مقدمة
في إطار إيمان القيادة السياسية بضرورة توفير أقصى درجات الأمن والسلامة للشعب المصري واستكمالًا لمسيرة التحول الرقمي، أمر السيد الرئيس عبد الفتاح أثناء تفقده لمركز التحكم المركزي للشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة ولقائه مع السادة المحافظين بتاريخ 06 أكتوبر 2023، باستكمال كافة التجهيزات والمعدات الهندسية وذلك خلال شهرين من تاريخ اللقاء، وذلك من أجل التأكيد على جاهزيتها لمواجهة أي حالات طوارئ محتملة بكفاءة وفاعلية.
إن الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة هي أحد أهم المشروعات القومية في تاريخ مصر الحديثة، والذي يعلي من قيمة المواطن ويضمن حقه في حياة كريمة.
لماذا كان من الضروري إنشاء الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ؟
يبلغ عدد سكان جمهورية مصر العربية حاليًا أكثر من 105 ملايين نسمة، وهو ما ينتج عنه حدوث عدد ليس بالقليل من حالات الطوارئ اليومية التي تتناسب مع هذا التعداد. بالنظر إلى إحصائيات الحوادث بمصر (على سبيل المثال طوارئ حوادث السير)، بلغ عدد وفيات حوادث السيارات في عام 2021 ما عدده 7,326 حالة[1]، وهو ما كبد الدولة المصرية خسائر بلغت 132 مليار جنيه في عام 2021[2]. وأما عن حوادث الحريق، فقد بلغ عددها 49,341 حادثًا نتج عنها 203 حالات وفاة و855 مصابًا[3]. هذا بالإضافة إلى حالات الطوارئ المختلفة مثل السيول الناتجة عن سوء الأحوال الجوية، وحوادث احتراق وغرق القوارب والسفن، علاوة على حوادث الاختفاء والفقد، والتي تتطلب جهودًا كبيرة في البحث والإنقاذ (Search and rescue). إن هذا العدد والتنوع الكبير في حالات الطوارئ داخل القطر المصري يحتاج إلى إمكانات كبيرة متنوعة ذات سرعة عالية في التحرك واتخاذ القرار، ولذلك لتقليل الخسائر البشرية والمادية الناتجة عنها.
كما أن من الجدير بالذكر أن منظومات الطوارئ في جمهورية مصر العربية كانت غير مرتبطة ببعضها أو موحدة، ويظهر ذلك جليًا في وجود العديد من أرقام الطوارئ المختلفة؛ فرقم شرطة النجدة يختلف عن رقم الحماية المدنية يختلف عن رقم هيئة الإسعاف، مما يدل على صعوبة التنسيق بين الجهات والتأخر في الاستجابة؛ وبالتالي ازدياد عدد الضحايا والخسائر البشرية. وعليه؛ كان على الدولة المصرية القيام بإنشاء شبكة قومية موحدة للطوارئ يمكنها التعامل مع حالات الطوارئ بكفاءة وفاعلية.
الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ: ما هي وما أهميتها؟
بدأ العمل في الشبكة الوطنية الموحدة والسلامة العامة في بدايات عام 2020، وكان الهدف منها هو إنشاء شبكة موحدة تربط جميع عناصر الطوارئ والمرافق الحيوية، مثل: الحماية المدنية، والإسعاف، ومنظومة الرعاية الصحية، وقطاعات الكهرباء والبترول، وأجهزة النجدة، والمرور، وغيرها. يتم ذلك من خلال وجود مركز تحكم وسيطرة رئيسي يحتوي على نظام الاتصال الرئيسي للشبكة والخوادم الخاصة بالخدمات والتطبيقات ومعدات الربط الداخلي، يرتبط بمراكز فرعية للشبكة في كل محافظة، وذلك لتلقي البلاغات والاستجابة لها وتجهيز الموارد اللازمة والتعامل معها بمنتهى السرعة. يقوم صاحب البلاغ بالاتصال برقم موحد للطوارئ والإبلاغ بالحادث، وتقوم الشبكة بتحديد الموقع الجغرافي للمبلغ بشكل آلي والتنسيق الفوري مع كافة الأطراف المعنية طبقًا لنوع الطوارئ في أسرع وقت[4].
