في السنوات الماضية، أخذ التعامل مع الدافع لتقليل معدل الأثر الكربوني منحى متعمقًا وجديًا، حيث أعلنت شركات عالمية عدة عن استراتيجياتها لتحقيق أهداف خفض معدلات الكربون أو الحياد الكربوني، مما يتطلب استخدام أنواع وقود بديلة ونظيفة. حيث تُظهر الأمونيا الخضراء خيارًا آخر قد يصبح أكثر أهمية من الهيدروجين الأخضر، الذي يُنظر إليه بوصفه الوقود النظيف الأمثل في تحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى المصادر المتجددة والنظيفة، إذ يبحث العالم عن الطريق الأسرع للوصول على الحياد الكربوني.
مدخل:
تُمثل الأمونيا الخضراء خيارًا وحلًا آخر قد يصبح أكثر أهمية من الهيدروجين الأخضر، والذي يُنظر إليه بوصفه الوقود النظيف الأمثل في عملية تحول الطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة والنظيفة، إذ يبحث العالم عن الطريق الأمثل والأسرع للوصول إلى الحياد الكربوني. حيث إن الأمونيا في حد ذاتها ليست جديدة على العالم؛ إذ يتم إنتاجها بكميات هائلة في جميع دول العالم لاستخدامها في الأسمدة الزراعية، ولكن عملية إنتاجها تعتمد على الغاز الطبيعي في المقام الأول أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى في عمليات الإنتاج، مما يجعلها تسهم بنحو حوالي 1.6% من معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. إلا أن انتشار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الفترة الأخيرة، وعدم القدرة على تخزين الكهرباء في الأوقات التي لا يحتاجها الناس، فتح المجال أمام استخدام هذه الطاقة المتجددة وقت عدم الحاجة إليها بإنتاج الأمونيا الخضراء؛ وهذه العملية تساعد على خفض انبعاثاتها من جهة، وتدعم عملية خفض الانبعاثات الكربونية عالميًا من جهة أخرى.
تعريف الأمونيا:
الأمونيا هي عبارة عن غاز ذي رائحة قوية ونفاذة يُستخدم على نطاق واسع في صناعة الأسمدة الزراعية؛ وفضلًا عن الزراعة، حيث تُستخدم الأمونيا كذلك في صناعة المبيدات الحشرية وصناعة المستحضرات الطبية والصناعات المعدنية والنسيج والمنظفات المنزلية وتنقية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي والمتفجرات وغيرها. وهي عبارة عن مركب يتكون من ذرة نيتروجين واحدة 82% وثلاث ذرات هيدروجين 18%، ورمزها الكيميائي هو NH3. حيث توجد بنية تحتية واسعة للأمونيا، وذلك مع إنتاج حوالي 182 مليون طن متري من الأمونيا سنويًا في جميع أنحاء العالم. حيث شهدت السنوات القليلة الماضية إعلان عدة مشروعات ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، حيث من المتوقع أن تصل حجم الاستثمارات المتوقعة حوالي 150 مليار دولار وذلك بحلول عام 2030، مع تكلفة تقديرية متوقعة حوالي 650 إلى 850 دولار للطن المتري. تُعد النرويج والإمارات والمملكة العربية السعودية من الدول الرائدة في تلك الصناعة، والتي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 ومع تجنب العالم حوالي 40 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، كما هو موضح في الشكل التالي.
واستكمالًا لما سبق، وصلت مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا إلى مستوى قياسي جديد خلال 2022، حيث بلغت حوالي 36.8 جيجا طن، وارتفعت بنسبة حوالي 0,9% وذلك على أساس سنوي. وبشكل عام، من الممكن تحقيق هدف صافي الانبعاثات الصفري بحلول 2050، ولكن يتطلب مضاعفة قدرة الطاقة المتجددة حوالي ثلاث مرات، كما هو موضح في الشكل التالي.
وبشكل عام، توجد أنواع عديدة من الأمونيا، وتختلف على حسب طريقة تصنيعها، مثل الأمونيا الخضراء، والأمونيا الزرقاء، والأمونيا الفيروزية، والأمونيا الرمادية.
