خطوات حثيثة وجادة اتخذتها مصر في سبيل تطوير قطاعها التعديني ورفع مساهمته في الاقتصاد القومي، بدايةً من تطوير التشريعات ذات الصلة لجذب الاستثمارات، وذلك ضمن استراتيجية شاملة لتطوير القطاع بمختلف أنشطته من جانب. حيث تأتي تلك الخطوات ضمن إطار استكمال الرؤية التنموية للدولة المصرية لبناء الجمهورية الجديدة في كافة قطاعات ومجالات الدولة، والتي تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من ثروات مصر التعدينية، والعمل على زيادة القيمة المضافة منها وزيادة مساهمة النشاط التعديني في الناتج المحلي الإجمالي، ضمن خطة تحويل مصر إلى مركز عالمي للتعدين.
وعلى النقيض من الحكومات المصرية السابقة، والتي لم يكن دعمها للاستفادة من ثروات مصر التعدينية كافيًا، تبنت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية طموحة متعددة الأوجه لتحقيق الاستفادة الكاملة من ثروات وموارد مصر الطبيعية، وانعكاس ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي.
مدخل:
جاء الاهتمام بقطاع الثروة المعدنية من خلال صياغة رؤية استراتيجية شاملة لتطوير هذا القطاع، بما يُسهم في استكشاف أهم مناطق الثروات المعدنية الكامنة في ربوع مصر، وبما ينعكس في الوقت ذاته على زيادة نسبة مساهمته في الناتج القومي الإجمالي والتي تقدر بحوالي 0.5%. وفي السياق ذاته، تنفذ مصر برنامجًا لتحديث قطاع التعدين وتطويره وذلك منذ عام 2014، بهدف جذب المزيد من الاستثمارات لاستغلال ثرواتها الطبيعية، وزيادة القيمة المضافة للخامات المعدنية الموجودة في باطن الأرض.
القطاع التعديني قادر على النهوض بالدولة، حيث تمتلك مصر مقومات تعدينية تؤهلها للنجاح في هذا المجال، حيث تمتلك من الثروات المعدنية منذ آلاف السنين ما لم يتم استغلاله قبل عام 2014.
خامات وثروات هائلة في الأراضي المصرية:
مصر تتوفر بها ثروات من الخامات المحجرية والتي تتضمن الحجر الجيري والذي يغطي نحو حوالي 60% من مساحة مصر باحتياطي يصل لنحو حوالي 15 مليار طن وهو منتج يدخل في أكثر من حوالي 30 صناعة، وأما الخامات المنجمية فيتصدرها الذهب ويتوفر في أكثر من حوالي 140 منطقة، أشهرها السكري والبرامية والفواخير ووادي العلاقي، كما يتوفر خام الفلسبار باحتياطي يصل لنحو حوالي 7 آلاف مليون طن، والفوسفات باحتياطيات تصل لنحو حوالي 3 آلاف مليون طن، وخام الألمنيت باحتياطي يصل إلى حوالي 80 مليون طن بمتوسط جودة يصل إلى حوالي 35%، فضلًا عن توفر مادة الكولين باحتياطي يزيد على حوالي 800 مليون طن، وكذا الكبريت باحتياطي حوالي 40 مليون طن.
ملف الرمال:
تُعد الرمال أحد أهم عناصر البيئة، وهي ثروة وطنية كبرى لم تحظ بالاهتمام الاستثماري الكافي خلال السنوات الماضية على الرغم من عوائدها الاستثمارية الضخمة، حيث تُقدر القيمة السوقية لسوق الرمال عالميًا بحوالي أكثر من حوالي 70 مليار دولار على الأقل، وهذا في تزايد مستمر مع التقدم الحاصل في الصناعات المعتمدة على الرمال بأنواعها المختلفة. حيث تُشكل الرمال اليوم سلعة تُباع وتُشترى، وذلك لأن لها استخدامات عديدة تعتمد عليها العديد من الصناعات الاستراتيجية، بالإضافة إلى أنها تدخل في كثير من المنتجات الصناعية الحديثة ذات الأهمية الاقتصادية، وبالأخص استثمارات الحصول على مادة السيليكا (رمال الكوارتز) والتي تُعد أحد أهم العناصر التي لم تحظ بالاهتمام المناسب، مع أن الرمال في الأراضي المصرية توجد بوفرة منقطعة النظير.
