وقّع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في 25 مارس 2019، أمرًا تنفيذيًّا ينص على اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. وقد أثار هذا القرار العديد من ردود الفعل الرسمية وغير الرسمية، وأُثيرت التحليلات ومعها الكثير من الشجون، لكنّ الكل يتفق حول التساؤل: وماذا بعد؟ ولعله يكون من الملائم إلقاء الضوء سريعًا على الأهداف الأمريكية من هذا القرار، قبل محاولة الإجابة على سؤال ماذا بعد؟
الأهداف الأمريكية من القرار
يمكن التمييز بين أهداف معلنة وأخرى غير معلنة، أي أهداف ضمنية يمكن رصدها من خلال المتابعة والربط بين السياسة الأمريكية والسياق العام المحيط داخليًّا ودوليًّا. تتمثل الأهداف الأمريكية المعلنة أساسًا في دعم أمن إسرائيل؛ إذ إنه في تقدير الإدارة الأمريكية أن عدم استقرار الأوضاع في سوريا قد يؤدي إلى مزيدٍ من التواجد العسكري الإيراني المباشر أو من خلال “حزب الله”. ويزداد هذا التهديد مع ضعف الدولة السورية. وحتى إذا ما تم التوافق على تسوية الوضع في سوريا؛ فإن هذا لن يمنع تعرض أمن إسرائيل للتهديد. وقد عبّر الرئيس الأمريكي عن هذا الهدف بوضوح بقوله: “إن أي اتفاق سلام في المستقبل يجب أن يحفظ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من أي تهديدات، سواء من سوريا أو إيران”. من ناحية أخرى، أعلن الرئيس “ترامب” أن الرؤساء الأمريكيين السابقين قد وعدوا بضم الجولان في حملاتهم الانتخابية، ولم ينفذوا وعودهم، أما هو فنفذ وعده.
وواقع الأمر، أن هذين الهدفين المعلنيين مردود عليهما:
1- لم يصدر من الجولان منذ عام 1974 تهديد فعلي لأمن إسرائيل. ويمكن الاستدلال على ذلك باستعداد إسرائيل سابقًا اللخروج من الجولان مقابل السلام مع سوريا. فقد تعثرت المفاوضات السورية-الإسرائيلية التي انطلقت بعد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، بسبب مسألة هضبة الجولان التي تطالب سوريا باستعادتها كاملة حتى ضفاف بحيرة طبرية. وجرت المفاوضات وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وحققت تقدمًا ملحوظًا في شهر أغسطس 1992 بعدما وافق الإسرائيليون على اعتبار أن القرار 242 ينطبق على المسار السوري، وبدأ المفاوضون الإسرائيليون يتحدثون عن “انسحاب من مرتفعات الجولان”. ثم دخلت المفاوضات مرحلة متقدمة في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إسحاق رابين”، الذي قال في عام 1993: “إن عمق الانسحاب من الجولان سيعادل عمق السلام”. وذلك إلى أن ظهر الإشكال حول حدود الانسحاب الإسرائيلي؛ إذا ما كان حتى حدود السابع من يونيو 1967 حسب المطلب السوري، أم وفق الحدود الدولية التي تعود إلى عام 1948 حسب الرغبة الإسرائيلية؟
وبعد فترة من تعطل المفاوضات، تسلّم “إيهود باراك” رئاسة وزراء إسرائيل، وأُعيد فتح قنوات التفاوض، فعادت وتعطلت ثانية بسبب رفض “باراك” الإقرار بحدود ما قبل 1967. وقد اقترح “باراك” على وزير الخارجية السوري آنذاك “فاروق الشرع” في مباحثات شفردستاون في يناير 2000 الانسحاب إلى الحدود الدولية (حدود 1923) مقابل ترتيبات أمنية خاصة وتطبيع العلاقات. وفي 23 أبريل 2008، نشرت مصادر إعلامية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “إيهود أولمرت” أبلغ الرئيس السوري “بشار الأسد”، عبر رئيس الوزراء التركي، أنه مستعد لانسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان مقابل السلام، الأمر الذي أكده “الأسد” ولم يعلق عليه “أولمرت”. وتم تعليق مفاوضات السلام الأخيرة هذه عقب هجوم إسرائيلي على قطاع غزة.
