رغم أن المعركة في غزة ما تزال مستمرة، ورغم أن المواقف الدولية بشأنها تتطور كل يوم، وخاصة بعد أن أصبحت غزة أزمة داخلية في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث بدأت تظهر تصدعات في الداخل الأمريكى (الحزب الديمقراطى، الجامعات، المجتمع المدنى، حركة الحقوق المدنية، هوليود وغيرها) في مصلحة الفلسطينيين، وبدأت مراجعات أوروبية بشأن استمرار السير وراء الولايات المتحدة في تأييدها لإسرائيل دون هدف يتعلق بالمستقبل، وهو شبيه بتصدع المواقف الأوروبى بشأن السير وراء الولايات المتحدة في أزمة أوكرانيا، دون وضوح بشأن الهدف المستقبلى، ورغم انخفاض احتمالات توسع الحرب لتضم حزب الله أو وإيران ووكلاءها.
فهناك العديد من الأفكار التي تطرح كل يوم في الصحافة العالمية ومراكز الفكر والأبحاث بشأن مستقبل غزة.
معظم هذه الأفكار غربية وما تزال أولية، ومحل نقاش ولم يتم الاتفاق عليها، ولكن هناك حوارًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا وعدد من الدول الأخرى بشأنها.
معظم الأفكار تدور حول رفض استمرار حكم حماس لغزة، وأن إسرائيل لا تريد حكم القطاع مرة أخرى.
أحد الحلول المقترحة هو تولى السلطة الفلسطينية إدارة غزة، ولكن بعد فترة انتقالية قد تمتد إلى ثلاث سنوات، وخلال المرحلة الانتقالية تتولى شخصيات تكنوقراطية غير سياسية إدارة قطاع غزة مع مساندة وتمويل من الغرب والدول العربية.
هناك أفكار تتعلق بأن تتولى قوة دولية متعددة الجنسيات الحفاظ على الأمن في غزة، وأخرى تتعلق بأن تتولى مجموعة من الدول العربية مهمة الحفاظ على الأمن في غزة.
يضاف لذلك فكرة بأن تتولى الأمم المتحدة إدارة غزة مع تواجد قوات أممية، إعادة طرح الفكرة التي أثيرت في أغسطس 2014، بعد صراع إسرائيل وحماس، بالسماح لقوات الأمم المتحدة بالسيطرة على حدود غزة ونزع سلاحها. وأن هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، والتى تأسست عام 1948، تحتفظ بتفويض قانونى للقيام بدوريات في غزة، على الرغم من أنها غادرت عام 1996 بعد اتفاقيات أوسلو. وبموجب التفويض المعاد تشكيله، تستطيع هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة القيام بدوريات على حدود غزة، في حين تتولى لجنة دولية أخرى تنسيق مساعدات المانحين.
هناك أيضًا فكرة سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطينى السابق، المنشورة في Foreign Affairs، بتوسيع منظمة التحرير الفلسطينية كى تضم كافة الفصائل، ومنها حماس والجهاد، وتقوم بتشكيل حكومة جديدة، تتولى الإدارة في الضفة وغزة.
وهناك الفكرة التركية بأن يكون «ضامنون» للطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، بمعنى دول ضامنة للجانب الفلسطينى منها تركيا، وأخرى ضامنة الجانب الإسرائيلى، ويتولى الضامنون التفاوض عن الطرفين، والالتزام بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، مع إمكانية إرسال قوات تركية للقطاع.
مشاكل هذه الأفكار أنها لا يوجد مدخلات فلسطينية أو عربية بشأنها، وهناك تحفظات من السلطة الفلسطينية على تولى إدارة غزة، لأنها قد ينظر إليها على أنها جاءت على دبابات إسرائيلية وصعوبة إدارة القطاع بشكل عام، هناك أيضًا التحفظ بأن المرحلة الانتقالية قد تظل انتقالية لفترة طويلة، كما أنه لا يمكن استبعاد حماس نهائيًا من معادلة غزة في المستقبل. يضاف لذلك أن القيادات التكنوقراطية قد لا تحظى بتأييد في الشارع، ويبدو أن هدف الكثير من الأفكار هو التخلص من العبء الأمنى لغزة، ونقله لدول أخرى، وخاصة عربية، لتحمل هذه المسؤولية، وتظل المشكلة الأكبر هي أن هذه الأفكار لا يوجد لها رابط مع مسار تفاوضى بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وحل الدولتين.
يضاف لذلك أن التطورات لن تشمل حماس فقط، والأرجح أن ينتهى دور رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو بعد نهاية هذه الأزمة في ظل انتقادات داخلية واسعة له بشأن سياسته السابقة للازمة في احتواء حماس.
ونظرًا لأن موضوع مستقبل غزة يهم مصر أكثر من أي دولة أخرى، فإن أي ثوابت مصرية في هذا الشأن يجب أن تتضمن التأكيد على أن يكون هناك صوت فلسطينى فيما يتعلق بمستقبل غزة، وخلق زخم فلسطينى في القاهرة لبلورة هذا الصوت الفلسطينى، وخلق آليات للتنسيق المصرى الفلسطينى بشأن غزة، واستئناف حوارات المصلحة الفلسطينية في مصر وفقًا لرؤى جديدة.
ورغم أن حماس لن تنتهى بنهاية الحرب، فمن المهم التأكيد على أهمية استعادة دور السلطة الفلسطينية في غزة، ورفض احتفاظ إسرائيل بأى مساحة من غزه كمنطقة عازلة، لأنه لن ينهى الصراع أو يحقق الأمن لإسرائيل.
والتأكيد على ربط مستقبل غزة بمستقبل القضية الفلسطينية، ومسار التفاوض للوصول لحل الدولتين. وطرح فكرة توسيع السلام وليس توسيع الحرب، وإقامة تحالف للسلام وليس فقط لمحاربة الإرهاب.
وختامًا، هناك قمة عربية سوف تنعقد بعد أيام (١١ نوفمبر)، ونتطلع أن تتعامل القمة مع هذه القضايا، وتطرح رؤية كاملة لمستقبل غزة ومستقبل القضية الفلسطينية.