أعلنت وكالة “فيتش” الدولية للتصنيف الائتماني، في 21 مارس 2018، رفعها تصنيفَ مصر الائتماني طويل الأجل IDR من درجة B إلى B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة. وتأتي أهمية هذا التطور بالنظر إلى أهمية مؤسسة “فيتش” ذاتها باعتبارها واحدة من أكبر ثلاث شركات للتصنيف في العالم (بالإضافة إلى شركتي ستاندرد آند بورز وموديز). ولا شك أن هذا التصنيف سوف يزيد من الثقة الدولية في الاقتصاد المصري الذي يخوض تحديًا قويًّا خلال السنوات الأخيرة، خاصة في إطار مشروع الإصلاحات الاقتصادية الجارية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. وتعتبر الشركات الثلاث السابقة هي الشركات الأهم في سوق التصنيف الائتماني، حيث استحوذت على 95% من هذه السوق بحلول عام 2013. وتعتمد معظم الشركات والمؤسسات المالية الأضخم حول العالم في قراراتها على تقارير تلك الشركات الثلاث، ولذا أُطلق عليهم لقب الثلاثة الكبار Big Three.
وبررت “فيتش” قرارها رفع تصنيف مصر الائتماني بإحراز مصر تقدمًا كبيرًا في تنفيذ برناج الإصلاح الاقتصادي والمالي، الذي يساهم -طبقًا لتحليل الوكالة- في زيادة فرص استقرار الاقتصاد الكلي، وفرص التمويل الخارجي. واستعرضت الوكالة في تقريرها النتائج المرتقبة لبرنامج الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، متوقعة استمرار هذه الإصلاحات في توليد نتائج اقتصادية أفضل حتى مما هو متوقع في الاتفاق الموقَّع مع صندوق النقد الدولي. كما أشارت “فيتش” إلى استمرار تدني نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، ونمو فوائض الميزانية الأساسية، بالإضافة لارتفاع الاحتياطي من النقد الأجنبي إلى ما يعادل ستة أشهر من المدفوعات الخارجية الحالية. وتوقعت الوكالة انخفاض الإنفاق على الأجور والإعانات والفوائد بنسبة تقترب من 5% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من يونيو 2016 إلى يونيو 2020.
ومع أهمية رفع التصنيف الائتماني لمصر من جانب وكالة “فيتش”، إلا أنه ليس التقييم الإيجابي الأول، فقد سبقه خلال عامي 2019 و2018، رفع شركة “ستاندرد آند بورز” تصنيف مصر الائتماني طويل الأجل إلى B بنظرة مستقبلية مستقرة (مايو 2018)، تبعه قرار شركة “موديز” رفع تصنيف مصر إلى B3 مع نظرة مستقبلية إيجابية (أغسطس 2018)، وذلك مقارنة بتبني الشركات الثلاث نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد المصري خلال الفترة (2011-2013)، على خلفية ما تعرضت له الدولة المصرية من اضطرابات سياسية أثرت بصورة مباشرة على الاقتصاد، ما أدى في التحليل الأخير إلى انخفاض الثقة في الاقتصاد المصري، وهروب رؤوس الأموال الأجنبية، حتى إن صافي التدفقات الأجنبية المباشرة انخفضت جذريًّا لتصل إلى ما يقرب من -483 مليون دولار أمريكي في عام 2011، مقارنة بحوالي 6.386 مليارات دولار في عام 2010. لكن ذلك الصافي عاد ليتخطى حاجز 6 مليارات دولار مرة أخرى في عام 2015، ووصل في عام 2016 إلى 8.107 مليارات دولار.

الأسباب الاقتصادية وراء رفع التصنيف الائتماني المصري
كما سبق القول، يرجع رفع التصنيف الائتماني لمصر بواسطة الثلاثة الكبار إلى مجموعة من التطورات المهمة التي شهدها الاقتصاد المصري. ونشير هنا إلى أربعة تطورات رئيسية. التطور الأول يتمثل في تعديل هيكل الديون الخارجية، في اتجاه التحول تدريجيًّا من الديون قصيرة الأجل إلى الديون طويلة الأجل، من خلال الاعتماد على السندات ذات الآجال الأطول، بدلًا من الأذون. التطور الثاني تمثل في النجاح في زيادة تدفقات النقد الأجنبي للبلاد من مصادر مختلفة. التطور الثالث هو تقليص عجز الموازنة. وأخيرًا، يتمثل التطور الرابع في الوفاء بالالتزامات المالية الخارجية تجاه الحكومات والمؤسسات الدولية في آجالها المحددة.