والسؤال: إذا كانت الجولان مصدرًا لتهديد أمن إسرائيل لماذا أبدت إسرائيل هذا الاستعداد للانسحاب في كل المناسبات السابقة؟
2- بعد اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، وتدخل عدة قوى في هذا الصراع، خاصة إيران وروسيا و”حزب الله”، لم تتعرض إسرائيل لتهديد فعلي من الجولان. وعندما أعلنت إسرائيل عن تعرضها للقصف من الجولان في شهر مايو 2018 وأن إيران أطلقت 20 صاروخًا من طرازي غراد وفجر، فإما أن نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي نجح في إسقاطها، أو أن مداها لم يصل إلى الأهداف الإسرائيلية بالجولان. وكانت إسرائيل قد اعتبرت أن فيلق القدس (الذراع المسئولة عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني) هو الذي أطلق الصواريخ، حيث قال المتحدث العسكري “جوناثان كونريكوس” في ذلك الوقت، إن “قاسم سليماني” “هو من أمر بتنفيذ” الهجوم.
لقد كان الرد الإسرائيلي مباشرًا بتوجيه عدة ضربات صاروخية نجحت في تدمير عشرات المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، بالإضافة إلى وحدات سورية مضادة للطائرات حاولت إسقاط طائرات إسرائيلية، لكنها فشلت. وهذا يعني أن إسرائيل قادرة على الرد الحاسم لأي تهديد لأمنها يأتي من الجولان، بغض النظر عن حقيقة أو قوة أو جدية هذا التهديد!
3- أما عن استعداد الرؤساء السابقين للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، فهذا غير صحيح، فقد وعد الكثير منهم أثناء الحملات الانتخابية بنقل السفارة إلى القدس فقط، ولم ينفذوا ذلك الوعد. ولعل إدارة “باراك أوباما” -آخر الإدارات التي رفضت تقديم هذا الاعتراف عدة مرات- تعتبر قرارات “ترامب” بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بضم الجولان، تغييرًا كبيرًا في السياسة الأمريكية إزاء الصراع العربي-الإسرائيلي، والتي قامت منذ عام 1967 على أساس معادلة “الأرض مقابل السلام” التي ينص عليها قرار مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة رقم 242، الصادر في نوفمبر 1967، ويرفض الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، والتزمت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ديمقراطية أم جمهورية. وتأكيدًا لالتزامها بمعادلة “الأرض مقابل السلام”، أيدت الولايات المتحدة قرار مجلس الأمن رقم 497، الذي رفض قرار إسرائيل عام 1981 ضم الجولان المحتل إليها، حيث نص القرار على أن “قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة باطل ولاغٍ وبدون تأثير”.
أما فيما يتعلق بالأهداف غير المعلنة، فيتضح أن الأهداف الأمريكية الأكثر أهمية لم يُعلن عنها بشكل صريح، لكن يمكن القول إنها ترتبط بالانتخابات المقبلة، سواء الانتخابات البرلمانية في إسرائيل في 9 أبريل 2019، من أجل تعزيز موقف “نتنياهو” السياسي قبل الانتخابات، لا سيما في ظل بعض استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تشير إلى تساوي شعبية كلٍّ من حزب الليكود بقيادة “نتنياهو”، وحزب “أزرق أبيض” بزعامة رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق “بيني غانتس”، الذي صرح باعتقاده أن القرار الأمريكي بشأن الجولان قد يكون لمساعدة “نتنياهو” في الانتخابات، أو الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة في عام 2020 من أجل تعزيز فرص “ترامب” ذاته من خلال محاولة استرضاء القاعدة العريضة للمسيحيين الإنجيليين الذين صوتوا لصالحه بأعداد كبيرة في انتخابات عام 2016، وكذلك محاولة استمالة اللوبي اليهودي لصالحه ولصالح الحزب الجمهوري، خصوصًا في ظل التوتر القائم بين هذا اللوبي ودوائر في الحزب الديمقراطي جراء تراجع التأييد لإسرائيل في صفوف الديمقراطيين، خصوصًا في أوساط القاعدة الشبابية الأكثر ليبراليةً للحزب، بمن فيهم اليهود. وقد حاول “ترامب” أن يستثمر الجدل الذي أثارته مؤخرًا تغريدات وتصريحات للنائبة الديمقراطية المسلمة “إلهان عمر” انتقدت فيها لجنة الشئون العامة الأمريكية-الإسرائيلية، المعروفة اختصارًا باسم (إيباك)، والتي اتُّهمت على إثرها بـمعاداة الساميّة. وكان “ترامب” اتهم الديمقراطيين، في 22 مارس 2019، بأنهم “معادون لإسرائيل تمامًا”. وأضاف: “بصراحة، أعتقد أنهم معادون لليهود”.
