تشكل مشروعات الربط الكهربائي أحد العوامل الأساسية التي تؤثر في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة. فعند توفير الكهرباء بشكل موثوق وبكفاءة، يزداد نطاق الأعمال الممكنة ويتوسع الاستثمار في القطاعات المختلفة. يترتب على ذلك العديد من الفوائد الاقتصادية. وتعتبر مشروعات الربط الكهربائي أحد الاستثمارات الرئيسة التي تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وتلعب مصر دورًا حاسمًا للتحول لمركز الطاقة الإقليمي والدولي من خلال تعزيز الشبكات، كما تم إنشاء اتصالات وشبكات وخطوط دولية وإقامة علاقات مع العديد من الدول.
تحول العجز لفائض خلال ثماني سنوات
فـي عـام 2014، كانـت مـصـر تعانـي مـن عجـز فـي الطاقـة، حيـث مـثـل النقص اليومي البالغ 6000 ميجاوات ضغطًا علـى شـركات الكهرباء مما أدى إلـى اللجـوء لإجـراء الانقطاعـات المجدولـة بيـن المناطـق المختلفـة حـتـى يعمـل النظـام بـدون مخاطـر. وإدراكًا منهـا لخطورة الوضع، كثفت الدولة المصريـة جهودهـا لمواجهـة هـذا التحـدي الخطيـر. فـي عـام 2015، بلغـت القـدرة الإجمالية لمحطات الطاقـة فـي مـصـر 23000 ميجاوات. وفي هذا السياق، وضعت الدولة خططًا خمسية للطاقة الكهربائية خلال الفترات الأولى 2012 – 2017، والثانية 2017 -2022، والثالثة 2022 – 2027. كما تم إطلاق الخطة الوطنية لتحسين كفاءة الطاقة الكهربائية خلال الفترة 2018 – 2020 لجمهورية مصر العربية، وتبني الإجراءات اللازمة لتحسين كفاءة الطاقة على كل من جانبي الإمداد والاستهلاك. كما ارتفعت الاستثمارات العامة في قطاع الكهرباء بالأسعار الجارية من 12.1 مليار جنيه عام 2013/2014 إلى 62.1 مليار جنيه عام 2021/2022؛ بزيادة 50 مليار جنيه خلال الفترة من عام 2013/2014 حتى عام 2021/2022.


ومنذ ذلك الحين، ضاعفـت مـصـر قدرتهـا بأكثـر مـن الضعـف بإضافة 28000 ميجاوات بحلـول عـام 2020 مـن المشروعات الجديدة وتحديث المحطات القديمة. واليوم، تمتلـك مـصـر فائضـًا فـي الطاقـة يسمح لهـا بـأن تصبح مصدرًا إقليميًا للطاقـة بحوالي 19000 ميجاوات وأبرز المشروعات المنفذة:
تنفيذ شركة سيمنز 3 محطات (العاصمة الإدارية، بني سويف، البرلس)، وذلك بإجمالي استثمارات بلغت 6 مليارات يورو، وإجمالي قدرات تبلغ 14.4 ألف ميجاوات، بينما تم تنفيذ مجمع بنبان للطاقة الشمسية بتكلفة بلغت أكثر من 2 مليار دولار، وإجمالي قدرات يبلغ 1465 ميجاوات.
كما تم تنفيذ 3 محطات لإنتاج الكهرباء في جبل الزيت، بإجمالي تكلفة بلغ 580 مليون يورو، وإجمالي قدرات يبلغ 580 ميجاوات، فضلًا عن تحويل 5 محطات توليد كهرباء تعمل بالدورة البسيطة لتعمل بنظام الدورة المركبة، وهي (الشباب- غرب دمياط- 6 أكتوبر- غرب أسيوط- غرب دمياط 2)، وذلك بإجمالي استثمارات بلغ 27 مليار جنيه، وقدرات مضافة تبلغ 1840 ميجاوات.


