تحت العنوان الكبير “نطمح للمساواة، نبني بذكاء، نبدع من أجل التغيير” تحتفل “لجنة وضع المرأة” بالأمم المتحدة باليوم العالمي للمرأة، وذلك في دورتها الحالية رقم 63. ويركز الاحتفال هذا العام على أهمية اللجوء إلى استخدام سبل الابتكار والوسائل التكنولوجية الحديثة في العمل على إزالة الحواجز التي من شأنها أن تعيق المضيّ قُدمًا في مسألة المساواة بين الرجل والمرأة، وذلك استنادًا إلى التوقعات الحالية التي تُشير إلى أن الاعتماد على الوسائل التقليدية وحدها بات أمرًا غير كافٍ، ولا يضمن بشكل فعّال تقليل الفجوة التي لا تزال كبيرة بكل أسف بين الجنسين. ومن ثمّ فإنه من المتوقع أنّ استخدام الحلول الإبداعية، بجانب التكنولوجيا، سيُسهمان في توفير فرص غير مسبوقة في مسألة المساواة، وإزالة التمييز، وأيضًا في قضية تمكين النساء وزيادة نسبة مشاركتهن في المجال العام.
ونحاول في هذه المساحة إلقاء مزيدٍ من الضوء على الخلفية التاريخية لهذا اليوم العالمي.
لقد برز تاريخ 8 مارس بالتزامن مع ظهور أنشطة الحركة العمالية منذ بداية القرن العشرين، وتحديدًا في أمريكا الشمالية وعددٍ من دول أوروبا. ففي مدينة نيويورك، وتحديدًا في عام 1856، كان قد خرج الآلاف من النساء في الشوارع للاحتجاج على الظروف الإنسانية القاسية التي كُنّ يُجبرن على العمل في ظلّها. لكنّ الشرطة حينها اعترضت طريقهن ونجحت في تفريقهنّ. ومع ذلك فقد ساهمت تلك التظاهرت فيما بعد في دفع عددٍ من السياسيين والمسئولين لطرح مشكلة المرأة العاملة على جداول أعمالهم، ما ترتب عليه بروز هذه القضية بشكل ملح يحتاج إلى النظر فيه.
وبعد مرور عدة أعوام، عاد المشهد نفسه ليتكرر من جديد في المدينة نفسها. حيث تظاهر في 8 مارس 1908 الآلاف من عاملات النسيج، للمطالبة بعدة مطالب، كان على رأسها: تخفيض عدد ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء الحق في الاقتراع. وفي إطارٍ من الرمزية هذه المرة حملت السيدات في أياديهن الخبز والورد؛ الأول يرمز إلى قيمتي حق العمل والمساوة فيه، والثاني يرمز إلى قيمتي الحب والتعاطف. ونستطيع القول هنا إن تلك المظاهرة كانت بدايةً لتشكيل ملامح الحركة النسوية بالولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه، فقد قرر الحزب الاشتراكي الأمريكي الاحتفال الأول بهذه المناسبة الخالدة في نفس اليوم من العام التالي، فكان 8 مارس 1909 هو أول يومٍ للاحتفال والاحتفاء بالمرأة الأمريكية. وسرعان ما انتشرت بعدها هذه الحركة النسوية في أوروبا بعد تحقيقها صدى كبيرًا داخل الأراضي الأمريكية.
وفي عام 1910، قرّر الاجتماع الاشتراكي الدولي الذي عُقد في كوبنهاجن اعتبار يوم المرأة يومًا ذا طابع دولي، من أجل تكريم ودعم النساء، لكنه لم يُحدد يومًا معيّنًا للاحتفال بهذه المناسبة. وقد حضر هذا المؤتمر أكثر من 100 امرأة من حوالي 17 دولة، كان من بينهن 3 نساء كُنّ قد انتُخبن في البرلمان الفنلندي.
وفي 8 مارس 1911 كان قد شارك ما يزيد عن مليون رجل وامرأة في النمسا والدنمارك وألمانيا وسويسرا للمطالبة بحق المرأة في العمل، وحقها في التدريب المهني، وكذلك القضاء على التمييز ضدها فيما يتعلق بالوظائف.
وفي عام 1914، تحول يوم 8 مارس إلى آلية للتظاهر ضد الحرب العالمية الأولى، كما تزامن كذلك مع احتفال النساء الروسيات بأول يوم عالمي للمرأة في إطار “حركة السلام”. وبحلول عام 1917 خرجت النساء الروسيات في مظاهرة تحت شعار “من أجل الخير والسلام”، تنازل بعدها بأربعة أيام القيصر عن الحكم، ومنحت الحكومة المؤقتة الحقَّ في التصويت للنساء في 8 مارس. لكن جاء التطور الأبرز والأهم في 8 مارس عام 1945 عندما تم توقيع أول اتفاق عالمي في باريس يدعو للمساواة بين النساء والرجال.
ومرت عدة سنوات إلى أن بدأ الاحتفال بشكل رسمي على الصعيد العالمي باعتماد منظمة الأمم المتحدة اليوم العالمي للمرأة لأول مرة في عام 1975. وفي عام 1977 تبنّت الجمعية العامة قرارًا حثّ العالم أجمع على أهمية الاحتفال باليوم العالمي لحقوق المرأة والسلام الدولي.
ثم جاء عام 1995 ليرسم إعلان بيكن خارطة طريق تاريخية، حيث وقعت 189 دولة على تصور في 12 مجالًا مهمًّا، لتحظى المرأة بحقها في اختياراتها، مثل: الحق في المشاركة السياسية، والحق في التعليم، والحق في العمل، وغيرها من الحقوق الأخرى.
ولم يقف الأمر عند حد إقرار الأمم المتحدة لهذه الحقوق للمرأة، لكن أصبح هناك نوع من التواتر في تكريس هذه الحقوق، من ناحية، وإعادة التأكيد على بعض هذه الحقوق من خلال تنظيم الاحتفال السنوي لليوم العالمي للمرأة تحت شعار محدد، حمل الكثير من الدلالات. على سبيل المثال، عُقد الاحتفال في عام 1997 تحت شعار “المرأة على طاولة السلام”، وفي عام 1998 تحت شعار “حقوق المرأة والإنسان”، وفي عام 1999 تحت شعار “عام خالٍ من العنف ضد المرأة”، وفي عام 2017 تحت شعار “المرأة في عالم العمل المتغير.. تناصف الكوكب (50/50) بحلول 2030”.
وهكذا، أصبح يوم 8 مارس من كل عام رمزًا لنضال وتضحيات النساء ولحقوقهن. ولعل الاحتفال به بشكل سنوي، لا يعكس فقط نوعًا من الرمزية للتعبير عن تقدير عالمي لدور المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه ربما يشير أيضًا إلى التأكيد على أن ضمان حقوق المرأة لا يزال في حاجةٍ إلى حشد الجهود الدولية خلف هذا الهدف.