تعد قناة السويس من أهم الممرات المائية في العالم، وتحظى بأهمية استراتيجية كبيرة للاقتصاد المصري والعالمي. تمتد القناة عبر مصر، وتربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، مما يوفر ممرًا تجاريًا قصيرًا وحيويًا بين آسيا وأوروبا. كما تشكل إيرادات قناة السويس مصدرًا هامًا للعائدات الاقتصادية لمصر. فمن خلال فرض رسوم العبور على السفن والحاويات التي تستخدم القناة كنقطة مرور لشحناتها، تحقق الحكومة المصرية إيرادات تساهم في تنمية البنية التحتية وتعزيز النمو الاقتصادي.
أداء قناة السويس للعام المالي 2022/2023
تعتبر قناة السويس من أهم ممرات النقل البحري بين أوروبا وآسيا وأحد أهم مصادر النقد الأجنبي للحكومة المصرية، توفر أيضًا بشكل مباشر وغير مباشر العديد من فرص العمل في العديد من المجالات الأخرى، وفي عام 2022/2023 ارتفعت إيرادات القناة بنحو 34.7% على أساس سنوي إلى 9.4 مليارات دولار، مقارنة بـ 7 مليارات دولار في عام 2021/2022. وبالمقارنة بالعبور، شهدت حركة الملاحة بالقناة أيضًا زيادة في أعداد السفن العابرة لقناة السويس بنسبة 55.1% لتصل إلى 25.9 ألف سفينة عام 2022/2023، وهو الأعلى في تاريخ القناة، مقابل 16.7 ألف سفينة عام 2013/2014.
كما زادت الحمولات الصافية العابرة لقناة السويس بنسبة 66.7%، لتسجل 1.5 مليار طن عام 2022/2023 وهو الأعلى في تاريخ القناة، مقارنة بـ 0.9 مليار طن عام 2013/2014.
وسوف يتم زيادة رسوم العبور العادية بنسبة 15% لعدة أنواع من السفن، اعتبارًا من 15 يناير 2024 وزيادة رسوم العبور العادية بنسبة 5% لكل من سفن البضائع الصب الجاف، وسفن البضائع العامة، وسفن الدحرجة، بالإضافة إلى السفن الأخرى. رسوم المرور من قناة السويس زادت بنحو معقول إلى 2 مليار دولار مقارنة بــ 1.7 مليار دولار الربع الثاني 2022/2023.
تحققت زيادة قدرها73.42 مليار جنيه في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لقطاع قناة السويس عام 2021/2022 بنسبة 178.16% ليسجل 114.63 مليار جنيه بالمقارنة بـ 76.71 مليار جنيه عام 2017/2016. وسجلت قناة السويس إيرادات تعد الأعلى في تاريخها. كما تنامت الاستثمارات العامة بقناة السويس خلال العام المالي 2021/2022 بنسبة 61.86%، حيث سجلت نحو 16.72 مليار جنيه مقابل نحو 10.33 مليارات جنيه خلال العام 2020/2019.
أسباب وراء الطفرة التي حققتها القناة
ارتفاع أسعار النفط:
ساهم ارتفاع أسعار النفط في زيادة الميزة التنافسية لقناة السويس فمنذ بداية الربع الثالث لعام 2023، وصلت الأسعار إلى أعلى مستوياتها، ولا تزال أسعار النفط في اتجاه صعودي قوي انطلاقًا من حقيقة تؤكد أنه كلما ارتفعت أسعار النفط؛ زادت تكاليف الطرق البديلة والمنافسة للقناة، خاصة “رأس الرجاء الصالح” وهذا يدفع السفن إلى اختيار الطرق الأقصر مسافة وتكلفة واستهلاكًا أقل للوقود، وعلى رأسها قناة السويس، حيث تتيح قناة السويس توصيل السفن بين البحر المتوسط والبحر الأحمر بشكل أسرع وأسهل. هذا يعني زيادة الحركة التجارية وتنشيط التجارة البحرية، مما يؤدي إلى تحقيق إيرادات مهمة لمصر.