حيث إن الرمال السوداء كنز قديم تبوح به السواحل المصرية المطلة على مياه البحر الأبيض المتوسط في المناطق الواقعة بين رشيد إلى العريش بطول حوالي 400 كيلومتر، والتي تنتشر في حوالي 11 موقعًا بتركيزات اقتصادية مرتفعة واحتياطيات كبيرة تُقدر بحوالي 1.3 مليار متر مكعب من الرمال السوداء، كما هو موضح في الشكل التالي.
وبشكل عام، تتجه الدولة المصرية حاليًا للاستفادة من أصغر حبة رمل على أرضها، والتي تزخر بخيرات الطبيعة، وتم افتتاح أول مجمع للرمال السوداء وذلك خلال نهاية عام 2022، على سواحل مصر الشمالية المطلة على البحر المتوسط، والتي تتوفر بها الرمال السوداء والتي تُعد أحد الكنوز المهمة، والتي تسعى مصر إلى استغلالها. فطيلة السنوات الماضية، كانت هذه الثروات مهملة، وتتعرض للسرقة، قبل أن تتحرك الدولة بمشروع عملاق لاستغلال هذه الرمال الغنية بالمعادن المهمة، وتتخطى استثمارات مصر في الرمال السوداء المليار جنيه لتحقيق حلم دام أكثر من حوالي 90 عامًا، بالتعاون بين الشركة المصرية للرمال السوداء كشركة مساهمة مصرية، ومحافظة كفر الشيخ كعضو مساهم بهذه الشركة، مع جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وهيئة المواد النووية، وبنك الاستثمار القومي، والشركة المصرية للثروات التعدينية، كما هو موضح في الشكل التالي.
واستكمالًا لما سبق، فبعد النقلة الكبيرة التي تحققت من افتتاح مصر مجمع الرمال السوداء، اتجهت الأنظار نحو بحث كيفية استغلال الرمال البيضاء، وذلك بهدف تعظيم القيمة المضافة من مواردها الطبيعية والتي من المستهدف منها جذب استثمارات أكثر من حوالي 2 مليار دولار فيها. حيث تُشكل الرمال البيضاء المادة الخام لعنصر السليكون والذي يُشكل عصب التطور التكنولوجي العالمي، وهو الخام الرئيس في صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية، والتي تُمثل قلب الطفرة التكنولوجية الهائلة التي انتقلت بالعالم إلى القرن الحادي والعشرين.
ومن الجدير بالذكر أن الرمال البيضاء المصرية (الفرصة الواعدة لزيادة حجم الاستثمارات) تتمتع بجودة كبيرة على مستوى العالم وذلك بسبب نقائها الكبير، إذ تصل نسبة تركيز خام السيليكا فيها إلى نحو حوالي 99%، وتقل نسبة أكسيد الحديد غير المرغوب فيه عن حوالي 0.01%، وهذا ما يضع مصر على قمة دول العالم من حيث الجودة (أعلى من وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية والذي يُشكل حوالي 56% من حيث الجودة).
حيث يبلغ سمك الطبقة الرملية بالرمال المصرية حوالي 100 متر بدون غطاء صخري، وهو ما يساعد على خفض تكلفة الإنتاج، وبالتالي سهولة استخراجها، وتتوفر كميات هائلة منها في وادي قنا بسمك كبير، بالإضافة إلى جبال يلق والمنشرح بشمال سيناء، ومنطقة أبو زنيمة، وهضبة الجنة بجنوب سيناء والتي تتوفر بها كميات ضخمة من الخام ذي الجودة العالية. ومن هنا تجب الإشارة إلى أن سعر طن رمال السيليكا يعتمد على مكان تعدينها وجودتها، بالإضافة إلى حجم الطلب العالمي على المنتج، وبالتالي نجد أن مصر مسئولة عن نحو حوالي 35% من رمال السيليكا في العالم.