من ناحية أخرى، قد يعكس القرار الأمريكي توجه الإدارة الحالية إلى تسوية صراعات المنطقة مع إسرائيل. فعلى غرار السياسة الأمريكية واعترافها بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل في إطار اتجاهها لحسم القضايا الخلافية في التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قد يكون القرار الأمريكي بشأن الجولان يسعى إلى تقوية موقف إسرائيل في أية تسوية محتملة للصراع مع سوريا، وتثبيت موقعها في الجولان. ففي تقدير الإدارة الأمريكية أن موقف سوريا والدول العربية لن يتجاوز الرفض والتنديد دون أي فعل لمنع هذا القرار. كما يمكن تسوية الوضع مع روسيا باعتبارها القوة الدولية الأكثر فاعلية وتأثيرًا في سوريا. وكان “ترامب” فسّر من قبل مسألة اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها؛ بأنه “شيء جيد قمت به، ذلك أننا أزلنا هذه العقبة من على طاولة المفاوضات. في كل مرة، كانت هناك محادثات سلام، فإنهم لم يتمكّنوا أبدًا من تجاوز أن تكون القدس هي العاصمة.
ولذلك قلت فلنزحها عن الطاولة”. بالمنطق نفسه، تعامل “ترامب” مع مسألة “حق العودة” التي مثلت “عقبة” أخرى في طريق “السلام”، وجبت إزاحتها من طاولة المفاوضات، عبر وقف تمويل “أونروا”، ومن ثمّ “تسهيل” التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفق حسابات “ترامب”. واليوم يعيد “ترامب” الكرّة مرة ثالثة في موضوع الجولان، بهدف “تسهيل” التوصل إلى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، وفقًا للحسابات الأمريكية.
هناك بعض الآراء الأخرى التي تعتبر قرار الولايات المتحدة بهدف الحفاظ على وجودٍ للولايات المتحدة في سوريا بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، باعتباره كان قرارًا غير مدروس؛ ذلك أن سيادة إسرائیل على الجولان قد تضمن للولايات المتحدة استمرار هذا الوجود، خاصة إذا ما استمر الوجود الروسي والإيراني في سوريا مستقبلًا.
ماذا بعد؟
بالطبع كان هناك رفض دولي واعتراضات على قرار الولايات المتحدة بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وتأكيد على عدم ترتيب هذا القرار أية حقوق قانونية لإسرائيل في الجولان، أو تغيير لطبيعتها كأرض محتلة. وتبلور هذا الرفض في مجلس الأمن، فقد أدانت سوريا الإعلان غير الشرعي لترامب بخصوص الوضع القانوني للجولان “المحتل”، وأكد “بشار الجعفري” (مندوب سوريا بمجلس الأمن) “أن سوريا تعتبر ما قام به ترامب مجرد تصرف أحادي الجانب صادر عن طرف لا يملك الصفة ولا الأهلية السياسية ولا القانونية ولا الأخلاقية ليقرر مصائر شعوب العالم، أو ليتصرف بأراض هي جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية”. وقد رفض ممثلو 14 دولة بمجلس الأمن من أصل 15 -باستثناء ممثل الولايات المتحدة بالطبع- الخطوة الأمريكية باعتبارها تخالف أحكام قرارات مجلس الأمن 242، 338، 497.
وعلى المستوى العربي، جاء في بيان القمة العربية بتونس المنعقدة في 31 مارس 2019 (البند الثالث): “وإذ نؤكد أن الجولان أرض سورية محتلة، وفق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباعتراف المجتمع الدولي؛ فإننا نعرب عن رفضنا لمحاولات فرض سياسة الأمر الواقع، وتكريس سيادة إسرائيل على الجولان، لما يمثله ذلك من انتهاك خطير للقرارات الدولية وتهديد للأمن والاستقرار، وتقويض لكلّ آفاق تحقيق السلام في المنطقة.
