نظم المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية السبت 2 مارس 2019 ندوة تحت عنوان: “الجغرافيا السياسية المتغيرة وتحدياتها في الخليج والبحر الأحمر”، بمشاركة الدكتور لويه بلان، مسئول الملف العربي والإسلامي في مركز التحليل والتنبؤوالاستراتيجية بوزارة الخارجية الفرنسية، والقنصل الفرنسي العام في القاهرة وجدة سابقًا، وصاحب عدة مؤلفات حول السياسات والاقتصاد السياسي.
قدم دكتور لويه بلان الكلمة الرئيسية في الندوة، والتي تناول فيها تغير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة مع تولي باراك أوباماالذي اتجه إلى إجراء انسحاب تدريجي من المنطقة، حيث استمرت هذه السياسة مع مجيء دونالد ترامب إلى الحكم لكنها تحولت إلى انسحاب سريع من المنطقة.وأضاف بلان أن احد العوامل الأساسية وراء هذا الانسحاب الأمريكي هو زيادة إنتاج البترول والغاز داخل الولايات المتحدة، حيث ستكون هي المنتج الأول للنفط في الأعوام المقبلة، وبالتالي لن تكون هناك حاجة لاستمرار اعتمادها على دول الخليج في الإمدادات النفطية، بالإضافة إلى تنامي الخطر الصيني على الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد مهمة كما كان سابقًا، وتراجع الاهتمام الأمريكي بإسرائيل، متوقعًا أن يكون الرئيس ترامب هو آخر رئيس أمريكي يجعل إسرائيل في مقدمة أولوياته.
وتناول بلانالصدام الأمريكي الإيراني، والذي أرجعه إلى عدة عوامل، في مقدمتها الخلاف حول البرنامج النووي،وبرنامج الصواريخ الباليتسية، بجانب تدخلاتها في المنطقة. لكن السبب الرئيسيمن وجهة نظره يعود إلى السياسات التدخلية الإيرانية في المنطقة، ما اضطر الولايات المتحدة للبقاء لمواجهة هذه السياسات التي أدت إلى قلق بالغ في الجزيرة العربية وبقية دول المنطقة.وذهب بلان إلى أنه في حالة انسحاب إيران من سوريا واليمن ومراجعة سياسات التدخلية ستعيد الولايات المتحدة النظر في سياساتها تجاه إيران.
وأضاف دكتور لويه بلان أن النفوذ الإيراني اتخذ منحى تصاعديًا مع التدخل الروسي في سوريا، إلا أنه مع بداية عام 2018 حدث انخفاض تدريجي في السياسة الإيرانية في سوريا، نتجية تركيز إيران على اليمن، لكنها فشلت في إحداث تغيير جوهري هناك نتيجة عدم امتلاكها لدعائم ثابتة لتغيير الوضع. كما فقدت أيضا السيطرة على المشهد السوري؛ إذ باتت روسيا هي المهيمنة على مجريات الأمور في الأراضي السورية. وتجلى ذلك في عدم قدرة إيران على الرد على الضربات الجوية الإسرائيلية ضد نقاط تمركزها في سوريا، والتي وصلت إلى 200 ضربة، وعدم امتلاك إيران وسائل رد قوية، مشيرا إلى أن الوسيلة الوحيدة التي كانت تمتلكها للرد على هذه الضربات هي حزب الله، في الوقت الذي انسحب في من سوريا تقريبًا. وباتت إيران مضطرة للاختيار بين السيطرة على الوضع الداخلي في لبنان وبين الصراع مع إسرائيل في سوريا، حيث انحازت في النهاية إلى عدم الرد على الضربات الإسرائيلية مقابل استمرار سيطرتها على لبنان.
وأوضح دكتور بلان أن اللحظة الحاسمة في المواجهة مع إيران ستكون عقب شهر مايو المقبل(2019) بشأن العقوبات عليها، مشيرا إلى أن الثورة الإسلامية أصبحت بالنسبة لأغلبية الشعب الإيراني ظاهرة من الماضي، فلم يعد هناك إيراني واحد مستعد للتضحية من أجل الجمهورية الإسلامية، ولذلك وظفت إيران أفغان وعراقيين وجنسيات أخرى للحرب في سوريا لدعم النظام السوري، وهذه النتيجة بالنسبة لنظام ثوري هي بداية النهاية، مؤكدًا أن إيران فقدت وسائل طموحاتها السياسية، فضلا عن وجود صراع داخل إيران حول الحرب في سوريا، مستدلا على ذلك باستقالة جواد ظريف التي تزامنت مع زيارة بشار الأسد إلى طهران.
وحول السياسات الجديدة للمملكة العربية السعودية، أشار بلان إلى المملكة باتت أكثر اهتماما بالإقليم. على المستوى الاقتصادي يبرز مشروع نيوم وجزر البحر الأحمر، وسياسيا تبرز منظومة الدول المطلة على البحر الأحمر، ما يدل على أن السعودية بدأت مبادرات سياسية اقتصادية لتكوين “منطقة جديدة” بعد التخلص من السيطرة الأمريكية والتخلص الحتمي من إيران في المنطقة.وأشار إلى أن المنطقة ستكون تحت تأثير قطبين أساسيين هما مصر والسعودية.
وبالإضافة إلى هذه المتغيرات، أشار بلان إلى أن المنطقة تشهد تغييرات هيكلية عديدة أخرى، أبرزها الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والصعودد الصيني، وهو ما يقتضي التعاون بين أوروبا ودول المنطقة، مؤكدًا أن مصالح أوروبا ومصر واحدة وينبغي على الطرفين الاستفادة من هذه التغيرات.
وبشأن اتفاق سبع دول مطلة على البحر الأحمر على تأسيس كيان يجمعها، أشار بلان إلى أنه من المبكر الحكم على ما يجري في البحر الأحمر، لكن ما ينطوي على عدد من الجوانب الإيجابية، وعلى مصر أن تتولى دفة توجيه هذه المبادرة، والاستفادة من الخبرة المصرية في هذا المجال.
وأخيرا، وفيما يتعلق بالقمة العربية- الأوروبية التي انعقدت في مدينة شرم الشيخ خلال يومي 24- 25 فبراير 2019، أشار بلان إلى تدشن مرحلة مهمة فيما يتعلق بدور مصر الإقليمي الآخذ في الصعود، مشيرًا إلى أن البيان الختامي الصادر عن القمة وتأكيده على أهمية القضية الفلسطينية قد يمنع التراجع الذي تمر به القضية،ويجدد الأمل في التوصل إلى تسوية شاملة،واصفا القضية الفلسطينية بالجوهرية بالنسبة لفرنسا.