وبشكل عام، توجد أهم المناطق التي تتوفر بها تلك الرمال في مصر في وادي الدخل جنوب غرب الزعفرانة بالصحراء الشرقية، حيث يبلغ احتياطي مصر من الرمال البيضاء نحو حوالي 20 مليار طن (من أعلى 5 دول على مستوى العالم من حيث الاحتياطي)، موزعة على صحاري مصر المتنوعة من شمال سيناء إلى جنوبها، وصحراء مصر الشرقية والغربية، كما هو موضح بالشكل التالي.
على الرغم مما سبق من نقاط عديدة وأهمية كبيرة لتلك الثروة الضخمة من الرمال البيضاء، بالإضافة إلى وجود الرمال البيضاء بمصر منذ آلاف العصور، فإنه لم يلتفت إلى أهميتها قبل عام 2014، حيث كانت مصر تقوم قبل هذا التاريخ بتصدير تلك الرمال بهيئتها الخام بسعر حوالي 20 دولارًا فقط، ثم يعاد بيعها بحوالي أكثر من 150 دولارًا، ويصنع منها زجاج يصل سعر الطن إلى نحو 1000 دولار، ويصل سعر الرقائق الإلكترونية إلى نحو 100 ألف دولار بما يعادل أكثر من حوالي 5 آلاف ضعف المادة الخام التي تخرج من مصر، وبالتالي ضياع ربح كبير على الدولة كان سيتحقق من الاستغلال الأمثل لتلك الرمال، لو تحركت الدولة للعمل على هذا الملف قبل عام 2014.
ولكن تحركت مصر من خلال العديد من الخطوات، بدأت بوقف تصدير الرمال في عام 2016، وبحث كيفية استغلالها بوصفها ثروة قومية، بالإضافة إلى إطلاق الرئيس السيسي في العام نفسه مبادرة “مصر تصنع الإلكترونيات”، وكذلك افتتاح مصنع إنتاج ألواح الطاقة الشمسية بشركة بنها للصناعات الإلكترونية بطاقة إنتاجية حوالي 50 ميجا وات سنويًا (مستهدف الوصول إلى 100 ميجا وات سنويًا)، والذي يُهدف منه إلى تأمين الإمدادات بمكونات تصنيع ألواح الطاقة الشمسية والتي يمكن من خلالها إنشاء حقول الطاقة الكهربائية باستغلال الطاقة الشمسية، وهو ما يؤدي إلى خلق فرص عمل مع تحقيق تنمية مستدامة وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وذلك بالإضافة إلى إعلان وزارة التعليم العالي بداية خطوات إنشاء الغرفة النظيفة بمعهد بحوث الإلكترونيات المصري، والتي تُمثل نواة لتصنيع الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات وذلك على مساحة حوالي 3000 متر مربع وعلى 3 مراحل عن طريق تحالف مصري عالمي، كما موضح في الشكل التالي.
وعلاوةً على ذلك، (فرص للنمو) من المؤكد أن خريطة أشباه الموصلات العالمية ستتغير خلال السنوات المقبلة كنتيجة للصراع بين تايوان والصين، وذلك لأنه وفقًا للغة الأرقام وكما موضح بالشكل التالي، سنجد أن تايوان تهيمن على نحو حوالي 65% وكوريا الجنوبية حوالي 18%، والصين بنسبة حوالي 5% وبقية دول العالم حوالي 12%، كما هو موضح في الشكل التالي.
وبالتالي سيتم دخول دول في مكونات الخريطة العالمية وبالأخص مصر والمغرب والمملكة العربية السعودية، ولكن بشرط توفر 4 عناصر أساسية:
- امتلاك المادة الخام الأساسية لتلك الصناعة.