التحول إلى مركز إقليمي للطاقة الكهربائية
أولًا- الربط الكهربائي مع دول أفريقيا:
الربط الكهربائي بين مصر والسودان الذي يصل طوله إلى نحو 170 كم بواقع 100 كم بالجانب المصري و70 كم بالجانب السوداني. كما أن قدرة خط الربط بين مصر والسودان وصلت عند بداية تشغيله في أبريل 2020 إلى 80 ميجاوات، علمًا بأن هناك دراسة لزيادة سعته إلى 300 ميجاوات، وذلك بعد الانتهاء من تركيب المهمات الكهربائية اللازمة. وجارٍ حاليًا إجراء الاختبارات اللازمة للتشغيل، ويمكن رفع القدرة المنقولة للجانب السوداني في حال الرغبة حتى 2000 م.وات بإضافة مزيد من الاستثمارات في خط الربط.
وفي السياق ذاته، خط الربط الكهربائي القائم بين مصر وليبيا، والذي تبلغ قدرته الحالية 150 ميجاوات، علمًا بأن هناك دراسة لزيادة سعته مستقبلًا إلى 2000 ميجاوات، وفقًا للمقترح الذي تقدمت به مصر، وذلك كمرحلة أولى لاستكمال الربط الكهربائي بين دول شمال أفريقيا بالكامل. وتم التصديق على المقترح المصري في فبراير 2021 خلال قمة الاتحاد الأفريقي بعدما تم إدراجه ضمن القائمة النهائية لمشروعات PIDA-PAP2 في مجموعة المشروعات العابرة للأقاليم.
المشروعات الجاري تنفيذها في أفريقيا: يتجاوز إجمالي مشروعات الكهرباء الجاري تنفيذها في أفريقيا 3 مليارات دولار أمريكي، ويجري الإعداد لتنفيذ عدة مشروعات جديدة في جنوب السودان، ومشروع إنشاء محطة شمسية متصلة بالشبكة الكهربائية في إريتريا بتكلفة تتجاوز مليوني دولار أمريكي، وكذلك مشروع إنشاء محطة شمسية غير متصلة بالشبكة الكهربائية بتكلفة حوالي 8.4 ملايين دولار، بالإضافة إلى مشروع إنشاء محطة شمسية متصلة بالشبكة الكهربائية في أوغندا، بتكلفة تصل إلى حوالي 6 ملايين دولار، وتنفيذ مشروعات محطات شمسية في جيبوتي بقدرة 300 كيلو وات بتكلفه 1.5 مليون دولار، ومشروع إنشاء محطة شمسية بقدرة 250 ميجاوات بتكلفه 1.3 مليون دولار، وإنشاء ورشة لصيانة المحولات الكهربائية في بوروندي باستثمارات بلغت قرابة 10.1 ملايين جنيه، وتم التشغيل الكامل للمحطة وتدريب الفنيين البورونديين.
ثانيًا- الربط الكهربائي مع دول آسيا:
الربط الكهربائي بين مصر والسعودية: بلغت إجمالي القدرات الكهربائية التي سيتم تبادلها من خلال الربط الكهربائي بين مصر والسعودية 3000 ميجاوات، في حين يصل إجمالي الاستثمارات بالمشروع إلى 1.8 مليار دولار، يخص الجانب المصري منها 550 مليون دولار، فيما يتضمن المشروع 3 محطات تحويل جهد عالٍ، وهي محطة شرق المدينة، ومحطة تبوك بالمملكة، ومحطة بدر شرق القاهرة. كما يبلغ طول خط الربط 1372 كم من خلال كابلات بين البلدين، بواقع خطوط نقل هوائية تبلغ 1350 كم، وبحرية في خليج العقبة تبلغ 22 كم. ويبلغ معدل العائد من الاستثمار أكثر من 13% مع مدة استرداد للتكاليف قدرها 8 سنوات، فيما يبلغ معدل العائد من الاستثمار حوالي 20%عند استخدام الخط الرابط للمشاركة في احتياطي التوليد ولتبادل الطاقة بين البلدين في فترات الذروة لكل بلد بحد أعلى (3000) ميجاوات، إضافة إلى استخداماته الأخرى للتبادل التجاري للكهرباء خاصة في الشتاء الذي سيتيح للمملكة تصدير الكهرباء الفائضة إلى مصر كما سيتم تبادل 3 آلاف ميجاوات في أوقات الذروة بين البلدين التي تختلف بفارق 3 ساعات بين البلدين.
