يُعتبر قطاع المخلفات في مصر من أكثر القطاعات تحديًا للحكومات المصرية المتعاقبة على مدار العقود الأخيرة. فقد قُدر حجم المخلفات الصلبة اليومية في القاهرة الكبرى فقط بحوالي 15 ألف طن، أي ما يقرب من خمسة ملايين طن ونصف من المخلفات الصلبة سنويًّا. كما تعدى إجمالي كمية المخلفات السنوية في كافة أنحاء البلاد حاجز 80 مليون طن سنويًّا، وما زالت في ازدياد لارتباطها بمعدلات نمو السكان والمستوى المعيشي. كما أشارت تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 44.8% من الأسر المصرية تتخلص من نفاياتها عن طريق إلقائها في الشارع، بينما تقوم 55.2% من الأسر بالتخلص منها عن طريق الشركات الخاصة وجامعي القمامة. وهذه الأرقام لا تتضمن مخلفات الصرف الصحي، سواء السكني أو الصناعي أو الزراعي.
ولا تنحصر مشكلة التعامل مع قطاع المخلفات في حجمها فقط، بل تنقسم إلى عدة أوجه أخرى، منها: عدم وجود آلية رسمية لفرز المخلفات باختلاف أنواعها، ما يجعل عملية إعادة تدويرها والاستفادة منها شديدة الصعوبة. وإضافة إلى ذلك، ما زالت طرق تجميع المخلفات في مصر غير متكاملة بسبب تضارب المصالح بين الحكومة وجامعي القمامة غير الرسميين، رغم المحاولات العديدة لطرح حلول توافقية لدمجهم داخل المنظومة الرئيسية. إذ ذكرت وزيرة البيئة السابقة “ليلى إسكندر” أن ما تعطيه الحكومة لجامعي القمامة يكفيهم بالكاد لتشغيل وصيانة عرباتهم وأي نفقات عرضية تتعلق بالصحة والسلامة وتقديم الخدمة، وهو ما نتج عنه، على مدار سنوات عدة، تشكيل عدة تجمعات عشوائية غير رسمية لجامعي القمامة، يطلق على أكبرها “حي الزبالين” الذي يقع داخل حي منشأة ناصر. ويقوم جامعو القمامة في تلك التجمعات بعمليات الفرز وإعادة التدوير، بل والتصدير في غياب شبه كامل عن منظومة الدولة. وتدخل معظم أرباح تلك العمليات في الاقتصاد الموازي غير الرسمي.
شكل رقم (1): نسب توزيع أنواع المخلفات الصلبة في مصر

العوائد الاقتصادية من التدوير
لا تقتصر العوائد الاقتصادية من التدوير على القيمة المادية لعملية إعادة البيع فقط؛ بل إنها تشمل أيضًا تكاليف التصنيع. على سبيل المثال، تتطلب صناعة الورق المنتج من الأشجار ضعف الطاقة المستهلكة من إعادة تدوير الورق. إذ إن كل طن من الورق المعاد تدويره يوفر 410 جالونات من الوقود. كما أن إعادة تدوير صفائح المياه الغازية المصنوعة من الألومنيوم يوفر 20 ضعف الطاقة المستخدمة في التصنيع التقليدي لنفس العدد من الصفائح. وبعيدًا عن التدوير بهدف إعادة الاستخدام، هناك أيضًا عمليات تحويل المخلفات إلى طاقة، كأحد المصادر الأساسية للطاقة في بعض الدول، وهي العملية المعروفة بـ (WTE) Waste to Energy. ومعظم تلك العمليات تولد الطاقة الكهربية أو الحرارية إما عن طريق الحرق، أو عن طريق إنتاج غازات الوقود مثل الميثان والميثانول والإيثانول، وهي ما يُطلق عليها الغاز الحيوي Biogas.
وأكثر تلك الطرق استخدامًا، هي: الحرق، والهضم، والتغويز. وإن كان الحرق أيسرها في التشغيل، ولكنه أقلها كفاءة. إذ تتراوح كفاءة التحويل الكهربائي ما بين 14 إلى 28% فقط، وهو ما يمكن تعويضه قليلًا باستخدام ناتج الحرارة في التدفئة المركزية. ويتمكن الحرق من توليد نصف ميجا وات/ساعة من كل طن نفايات. أما التغويز فيستطيع توليد حوالي 1 ميجا وات/ساعة من كل طن. وفي دراسة مقارنة بين أنواع مختلفة من محطات الـWTE يتبين أن محطات الحرق والتغويز تستطيع أن تغطي نفقاتها وتصل إلى نقطة التعادل بعد سنتين ونصف من تاريخ إنشائها، وتوفر أرباحًا بقيمة تتراوح بين 60 دولارًا وحتى 250 دولارًا للطن الواحد من المخلفات. وكانت قد وصلت قيمة سوق تحويل المخلفات للطاقة إلى 20.86 مليار دولار بحلول عام 2015، لكن التوقعات تتخطى قيمة 33 مليار دولار بحلول عام 2023.