- الأمونيا الخضراء: والتي تنتج عن طريق تفاعل الهيدروجين والنيتروجين معًا عند درجات حرارة مرتفعة وضغط عالٍ، وينتج عن عملية تصنيع الأمونيا الخضراء الماء والنيتروجين كمنتجات ثانوية فقط؛ وتُعرف العملية بعملية هابر-بوش، وهي التي تعد الطريقة الرئيسية في إنتاج الأمونيا الخضراء، إذ تعتمد في المقام الأول على الهيدروجين الأخضر أو المُصنع، وذلك من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
- الأمونيا الرمادية: تاريخيًا، وحتى الآن في الغالب، تُنتج الأمونيا بطرق من شأنها إطلاق انبعاثات كربونية؛ وبشكل أكثر تفصيلًا، تشهد عملية إنتاج الأمونيا تفاعل غاز الميثان مع البخار لإنتاج الهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لصناعة الأمونيا، وهنا تُسمى بالأمونيا الرمادية، أو التقليدية، وتنتج هذه العملية حوالي 2% من انبعاثات الكربون عالميًا، ويتفق ذلك مع الحقيقة السائدة بأن الأمونيا الرمادية تُنتج في الغالب من الغاز الطبيعي، وتُستخدم سمادًا للزراعة، وكذلك في العمليات الصناعية المختلفة.
- الأمونيا الزرقاء: والتي تُنتج بطريقة إنتاج الأمونيا الرمادية نفسها، لكنها تستخدم تقنية التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، لذلك يُنظر إلى الأمونيا الزرقاء على أنها منخفضة الكربون، وذلك لأن تأثيرها على المناخ يكون بمعدل أقل مقارنة بالأمونيا الرمادية، وفي سبتمبر من عام 2020، أرسلت المملكة العربية السعودية أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم إلى اليابان، وذلك بهدف استخدامها لتوليد الكهرباء، وأتاح النمو السريع والمستمر في إنتاج الغاز الطبيعي، وتدفق الغاز الطبيعي المسال، في الفترة الماضية، لمنتجي الغاز والصناعات، توسيعَ إنتاج الأمونيا الزرقاء، وبهذا يتماشى النمو في إنتاج الأمونيا وانخفاض كثافة الكربون مع الأهداف العالمية للاستغناء عن الوقود الكربوني.
- الأمونيا الفيروزية: والتي لها أهمية كبيرة في الصناعة أيضًا (والتي تُشكل نسخة بين الأخضر والأزرق)، إذ تستخدم تلك العملية التحلل الحراري لتحويل الميثان إلى كربون نقي وهيدروجين، والذي يتفاعل مع النيتروجين لإنتاج الأمونيا، ومثال على ذلك مشروع شركة مونوليث في نبراسكا الأمريكية. وأمام ذلك، حيث تُعد أفضل عملية إنتاج أمونيا خالية من الكربون إنتاجها من الهيدروجين الأخضر والناتج عن التحليل الكهربائي للماء، باستخدام الكهرباء المتجددة.
واستكمالًا لما سبق، عالميًا، تقترب مستويات إنتاج الأمونيا حاليًا حوالي 200 مليون طن سنويًا، إذ يُتداول حوالي 10% منها في السوق العالمية، ويُعد الوقود الأحفوري مصدرًا لما يقرب من حوالي 98% من المواد الأولية للإنتاج العالمي للأمونيا، وتستخدم حوالي 72% منها الغاز الطبيعي مادة وسيطة.
مزايا وإنتاج الأمونيا الخضراء:
بشكل عام، يمكن أن يوفر إنتاج الأمونيا الخضراء العديد من الخيارات في الوصول إلى الحياد الكربوني وذلك بحلول عام2050، وذلك وفقًا للنقاط التالية:
تخزين الطاقة: يمكن تخزين الأمونيا بسهولة بكميات كبيرة بصفة سائل، مما يجعلها مخزنًا كيميائيًا مثاليًا للطاقة النظيفة والمتجددة، حيث تقوم الفكرة على أساس أن هناك طاقة متجددة مهدرة (توليد الكهرباء من الرياح بعد منتصف الليل والناس نيام مثال على الطاقة المهدرة) ومن ثم يمكن إنتاج الأمونيا الخضراء منها، ثم استخدامها وقودًا في أي وقت يحتاجه الإنسان، وبهذه الطريقة تحولت الأمونيا إلى مخزن للطاقة، مثل البطاريات.