ستوظف الشبكة تقنية الذكاء الاصطناعي لكي يقوم على تحليل بيانات الحوادث بدقة، حيث سيتم استخدام نتائج البيانات في تحديد الأسباب الحقيقية للحوادث وتحليل الأداء، وبالتالي العمل على تقليل نسبها ووضع خطط استباقية لمنع تكرارها وتفاديها. كما قامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالعمل على تأمين الشبكة وضمان خصوصية وحماية بيانات الدولة المصرية، وضمان توفير البيانات الصحيحة لمتخذي القرار.
ولقد تم الانتهاء من إنشاء المركز الرئيسي للشبكة وتم افتتاحه بتاريخ 31 أكتوبر 2022 بحضور السيد رئيس الجمهورية (انظر صورة رقم “1”)، وتم البدء في إنشاء المراكز الفرعية في خمس محافظات كمرحلة أولى: وهي (بورسعيد – الإسماعيلية – جنوب سيناء – السويس – الأقصر) وذلك بالتنسيق بين وزارات الصحة والداخلية والدفاع.

صورة رقم (1): أثناء تفقد السيد الرئيس لأحد أجزاء الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ والسلامة العامة
منظومة طوارئ متطورة
تتيح الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ رقمًا واحدًا لحالات الطوارئ أيًا كان نوع الحالة، على أن تقوم بالتنسيق المباشر مع الجهات المعنية بنوع الحالة إلكترونيًا. فعلى سبيل المثال في حالة وقوع طوارئ طبية، فإنه من المفترض أن تأتي سيارة الإسعاف إلى مكان الحادث مباشرة طبقًا لإحداثيات مكان الاتصال المحدد إلكترونيًا، وتكون مطلعة على كافة المعلومات ومجهزة للتعامل مع الحالة، ولديها من البيانات ما يكفي للتنسيق المسبق مع المستشفى المختصة، والتي يكون لها علم مسبق بحضور حالة طوارئ لها واحتياجاتها المبدئية. إن هذا النوع من التنسيق الرقمي اللحظي هو ما يضمن سلامة المواطنين عبر تحريك كافة الأجهزة المعنية بشكل فعال وسريع دون انتظار تصديقات أو موافقات من الجهات المشاركة في حالة الطوارئ.
تحتاج شبكة الطوارئ إلى التطوير الدائم وهو ما سيتطلب تمويلًا مستدامًا لتطوير المعدات والأداء دون الاعتماد على ميزانية الدولة فقط. فطبقًا للهيئة العامة للاستعلامات، فإنه سيكون هناك جانب تجاري للشبكة، وهذا أمر قد يضمن تمويلًا يستخدم في تحسين الأداء وحفظ استدامة وجودة الخدمة المقدمة للمواطنين. فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن بعضًا من تمويل مراكز الطوارئ (911) يكون من خلال فرض رسوم على فواتير خدمات الاتصالات بالتعاون مع شركات خدمات الاتصالات، وبالتالي ضمان استمرار التمويل للتحسين المستدام للخدمة[5].
الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ: منع الحادث قبل وقوعه
إلى جانب وجود منظومة طوارئ وسلامة متطورة وتعمل بكفاءة، يجب أن يتم دراسة أسباب حالات الطوارئ والعمل على معالجتها بشكل استباقي، وهو الأمر الذي سينعكس بكل تأكيد على الحد من الخسائر البشرية والمادية، والذي يؤثر بالسلب على اقتصاد الدولة. علاوة على أن الحد من عدد الحوادث سيؤدي إلى انخفاض التكلفة التشغيلية للمنظومة، وبالتالي توفير الموارد المالية لاستخدامها في مجالات أخرى. إن هذا الأمر هو المفترض حدوثه، فطبقًا لما ذكر أعلاه فإن المنظومة ستقوم بتوظيف الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطوارئ وعرض أسبابها بدقة، وذلك ليتسنى لأجهزة الدولة دراستها والعمل على علاج أسبابها.
