في خطوات جيدة لإرساء مبدأ العدالة الاجتماعية لبناء مجتمع يسوده العدل وعدم التمييز كان رأس المال الاجتماعي أحد المقومات الأساسية في بناء المجتمع، وجوهر عملية التنمية المستدامة، حيث دعا الهدف الفرعي من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلى «استحداث نظم وتدابير حماية اجتماعية ملائمة على الصعيد الوطني للجميع، ووضع حدود دنيا لها، وتحقيق تغطية صحية واسعة للفقراء والضعفاء بحلول عام 2030» فوفقًا لإحصاءات منظمة العمل الدولية، يفتقر نحو 4 مليارات شخص في أنحاء العالم كافة إلى الحماية الاجتماعية، فلا ينعم سوى 46.9٪ من سكان العالم بتغطية كافية من خلال الضمان الاجتماعي، فيما يفتقر 53.1٪ منهم إلى أي شكل من أشكال التغطية على الإطلاق، ومن هذا المنطلق تبنّت الحكومة المصرية مؤخرًا برنامجًا طموحًا للإصلاح الاقتصادي يستدعي أن يصاحبه برامج ومشروعات حماية اجتماعية من شأنها تخفيف الآثار السلبية المحتملة على الطبقات الفقيرة والهشة.
ملامح الحماية الاجتماعية في مصر
تبنت الدولة المصرية نهجًا جديدًا لتحقيق العدالة الاجتماعية، وحزمة من السياسات الاجتماعية الشاملة لدعم وحماية الفئات الأكثر احتياجًا وتعزيز الأمن الإنساني، وذلك بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية، فتعاملت مع قضية الحماية الاجتماعية من منظور احتوائي شامل، وعملت على توسيع خيارات المواطنين، وتمكينهم من الوصول العادل إلى الموارد والفرص، إلى جانب التوسع في شبكات الأمان الاجتماعي، بالإضافة إلى إطلاق مبادرات رئاسية لرفع مستوى المعيشة في القرى المصرية. في سياق متصل، أطلقت الدولة عددًا من الاستراتيجيات الوطنية لتعزيز حقوق التضامن الاجتماعي.
فوفقًا لخطة عام 2023/2024 تم تخصيص529.7 مليار جنيه لبرامج الدعم والحماية الاجتماعية، بزيادة تقدر بنحو 48.8٪ عن العام المالي الماضي.
أولًا- الدعم المباشر للفئات الأولى بالرعاية:
تم تبني الاستراتيجية المصرية للتنمية المستدامة 2030 بهدف حماية الفئات الأولى بالرعاية وتحقيق الحد الأدنى من الدخل الأساسي وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية وتعزيز الإدماج الاجتماعي وتوفير فرص توليد الدخل. أحد البرامج التي تم اتخاذها من قبل الدولة لتحقيق هذه الأهداف هو برنامج “تكافل وكرامة” الذي تم إطلاقه في مارس 2015 ويغطي جميع أنحاء البلاد.
يستهدف برنامج “تكافل وكرامة” فئتين رئيسيتين. الفئة الأولى تشمل الأسر التي لديها أطفال في مراحل التعليم المختلفة حتى المرحلة الثانوية وتحتاج إلى الدعم والرعاية الصحية. الفئة الثانية تشمل كبار السن الذين تجاوزوا سن 65 عامًا ولا يستطيعون العمل، والأشخاص الذين ليس لديهم مصدر دخل ثابت، وأصحاب الهمم الذين تعوقهم الإعاقة عن العمل والكسب وليس لديهم دخل ثابت. يتم تمويل البرنامج بالكامل من الموازنة العامة للدولة ويتم متابعته من قبل جهات دولية مثل البنك الدولي واليونيسيف وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي كما تم إدراج برنامج “تكافل وكرامة” على منصة أهداف التنمية المستدامة، التي دشنتها هيئة الأمم المتحدة لعرض قصص نجاح أهم المبادرات القُطرية التي تسهم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية 2030، للاستفادة منها دوليًّا.
تم تحديد مبلغ تحويلات نقدية للأسرة بمبلغ 325 جنيهًا مصريًا شهريًا في البداية، مع زيادة تعتمد على عدد الأطفال ومستوى تعليمهم. في المرحلة التالية، تم تحديد مبلغ لكل طفل شهريًا وفقًا للمرحلة التعليمية التي يوجدون فيها. تهدف هذه الجهود إلى توفير الحد الأدنى من الدخل الأساسي لهذه الفئات الهشة وتحسين حياتهم وظروفهم المعيشية. وبلغ عدد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي 5.2 مليون أسرة عام 2022 مقارنة بــــــ 1.7 مليون أسرة عام 2014 بزيادة 3.5 مليون أسرة.
