عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يوم الأربعاء 27 مارس 2019، حلقة نقاشية حول “تحديات اتفاق استكهولم”، استضاف فيها د. عبدالله النعمان (أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري في اليمن)، ود. رنا الغانم (عضو وفد مفاوضات استكهولم)، وبحضور كلٍّ من د. خالد عكاشة (المدير التنفيذي للمركز)، ود. محمد مجاهد الزيات واللواء محمد إبراهيم (عضوا الهيئة الاستشارية)، وبمشاركة عددٍ من خبراء وباحثي المركز.
بدأت الجلسة بترحيب د. خالد عكاشة بالضيوف، الذي أوضح أن الأزمة اليمنية هي قضية مهمة للغاية بالنسبة لمصر، وأن هذه الندوة تُمثل جزءًا من اللقاءات التي يُنظّمها المركز لتسليط الضوء على أبعاد الأزمة وتطوراتها.
وبدأ د. عبدالله النعمان حديثه بتوجيه الشكر لإدارة المركز على استضافته، والثناء على التحليلات التي يُقدّمها المركز حول الشأن اليمني، وما تُمثله من مصدر مهمٍّ لكل المهتمين بتطورات الأزمة اليمنية، مؤكدًا أن الأزمة معقدة للغاية، وتجاوزت الإطار المحلي والإقليمي، وأصبحت قضية دولية بامتياز. مشيرًا إلى أن موقع اليمن الجيوسياسي بالنسبة للبحر الأحمر والخليج، حيث حركة التجارة العالمية ومصادر النفط، جعل من الأزمة محل أنظار العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، كما تمثل أهمية بالنسبة لمصر لما تمثله من بوابة أمنية جنوبية.
وأضاف النعمان أن الأزمة اليمنية خلقت العديد من المتربحين الذين ليس من مصلحتهم عودة الاستقرار إلى اليمن، وأنه حتى الآن لم تُبذَل أي جهود حقيقية لاستعادة مؤسسات الدولة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية نتيجة الصراع الدائر منذ 5 سنوات. وحذّر من أن الأوضاع الحالية تشير إلى ازدياد الأمور سوءًا، وهو ما ستكون له مآلات كارثية على الإقليم والعالم العربي.
العلاقة مع دول التحالف
وحول العلاقة مع التحالف العربي، أوضح “النعمان” أنه حينما طلبت الحكومة اليمنية الشرعية من دول التحالف التدخل في اليمن لم تكن الحكومة اليمنية تمتلك رؤية واضحة حول شكل العلاقة بين الحكومة والتحالف. واقترح “النعمان” -في هذا السياق- إنشاء تكتل إقليمي بين اليمن والدول العربية يقوم على مصالح واضحة ورؤية محددة بشأن مستقبل اليمن وطبيعة العلاقة مع هذا التكتل. وأوضح أن هذا التكتل -حال إنشائه- سيُعيد التوازن لعلاقات اليمن على المستوى الإقليمي والدولي، وبشكل يحافظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. كما أشار إلى أنه في مرحلة سابقة كان قد تم طرح تصور لإنشاء منطقة اقتصادية تحت اسم “حدود المحبة”، تشمل اليمن وجيرانها، بمساحة 25 كم مربعًا يكون الدخول فيها بموجب بطاقات الهوية، وتكون مخصصة للاستثمار والتنقيب عن الثروات، ويتم ربطها بالسكك الحديدية مع الدول الخليجية. لكن هذا الطرح لم يلقَ قبولًا.
وأشار “النعمان” إلى أن بعض مُكوِّنات المجتمع السياسي اليمني تظن أن الوضع الحالي يحقق لها بعض المكاسب، مثل “حزب الإصلاح” وغيره، لكنهم لا يدركون أن انهيار الدولة سيُنهي كل تلك المكاسب، وستحتاج اليمن إلى أجيال لإعادة بنائها. وحذر من أن الصراع اليمني لن يقف عند اليمن فقط، وفي حال انهيار اليمن وتفتيتها فسوف تواجه أغلب دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، نفس المصير.