حامل للهيدروجين: تُشكل عمليات تخزين الهيدروجين بكميات ضخمة أمرًا صعبًا ومكلفًا، في حين أن استخدام الأمونيا أسهل وأرخص في التخزين والنقل، ويمكن بسهولة تكسيرها لتوفير غاز الهيدروجين عند الحاجة، وإمكان استخدامه في خلايا الوقود، ويجب تخزين الهيدروجين السائل في ظروف معينة تصل إلى -253 درجة مئوية، في حين يمكن تخزين الأمونيا عند -30 درجة مئوية فقط.
وقود خالٍ من الكربون: من الممكن حرق الأمونيا بدلًا من الوقود الأحفوري والتقليدي في التوربينات الغازية، على سبيل المثال، أو استخدامها في خلية وقود لإنتاج الكهرباء، أو في مركبة كهربائية بعد تكسير الهيدروجين مرة أخرى منها.
واستكمالًا لما سبق، الأمونيا لديها كثافة أعلى للطاقة، حيث تبلغ حوالي 12.7 ميجاجول/لتر، ورغم أنها لا تزال أقل بكثير من الوقود الأحفوري، فإنها أعلى عند المقارنة مع 8.5 ميجاجول/لتر للهيدروجين السائل. حيث تجري عملية إنتاج الأمونيا على عدة مراحل، بدءًا من مرحلة إنتاج الهيدروجين، مرورًا بتنقية خليط الهيدروجين والنيتروجين من الماء وأكاسيد الكربون المصاحبة، ثم فصل غاز ثاني أكسيد الكربون، وانتهاءً بتحويل خليط الهيدروجين والنيتروجين إلى أمونيا من خلال تفاعل حفزي عند ظروف محددة، وتنتج الأمونيا في صورة غازية. حيث يجري تبريدها تدريجيًا لتتحول إلى أمونيا سائلة عند الضغط الجوي، لتُحفظ في صهريج تخزين ذي مواصفات خاصة ملحق به وحدة تبريد، للحفاظ على ظروف التخزين المناسبة. وبصرف النظر عن إمكانية توصيل مصادر الطاقة للمستهلكين، فإنه يمكن للتخزين الدوري والموسمي القابل للنقل أن يحقق توازن نظام الطاقة في الأوقات التي تكون فيها الظروف المناخية غير مواتية، ويُمكن أن يسمح ذلك باستخدام أكثر كفاءة للطاقة النظيفة المتجددة في نظام الطاقة، وتسهيل إزالة الكربون من قطاع الطاقة بأكمله، ويوضح الشكل التالي أهمية إنتاج الأمونيا الخضراء.
التحديات أمام تعزيز إنتاج الأمونيا:
تُظهر التكلفة عقبة رئيسية أمام تعزيز إنتاج الأمونيا الخضراء مثل العديد من المصادر والتقنيات النظيفة، ولن يكون دعم صناعة وقود الأمونيا سهلًا، إذ تُشكل حوالي 5% من استهلاك الغاز الطبيعي عالميًا، في حين لا تزال مصادر الطاقة الخضراء والنظيفة أغلى بكثير من الغاز الطبيعي، وهناك حاجة لزيادة الكهرباء المتجددة لصنع الأمونيا الخضراء. وبشكل عام، إن صناعة الأمونيا الخضراء ستحتاج إلى أكثر من حوالي 150 مليار دولار من الدعم بحلول عام 2030، حيث ستبلغ تكلفة إنتاج الأمونيا الخضراء من مرتين إلى حوالي أربع مرات تكلفة نظيرتها التقليدية، ولا تزال بعض التقنيات اللازمة لاعتمادها، مثل محركات احتراق الأمونيا (قيد التجربة).
حتى الآن لا يوجد جواب صريح عن أفضلية استخدام الأمونيا وقودًا مستقلًا أم الهيدروجين من الأمونيا المكسرة، ويُمثل أفضل خيار للوقود هو وظيفة الأسلوب، والاستخدام المقصود، والكمية المطلوبة، والنضج التكنولوجي لمستخدم الوقود، وتجب الإشارة إلى أن استخدام الأمونيا كوقود لمحركات الاحتراق الداخلي يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، وشهدت زيادة في استخدامه وقودًا بديلًا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما انخفضت مخزونات النفط العالمية.
