوة دفع سياسية قوية في ضوء رغبة القيادة السياسية المصرية في استعادة نفوذ مصر الإقليمي من جديد بعد سنوات من الاضطرابات التي أعقبت الربيع العربي، والدعم السعودي القوي للفكرة؛ إلا أن قضية الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” قللت من الزخم الذي كانت السعودية تخطط للقيام به في هذه القمة. ويرى الجانب العربي أن هذه القمة تمثل فرصة للحصول على المساندة الأوروبية في الانتقال إلى مرحلة التحول السياسي في سوريا، وفي وضع حل الدولتين موضع التطبيق في الشرق الأوسط، والاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية، ووضع حلول عملية للأزمات في اليمن وليبيا. ويرى الجانب العربي أن القمة بمثابة آلية مهمة لتوثيق التعاون الاقتصادي والتعاون في مجالَيِ التجارة والاستثمار، وخلق فرص عمل وفرص تعليم جديدة للشباب العربي.
ثانيًا: المعوقات… مستوى التمثيل، تحضيرات القمة، البيان المشترك
هناك مخاوف من نتائج القمة على أرض الواقع، خاصة بالنسبة للجانب الأوروبي. فهناك تشكك في حضور الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” الذي كان في زيارة طويلة إلى مصر، وكذلك في احتمال حضور رئيسة الوزراء البريطانية التي تواجه شبح الإطاحة بحكومتها من البرلمان البريطاني على خلفية قضية الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي Brexit. ولم تؤكد “أنجيلا ميركل” حضورها إلى القمة إلا يوم الاثنين الموافق 18 فبراير 2019، أي قبل عقد القمة بأقل من أسبوع. ويمكن القول إن مستوى تمثيل الجانب العربي في القمة المقبلة سيعتمد -بشكل كبير- على حجم ومكانة الشخصيات والقيادات الأوروبية التي ستحضر القمة. وكانت التحضيرات لهذه القمة شديدة التعقيد، فلم يتم تحديد موعدها إلا في أواخر سبتمبر 2018، خلال زيارة “دونالد توسك” (رئيس المجلس الأوروبي) والمستشار النمساوي “سباستيان كيرز”، إلى القاهرة. ويرى المحللون أن قمة بهذا المستوى والأهمية كانت في حاجة إلى عامٍ من التحضيرات على الأقل لكي تخرج إلى النور بنتائج ملموسة على أرض الواقع.
ومن ناحيةٍ أخرى، كانت مهمة الاجتماع في بروكسل على مستوى وزراء الخارجية العرب والأوروبيين، في 4 فبراير 2019، هي وضع أجندة القمة، والوصول إلى بيان مشترك بين الجانين العربي والأوروبي، إلا أنه فشل في وضع هذا البيان المشترك، وخرجت “موجيريني” في المؤتمر الصحفي بعد الاجتماع الوزاري لتقول إن نسبة “90-95%” من مضمون البيان المشترك تم الاتفاق عليها، وهي: قضايا مكافحة الإرهاب، وحقوق الإنسان، والصراعات الإقليمية، وحل الدولتين في منطقة الشرق الأوسط، والمناخ، والتجارة والاستثمار، والتنمية والتعاون المالي والتقني. وتظل نسبة الـ5-10% التي لم يتم التوافق حولها متعلقة بصياغات وبنود تتعلق بموضوع الهجرة، خاصةً في وجود بعض الدول الأوروبية (المجر بصفة خاصة) التي لا ترغب في إدراج الاتفاق العالمي للأمم المتحدة لمكافحة الهجرة UN Global Compact for Migration)). وعلى الجانب العربي، هناك بعض الدول العربية غير الراضية عن بعض البنود في اتفاق الهجرة وعن بعض القضايا التي يطرحها الجانب الأوروبي. فقد خرج الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط”، في المؤتمر الصحفي المشترك مع “موجيريني”، ليقول إن “هناك تعقيدات على الجانب الأوروبي بدرجة أكبر من الجانب العربي”، لترد عليه “موجيريني”: “أرى أن العكس هو الصحيح”. ويُمثل هذا مؤشرًا على وجود تعارض في الرؤى في بعض القضايا على أجندة القمة المقبلة سيقع على عاتق الرئاسة المصرية محاولة حلها إذا كان لهذه القمة أن تستمر كآلية للتعاون المستقبلي بين الجانبين العربي والأوروبي.
ثالثًا: فرص النجاح: القيادة السياسية المصرية، والمصالح والأهداف المتبادلة
إذا كان لهذه القمة أن تنجح في تحقيق أهدافها فإن الأمر سيعتمد بشكل كبير على جهود القيادة السياسية المصرية للتوصل إلى حلول مقبولة لأوجه الخلاف التي منعت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والدول العربية من إصدار البيان المشترك في 4 فبراير 2019. وعلى الرغم من أن غياب دول (مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وإيران، وتركيا) يعني أن قدرة القمة على حل الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط محدودة؛ إلا أنها تستطيع إعطاء دفعة قوية للحل السياسي والسلمي في اليمن، وفي التعامل مع تحديات ما بعد الحرب في سوريا (التي يظل مقعدها خاليًا حتى الآن بجامعة الدول العربية وفي هذه القمة)، وفي مواجهة الجهود الأمريكية-الإسرائيلية في الضغط على الفسلطينيين لقبول خطة سلام غير عادلة (صفقة القرن) قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إشعال منطقة الشرق الأوسط.
ويُمثّل التعاون العربي-الأوروبي في مكافحة الإرهاب أولوية مشتركة للجانبين، فالهزيمة العسكرية لداعش في سوريا لا تعني نهاية التطرف، بل قد يتوجه قادتها وأعضاؤها إلى أوروبا أو إلى الدول العربية. ومع تزايد معدلات الهجرة بشكل غير مسبوق إلى أوروبا، فإن الاتحاد الأوروبي في حاجة ملحة لتوثيق التعاون مع العديد من الدول العربية للإبقاء على الوضع تحت السيطرة، سواء تدفق المهاجرون غير الشرعيين، أو تسلل الإرهابيون الفارون من سوريا إلى أراضيها.
ويرى الباحث أن فرص نجاح هذه القمة قد تزداد بشكل كبير إذا تم التعامل مع مخاوف كل جانب بشكل متوازن، حيث يرغب الجانب الأوروبي في كبح جماح الهجرة غير الشرعية، ومنع تسلل الإرهابيين إلى أراضيه، وخلق فرص للاستثمار في إفريقيا عبر البوابة العربية. ويمكن للحكومات والأنظمة العربية أن تساهم في تحقيق تقدم في هذه الملفات في مقابل مطالب عربية عادلة يستطيع الاتحاد الأوروبي تقديمها للجانب العربي، حيث يرغب الجانب العربي في تحقيق الاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي، وحل الصراعات الإقليمية، وتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يساهم في تحقيقه في المستقبل المنظور.