وحول الأوضاع السياسية، أوضح “النعمان” أن التدهور الحالي سببه فشل الأحزاب السياسية في مرحلة ما بعد الثورة في تقديم نموذج سياسي بديل لنظام “علي عبدالله صالح”، لكنهم فشلوا وأعادوا إنتاج ما كانوا قد ثاروا عليه. وفيما يخص احتمالات الدور السياسي لـ”أحمد علي عبدالله صالح”، أوضح “النعمان” أنه خاضع للعقوبات الأممية، وهذا الأمر كان مرفوضًا في سياق رفض مشروع التوريث من قبل، لكن لا أحد يمانع إذا جاء عن طريق الانتخابات.
خريطة الانتشار العسكري في اليمن
حول خريطة الانتشار العسكري في اليمن، أوضح د. عبدالله النعمان أنه يوجد باليمن حاليًّا العديد من التنظيمات المسلحة في الجنوب والوسط والساحل الغربي، وهناك الأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي في عدن، وألوية العمالقة (سلفية)، وقوات المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية) التي يقودها “طارق صالح”. كما توجد مجموعات مسلحة في تعز معروفة باسم “كتائب أبو العباس” (سلفية أيضًا)، وهناك العديد من الألوية العسكرية في تعز تابعة للإصلاح، فضلًا عن قوات النخبة التهامية في الشمال. وتوضح هذه الخريطة طبيعة الانتشار، فالأحزمة الأمنية تنتشر في نطاق الجنوب، وألوية الإصلاح تنتشر في تعز وبدرجة ما في مأرب، وهناك مواجهة بينها وبين كتائب أبو العباس في تعز. أما على الساحل فهناك صراع آخر بين قوات النخبة التهامية وقوات حراس الجمهورية بسبب التنافس على مناطق النفوذ. وأشار “النعمان” إلى أن بعض دول التحالف لها بعض الخصوم داخل اليمن، ومع ذلك فهذه ليست مشكلة اليمن الأساسية، لكن المشكلة الرئيسية هي السلاح الموجود في أيدي التنظيمات والجماعات المختلفة.
الأوضاع في الجنوب ومدى إمكانية حسم الصراع عسكريًّا مع الحوثيين
حول الأوضاع في الجنوب، أوضح “النعمان” أن هناك تضخيمًا إعلاميًّا للأمور، وأن ذلك يرجع للتقصير الحكومي في إعادة حضور الدولة وتحسين الظروف المعيشية في الجنوب بشكل خاص. وأشار إلى أن الجنوب يشهد انقسامات عميقة في ظل تمسك المجلس الانتقالي باستعادة “دولة” الجنوب، في مقابل القوى الجنوبية الأخرى، ولا سيما حضرموت، وهو ما ظهر في مؤتمر حضرموت الجامع؛ فالانتقالي يراهن على أن تصبح حضرموت إقليمًا في دولة الجنوب، بينما الحضارم يرون أنه إما أن يكون إقليمًا في إطار دولة اتحادية في المقام الأول، وإن لم يكن فسيكون مستقلًّا بذاته. وهذا المزاج قائم أيضًا في المهرة وسُقطرى. وحول الموقف في “المهرة” و”حضرموت”، أشار “النعمان” إلى أن بعض مشروعات التحالف شكّلت ردود أفعال قوية من جانب القوى المحلية، حيث انتشرت شائعات تتحدث عن نية السعودية حفر قناة مائية تصل الخليج تكون بديلًا لمضيق هرمز، كما أثارت بعض هذه المشروعات حفيظة قوى خليجية أخرى، لا سيما سلطنة عمان، وهناك تقارب عماني – قطري في هذا السياق.