واستكمالًا لما سبق، يبرز استخدام الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن، وذلك بوصفه طوق نجاة لقطاع النقل البحري الذي يواجه صعوبات في التخفيف من مستويات الانبعاثات الكربونية به، وذلك بسبب المسافات الطويلة التي تقطعها السفن في عرض البحار والمحيطات. وعلى الرغم من أن العديد من الدول، وفي مقدمتها مصر، تعول بشدة على استخدام الأمونيا وقودًا بحريًا خلال المرحلة المقبلة (فرصة واعدة للنمو)، فإن هناك عقبات عديدة على طريق نشر استعمال هذا الوقود في نطاق واسع. حيث تتمثل أبرز هذه التحديات في امتلاك القدرة على خلق سلاسل قيمة عالمية لاستعمال الأمونيا، بالإضافة إلى ضرورة توفر القدرة المالية والشراكات الكبيرة من أجل تمويل تلك المشروعات والتي تتطلب استثمارات ضخمة، فضلًا عن توفير عنصري السلامة والأمان للتزود بهذا الوقود النظيف والذي يمكن أن يتسبب في انفجارات ضخمة.
مصر ليست ببعيدة عن الموقف العالمي للطاقة، بل ينعكس فيها الموقف العالمي بواقعية شديدة، يتعمق فيها هذا المأزق عينه على نحو بالغ الخطورة، فمصر من أكبر بلدان المنطقة من حيث عدد السكان، وبالتالي فإنها تواجه زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة نتيجة تسارع وتيرة النمو السكاني والتوسع الاقتصادي، ويفرض ذلك طموحات وتحديات كبيرة لضمان الحفاظ على إمدادات الطاقة بشكل آمن ومستقر، ويمكن لمصر الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة ليس لتلبية حاجتها من الطاقة وحسب، وإنما لضمان نمو اقتصادي مستدام، وتوفير فرص عمل جديدة، والمساهمة في تحقيق الأهداف العالمية بخصوص المناخ والتنمية المستدامة.
الجهود المصرية في ملف الأمونيا الخضراء:
التنمية الاقتصادية في مصر تعتمد على قطاع الطاقة، والذي يمثل حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث أدركت مصر الدور المهم الذي يمكن أن يلعبه الهيدروجين الأخضر والأمونيا في قطاع الطاقة المصري. حيث قطعت على نفسها عهدًا بالمضي قدمًا لتحقيق التنمية والعمل على زيادة الاستثمار في رأس المال البشري والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والنظيف، بما يسهم في تحسين معيشة المواطن المصري، وهناك العديد من الشركات العالمية أعلنت رغبتها في تنفيذ العديد من مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا في مصر، وهناك فرص واعدة لتنفيذ مثل هذه المشروعات، لا سيما وأنها تأتي على رأس اهتمامات القيادة السياسية خلال المرحلة الحالية. حيث إنه من المقرر أن يشهد إنتاج الأمونيا الخضراء في مصر تطورات جديدة، في ظل مساعي الدولة لتوفير الحلول المستدامة في المجال الزراعي، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم جديدة.
ولذلك، نجد أن مصر تتصدر قائمة الدول العربية في عدد مشروعات تصدير الهيدروجين والأمونيا، بإجمالي حوالي 23 مشروعًا وذلك حتى ديسمبر من العام الماضي، حيث صدرت مصر أول شحنة أمونيا إلى الهند من خلال مصنع لإنتاج الأمونيا الخضراء في منطقة قناة السويس، وذلك في إطار خطة الدولة المصرية للاستحواذ على حصة حوالي 8% من السوق العالمية للهيدروجين. حيث تُشكل تلك الخطوة عاملًا مهمًا ورئيسيًا في جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى تلك الصناعة الواعدة ومجالات الطاقة المتجددة المرتبطة بها. وذلك بالرغم من التحديات الكبيرة في تلك الصناعة، حيث تُشكل تكلفة الإنتاج الضخمة العقبة الرئيسية أمام تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، فالتكلفة التي يتطلبها إنتاج الهيدروجين الأخضر لا تزال تحد من تنافسيته في الأسواق العالمية، كما موضح في الشكل التالي.
