مقدمة:
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات اقتصادية كلية وهيكلية على أثر الصدمات العالمية منذ عام 2022، تتمثل في الصراع المسلح، ارتفاع معدلات المديونية، وتأثيرات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما نتج عنها من اختلالات في سلاسل الإمداد وارتفاع لمعدلات التضخم العالمية والمحلية، وسياسات التشديد النقدي وارتفاع أسعار الفائدة، كل هذا مصاحب للكوارث الطبيعية والتقلبات الشديدة في سعر النفط.
الأمر الذي تسبب في ارتفاع البطالة وتدهور سبل كسب العيش لسكان المنطقة، ويتناول الإصدار الأحدث من تقرير البنك الدولي أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا -الصادرة في أكتوبر 2023 كإصدار نصف السنوية- فمن المرجح أن يكون عام 2023 عامًا آخر من الأعوام التي تشهد بيئة عالمية متغيرة ومحبطة لتوقعات النمو مرة أخرى. ويتوقع خبراء الاقتصاد في البنك الدولي أن يتباطأ معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل حاد إلى 1.9% في عام 2023 بعد نموه بنسبة 6% في عام 2022، عندما استفادت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي من الارتفاع الكبير في أسعار النفط.
وفي حين أن الاقتصادات المصدرة للنفط ستشهد أكبر تباطؤ في عام 2023، وخاصة بين دول مجلس التعاون الخليجي، ومن المتوقع أن يهبط نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة إلى 0.4% نزولًا من 4.3% في 2022. كما تتراجع معدلات التضخم بين اقتصادات مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات النامية المصدرة للنفط، فإن الضغوط التضخمية في الاقتصادات النامية المستوردة للنفط لا تزال مرتفعة.
ويوثق التقرير أنه في أثناء فترات الركود الاقتصادي زاد معدل البطالة في المنطقة بما يقارب ضعف نظيره في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى، بإضافة نحو 5.1 ملايين شخص إلى صفوف العاطلين عن العمل في المنطقة. يقدم هذا المقال في فقراته القادمة استعراضًا للتقرير مع التركيز على آفاق نمو الاقتصاد المصري.
- آفاق النمو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
تمتعت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنمو سريع بشكل استثنائي في عام 2022، مدفوعًا بارتفاع أسعار النفط. ومن المتوقع أن تتراجع معدلات النشاط الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2023، حيث يتراجع النمو إلى 1.9٪ فقط، انخفاضًا من 6٪ في عام 2022.
كان النمو الاستثنائي في عام 2022 مدفوعًا بالدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والتي نمت بشكل أسرع من الدول المستوردة للنفط وتفوقت عليها.
في مجلس التعاون الخليجي، من المتوقع أن يبلغ متوسط النمو نحو 1٪ في عام 2023 وهو أقل بكثير من معدل 7.3٪ في عام 2022. ومن المتوقع أن يكون التباطؤ أقل وضوحًا بين الدول النامية المصدرة للنفط، والتي من المقرر أن تنمو بنسبة 2.4٪، انخفاضًا من 4.3٪ في عام 2022. أما بالنسبة للدول النامية المستوردة للنفط، من المتوقع أن يبلغ متوسط النمو 3.6٪ انخفاضًا من 4.9٪ في عام 2022.

المصدر: البنك الدولي، تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية، أكتوبر 2023
وفيما يخص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد. من المتوقع أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد إلى 0.4٪ في عام 2023، انخفاضًا من 4.3٪ في عام 2022. وأن التباطؤ يكون أكثر وضوحًا بين الدول المصدرة للنفط. في دول مجلس التعاون الخليجي، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 1.5٪، أما بالنسبة للدول النامية المصدرة للنفط فمن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1٪، انخفاضًا من 2.9٪ في عام 2022.
من بين الدول النامية المصدرة للنفط، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بنسبة 1٪. ومن المتوقع أيضًا أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الدول النامية المستوردة للنفط، من 3.7٪ في عام 2022 إلى 2.2٪ في عام 2023. ففي مصر، من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد إلى 2.6٪ في السنة المالية 2023 من 5.2٪ في السنة المالية 2022. وتمثل كل من الأردن والمغرب آفاقًا أفضل للنمو، حيث من المتوقع أن ينتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد إلى 2.1% و1.7٪ على التوالي في عام 2023.