ويؤكد “النعمان” أنه بعد مرور 5 سنوات على الانقلاب الحوثي، فإن الحل العسكري وحده لن يكون كافيًا لإنهاء الأزمة اليمنية، وأن أقوى أوراق الحوثي ليست الأسلحة فحسب، بل استغلال أخطاء الحكومة الشرعية والأحزاب السياسية لعدم تقديمهم النموذج السياسي الذي يجذب اليمنيين إليه، وأن المواجهة يجب ألا تكون عسكرية بقدر ما يجب أن تكون سياسية أيضًا.
سحب السلاح من كافة الأطراف في اليمن وإنشاء جيش وطني
أشار “النعمان” إلى ضرورة سحب السلاح من جميع الأطراف على الساحة اليمنية وليس الحوثيين فقط، موضحًا أنه تم تقديم مقترح منذ عامين تقريبًا يقضي بإنشاء 4 أو 6 ألوية عسكرية، يُسند لها حفظ الأمن في عدن، وتتولى جمع الأسلحة من الميليشيات بما فيها المدعومة من دول التحالف؛ إلا أن هذا المقترح لقي معارضة من الجنوبيين لأنهم رأوا فيه تحايلًا على مشروع الانفصال، وقد تم الرد على هذا التخوف. وبالرغم من ذلك لم تُبذل أي جهود لتنفيذ هذا المقترح، موضحًا أن مقولة (لا حوار مع الحوثيين إلا بعد تخليهم عن السلاح وتسليمه إلى الحكومة الشرعية)، ربما تكون فكرة غير عملية، لأنه ليس من المنطقي أن يتنازل أحد طرفي الصراع عن سلاحه وتقديمه للطرف الآخر. واقترح “النعمان” هنا فكرة إنشاء فريق عسكري يمني من العسكريين غير المنخرطين في الصراع، بالاشتراك مع بعض العسكريين من الدول العربية وبعض الشخصيات الأممية لحصر السلاح في معسكرات تابعة للدولة. كما أشار “النعمان” إلى أن اليمن يحتاج جيشًا وطنيًّا لا يتجاوز 120 ألف جندي، مبررًا ذلك بأن اليمن لا يواجه تهديدات خارجية برية، حيث تقتصر مصادر التهديدات على الحدود البحرية.
دور بريطانيا في الأزمة اليمنية
وحول الدور البريطاني في اليمن، والزيارة الأخيرة لوزير الخارجية البريطاني “جيرمي هانت” لعدن والحديدة، أوضح “النعمان” أن الدور البريطاني كان محدودًا خلال السنوات الأخيرة، لكن بريطانيا اليوم على وشك الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتبحث عن دور فاعل ومباشر وقوي في المنطقة، وهو ما وجدته في الملف اليمني. لكنه أوضح أن الأوراق الأساسية للعبة لا تزال في يد الولايات المتحدة، بجانب بريطانيا.
الدور المصري المنتظر في اليمن
وحول الدور المصري في اليمن، أوضح “النعمان” أن هذا الدور شديد الأهمية، وأن هناك طلبًا يمنيًّا واسعًا على هذا الدور، مؤكدًا أنه ليس مطلوبًا أن يكون الدور المصري دورًا عسكريًّا، بل يجب أن يكون دورًا سياسيًّا بالأساس. وذهب “النعمان” إلى أن أحد الأدوار السياسية المهمة والمفتقدة في اليمن، التي يمكن أن تقوم بها مصر، يتمثل في التواصل مع مختلف الفصائل السياسية، خاصة في ظل ثقة جميع الأطراف في الدور المصري. وأشار “النعمان” إلى أن هذه الثقة لا تقتصر على الأطراف الداخلية فقط، ولكنها تشمل أيضًا أطراف التحالف العربي. كذلك يمكن أن تلعب مصر دورًا كبيرًا في إعادة بناء قوات الأمن اليمنية، بشكل يساهم في تغيير موازين القوى العسكرية والسياسية في اليمن.