ونشدّد على أنّ أيّ قرار أو إجراء يستهدف تغيير الوضع القانوني والديمغرافي للجولان غير قانوني ولاغ، ولا يترتب عنه أي أثر قانوني، طبقًا لقراريْ مجلس الأمن الدولي رقم 242 لسنة 1967 ورقم 497 لسنة 1981، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة”.
لكن هذا الموقف الدولي الواضح لم يغير شيئًا في الواقع؛ فلم تسحب الولايات المتحدة قرارها، ولم تتراجع إسرائيل عن استثمار هذا القرار وضم الجولان فعليًّا لتغير الواقع على الأرض السورية. وقد كانت هناك بعض المؤشرات التي سبقت قرار الولايات المتحدة الأمريكية، ففي 11 مارس 2019، اصطحب “نتنياهو” كلًّا من السيناتور الأمريكي المقرّب من “ترامب” “ليندسي غراهام” والسفير الأمريكي في إسرائيل “ديفيد فريدمان” في جولة في مرتفعات الجولان، ليعلن خلالها “غراهام” أن هناك توجهًا داخل الكونغرس الأمريكي للاعتراف بهضبة الجولان جزءًا من دولة إسرائيل. ولم يمضِ يومان على تصريحات “غراهام” تلك، حتى صدر التقرير السنوي للخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العالم، وكان لافتًا أنه نزع صفة الاحتلال عن الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل بما فيها الضفة الغربية والجولان، وهو التقليد الذي ظل سائدًا في التصريحات والبيانات الرسمية الأمريكية منذ 1967. وفي 21 مارس 2019، غرّد “ترامب” على تويتر: “بعد 52 عامًا، حان الوقت للولايات المتحدة أن تعترف بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي تتسم بأهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي”. حتى جاء توقيع الإعلان رسميًّا في 25 مارس 2019.
في ضوء ما سبق، يثور تساؤل: وماذا بعد القرار الأمريكي؟
إسرائيل هي بالطبع الرابح الأكبر من هذا القرار، وتسعى الحكومة الحالية لاستثماره وتوظيفه لصالحها قدر المستطاع على مستويين. الأول، مستوى الانتخابات، ففي غضون أيام قليلة من صدور قرار “ترامب”، أشارت بعض المصادر الإعلامية الإسرائيلية المؤيدة لـ”نتنياهو” إلى أن هذا القرار جاء نتاجًا للعلاقات الشخصية الوطيدة لـ”نتنياهو” مع المسئولين الأمريكيين. وعلى سبيل المثال، أذاعت القناة العبرية السابعة أن “يورام إيتنجر” (المبعوث الإسرائيلي السابق في واشنطن والمتخصص في الشئون الأمريكية) يؤكد أن “بنيامين نتنياهو” يتمتع بعلاقات شخصية قوية مع كل من الرئيس “ترامب” ومستشار الأمن القومي “جون بولتون”، وأنه (نتنياهو) يمتلك علاقات أقوى مع وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، وكثير من أعضاء الكونغرس الأمريكي، ورؤساء القنوات الإعلامية الأمريكية خاصة “سي إن إن” و”فوكس”.
المستوى الثاني، هو مستوى الفعل والتغيير على الأرض لواقع الجولان بما يزيد من فرص إسرائيل في ضمها فعليًّا، وتنفيذ ما عجزت عنه في عام 1981. وحتى إذا استقرت الأوضاع مرة أخرى في سوريا، وتم إحياء مشروع التسوية؛ فإن هذه التغييرات ستعظم من الأوراق الإسرائيلية في أي مفاوضات؛ فالجولان بأهميتها الاستراتيجية والاقتصادية لإسرائيل تتجاوز اعتبارها ورقة مساومة، لكن ضمها يرتبط بهدف التسوية طويلة الأمد مع سوريا. وقد بدأت إسرائيل عقب القرار الأمريكي مباشرة اتخاذ بعض الإجراءات لتفعيل ضمها للجولان واحتوائها تمامًا. ومن أبرز هذه الإجراءات العمل على زيادة حجم السكان الإسرائيليين في الجولان؛ فقد تم الإعلان في الأول من أبريل الجاري عن وضع الحكومة الإسرائيلية خطة لإقامة 30 ألف وحدة سكنية جديدة في الجولان، شمل ذلك زيادة عدد سكان مدينة “كاتسرين” ثلاثة أضعاف، وإقامة مدينتين جديدتين. ومن ذلك أيضًا التخطيط لربط مجتمعات الجولان الجديدة بالساحل المركزي للبلاد، مع خطوط قطار سريعة وشبكة واسعة من الطرق.