خطوة تعكس جهود ونجاح خطة الدولة المصرية في أن تصبح مصر مركزًا إقليميًا لصناعة الطاقة الخضراء إقليميًا وعالميًا.
ووفقًا لما سبق، تستهدف مصر الاستحواذ عن حوالي 8% من السوق العالمية للهيدروجين، والعمل على خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بواقع حوالي 40 مليون طن سنويًا، وذلك بحلول عام 2040، وبالإضافة إلى العمل على إتاحة حوالي 100 ألف فرصة عمل، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل من حوالي 10 إلى 18 مليار دولار، كما يوضح الشكل التالي الخطط المختلفة للدول المصرية في صناعة وإنتاج الأمونيا الخضراء.
القيادة السياسية في مصر تدعم توطين صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر، وذلك من خلال التوسع في إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، ومستهدفة بذلك الوصول بها إلى نسبة حوالي 42% في مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وذلك بهدف توفير الطاقة اللازمة لمشروعات إنتاج الطاقة الخضراء المختلفة، كما هو موضح في الشكل التالي.
ولذلك ساعدت القدرات المصرية الكبيرة، والتي تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، وفي ظل الحوافز الكبيرة التي تمنحها الدولة للمشروعات الخضراء، في جذب العديد من الاستثمارات الكبيرة، والتي كان من ضمنها إطلاق مشروع بنشمارك خليج السويس، المقدم من شركة بنشمارك باور إنترناشونال، وذلك بهدف إنتاج الأمونيا الخضراء باستثمارات يصل حدها الأدنى حوالي مليار دولار، حيث يتمتع المشروع ببعض الملامح التالية:
- يتم تنفيذ المشروع في منطقة خليج السويس.
- يضم المشروع منشأة التحليل الكهربائي ومحطة الأمونيا.
- 400 ميجاوات قدرة منشأة التحليل الكهربائي بالمشروع.
- 1000 طن / يوم من الأمونيا الخضراء مستهدف إنتاجها عبر الطاقة المتجددة.
- مليار دولار إجمالي قيمة استثمارات المشروع.
- جزء من الاستثمارات مخصص لإنشاء محطة تحلية المياه التي تدخل في عملية التحليل الكهربائي.
والجدير بالذكر، إن مشروع بنشمارك السويس لإنتاج الأمونيا الخضراء فاز في الدورة الثانية من المبادرة الوطنية للمشروعات الذكية الخضراء، كما هو موضح في الشكل التالي.
برزت مصر خلال السنوات الماضية بصفتها أحد المواقع الاستراتيجية لاستخدام الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن، وذلك بعد نجاحها بتموين سفينة حاويات بالوقود الأخضر الميثانول، وذلك في أغسطس من العام الماضي، في عملية تُعد الأولى من نوعها في مصر وأفريقيا والشرق الأوسط. حيث تستهدف مصر أداء دور محوري في خدمات تموين السفن بالوقود الأخضر، وتعظيم الاستفادة من موقع موانيها البحرية على البحرين الأحمر والمتوسط، إذ وقعت عدة اتفاقيات لتنفيذ مشروعات ضخمة لتوطين صناعة الوقود الأخضر في مصر والصناعات المغذية والمكملة له.
حيث تعتمد استراتيجية توطين صناعة الوقود الأخضر في مصر على 3 محاور رئيسية: تصنيع الوقود الأخضر (هيدروجين أخضر، أمونيا خضراء، ميثانول)، والعمل على الصناعات المكملة لتصنيع الوقود الأخضر من محللات كهربائية وألواح شمسية وتوربينات رياح، ونشاط تموين السفن بالوقود الأخضر.
