مقدمة
كان الإكراه الاقتصادي هو العنوان الأبرز والأهم على طاولة اجتماع مجموعة السبع الذي عقد يومي ٢٨ و٢٩ من شهر أكتوبر، حيث ترى دول المجموعة أن بعض الدول أصبحت تفرض حواجز تجارية وعقوبات على من لا تتفق معه فكريًا، وتتعاون مع أخرى تتفق معها، ويأتي الاجتماع بحضور الدول الأعضاء (وهي: الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا). ودعت المجموعة كلًا من الاتحاد الأوروبي وأستراليا وتشيلي والهند وإندونيسيا وكينيا للمشاركة في الاجتماع الذي استمر ليومين، وكذلك المنظمات الاقتصادية مثل منظمة التجارة العالمية.
سلاسل التوريد
أثارت مجموعة السبع قضية هامة هي الإكراه الاقتصادي الذي يُعمل به حاليًا من بعض دول العالم، وكان المثال الأكبر خلال الاجتماع هي دولة الصين، التي أثارت حربًا تجارية مع بعض الدول في القطاعات الرئيسة مثل أشباه الموصلات والأجهزة الطبية. وشهد كلا القطاعين اضطرابات شديدة في الإمدادات خلال الوباء، مما ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي، كما تم إلقاء الضوء على تداعيات الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ظهور اختناقات في إمدادات الغذاء والطاقة، وتهدد الأزمة في إسرائيل وغزة بتفاقم حالة الاستقطاب العالمي مع زيادة حصيلة الخسائر البشرية.
ليس هذا فحسب، حيث فرضت بعض الدول حواجز تجارية وعقوبات، وضخّت إعانات لتأمين مصالحها مع الشركاء المتوافقين معها فكريًا. وشمل ذلك عناصر مثل الرقائق، والتي تعتبر ضرورية لكل شيء، بدءًا من تطوير الذكاء الاصطناعي وحتى صناعة الأسلحة، والمعادن الاستراتيجية المستخدمة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. في غضون ذلك، من المتوقع تعرض الاقتصاد العالمي لعدة صدمات في ظل ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، والتعافي البطيء في الصين بعد الوباء، مع نمو التجارة العالمية بأقل من نصف الوتيرة المتوقعة قبل ستة أشهر، حسب تقديرات منظمة التجارة العالمية.
وعلى الرغم من عدم ذكر الصين بشكل مباشر في الاجتماع، إلا أنه يتم توجيه أصابع الاتهام إليها في تصاعد التوترات السياسية والتجارية، حيث فرضت الصين قيودًا على تصدير معدنين يستخدمان في رقائق الكمبيوتر والخلايا الشمسية (الغاليوم والجرمانيوم)، وقالت إن الهدف هو “حماية الأمن القومي”، كما حظرت واردات المأكولات البحرية اليابانية بعد الإطلاق الأخير بكميات كبيرة لمياه الصرف الصحي المعالجة من محطة فوكوشيما النووية، والتي شهدت انهيارات في المفاعل في عام 2011.
أعربت دول مجموعة السبع عن دعمها وتفهمها لموقف اليابان، مشددة على سلامة الغذاء الياباني بناء على الأدلة العلمية، بما في ذلك الغذاء من فوكوشيما، وأكدت اليابان أنها ستستمر في العمل حتى ينتهي هذا الحظر على منتجاتها، وتم الاتفاق بين بريطانيا واليابان للعمل معًا على سلاسل توريد المعادن التي قال الجانبان إنها ضرورية لتحقيق الطاقة النظيفة والدفاع الوطني الفعال، وتوصلت اليابان أيضًا إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن تبادل البيانات الرقمية، مؤكدة الالتزام بالعمل معًا لوضع معايير لتسهيل تجارة القطاع الرقمي، بما في ذلك التبادلات عبر الإنترنت، كما أكد كل من مسئولي اليابان والولايات المتحدة على العلاقات الثنائية بين البلدين لدعم “النظام الاقتصادي الحر والعادل”.