شكل رقم (2): حجم التوفير الناتج عن إعادة التدوير من الطاقة في التصنيع

قصص نجاح لدول مختلفة
هناك العديد من الدول التي تدعم عمليات إعادة التدوير وتوليد الطاقة من المخلفات، منها حالة السويد التي نشرت عنها صحيفة “الإندبندنت” تقريرًا في عام 2016 يفيد باضطرارها لاستيراد المخلفات بعد تناقصها، في مقابل ازدياد الطلب على الطاقة المنتجة عن طريقها، وهو ما جعل السويد تلجأ لدول الجوار، مثل النرويج والمملكة المتحدة، لاستيراد احتياجاتها من المخلفات الصلبة.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن نظامها لإدارة المخلفات الصلبة يتيح إعادة تدوير ما يتعدى ثلث مخلفاتها. ففي عام 2011 وحده، استطاعت الحكومة الأمريكية إعادة تدوير 87 مليون طن من أصل 250 مليونًا. وإن كانت تلك الأرقام توضح جهودًا حثيثة لكنها غير كافية لوضع الولايات المتحدة ضمن أفضل 10 دول في عمليات التدوير. إذ تأتي ألمانيا في الترتيب الأول بنسبة تدوير للمخلفات بلغت 56.1%، تليها النمسا بنحو 53.8%، ثم كوريا الجنوبية. وتأتي ويلز في المركز الرابع، بعد أن وضعت استراتيجية لإدارة المخلفات تأمل في مساعدتها على النجاح في تدوير 100% من مخلفاتها بحلول عام 2050.
الجهود المصرية
على الصعيد المصري، ورغم التأخر في تحسين وضع قطاع المخلفات، إلا أن الحكومة الحالية يبدو أنها قد وضعت الأمر ضمن أولوياتها. ففي خطوة مهمة في هذا الاتجاه، وقّع رئيس اتحاد جامعي القمامة “شحاتة المقدس”، مذكرة تفاهم مع شركة إيطالية في مايو 2018 لبناء محطة لتدوير المخلفات. وتهدف هذه المحطة الجديدة إلى تحويل ما يتراوح بين 600 إلى 1100 طن من المخلفات للطاقة الكهربائية والغاز. كما قابل رئيس الوزراء “مصطفى مدبولي” وزيرة البيئة “ياسمين فؤاد” لمراجعة البرامج الموضوعة لتطوير نظام إدارة النفايات الصلبة في أكتوبر 2018، حيث استعرضت وزيرة البيئة نظام إدارة النفايات الصلبة الجديدة لعام 2020، والذي يهدف إلى تطوير البنية التحتية من خلال إعادة تأهيل مكبات النفايات، وإنشاء محطات وسيطة ثابتة ومتنقلة، بالإضافة إلى مدافن صحية جديدة. وسيشمل هذا النظام الجديد جميع عمليات التجميع والفرز والنقل وإعادة التدوير، كما يتضمن تطوير نظم لمعالجة المخلفات العضوية وإدارة إعادة استخدامها.
وصاحبت هذه الرؤى مناقشة قانون إدارة المخلفات في عام 2018، الذي يُعد أحد أهم التشريعات لدعم خطة وزارة البيئة لحل أزمة القمامة خلال 3 سنوات. ويشمل القانون أكثر من 70 مادة تحدد رسوم مقابل خدمة جمع المخلفات وعقوبات مخالفة القانون. لكن الأهم أن القانون يدعم السياسات العامة الجديدة المتعلقة بتقسيم الجمهورية إلى 300 منطقة مختلفة، مع إنشاء مصنع لإعادة التدوير لكل منطقتين. بالإضافة إلى تشجيع قانون التعريفة الجديدة للطاقة على الاستثمار في قطاع إنتاج الطاقة المتجددة بما فيها الطاقة المنتجة من المخلفات.
ومن المنتظر أن تساعد تلك الجهود في تقليل الآثار السلبية على البيئة، وزيادة العوائد الاقتصادية من قطاع المخلفات المهمل لسنوات طويلة، بشرط أن يتم وضع حلول واقعية لدمج جامعي القمامة وتجمعاتهم داخل إطار الاقتصاد الرسمي، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في محطات تحويل المخلفات للطاقة، لتسهيل استيعاب كل هذه الكميات المتزايدة سنويًّا داخل المنظومة.