وبصفة عامة، يمكن القول إن إسرائيل تتهيأ لتنفيذ مخططاتها لتحويل الجولان إلى مركز سكني وزراعي وتجاري وتقني. ويرى مسئولون عسكريون إسرائيليون أن هذا الاعتراف، رغم الترحيب اليهودي الإسرائيلي الواسع به، لن يكون ذا تأثير يُذكر على أرض الواقع بدون إحداث فرق كبير في الواقع الأمني والسياسي والاقتصادي لمرتفعات الجولان. ومن أبرز من تحدثوا عن هذه المخططات الإسرائيلية اللواء المتقاعد “نعوم تيبون” (القائد السابق لتشكيل الجيش الإسرائيلي) الذي ذكر “أنه من المتوقع أن تعاني سوريا من عدم الاستقرار لسنوات عديدة، وسيستمر أعداء إسرائيل الأقوى -إيران وحزب الله- في التمركز هناك، سعيًا للوصول إلى الحدود مع إسرائيل. وبعد تدخل روسيا في سوريا أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فكرة التخلي عن الجولان منفصلة عن هذا الواقع. إن إسرائيل ليست لديها أي نية على الإطلاق لأن تخسر الجولان لصالح إيران ووكلائها”.
ماذا بعد الجولان؟
خلال زيارته الأخيرة لبيروت، حذر وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” المسئولين اللبنانيين من إخفاء مصنع للصواريخ الدقيقة تابع لحزب الله أقامه مع إيران على الأراضي اللبنانية. وأخبر “بومبيو” رئيس الوزراء اللبناني بأن المنشأة يمكن أن تُشكل تهديدًا للأمن اللبناني، فإيران تسعى للاستيلاء على لبنان، وهذا يزيد من خطر التصعيد مع إسرائيل. إذا وُضع هذا التحذير في سياقه، وربطه بالهدف من زيارة الوزير الأمريكي للبنان، وهو حث الحكومة اللبنانية على ضرورة الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وإسرائيل؛ يمكن اعتبار هذا التحذير بمثابة تهديد ضمني موجه إلى لبنان لدفعها لإبداء المرونة وإظهار قدر أكبر من التفاهم مع إسرائيل لتقويض نفوذ “حزب الله” في لبنان، ومن ثم نفوذ إيران أيضًا، وكذلك ليكون ترسيم الحدود متوافقًا مع المشروعات الإسرائيلية في غاز شرق المتوسط المتداخلة مع المياه الإقليمية اللبنانية في مناطق نفوذ “حزب الله” في الجنوب اللبناني. فهل ينتظر لبنان اعترافًا أمريكيًّا جديدًا بسيادة إسرائيل على جزء من المياه الإقليمية اللبنانية، أو على أراضي شبعا التي لم تخرج منها إسرائيل بعد انسحابها الأحادي عام 2000، والتي لا تزال موضع نزاع بين لبنان وسوريا؟
محصلة المشهد الحالي أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تمهيد الأجواء لمشروع مجحف للحقوق العربية عامة والفلسطينية على وجه الخصوص في أي مشروع تطرحه لتسوية الصراع العربي-الإسرائيلي، بغض النظر عن مسماه، وذلك في ظل إدارة كشفت الوجه الحقيقي للرعاية الأمريكية لعملية السلام.
إن الدول العربية في أمسِّ الحاجة لتوحيد الإرادات السياسية للعمل المشترك وتنسيق الجهود ليس من منطلق الاعتبارات التاريخية فقط، ولكن من المنطلق البراجماتي واعتبارات الضرورة أيضًا.