تقترب الحرب على غزة من نهاية شهرها الثالث وسط انتشار موسع للقوات الإسرائيلية فى خان يونس وشمال القطاع، وإصرار إسرائيلي على تحقيق أهداف بات العالم أجمع يعلم انها مستحيلة، ما عدا إسرائيل التي لا تزال تحلم برفع راية النصر وإعلان انها تمكنت من القضاء على آخر مقاتل فى حركة حماس.
ما تجهله إسرائيل، او ما تتجاهله، هو ان حماس كمقاومة هى فكرة مغروسة فى عقول كل الفلسطينيين، وان القضاء على هذه الفكرة او القضاء على حق الفلسطينيين فى الدفاع عن ارضهم ومقاومة المحتل بجميع الطرق الممكنة هو مهمة غير واقعية. لتحقيق أهدافها المعلنة من الحرب، ما تحتاجه إسرائيل هو ارتكاب مجزرة جماعية فى حق كل الفلسطينيين ومسحهم جميعا من على وجه الأرض. هكذا تكون فعلا قضت على المقاومة الداخلية، ما عدا ذلك فهى كمن يحارب طواحين الهواء، وعلى قدر ما سوف تقتل المئات والآلاف منهم اليوم، سوف يتضاعف عددهم غدا، لان الفلسطينيين، ببساطة، يعيشون ويموتون من أجل وطنهم ومن أجل قضيتهم ومن اجل حقهم فى الحياة.
إسرائيل تسرف فى استخدام القوة، وتسرف أيضا فى الاعتقاد بأنها قادرة على استغلال عملية 7 أكتوبر من أجل تنفيذ مخططاتها واولها القضاء على حماس التى يبلغ عدد مقاتليها بين 30 و40 ألف مقاتل. من أجل تحقيق ذلك، ليس امام الجيش الإسرائيلى سوى خيار واحد وهو قصف كل شىء فوق الأرض من اجل الوصول الى المقاتلين الذين يعملون من تحتها، فهل هذا ما تريد إسرائيل تحقيقه فعلا؟
قام الجيش الإسرائيلى، أيضا، وبشكل منهجى بقصف المبانى التى تم وضعها فى قائمة الأهداف الشاملة للمواقع التى من المعروف أن حماس تعمل منها، ومع ذلك، لاتزال هذه الأخيرة تعمل كوحدة قتالية، ولا تزال تمتلك مفاتيح الحرب، خاصة أنها تحتجز حوالى 130 رهينة، منهم قيادات عسكرية، وهو ما يعيق شيئا ما الحسابات أمام المهام القتالية للجيش الإسرائيلى، خاصة ان هناك ضغوطات يتعرض لها رئيس الحكومة من أهالى المختطفين، ومن كل المواطنين الذين يعيشون كابوس الحرب ويتوجسون من تداعياتها الأمنية والاقتصادية.
اقتصاديا، تكلفة الحرب عالية جدا. تشير تقديرات أولية إلى أنها تقدر بحوالى 51 مليار دولار. اقترضت إسرائيل حتى الآن أكثر من 8 مليارات دولار، مما أدى إلى تضخم العجز فى الميزانية إلى 6 مليارات دولار. ويتوقع البنك المركزى الإسرائيلى أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2% فى 2024، وهذا أقل من توقعاته السابقة بنمو يصل إلى ٢٫٨% فى العام المقبل. ويتوقع، أيضا، ان تصل تكاليف الميزانية الخاصة للحرب إلى 10% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام المقبل، بينما من المنتظر أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى إلى 66% فى نهاية 2024.
عسكريا، تواجه إسرائيل صعوبات كبيرة فى حرب المدن بغزة، وكل يوم تخسر أعدادا أكثر من قواتها ومعداتها العسكرية، مما سيعرضها لضغوط سياسية وإنسانية داخل إسرائيل من أجل إيقاف الحرب والعودة للمفاوضات السياسية. كما ان استمرار هذه الحرب الوحشية وارتكاب المجازر فى حق الأهالى جعل الغرب يتراجع نسبيا عن دعمه المطلق لإسرائيل، بل ربما سيتجه للضغط عليها سياسيا من أجل وقف مذابحها. يبدو هذا الموقف واضحا فى تصريحات جو بايدن التى انتقد فيها لأول مرة وبشكل صريح، ما وصفه بالقصف العشوائى الإسرائيلى لقطاع غزة، داعيا رئيس الوزراء الإسرائيلى لتغيير حكومته بإقصاء العناصر الأكثر تشددا فيها، وتغيير استراتيجية إسرائيل العسكرية ـ وتوضيح التزامها بحل الدولتين صيغة وهدفا لعملية سلام مع الفلسطينيين مستقبلا.
فى الواقع، إسرائيل لا تهتم بحل الدولتين ولا تؤمن به ولا تريده. هى كانت تعتقد أنه من خلال اتفاقيات السلام التى عقدتها مع بعض الدول العربية، وتلك التى كانت تنوى عقدها مع دول أخرى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ـ تكون بذلك قد اقبرت القضية الفلسطينية. لكن الحرب الحالية أربكت حسابات تل أبيب. والقصف المستمر على غزة والحصيلة العالية للقتلى المدنيين جعل إسرائيل تفقد دعم الرأى العام الدولى بشكل متزايد.
صحيح لا أحد يعلم كيف ومتى وبأى سيناريو ستنتهى الحرب، لكن على العالم أجمع أن يدرك بكل وعى ومسئولية ان إسرائيل لن تحقق السلام وهى على متن دبابة. السلام وإلامن لن يتحققا الا من خلال تسوية سياسية تضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى كجزء من حل سياسى شامل وعادل.