عند مقارنة عبور قناة السويس باستخدام أي طريق بديل آخر، لا يمكننا التعميم على أرقام ثابتة تمامًا. تختلف طبيعة ونوع وظروف عمل كل سفينة ومسارها، فكل سفينة لها رسوم استهلاك وقود يومية مختلفة، ونفقات تشغيل، واستئجار يومي مختلف، وتمت المقارنة بين سفن الحاويات من فئة (PPMX) ذات حمولة 10000 حاوية مبحرة من ميناء سنغافورة إلى روتردام عبر استخدام قناة السويس أو استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، وناقلة بترول من فئة VLCC مبحرة من ميناء رأس تنورة إلى ميناء روتردام عبر استخدام قناة السويس أو استخدام طريق رأس الرجاء الصالح، فكانت المسافة المقطوعة للرحلة من سنغافورة إلى روتردام عبر قناة السويس 8288 ميل بحري، أي تستغرق السفينة في تلك الرحلة 13 يوم و20 ساعة للوصول إلى ميناء روتردام، وعند استخدام السفينة نفسها لطريق رأس الرجاء الصالح سنجد أن المسافة المقطوعة 11755 ميل بحري، أي تستغرق السفينة 19 يوم و14 ساعة للوصول إلى ميناء روتردام عبر رأس الرجاء الصالح.
الوضع يختلف عند المقارنة بين إبحار ناقلات البترول VLCC من ميناء رأس تنورة بالخليج العربي إلى ميناء روتردام باستخدام طريق رأس الرجاء الصالح، ناقلات البترول من فئة VLCC يكون متوسط استهلاكها اليومي للوقود 115 طن ومتوسط سرعتها 15 عقدة، عند إتمام رحلة الناقلة، فعند طريق قناة السويس سنجد المسافة المقطوعة خلال الرحلة 6436 ميل بحري، أي تتطلب الناقلة 17 يوم و21 ساعة للوصول إلى ميناء روتردام، وعند استخدام الناقلة طريق رأس الرجاء الصالح ستكون المسافة 11169 ميل بحري، أي تستغرق رحلة السفينة 31 يوم وساعة واحدة.
تطوير هيئة قناة السويس:
حيث تم تطوير المجرى الملاحي وتضمنت أعمال توسعة وإنشاء جراجات تلجأ إليها السفن لإصلاح أعطالها دون التأثير على مرور السفن، وحتى الآن تم إنشاء 10 جراجات، وشملت أعمال التطوير بالأساس العمل على زيادة عمق القناة لتصل إلى 24 متر، كما تم تطوير القطاع الجنوبي وتم العمل على توسعة عرض هذا القطاع من جهة الشرق وزيادة عمقه لـ 27 م، مما أدي لزيادة عامل الأمان الملاحي بنسبة 28%. تطوير منطقة البحيرات المرة، والتي شهدت أعمال تطوير بطول 10 كم عبر مضاعفة عرض المجرى في هذه المنطقة لتصل إلى 500 متر بدلًا من 250، وهذا رفع قدرات القناة لاستقبال نحو 8 سفن زيادة عن قدراتها السابقة على أعمال التطوير. انضمام كراكتين الكبريين بالشرق الأوسط، وهما الكراكة “مهاب مميش” والكراكة “حسين طنطاوي” تشمل استراتيجية التطوير في هذا الصدد إضافة 28 قاطرة لأسطولها من القاطرات، وذلك لمواكبة تزايد أعداد السفن المارة بالقناة، واستكملت الهيئة تعزيزها لأسطول القاطرات، بإبرام شراكة مع ترسانة جنوب البحر الأحمر لإنشاء 10 قاطرات بقوة شد 90 طنًا، فيما تم التعاقد على قاطرتين عملاقتين بقوة شد 190 طنًا بترسانة الإسكندرية. استلمت الهيئة ثلاث وحدات جديدة لمكافحة التلوث من طراز Multi cleaner 128، بعد اكتمال بنائهم بترسانة EFINOR الفرنسية المصنفة كأكبر الترسانات العالمية المتخصصة في مجال بناء وحدات مكافحة التلوث.
قناة السويس القناة الخضراء:
تدعم قناة السويس جهود المنظمة البحرية الدولية “IMO” لنشر مفاهيم الانتقال الأخضر للقطاع البحري. كما تلتزم قناة السويس بالإجراءات والضوابط البيئية بتحقيق الوفر في الوقت والمسافة مقارنةً بالمسارات البديلة، مما يساهم في خفض استهلاك الوقود بنسب تتراوح من 20 إلى 80%، وخفض الانبعاثات الكربونية الضارة بالإضافة إلى تعميم استخدام الأنظمة الهجينة (الخلايا الشمسية – توربينات الرياح) لتوليد الكهرباء لمحطات الإرشاد للسفن على طول قناة السويس، مما يحافظ على استدامة عمل الأجهزة الضرورية للملاحة، ويساهم في الحفاظ على البيئة من انبعاثات مكافئ ثاني أكسيد الكربون. كما ساهمت قناة السويس في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 31 مليون طن خلال عام 2021 مقارنةً بالمسارات البديلة، وتوفير الوقود بحوالي 10.3 مليون طن، كما ساهمت قناة السويس الجديدة في توفير 53 مليون طن مكافئ لثاني أكسيد الكربون.