- مراكز بحثية تضمن التطوير المستمر في تلك الصناعة عالميًا.
- توفر استثمارات ضخمة مع ضمان شراكات قوية مع لاعبي الصناعة العالمية.
- توفر كوادر مؤهلة في تلك الصناعة عن طريق المعاهد والمراكز الكبيرة.
تتمثل أبرز المشكلات التي كانت تواجه هذا الملف في غياب التخطيط السليم لجذب الاستثمارات في تلك الصناعة قبل عام 2014، بالإضافة إلى عدم توفر الطاقة والبنية التحتية اللازمة، ووجود مشكلة حقيقية في معالجة الرمال لضعف البحوث والإمكانيات التحليلية، وغياب الإرادة السياسية في استغلال تلك الثروات وتحقيق قيمة مضافة.
وعليه يمكن القول إنّ استراتيجية مصر للاستفادة من الرمال تُعد من الأفكار المتميزة لاستثمار تلك الثروة المنسية وتعظيم الاستفادة منها، حيث سيتم الاستفادة من الرمال، وذلك في إطار ما لدى الدولة من رؤية واضحة للنهوض بقطاع التعدين وزيادة مساهمته في الدخل القومي بما يتناسب مع حجم الثروات التعدينية التي تزخر بها مصر، والرؤية الاستراتيجية للتعدين التي تتوافق مع رؤية مصر 2030 لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير مشروعات تعدينية ذات قيمة مضافة أعلى يترتب عليها توفير فرص عمل، وإضافة حلقات صناعية، وجذب استثمارات جديدة مباشرة. حيث تمتلك مصر ميزة تنافسية مهمة، وهي توفر بنية تحتية قوية تعمل مصر على تطويرها باستمرار، ومرونة للمستثمرين في النشاط التعديني سواء في أعمال النقل والتصنيع والإنتاج وتوفر الطرق والكهرباء والموانئ.
ملف إنتاج الذهب:
وبشكل عام، تمتلك أرض مصر الكثير من المعادن النفيسة التي يتم الكشف عنها باستمرار، آخرها إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية العام الماضي، بدء التشغيل التجريبي للكشف التجاري الجديد للذهب بالصحراء الشرقية (إيقات)، والذي يُعد نقطة تحول في قطاع التعدين وإنتاج الذهب في مصر خلال الوقت الحالي، حيث تعتبر خطوة من استعادة القطاع بريقه وقوته.
وبالنظر إلى خريطة إنتاج الذهب في مصر، نجد أن الأراضي المصرية تحتضن نحو حوالي 270 موقعًا لإنتاج الذهب، بينها حوالي 120 موقعًا ومنجمًا معروفين تم استخراج الذهب منهم قديمًا، حيث تتوزع إلى حوالي 4 قطاعات، ويتم استخراج الذهب بطريقتين؛ التقليدية الأولى: وهي حفر المناجم وتفتيت الصخور اللماعة، والطريقة الثانية: وهي الحديثة ويتم خلالها عمل دراسات جيولوجية لمناطق وجود الذهب في طبقات الأرض الداخلية، وباستخدام آلات ضخمة وكبيرة تقوم بعمل حفر عميقة في هذه المناطق، ويتم استخراج معدن الذهب بشكله الخام مع الصخور والمعادن الأخرى التي تلتصق فيها، ثم تبدأ عملية تنقيته من الشوائب والمعادن الأخرى الموجودة معه. والجدير بالذكر أن إنتاج الذهب يتركز بمصر في حوالي 3 مواقع بالصحراء الشرقية هي جبل السكري، ومنطقة حمش، ووادي العلاقي.