حيث يُعد التعاون مع شركة سكاتك النرويجية ضمن الاتفاقيات التي وقعتها مصر لاستخدام الأمونيا وقودًا للسفن، إذ وقعت اقتصادية قناة السويس مذكرة تفاهم تستهدف استصدار رخصة ممارسة نشاط تموين السفن بالوقود الأخضر في منطقة شرق بورسعيد، بتكلفة استثمارية تبلغ حوالي 1.1 مليار دولار، شاملة الاستثمارات الخاصة بتوليد الطاقة النظيفة. ومن المتوقع أن يصل حجم الإنتاج في المشروع إلى حوالي 100 ألف طن من الميثانول الأخضر سنويًا وذلك بحلول عام 2027، وتبلغ طاقة المحلل الكهربائي حوالي 190 ميجاوات، بالاعتماد على حوالي 317 ميجاوات من طاقة الرياح، وحوالي 140 ميجاوات من الطاقة الشمسية.
مقترحات للتطوير:
وفقًا لما سبق، قطعت الدولة المصرية بالفعل شوطًا كبيرًا في صناعة وإنتاج الأمونيا الخضراء، حيث قطعت العديد من الخطوات الجادة والتي تهدف إلى توطين مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات العالمية والتي تقف أمام عمليات التوسع في المشروعات الخضراء بصفة عامة، وصناعة الأمونيا الخضراء بصفة خاصة، ومن هنا يمكن إيضاح بعض المقترحات التي من الممكن أن تسهم في تذليل تلك العقبات ومنها:
يُشكل الاستثمار في البحث والتطوير أمرًا حيويًا، وذلك بهدف لتعزيز التقدم التكنولوجي والابتكار في صناعة الهيدروجين، فمن دون بذل جهود كافية في مجال البحث والتطوير، لن تكون مصر مستعدة لمواجهة التحديات الفنية والتشغيلية الصعبة.
العمل على ضرورة ربط البحث العلمي والتطوير بمجال صناعة وإنتاج الأمونيا الخضراء، وذلك من خلال الاستفادة من التجارب الناجحة، سواء العربية أو الدولية، خاصة في ظل التغيرات المناخية.
ضرورة ضخ المزيد من الاستثمارات في البحث والتطوير بهذه المجالات بما يتماشى مع أهداف وخطط الدولة المصرية للحد من الانبعاثات الكربونية وإنتاج مواد صديقة للبيئة وأنواع وقود متجددة، مثل الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والزرقاء.
نظرًا إلى أن استخدام الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن، بالإضافة إلى دخولها في الكثير من التطبيقات الواعدة، فإن إقامة سلاسل قيمة نظيفة ينبغي أن تكون ملازمة للتوسع في استعمالها.
يجب أن تشمل عملية خلق سلاسل القيمة النظيفة زيادة كفاءة جميع سلاسل التوريد وضبط ممارسات الإنتاج وتعزيز أساليب الاستهلاك، الذي يمكن أن يكون بدوره سببًا في زيادة الانبعاثات الكربونية.
من أجل إنشاء سلاسل القيمة النظيفة، يجب العمل على التوسع في مشروعات البنية التحتية اللازمة لإنتاج الوقود الأخضر، بما في ذلك أعمال توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة.
وللتغلب على عوائق التمويل في صناعة وإنتاج الأمونيا الخضراء، لا بد من وجود خطط دعم مالي قادرة على جذب هذ الاستثمارات، وينبغي للحكومة مع البرلمان المصري أن يعملا معًا بهدف تطوير آليات الحوافز المناسبة لنشر استعمال الأمونيا الخضراء وقودًا للسفن.
أحجام التخزين الكبيرة المطلوبة والبنية التحتية الحالية المحدودة تُشكل حجر عثرة في اقتصاد الوقود، ولكن يتمثل أحد الحلول لهذه العقبة في اعتبار ناقل الهيدروجين، مثل الأمونيا، لنقل وتخزين الوقود وتكسيره مرة أخرى إلى الهيدروجين لدى المستخدم.
ضرورة الاستفادة من التجارب العالمية في إنتاج الأمونيا الخضراء ومن ضمنها النرويج والإمارات والمملكة العربية السعودية.
ضرورة زيادة أو توسيع رقعة الاعتماد على القطاع الخاص في إنتاج مثل هذا النوع من الطاقة الخضراء، وذلك بعد الوصول إلى معادلة التكلفة المقبولة لإنتاجه، وذلك دون اشتراط أسعار معينة قبل تنفيذ المشروعات بما يضمن تحقيق مكاسب للمستثمرين.