فعلى سبيل المثال، قامت الدولة المصرية بإطلاق المشروع القومي للطرق والشروع في بناء العديد من المحاور والطرق المتميزة وذات الكفاءة، بالإضافة إلى رفع كفاءة الطرق الحالية طبقًا للدراسات المرورية. وكانت من نتائج هذا التطوير الكبير هو انخفاض أعداد ضحايا الحوادث بشكل ملحوظ (مجموع المصابين والمتوفين)، وهذا يعني نزول عدد الحوادث على مدار سنوي (شكل رقم 2 – ملحق رقم 1). ولكن يلاحظ أيضًا زيادة نسبة المتوفين إلى المصابين على مدار السنوات الأخيرة، وهو ما يطلق عليه قسوة الحادث (شكل رقم 3 – شكل رقم4 – ملحق رقم 1)، وهو ما يستدعي التحليل الجيد للبيانات لمعرفة الأسباب الحقيقية. وبالتالي، فإن منظومة الطوارئ باستخدام الذكاء الاصطناعي يجب أن تحلل كافة البيانات المختلفة الواردة من الجهات المختلفة بكل ما يخصه لكي تستطيع تشخيص أسباب هذا الارتفاع على الفور والتنبوء بنتائجه في المستقبل، وتقديم التوصيات اللازمة للحل، ليتبقى دور الجهات المعنية للبدء في تنفيذ الحلول. [SM1]
منظومة الطوارئ: مرحلة ما بعد الإنذار المبكر
إن على الدولة المصرية دورًا وواجبًا كبيرًا في نشر ثقافة الأمن والسلامة بين المواطنين، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات صارمة تجاه تشديد الرقابة على الأمن والسلامة من خلال ما يلي على سبيل المثال وليس الحصر:
- التشديد على السلامة المهنية في مواقع البناء المختلفة والتي ينتج عنها حوادث كثيرة.
- زيادة الرقابة المرورية ووضع اللافتات الإرشادية وذلك لضبط الحوادث المرورية.
- اهتمام المحافظات بالتشديد على عدم البناء في أماكن السيول وتطهير المخرات حتى لا تتعرض المناطق لأضرار مثل مناطق جنوب سيناء والزعفرانة ورأس غارب.
- الاهتمام بتطبيق اشتراطات الدفاع المدني والتفتيش على جاهزية أنظمة الإطفاء الآلية في المنشآت المختلفة.
- التشديد على السلامة الخاصة بمراكب الصيد والمعديات.
- إعادة تخطيط المناطق الخطرة من حيث السلامة أو وضع حلول فعالة للتصرف في حالة الحريق أو الانهيارات، مثل الأسواق في المناطق الشعبية والأثرية، مثل أسواق الأزبكية ومنطقة الأزهر، حيث لا يمكن في حالة حدوث الحريق الدخول بالمعدات مما سينعكس على حجم الخسائر المتوقعة.
وختامًا، فإن الشبكة الوطنية الموحدة للطوارئ هي أحد المشروعات القومية المهمة، والتي لها أبعاد مهمة على الأمن القومي المصري، وتضمن ثقة المواطنين في مؤسساتهم، ولكن لا يجب إغفال أن الشبكة الوطنية الموحدة لعلاج الطوارئ تعالج الأعراض وتشخص الأمراض فقط، ليتبقى دور الأجهزة المعنية في علاج المرض واستئصاله من جسد الوطن.
ملحق 1: الجداول المرفقة

شكل رقم “2” – إجمالي عدد الضحايا (مصابين + متوفين) |

شكل رقم “4” – قسوة الحوادث |

شكل رقم “3” – عدد المصابين والمتوفين |
[1] https://capmas.gov.eg/Pages/Publications.aspx?page_id=5104&YearID=23545
[2] قيمة الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحوادث المرورية في مصر خلال الفترة (2021-2012)
https://ijppe.journals.ekb.eg/article_296585_334b2ce4d99e3093c9e24126bedf8a36.pdf
[3] https://www.capmas.gov.eg/Pages/Publications.aspx?page_id=5104&YearID=23546
[4] مركز التحكم الرئيسي للشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة-الهيئة العامة للإستعلامات (sis.gov.eg)
[5] https://ouc.dc.gov/page/911-fund
[SM1]يتلاحظ انه بداية من نشرة حوادث السيارات لسنة 2020 والصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، لم تعد النشرة تذكر عدد حوداث السيارات واكتفت بعدد المصابين والمتوفين، كما تلاحظ اخنلاف نتائج السنوات الماضية عن الاصدارات بعد 2020 من حيث عدد المصابين والمتوفين، فمثلا، بداً من تقرير 2020 تم ذكر عدد مصابين 2016 بأنه كان 86 الف مواطن، في حين ان التقارير حتى 2019 كان عدد مصابين 2016 (18 الف فقط) وهذا ينطبق على عدد من السنوات وليس 2016 فقط.
وبالتالي، فإنه لا يمكن المقارنة بعدد الحوادث نظراً لانه لا يوجد لها اي بيانات بداية من عام 2020، كما لا يمكن مقارنة النتائج بالإصدارات قبل 2020 مع الإصدارات الحالية للتضارب الواضح في الأرقام.