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس
بلغ إجمالي تكلفة البنية التحتية والاستثمارية للمنطقة نحو 18 مليار دولار، وفرت 100 ألف فرصة عمل مباشرة، كما تم إنشاء 250 منشأة صناعية وخدمية في مجالات مختلفة وصناعات حيوية مهمة، وإقامة شراكات مع 14 مطورًا صناعيًا داخل المنطقة.
وبالنسبة لأبرز مشروعات البنية التحتية للموانئ، فإن تكلفة البدء في تطوير ورفع كفاءة بعض أرصفة ميناء غرب بورسعيد بلغ نحو 1,4 مليار جنيه، بينما تم إنشاء أرصفة بطول 5 كم في ميناء شرق بورسعيد، بتكلفة 6.8 مليار جنيه، فضلًا عن تقليص عدد ساعات انتظار السفن بعد افتتاح قناة الميناء الجانبية.
كما شملت مشروعات البنية التحتية للموانئ، تطوير ميناء العين السخنة بتكلفة بلغت 37 مليار جنيه، فضلًا عن أنه تم تشغيل ميناء العريش في يناير 2021 بعد توقف دام 8 سنوات، وجار تنفيذ مشروعات لتطويره بتكلفة تبلغ 4 مليارات جنيه، في حين يجري تنفيذ مشروعات لتطوير ميناء الأدبية بتكلفة تبلغ 250 مليون جنيه.
ومن أبرز المشروعات والفرص الاستثمارية بالمنطقة الاقتصادية، مشروع مصانع تجميع وتوريد وإعادة تأهيل وحدات متحركة للسكك الحديدية بشرق بورسعيد، حيث تم تنفيذ المشروع بإجمالي استثمارات 240 مليون دولار، كما أنه من المتوقع أن يوفر المشروع 2000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.وفي سياق متصل، مشروع المنطقة الصناعية الروسية بشرق بورسعيد، باستثمارات تبلغ 6.9 مليارات دولار، حيث من المتوقع أن يوفر المشروع 35 ألف فرصة عمل كما تضمنت المشروعات، مشروع أكبر مصنع للألياف الضوئية بالعين السخنة، باستثمارات أكثر من مليار جنيه، فيما بلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية وبجانب الحالية للمشروع 4 ملايين كم كابلات سنويًا، لخدمة الأسواق الداخلية والخارجية بالإضافة إلى المشروعات الجاري تنفيذها في المنطقة باستثمارات تبلغ 100 مليون دولار، كما تم التوقيع على اتفاقية إطارية تستهدف إقامة مشروع لإنتاج 1.2 مليون طن من الأمونيا الخضراء و210 آلاف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا باستثمارات تبلغ 6.75 مليارات دولار بالمنطقة الصناعية في السخنة في مصر على مساحة 500 ألف متر مربع، والتي تم توقيعها في أكتوبر 2023.
ختامًا، قناة السويس ليست كغيرها من القنوات والممرات الدولية، سواء لمصر أو العالم، فهي أهم ممر ملاحي عالمي على الإطلاق، حيث تعبرها أكثر من 12% من حركة التجارة البحرية العالمية، و20% من تجارة الحاويات الدولية، كما أنها أحد الأعمدة الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية لمصر، ومع كل الممرات التي يتم الحديث عنها وأنها من الممكن أن تكون بديلًا عنها يواجهها تعطيل دائمًا، فلن يستطيع أي ممر من هذه الممرات نقل حاويات ضخمة مثلما الحال بالسفن العابرة من قناة السويس، فتستطيع قناة السويس استيعاب أنواع وأحجام السفن المختلفة 62.2 % من ناقلات البترول،92.6% من سفن البضائع الصب، 100 % من سفن الحاويات وحاملات السيارات وسفن البضائع العامة 100% من الأسطول العالمي للسفن الأخرى.