نظرًا للزخم العالمي حول الطاقة الخضراء بصفة عامة والهيدروجين الأخضر بصفة خاصة، تظهر ضرورة إنشاء مركز مصري بحثي متخصص حول تقنيات إنتاج الهيدروجين وتطبيقاته مثل خلايا الوقود، ودعم التكامل فيما بينها والاستفادة من الخبرات والتجارب التي قطعتها بعض الدول في هذا الشأن، بالإضافة إلى تعزيز الصناعة المحلية لمتطلبات الصناعة.
تحديد الأولوية للاستثمار في القطاعات الخضراء، إذ يمكن استخدام الدعم الأخضر مثل: تدابير دعم الأسعار، والحوافز الضريبية، لتشجيع الصناعات الخضراء مثل: صناعة الطاقة المتجددة، وذلك في إطار بناء الميزة النسبية ودفع عجلة التوظيف على المدى الطويل، وكذلك يمكن استخدام الدعم الذي يتسم بمراعاة الصالح العام، أو بمزايا خارجية إيجابية كمحفز قوي للتحول إلى الاقتصاد الأخضر.
ترسخ مفهوم الصناعات الخضراء وإظهار دورها الفعال في خلق فرص عمل ومكافحة الفقر، وذلك من خلال تنظيم برامج التوعية وبناء القدرات على كافة المستويات.
خلق صناعات جديدة خضراء، تهدف إلى التوسع في تطبيق التكنولوجيات البيئية مثل: المصانع التي تعمل على إنتاج وحدات الاستفادة من الطاقة البيئية وطاقة الرياح والكتلة الحيوية، وذلك بالإضافة إلى الخدمات البيئية مثل: الاستشارات في مجال ترشيد الطاقة وتحسين نظم تداول المواد الكيميائية.
وبشكل عام، هناك عوامل أخرى يمكن أن تسهل تطوير صناعة وإنتاج الأمونيا الخضراء في المستقبل، وبصرف النظر عن النمو المحتمل في الطلب العالمي على الأمونيا، فإن الحوافز الحكومية لإزالة الكربون من خلال فرض قيود على الانبعاثات أو ضرائب الكربون أو الإعانات أو الإعفاءات الضريبية للمستثمرين يمكن أن تعزز إنتاج الأمونيا الخضراء، وينبغي أن يكون هناك زيادة في عوامل الدعم الحكومي والتنظيمي، وذلك بهدف تشجيع النشر على نطاق واسع لحل التخزين، كما تحتاج القواعد المرتبطة بتخزين الطاقة، بالإضافة إلى تعريفها ذاتها، إلى التطوير والتحديث والتوضيح، بحيث يجب تحفيز الابتكار، ونشر تكنولوجيا الأمونيا الخضراء، ورفع الحواجز التي تعترض نموها.خلاصة القول، تُعد الأمونيا الخضراء أحد أهم الحلول الجديدة لتوفير طاقة منخفضة الكربون ونظيفة، علاوة على كونها تُشكل حلًا جزئيًا لمواجهة التحديات العالمية لزيادة الطلب على الطاقة والسعي نحو خفض مستويات الانبعاثات الكربونية. وبشكل عام، لا يستطيع العالم الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة والنظيفة وحدها في التحول إلى مستقبل أخضر حيادي الكربون؛ كونها تتأثر بالظروف الجوية في المقام الأول، وتحتاج إلى التخزين عندما لا يحتاج الناس إليها، وتُمثل الأمونيا حلًا واعدًا لمسألة تخزين الطاقة، فمع إمكانية دمج عناصر مختلفة من نظام الطاقة، يمكن أن يصبح عنصرًا حاسمًا في الجهود العالمية لخفض انبعاثات الكربون وتعزيز استراتيجيات الحياد الكربوني الشاملة. ولذلك، تشهد مصر طفرة غير مسبوقة في تنامي الطلب على الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة وخاصة الحديثة منها وهي مشروعات الهيدروجين والأمونيا الخضراء، حيث تشمل خطة الحكومة المصرية لمشروعات الطاقة الخضراء على العديد من المحاور المهمة، والتي ترتكن إليها في سعيها نحو التحول الكامل إلى الطاقة النظيفة والمستدامة وذلك من خلال تعظيم الاستفادة الكاملة من قدراتها الطبيعية الهائلة.