أكد وزراء تجارة مجموعة السبع على الحاجة إلى تعزيز سلاسل التوريد الخاصة بهم مع مجموعة أوسع من الشركاء لمواجهة الإكراه الاقتصادي، وتلعب الهند وإندونيسيا وأستراليا وتشيلي وكينيا (المدعوون لحضور اجتماع وزراء تجارة المجموعة في أوساكا باليابان) دورًا رئيسًا في مساعدة الاقتصادات الأكثر تقدمًا في العالم على بناء شبكات تجارية مرنة في عالم مليء بالتوتر الجيوسياسي، وفقًا لمجموعة السبع. كما أكد مسئولو التجارة والاقتصاد من مجموعة السبع الديمقراطيات الغنية على تعهدهم بالعمل معًا لضمان سلاسل التوريد السلسة للضروريات مثل الطاقة والغذاء على الرغم من حالة عدم اليقين العالمية.
العقوبات على روسيا
أكدت معظم دول مجموعة السبع على استمرار العقوبات على روسيا حتى تدفع روسيا ثمن الأضرار التي أحدثتها في أوكرانيا، بالإضافة إلى تسريع تنفيذ ضرائب على أرباح الأصول والشركات الروسية التي تباشر نشاطها في الدول الأوروبية ودول مجموعة السبع، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 200 مليار يورو من الأصول السيادية الخاضعة للعقوبات موجودة في الاتحاد الأوروبي، وأغلبها لدى “يوروكلير”. بينما توجد مبالغ أصغر في دول أخرى تابعة لمجموعة السبع وفي أماكن أخرى.
ويرى الاتحاد الأوروبي أنه من الممكن استخدام تلك الضرائب لدعم أوكرانيا وتعافيها وإعادة إعمارها، ليكون أسوأ عقاب لروسيا، حيث إن الأموال التي تعيد إعمار أوكرانيا هي أموال روسية، وكأن روسيا هي من تصلح أوكرانيا بشكل غير مباشر، وتتحمل نتيجة خطئها. من الناحية الأخرى شرعت أطراف مختلفة لدى روسيا في اتخاذ إجراءات قانونية للإفراج عن الأصول، معظمها في المحاكم الروسية، ويقدر عدد الدعاوي بأكثر من 40 دعوى تستهدف رفع الحظر عن أكثر من 200 مليار روبل (2.1 مليار دولار) من الأصول المجمدة.
تمويل مشروعات الطاقة المتجددة
قرر أعضاء مجموعة السبع عرض أكثر من 300 مليون دولار على فيتنام في شكل منح لدعم خطط خفض استخدام الفحم، وهو ما يمثل 2% من حزمة مالية مكونة في معظمها من مشاريع مكلفة. وتكشف الوثائق التي وضعتها الدول المقرضة في صيغتها النهائية في أواخر أكتوبر، لأول مرة عن انهيار التعهد البالغ 15.5 مليار دولار الذي تعهدت به دول مجموعة السبع وشركاؤها في ديسمبر لمساعدة مركز التصنيع في جنوب شرق آسيا والمستخدم الثقيل للفحم على الوصول إلى صافي انبعاثات صفر بحلول عام 2050.
حاولت فيتنام الحصول على حصة كبيرة من المنح والتمويل منخفض التكلفة لتسهيل التخلص التدريجي من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، واستبدالها بمزارع الرياح ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى، لكن المقرضين عرضوا قروضًا باهظة الثمن بأسعار السوق وسط تأخيرات مزمنة في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ولا تزال فيتنام ملتزمة بالتعاون وأعدت مسودة قائمة لالتزامات الإصلاح وأكثر من 400 مشروع يمكن على أساسها الحصول على تمويل من قبل مجموعة السبع.
ويتضمن العرض الحالي لمجموعة السبع، 321.5 مليون دولار في هيئة منح، معظمها تقريبًا من الاتحاد الأوروبي ودول الاتحاد الأوروبي، والتي تعد معًا أكبر الداعمين الماليين بإجمالي تعهدات تبلغ 2.6 مليار دولار، وهناك 2.7 مليار دولار أخرى في هيئة قروض ميسرة بأسعار فائدة منخفضة، يقدم الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا نحو ثلثيها، والثلث الآخر من بنك التنمية الآسيوي، مع جزء صغير من كندا.