واستكمالًا لما سبق، تنتج مصر-أيضًا- الذهب تجاريًا من منجمين رئيسين؛ منجم السكري الذي يعد أكبر منتج للمعدن الأصفر في مصر حاليًا، ومنجم حمش، وهو منجم فرعوني قديم يقع في الصحراء الشرقية وتديره شركة حمش مصر لمناجم الذهب. والجدير بالذكر أن إنتاج منجم السكري بلغ منذ بداية العمل فيه في عام 2009 وحتى نهاية فبراير الماضي من العام الجاري حوالي 5.2 ملايين أوقية، بالإضافة إلى حجم إيرادات كبير تجاوز حوالي 7.5 مليارات دولار، وذلك منذ بدء الإنتاج في عام 2009. وهنا تجب الإشارة إلى نجاح منجم السكري خلال العامين الماضيين في إضافة نحو حوالي مليوني أوقية للاحتياطي المعدني، مع استهداف إنتاج ما بين حوالي 450 و500 ألف أوقية خلال العام الجاري 2024. حيث شهد منجم السكري خلال السنوات الأخيرة تنفيذ استكشاف جيوفيزيقي باستعمال تقنيات حديثة لأول مرة في مصر، وذلك بالتعاون مع شركة خدمات البترول الجوية، كما هو موضح في الشكل التالي.
وفي السياق ذاته، بدأت مصر تجارب تشغيل الإنتاج التجاري لمعدن الذهب في يوم 21 مارس من العام الماضي 2023، من موقع إيقات في جنوب مصر، وذلك ضمن خطة طموحة لبدء الإنتاج المبكر، حيث توصلت مصر إلى كشف تجاري للذهب في منطقة إيقات الواقعة في الصحراء الشرقية، في يونيو من عام 2020، حيث قدرت احتياطي منجم إيقات بنحو حوالي 1.2 مليون أوقية ذهب تقريبًا، بالإضافة إلى أنه يتميز بنسبة استخلاص حوالي 95%، والتي تُعد من أعلى النسب على مستوى العالم. ومن المتوقع أن تتجاوز حجم استثمارات كشف إيقات على مدار السنوات العشر المقبلة حاجز المليار دولار.
وعليه يمكن القول، إن منجم إيقات يُعد استثمارًا مصريًا خالصًا، ويقع في منطقة امتياز شركة شلاتين المصرية، التي تُسهم فيها كل من الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية وبنك الاستثمار القومي والشركة المصرية للثروات التعدينية. وهنا تجب الإشارة إلى أنه تم تأسيس شركة إيقات لمناجم الذهب لتكون المسئولة عن تنمية منجم إيقات، حيث عقدت أول جمعية عمومية للشركة في نوفمبر من عام 2021، وبذلك تكون إيقات ثالث شركة في مصر تستخرج الذهب والمعادن المصاحبة، بعد شركتي السكري لمناجم الذهب وحمش مصر لمناجم الذهب، كما هو موضح في الشكل التالي.
واستكمالًا لما سبق، مع بدء تجارب تشغيل الإنتاج التجاري، أصبح منجم إيقات ثالث موقع في مصر لاستخراج الذهب والمعادن المصاحبة، حيث تبدأ عملية إنتاج الذهب في إيقات بعد الحفر، بنقل الصخور بالشاحنات من جبل إيقات إلى وحدة التكسير وطحنها ووضعها في الأحواض الخاصة بالاستخلاص، تمهيدًا لعملية الصهر والاستخلاص وإنتاج السبائك. وفي الوقت الراهن، ينتج المنجم سبائك مبدئية يُجرى دمغها من خلال مصلحة الدمغة والموازين بالعيار المناسب لنوعيتها، وبالتوازي تشهد منطقة امتياز إيقات في الوقت الراهن تنفيذ أعمال البحث والاستكشاف في مناجم أخرى بهدف زيادة الاحتياطي والإنتاج.
وبشكل عام، يعتبر الذهب من أفخم أنواع المعادن، وتُعد الصحراء الشرقية المنطقة الرئيسة لاستخراجه، وكذلك توجد مناجم في جنوب سيناء وأسوان، حيث يتركز إنتاج الذهب بمصر في 3 مواقع بالصحراء الشرقية: جبل السكري، ومنطقة حمش، ووادي العلاقي.