المصدر: البنك الدولي، تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية، أكتوبر 2023
- توقعات النمو بالنسبة للاقتصاد المصري:
تأثر النشاط الاقتصادي في مصر سلبًا بالصدمات العالمية المتداخلة، فقد انخفض النمو إلى 4% خلال السنة المالية 2023 (يوليو 2022 – يونيو 2023) مقارنة بنحو 6% قبل عام. لا تزال قيود الاستيراد الفعلية المستمرة تؤثر سلبًا على النشاط الاقتصادي، بسبب صعوبة الوصول إلى مستلزمات الإنتاج والصادرات. كما ترتفع معدلات التضخم السنوي في المناطق الحضرية إلى متوسط 24% في السنة المالية 2023، مع ارتفاع تضخم الغذاء عند 71% في أغسطس 2023)، متجاوزًا الذروة التي تم الوصول إليها خلال موجة التضخم في عام 2017.
وفي المقابل، ارتفعت الاحتياطيات الرسمية والأصول الأجنبية الأخرى تدريجيًا على مدار الأشهر الأخيرة، لتصل بشكل مشترك إلى 42 مليار دولار أمريكي في نهاية أغسطس 2023. ومع ذلك، لا تزال هذه الاحتياطيات أقل بحوالي 12 مليار دولار أمريكي (21٪) من مستواها قبل مارس 2022.
تشير نتائج ميزان المدفوعات إلى تحسن ملموس في ميزان الخدمات (السياحة وقناة السويس)، إلى جانب الاستثمار الأجنبي المباشر. كما تجني السلطات إيرادات من بيع الأصول بنحو 5.2 مليارات دولار أمريكي خلال عام 2023 (ومع ذلك، لا يزال نقص العملة الصعبة يشكل تحديًا).
استجابة لذلك؛ اتخذت السلطات سلسلة من التعديلات السياسية منذ مارس 2022. وتشمل هذه رفع أسعار الفائدة بنسبة 1100 نقطة أساس (إلى 19.25٪ و20.25٪ لمعاملات الإيداع والإقراض ليوم واحد اعتبارًا من أغسطس 2023)، والسماح بتخفيض قيمة سعر الصرف بأكثر من 97٪ (إلى 30.8 جنيه مصري / دولار أمريكي)، وتقديم حزم للتخفيف الاجتماعي (بما في ذلك توسيع برامج التحويلات النقدية).
وفيما يتعلق بتوقعات النمو فمن المتوقع أن ينخفض النمو إلى 3.7٪ في السنة المالية 2024 (من 4.2٪ في السنة المالية 2023) كنتيجة لتراجع القوة الشرائية للأسر ونشاط الشركات، والتضخم المستورد، واختناقات العرض المحلية، وتكلفة الحصول على التمويل. ومن المتوقع أن يرتفع النمو تدريجيًا إلى 4٪ بحلول السنة المالية 2025، مستفيدًا من التأثيرات الإيجابية لنمو الواردات المرتبط بانخفاض قيمة العملة، في ظل سيناريو أساسي يتصور استئناف الاستقرار الكلي ومواصلة الإصلاحات الهيكلية.
ومن المتوقع أن ينخفض عجز الحساب الجاري في السنة المالية 2023-2024 (من 3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2022) بدعم من التحسينات المستمرة في صادرات الخدمات، فضلًا عن خفض الواردات.
أخيرًا، يمكن أن نخلص إلى أن ارتفاع التضخم -خاصة بالنسبة للغذاء- مصدر قلق لجهود الحد من الفقر. وهذا يبرز أهمية توسيع نطاق الحماية الاجتماعية المستهدفة، بما سيتطلب معه تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي عبر اتباع سياسات مالية ونقدية صارمة، مع التصدي لتشوهات سعر الصرف وتعبئة التمويل الدولي. وسيتعين على الدولة ضبط دورها كمنظم للأسواق مع تبسيط وجودها في الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص الأكثر تنافسية، باعتباره أمرًا حاسمًا لإطلاق العنان لإمكانات الاقتصاد في أنشطة التصدير ذات القيمة المضافة العالية.