ثانيًا- مبادرة حياة كريمة:
“المشروع القومي لتنمية الريف المصري” المبادرة الرئاسية التي تم اطلاقها يناير 2019، وتهدف المبادرة إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطن في إطار دعم وتوحيد وتكثيف الجهود بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية، والقطاع الخاص والمجتمع المدني وتتمثل في وزارات التضامن الاجتماعي والتخطيط والتنمية الاقتصادية والقوى العاملة والتنمية المحلية والمالية، بالإضافة إلى جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر وغيرها من المؤسسات الحكومية. كما يشارك فيها عدد من الجمعيات الأهلية. فضلًا عن القطاع المصرفي وبيت الزكاة والصدقات المصري، وتم تقسيم القرى المستهدفة من جانب المبادرة وفقًا لقاعدة بيانات خرائط الفقر الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وعليه رصدت المبادرة 103 مليارات جنيه لتطوير ٢٧٧ قرية تتجاوز نسبة الفقر فيها ٧٠%. وتم التنسيق مع ست جمعيات أهلية للتنفيذ، وانقسمت المبادرة إلى ثلاث مراحل أساسية.
واستخلاصًا لما سبق، تعتبر مبادرة حياة كريمة من أهم المبادرات الحيوية في قطاع الحماية الاجتماعية وتستهدف تنمية الثروة البشرية. وتعزيز البنية التحتية للريف المصري، وتمهد لضخ مزيد من الاستثمارات الاجتماعية والاقتصادية من خلال الإمكانيات المتاحة للشراكات الدولية.
ثالثًا- رعاية كبار السن:
تعمل الحكومة المصرية على توفير سبل الرعاية الاجتماعية لكبار السن. وفي هذا السياق، وافقت الدولة في سبتمبر ٢٠٢١ على مشروع قانون حقوق المسنين. وفي هذا الإطار تم إطلاق خدمة رفيق المسن، التي تهدف إلى تقديم الرعاية الشاملة اليومية للمسنين، ومساعدتهم في أداء وظائفهم، ومهاراتهم الحياتية داخل منازلهم أو في الأماكن التي يوجدون بها. كما تبنت العديد من الجهود، في مقدمتها توفير سكن كريم لكبار السن؛ حيث طوّرت الدولة العديد من دور الرعاية للمسنين، وخصصت مبلغ ٢٣ مليون جنيه لتطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية ودور رعاية الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية بالإضافة إلى دور رعاية المسنين ورفع كفاءة العاملين بها.
اتصالًا، تم إطلاق مبادرة تطوير مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تهتم بتطوير ورفع كفاءة بنية العديد من دور الرعاية. وعلى صعيد المبادرات والبرامج الداعمة للمسنين، تم إطلاق مبادرة “بينا” لرفع وتحسين جودة الخدمات التي تقدمها مؤسسات الرعاية الاجتماعية، الجدير بالذكر أن إجمالي المعاشات المنصرفة سنويًا زاد من 86.5 مليار جنيه في30 يونيو 2014 لتصل إلى 394.3 مليار جنيه في 30 يونيو 2022، كما ارتفع عدد أصحاب المعاشات والمستحقين من 8.7 ملايين ليصبح 10.7 ملايين عن الفترة نفسها.
رابعًا- مساندة العمالة غير المنتظمة:
تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن 60% من مجموع القوى العاملة في مصر يقع في إطار القطاع غير الرسمي والعمالة غير الرسمية. كما يشير التعداد الاقتصادي إلى أن عدد المنشآت العاملة في القطاع غير الرسمي بلغ 2 مليون منشأة بنسبة 53% من إجمالي المنشآت العاملة في مصر 2017/2018، حيث يشير بحث الدخل والإنفاق إلى أن 51% من الفقراء المشتغلين يعملون في القطاع غير الرسمي.
تم إطلاق أول منظومة للتأمين الصحي والاجتماعي للعمالة غير المنتظمة في يوليو 2021 ومنذ سنوات أولت الدولة اهتمامًا بالغًا بفئة العمالة غير المنتظمة حيث تم تشكيل لجنة مركزية لمتابعة تشغيل ورعاية العمالة غير المنتظمة ولم تنساهم الدولة في ظل أزمة كورونا وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2183 لسنة 2020، بتشكيل لجنة وزارية تُعنى بدعم العمالة المتضررة من تداعيات “كوفيد-19″، والعمل على إعداد استراتيجية وطنية لحماية ورعاية العمالة غير المنتظمة. هذا، وقد قامت وزارة المالية بتحويل أكثر من 5.3 مليارات جنيه لصرف المنحة الاستثنائية للعمالة غير المنتظمة، وتم صرف منحة قدرها 1500 جنيه على 3 شهور بواقع 500 جنيه لكل شهر منذ بداية الجائحة وحتى فبراير2021. كما قامت وزارة القوى العاملة في الفترة من 1 يناير 2021 حتى 28 مارس 2021، بتسليم نحو 184.7 ألف وثيقة للتأمين التكافلي ضد الحوادث الشخصية. هذا كما أطلقت الدولة مبادرة التمكين الاقتصادي للعمالة غير المنتظمة، والتي تستهدف توفير فرص عمل لإجمالي 30 ألف مستفيد في 16 محافظة الأكثر عددًا في العمالة غير المنتظمة.
في الختام، تُعد الحماية الاجتماعية في مصر إحدى الأولويات الرئيسية للحكومة، وتُبذل جهود كبيرة لتوفير الحماية والدعم للفئات الأكثر تأثرًا، ويتطلب تحقيق التغيير المستدام تكثيف الجهود وتعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية كما تتطلب هذه الحماية الاجتماعية تبني استراتيجيات شاملة وتنفيذ برامج وسياسات قوية لتوفير الحماية الاجتماعية وتقديم الدعم اللازم للأفراد والأسر المستضعفة.