توقعات وانعكاسات مختلفة على الاقتصاد المصري:
تاريخيًا، لم تكن شركات التعدين العالمية مهتمة بالعمل في مجال الذهب المصري قبل عام 2014، وذلك نظرًا لأن الإطار التشريعي للعمل في مجال التعدين لم يكن مشجعًا بل طاردًا، ولذلك تم تعديل القانون في عام 2019، لكي يتماشى مع صناعة وإنتاج الذهب، وبناءً على ذلك تم الترويج لصناعة التعدين في مصر مع طرح مزايدات، حيث كثفت مصر خلال السنوات الأخيرة مزايدات البحث والتنقيب عن الذهب، حيث تستهدف استثمارات أجنبية مباشرة بحوالي أكثر من حوالي 380 مليون دولار في قطاع التعدين خلال عامين، وذلك وسط توقعات بزيادة الاستثمارات المباشرة لتبلغ حوالي مليار دولار بحلول عام 2030، وهي الخطوة التي ساهمت بقوة في جذب العديد من الشركات العالمية.
لذلك تسعى مصر في الوقت الراهن إلى زيادة حجم الإنتاج المحلي من مناجم الذهب، فضلًا عن طرح مناقصات عالمية للتنقيب عن الذهب، حيث يأتي ذلك مع طرح مصر مزايدات عالمية للبحث عن المعادن ومنها الذهب منذ عام 2020، في إطار تحديث قطاع التعدين واستهدافها رفع مساهمة القطاع إلى حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 2020 فازت 11 شركة في مزايدة طرحتها مصر بـ82 قطاعًا على مساحة حوالي 14 ألف كيلومتر مربع بالصحراء الشرقية باستثمارات حدها الأدنى حوالي 60 مليون دولار.
وبعد الاكتشافات الأخيرة الواعدة وآخرها كشف منطقة إيقات، والتي تبشر بنتائج إيجابية تزيد من إنتاج مصر من الذهب، مما كان لها من انعكاسات مباشرة (إيجابية) على احتياطي مصر الاستراتيجي من الذهب الذي ارتفع بنحو حوالي 44.6 طنًا، وليصل بذلك إلى حوالي 125.5 طنًا، وذلك في العام الماضي، بعد أن كان حوالي 75 طنًا. حيث إن هناك من 7 إلى 8 مناطق في مصر غنية بالذهب، منها المثلث الذهبي والسكري وحمش. ووفقًا لأرقام مجلس الذهب العالمي، احتلت مصر المركز الثالث من حيث نمو احتياطيات الذهب بمعدل حوالي 44.6% على أساس سنوي، لتأتي بعد كل من تركيا والصين، وتأتي بعدها كل من قطر والعراق وأوزباكستان بمعدلات نمو بلغت حوالي 35 و33.9 و33.9% على الترتيب كما هو موضح في الشكل التالي.
ومن الجدير بالذكر، أن مصر تحتل المرتبة رقم 33 عالميًا من حيث امتلاك احتياطيات ذهب برصيد حوالي 125.5 طنًا، كذلك تحتل المرتبة الثانية أفريقيًا بعد الجزائر التي تملك حوالي 173.6 طنًا، وذلك وفق آخر تقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، أما عالميًا فتنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالمركز الأول، وذلك وفقًا للمؤشر برصيد حوالي 8134 طنًا تليها ألمانيا برصيد حوالي 3355 طنًا، ثم صندوق النقد الدولي برصيد حوالي 2814 طنا، ثم بعد ذلك يأتي كل من إيطاليا وفرنسا وروسيا والصين على التوالي، ليسجلوا احتياطيًا يتجاوز الألفي طنًا لكل منهم، بالإضافة إلى احتلال مصر للمرتبة الخامسة عربيًا، كما هو موضح في الشكل التالي.
