مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي، في السابع من أكتوبر 2023، والرد الإسرائيلي عبر شن هجوم عسكري شامل على قطاع غزة، بينما تستمر مساعٍ دولية لوقف التصعيد؛ تعرضت إسرائيل لتحديات اجتماعية صعبة. حيث كشفت العملية عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي من الناحية الاجتماعية، وذلك على النحو التالي:
ارتفاع معدلات الهجرة العكسية:
ساهمت معركة طوفان الأقصى إلى فتح باب الهجرة العكسية من إسرائيل كنتيجة مباشرة لفقدان الأمن الإسرائيلي وتراجع أداء الاقتصاد، حيث كشفت صحيفة “ذي ماركر” الإسرائيلية أن “أكثر من 230 ألف مستوطن غادروا إسرائيل منذ بدء الأزمة، ويتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار العدوان على قطاع غزة.
وهو ما يفتح النقاش حول مستقبل الدولة اليهودية “فكرة زوال إسرائيل”، فلطالما شكلت الهجرات اليهودية إلى فلسطين، سواء المنظمة أو الفردية، ركنًا مركزيًا في ثنائية احتلال فلسطين واستعمارها حتى يومنا الراهن. وبناءً عليه، خلقت حركات الهجرة العكسية الراهنة حالة من القلق الوجودي لكيان إسرائيل والمس بمعنويات الإسرائيليين، والذي تغذيه بعض المعتقدات اليهودية والتلموذية التي تتحدث عن زوال إسرائيل كما زالت “ممالك إسرائيل” في السابق، والتي لم تعمر أكثر من ثمانية عقود، أو بدأت في التفكك منذ العقد الثامن لها حسب بعض النبوءات الإسرائيلية.
يعزز هذا الرأي، تعطيل جلسات أعضاء الكنيست وهروبهم إلى الملاجئ، فضلًا عن مشاهد الازدحام غير المسبوق في مطار تل أبيب -الذي تعطل بعد قصف المقاومة- والمطارات الأخرى، إذ جرى تداول مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر هروب الإسرائيليين من دون النظر إلى الوراء، ما يشير إلى خلل العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى “أرض الميعاد”.
تفاقم أزمة الانقسام الداخلي بإسرائيل:
ساهمت عملية طوفان الأقصى في انهيار مؤشرات رأس المال الاجتماعي من حيث فقدان الشعور بالأمان والثقة، لأنها جاءت في إطار الغليان الإسرائيلي الداخلي وما أحدثته من انقسام حاد بسبب الإصلاحات القضائية التي تبنتها الحكومة الحالية، والتي تقضي بتقليص صلاحيات المحكمة العليا لصالح الحكومة، وهذا ما أشعر اليهود الليبراليين بأن إسرائيل الواحة الديموقراطية في محيط عربي غير ديموقراطي، باتت قيد التحول إلى دولة دكتاتورية أو سلطوية بأفضل الحالات.
علاوة على ذلك، تعد الحكومة الحالية التي يرأسها بنيامين نتنياهو من بين المؤشرات الخطيرة على ضعف إسرائيل، فهي تتعرض للعديد من التظاهرات الرافضة لها والمطالبة برحيلها، لا سيما بعد فشلها الذريع في التصدي لعملية طوفان الأقصى واختطاف الرهائن.
اختلالات معيشية:
كشفت عملية طوفان الأقصى النقاب عن نشوء ظاهرة النزوح الداخلي للمستوطنين الهاربين من مناطق غلاف غزة، وما ينجم عنها من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية في شريحة واسعة من المستوطنين. حيث أعلن الجيش الإسرائيلي أن 500 ألف نزحوا داخل إسرائيل، وهم مستوطنون مهاجرون في الأصل، فيما أخليت مدينة سديروت بالكامل، وهي تضم نحو 20 ألف مستوطن، كما يتم إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان.
وذلك بالتزامن مع التوقعات التي تشير لاحتمالية ارتفاع معدلات البطالة نتيجة توقف المنشآت الصناعية والسياحية والخدمية وخروج بعضها عن العمل جزئيًا أو بشكل تام، بجانب زيادة معدلات الجريمة والانتحار والإحباط واليأس بسبب الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي في إدارة الأزمة الراهنة، مما يدفع إلى زعزعة دعم الرأي العام الإسرائيلي لأجندة الحكومة العسكرية والسياسية.