في هذا السياق، أعلن نائب وزير المالية المصري للسياسات المالية، الأستاذ “أحمد كوجك”، في تصريح له في فبراير 2019 نجاح الدولة المصرية في تخفيض ديونها الدولارية قصيرة الأجل في عام 2018 بقيمة 3.25 مليارات دولار لتصبح 14 مليار دولار فقط. وكانت احتياجات مصر التمويلية للعام المالي 2018-2019 قد بلغت 714.637 مليار جنيه. وأغلب تلك الاحتياجات تم وضعها في شكل أدوات دين محلية، بينما لم يتعد نصيب التمويلات الخارجية (السندات وقرض صندوق النقد الدولي) نسبة 30%. ولخّص “كوجك” السياسة المالية لهيكلة الديون في التوسع في قاعدة المستثمرين، وتمديد أجل استحقاق الديون، وتخفيض فوائد القروض عن طريق التحول للاقتراض طويل الأجل من الأسواق الدولية، ثم استخدام جزء من تلك الأرصدة لسداد الدين الخارجي قصير الأجل.
كذلك، تعددت مصادر الدولة من العملات الأجنبية لتشهد تناميًا واضحًا مع التحسن في المؤشرات الاقتصادية والأمنية المختلفة. على سبيل المثال، زادت تحويلات المصريين من الخارج خلال الفترة بين عامي 2011 إلى 2017 بنسبة 70% لتصل إلى 21 مليار و900 مليون دولار في عام 2017، مقارنة بنحو 12 مليار و592 مليون دولار في عام 2011. وترتفع نسبة الزيادة كثيرًا إذا ما تم حسابها بالجنيه المصري بسبب فرق سعر العملة قبل التعويم وبعده. كما حققت إيرادات قناة السويس زيادة كبيرة في إيراداتها. فوفقًا للبيانات المعلنة من جانب رئيس هيئة القناة في أغسطس 2018، كان حجم إيرادات القناة للعام المالي 2017/2018 هو الأعلى في تاريخ القناة بقيمة بلغت 5.6 مليارات دولار، بزيادة قدرها حوالي 600 مليون دولار عن العام المالي 2016/2017. وتوقع رئيس الهيئة تضاعف عائدات القناة قبل حلول عام 2023. وفي قطاع السياحة، توقعت شركة بلتون فاينانشيال القابضة أن تتعدى عائدات القطاع حاجز 11 مليار دولار في عام 2019. وتتفق هذه التوقعات مع الأرقام الحكومية الرسمية التي أشارت إلى أن إيرادات القطاع بلغت 4.781 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2018 بزيادة نسبتها 77% مقارنة بالفترة نفسها في عام 2017. وقد ساهمت هذه التطورات في زيادة حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي ليصل في فبراير 2019 إلى 44 مليارًا و60 مليون دولار، مقارنة بحوالي 13 مليارًا و448 مليون دولار في مارس 2013.
شكل رقم (2): تطور حجم الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي خلال الفترة (2010-2018) بالمليون دولار أمريكي

المكاسب المتوقعة من رفع التصنيف الائتماني المصري
التغير في النظرة المستقبلية في تصنيف مصر الائتماني من سلبية إلى مستقرة في تصنيفي “فيتش” و”ستاندرد آند بورز”، والإيجابية في تصنيف موديز، سيساهم بلا شك في زيادة حجم الثقة الدولية في الاقتصاد المصري، وسيزيد من مصداقية برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي. كما سيُساهم هذا التحسن بدوره في زيادة فرص تدفق الاستثمار الأجنبي، خاصة عند مقارنة مصر ببعض الدول المحيطة في الشرق الأوسط وبعض الاقتصادات الناشئة الأخرى، التي تعاني من مشكلات سياسية وأمنية واقتصادية لا تجعلها محط جذب للاستثمارات الأجنبية. على سبيل المثال، خفضت وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني لتركيا وتونس مع نظرة مستقبلية سلبية، وهو ما يعطي فرصة تنافسية أقوى في مواجهة هذه الاقتصادات.
كذلك، فإن تحسن التصنيف الائتماني لمصر سيزيد من قدرتها على الاقتراض بسعر فائدة أقل، الأمر الذي سيُساهم في تخفيض أعباء ديونها المستقبلية، بالإضافة إلى التحسن المتوقع في قيمة مبادلة مخاطر الائتمان السيادية CDS (اتفاق على المبادلة المالية يُعوض من خلاله بائع مبادلة مخاطر الائتمان المشتري في حالة عدم سداد القرض). فعلى الرغم من ارتفاع تلك القيمة في اليوم التالي مباشرة لإعلان فيتش للتصنيف الجديد لمصر لتصبح 325 نقطة من الأساس (100 نقطة) (أي في 22 مارس 2019)، بزيادة نسبتها 3.83% مقارنة بقيمتها في الأسبوع السابق على ذلك التاريخ، لكن هذه الزيادة تقيس حالة المؤشر عن فترة سابقة على صدور تقييم “فيتش”، ومن المتوقع أن تنخفض تلك القيمة تدريجيًّا خلال الفترة القادمة.