أصبح تعزيز نمو احتياطي مصر من الذهب توجهًا استراتيجيًا للدولة من شأنه دعم العملة المحلية وذلك مقابل التقلبات الاقتصادية الراهنة، كذلك فإن نمو احتياطي الذهب يُمثل حائط الصد للاقتصاد المصري الذي تسعى الدولة المصرية إلى التحوط به. ولذلك فإن استغلال مصر لجميع المناجم بها سيجعلها من أكبر الدول المنتجة للذهب خلال السنوات المقبلة، فاحتياطي منجم السكري وحده يبلغ حوالي 41 مليون أوقية أي تقريبًا 462 طنًا بما يعادل 12 طنًا في السنة أي طن ذهب في الشهر، بالإضافة إلى تميز الذهب المستخرج من المناجم المصرية بدرجة نقاوة وليس بالحاجة إلى سفره للخارج لتنقيته، لأنه يخرج في حالته العضوية الأصلية، كما يوضح الشكل تطور إيرادات منجم السكري خلال عامي 2022، 2023.
مقترحات للتطوير:
تقوم مصر في الآونة الأخيرة بالعمل على تعزيز وتعظيم الاستفادة من مواردها الطبيعية، والاهتمام بملف التنمية في جميع ما تملكه مصر من هبات طبيعية لم تستخدم، وظلت مشروعاتها حبيسة الأدراج عقودًا طويلة وذلك قبل عام 2014، دون اهتمام أو تخطيط، لتتسابق الآن مع الزمن لتعويض تلك الملفات مع ما تستحقه من اهتمام. حيث إن مصر تمتلك ثروة معدنية طائلة ومتنوعة يمكن من خلالها أن تصبح من أكبر الروافد الداعمة للاقتصاد المصري، وذلك خلال الفترة المقبلة، ولكن نسبة مشاركة قطاع التعدين في الدخل القومي المصري لا تزال محدودة للغاية، ولذلك أخذت العديد من الخطوات الجادة، والتي تهدف إلى إدارة هذا الملف بصورة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن لا تزال هناك العديد من التحديات والعقبات، ومن هنا يمكن الإشارة إلى بعض المقترحات والتي من الممكن أن تُسهم في تذليل تلك العقبات ومنها:
- بشكل عام، يمكن تعظيم عائد الثروة المعدنية في مصر، وذلك من خلال إنشاء صناعات تحويلية للخامات المصرية، وبذلك تُساهم في تعزيز القيمة المضافة للثروات المصرية من المعادن المهمة.
- ضرورة إطلاق منتدى التعدين العالمي، ويكون مقره القاهرة، للمساهمة في الترويج الإقليمي والدولي للفرص الاستثمارية في قطاع التعدين المصري، مع المساهمة في تبادل الخبرات والتكنولوجيا، على أن يضم في عضويته الدول الكبرى في صناعة التعدين إقليميًا وعالميًا.
- تتمتع منطقة المثلث المصري، بوجود البنية التحتية، ولكن تحتاج العمل على سرعة تطويرها، حتى تصبح جاهزة لتدفق الاستثمارات والمشاريع التنموية، وبذلك يمكن مصر من الاستفادة من الإمكانات والاحتياطيات الضخمة في المنطقة، لا سيما المعادن والخامات المهمة والتي تدخل في العديد من الصناعات الاستراتيجية.
- ضرورة العمل على زيادة إنشاء كيانات صناعية ضخمة وذلك بالقرب من مناطق استخراج الخامات والمعادن، وذلك للاستفادة من الثروات المعدنية والطبيعية في المنطقة، بالإضافة إلى ضرورة العمل على إنشاء مناطق سياحية في تلك المناطق.
- ضرورة تقليص مخاطر الاستثمارات بهدف تحفيز استيعاب السوق ودعم البنية التحتية في الاستراتيجية.
- العمل على الاستفادة من الحفر المكشوفة والتجاويف الأرضية، وذلك بعد انتهاء أعمال التنقيب التعديني، وذلك عن طريق إنشاء بحيرات صناعية وتحويل تلك المناطق إلى منتجعات سياحية تُساهم في الجذب السياحي.