الربط الكهربائي بين مصر والأردن: يعتبر الربط الكهربائي المصري – الأردني أول المشروعات التي تم تنفيذها لربط شبكة كهرباء، وقد بدأ تنفيذ هذا المشروع عام 1993 وبلغت قدرته 450 ميجاوات، ومن المستهدف زيادة قدرة خط الربط بين البلدين مستقبلًا إلى 2000 ميجاوات، في حين تجري دراسة تزويد العراق بالكهرباء من خلال الربط الثلاثي المصري الأردني العراقي.
ثالثًا- الربط الكهربائي مع دول أوروبا:
مشروع الربط الكهربائي بين مصر وقبرص واليونان، والذي يبلغ إجمالي الاستثمارات التقديرية له 3 مليارات دولار، بينما يبلغ إجمالي القدرات الكهربائية التي يمكن تبادلها من خلاله 3000 ميجاوات، علمًا بأنه تم توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين مصر واليونان وقبرص في أكتوبر 2021. حيث يُسهم في تحفيز التعاون الإقليمي وإنشاء شبكة ربط قوية بشرق المتوسط لتحسين أمن واعتمادية الإمداد بالطاقة، والمساعدة عند حدوث الأعطال والانقطاعات والحالات الطارئة على شبكات النقل، ورفع درجة تأمين الإمدادات الكهربية، وإتاحة إمكانية الربط الكهربائي مع دول أوروبا بالكامل مما يحول مصر إلى محور رئيس للطاقة الكهربائية للعالم. كما اقترح الاتحاد الأوروبي مؤخرًا إدراج خطة ربط شبكات الكهرباء بين اليونان ومصر على قائمة تسمى “المشاريع ذات الاهتمام المشترك”، وهي خطوة من شأنها أن تساعد في تأمين الحصول على التراخيص والتمويل.
ووفقًا لما سبق زاد تصدير الطاقة الكهربائية عام 2020/2021 إلى 1591.00 مليون كيلو وات للساعة مقارنة بــ33 مليون كيلو وات عام 2016/2017.


وفي الختام، إن مشروعات الربط الكهربائي هي خارطة طريق للسوق المشتركة للكهرباء، وتعمل على تعزيز الدول للتنوع وزيادة حجم الاستثمارات في مصادر الطاقة، فتُشكل مشاريع الربط الكهربائي أحد الحلول التي تعتمد عليها الدول في إيجاد حلول نقص الإمدادات، كما تقدمت مصر في مؤشر التحوُّل في مجال الطاقة
(Energy Transition Index، ET) لعام 2021 الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي لتأتي في المركز 76 من إجمالي 115 دولة يضمنها المؤشر، مقارنة بالمركز 81 عام 2018، بالإضافة إلى إشادات بلومبرج بتنفيذ مصر عدة مشروعات للربط الكهربائي والتي تسمح من خلالها بإقامة نظام لمشاركة الطاقة مع جيرانها بالمنطقة، وعلى رأس تلك المشروعات ربط شبكة الكهرباء مع المملكة العربية السعودية وقبرص واليونان وباقي الدول الأوروبية. كما تؤكد الإيكونيميست أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والدول سيدعم النمو الاقتصادي والطموحات المصرية في زيادة صادراتها من الطاقة. حيث تأتي هذه المشروعات كخطوة حيوية لزيادة الثقل الاقتصادي، وكجزء من طموحات الدولة المصرية لأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة ومصدرًا لها.