- العمل على تعزيز وزيادة المؤتمرات والتي تهدف إلى الترويج للفرص التعدينية المصرية.
- ضرورة زيادة وربط البحث العلمي بالقطاعات التي تعتمد فيها السوق المصرية على الاستيراد، والتي تعاني من فجوة كبيرة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك، وبالأخص في المجالات التعدينية والمعادن.
- ضرورة عقد شراكات مع الدول الكبرى المنتجة في الصناعات الاستراتيجية المعتمدة على الرمال البيضاء (فرصة واعدة)، والاستفادة من تلك التجارب.
- انخفاض عناصر البنية التحتية للجاهزية التكنولوجية، والتي عانت منها الدولة المصرية قبل عام 2014، يتطلب استقطاب شركات عالمية كبرى، وإبرام شراكات معها، مع ضرورة تدشين تعاون مشترك مع الدول المصنعة في هذا المجال، كالصين وكوريا الجنوبية وتايوان (لكي نحقق الاستفادة القصوى من ثروات ومعادن مصر).
- المعادن الموجودة في بعض المناطق المصرية، تجعلها تُساهم في توفير العديد من الفرص الاستثمارية، ولذلك يحب العمل على تشييد العديد من المصانع الجديدة في مختلف المجالات الاستراتيجية (ذات الطلب العالمي / فرصة واعدة)، وذلك بالقرب من مواقع استخراج الخامات، مما ينعكس على خلق قيمة مُضافة.
- صناعة الرقائق الإلكترونية تقوم على محورين؛ وهما التصميم والتصنيع، ولذلك هناك فرصة حقيقية للتوجه نحو تلك الصناعة بشكل تدريجي، حيث يمكن للدولة المصرية الدخول في مجال التصميم في البداية، فتكلفة تصميم الرقائق الإلكترونية في العالم تصل إلى نحو حوالي 500 مليار دولار سنويًا، وهو ما يُشكل رقمًا ضخمًا يجب الحصول على حصة مناسبة منه. بالإضافة إلى التصنيع وذلك يحتاج إلى مقومات أخرى من التفاوض مع الكيانات الكبرى العاملة في تلك المجال وذلك بهدف توطين جزئي لتلك الصناعة الاستراتيجية ونقل تكنولوجيات تصنيعها بالإضافة إلى امتلاك موارد ومواد تصنيع تلك الرقائق.
- ضرورة اعتبار الصناعات المعتمدة على الرمال بمثابة مشروعات استراتيجية وليس تجارية فقط، لأن لدى العالم صناعات كبيرة تعتمد بشكل رئيس على تلك المادة بشكل أساسي، وفي حالة عدم توفرها فإن تلك الدول مهددة بالتوقف عن الإنتاج.
- ضرورة عقد شراكات مع الدول الكبرى المنتجة في الصناعات الاستراتيجية المعتمدة على الرمال البيضاء، وبحث كيفية الاستفادة من تلك التجارب.
مجمل القول، لعبت الثروات التعدينية دورًا مهمًا في تطور البشرية وبالأخص الذهب، حيث يحتل في الظروف الراهنة مكانة مهمة في الاقتصاديات المحلية، وفي العلاقات الاقتصادية الدولية، حيث طرأ على وضعيته تغيرات أساسية،ويعيش الآن مرحلة مهمة من مراحل تحوله التاريخي. وعليه يمكن القول إن مصر تقوم في الآونة الأخيرة بزيادة تعظيم الاستفادة من مواردها الطبيعية، والاهتمام بملف التنمية في جميع ما تملكه مصر من هبات طبيعية لم تستخدم، وظلت مشروعاتها حبيسة الأدراج فترات طويلة دون اهتمام أو تخطيط، لتتسابق الآن مع الزمن،لتعويض تلك الملفات مع ما تستحقه من اهتمام، حيث يهدف ذلك إلى تعزيز مكانة مرموقة يكون عليه وضع الاقتصاد بشكل عام.