بلا شك أن التعامل مع المليشيات الحوثية يمثل تحديًا كبيرًا للقوات الأمريكية وحلفائها؛ بسبب أسلوب العمل من خلال مجموعات قتالية متفرقة بطريقة غير نمطية مستخدمين الكثير من العتاد المناسب لتطبيق المفهوم المعروف عالميًا بـ “A2/ AD- Anti access/ Area Denial” أو “منع الدخول وإنهاء الوجود”، وقد حرصت إيران على تجهيز الحوثيين بأنواع الأسلحة، وحتى استغلال الترسانة القديمة للجيش اليمني لتنفيذ المفهوم الجديد المذكور، ولكن على الرغم من ذلك فتبعات الهجوم الجوي على المليشيا الإيرانية من قبل البحرية الأمريكية والإنجليزية كان له تأثير سلبي على قدرتهم على الرد كما كان متوقعًا، وسيعمل الإيرانيون على محاولة دعم مليشيتها في جنوب البحر الأحمر بواسطة التسليح، ومنظومات الرصد بطريقة سريعة لتعويض الخسائر الناتجة عن الهجوم الأمريكي، ولذلك من الممكن توقع شكل العمليات المستقبلية من خلال:
1- الدعم الإيراني للحوثيين وخياراتهم المستقبلية في المسرح البحري.
2- الاستراتيجية الأمريكية وخياراتها المستقبلية.
1- الدعم الإيراني للحوثيين وخياراتهم المستقبلية في المسرح البحري:
ينقسم الدعم الإيراني إلى:
* دعم معلوماتي:
– من الجو من خلال طائرة “RC- 707” المخصصة لغرض الاستطلاع الإلكتروني، والتي كانت دائمًا تطير في رحلات عبر منطقة الخليج العربي وصولًا للأجواء السورية، وغرض هذه الطائرة هو اكتشاف مواقع شبكات الدفاع الجوي، ومدى تغطيتها واكتشاف الثغرات اللازمة لرسم مسارات محددة تستطيع أن تطير منها صواريخ الكروز، وطائرات من دون طيار الانتحارية لتصيب الأهداف في هذه المنطقة، وتعتقد مصادر غربية بأنها كانت سببًا مباشرًا في نجاح بعض مهمات الاستهداف الحوثية لدول الخليج، وبالأخص من خلال طيران هذه التهديدات عبر المناطق الجبلية الوعرة التي تمثل تحديًا لمنظومات الرصد والاكتشاف.
– من البحر من خلال سفينة التجسس المثيرة للشكوك “بيهشاد”، وهي سفينة تجارية ذات ترميز مدني تعتقد المصادر الغربية بأنها مجهزة بمنظومات رصد وتعقب للسفن، بجانب منظومات تنصت استخباراتي لإيضاح الأهداف، وتعمل كغرفة سيطرة وقيادة متقدمة للعمليات، وتساعد الجانب الحوثي بواسطة تمرير الإحداثيات الخاصة بالسفن المراد استهدافها من البحرية الحوثية.
* لوجستيًا: بتاريخ 16- يناير- 2024 أعلنت الإدارة المركزية للقوات الأمريكية بأنها قد قامت بأسر مركب شراعي بتاريخ 11- يناير- 2024 قرب سواحل الصومال كان يحمل مكونات وقطع غيار لصواريخ الكروز والبالستية والدفاع الجوي مماثلة للأنظمة المستخدمة من قبل المليشيا الإيرانية في استهداف السفن التجارية والبحرية في البحر الأحمر، مما ينبئ بإصرار الجانب الإيراني على الإمداد المستمر للمليشيا للاستمرار في عمليات الاستهداف، وتعويض الخسائر.
الخيار الحوثي الآن:
فقد الحوثيون أحد أهم العناصر اللازمة للاستطلاع والرصد والاستهداف في البحر الأحمر المتمثلة في المنظومات الخاصة بهم على الأرض، أو حتى السفينة الإيرانية المعاونة “بيهشاد” التي انتقلت من البحر الأحمر إلى خليج عدن.
لذلك تقتصر الخيارات الحوثية في الآتي:
الأول في البحر الأحمر: العمل على إيجاد وسائل بديلة للاستطلاع والاستهداف، تتمثل في القوارب الخفيفة والسريعة للقيام بمهمات الاستطلاع، وتحديد الأهداف بشكل تقليدي، ومن ثم مهاجمتها، وقد تمثل ذلك في البلاغات المتلاحقة من سفن الشحن عن رؤية قوارب سريعة تقترب منها، ولكن لا تهجم، ومن ثم يحدث هجوم بالصواريخ. وتتم عملية الرصد والاستطلاع عادة بواسطة الطائرات من دون طيار التجارية الصغيرة “DJI- Mavic/ Matrice/ Phantom” لمحاولة التسلل والاقتراب لمتابعة السفن التجارية أو المدمرات الأمريكية لمحاولة تمرير الإحداثيات للهجوم للمنظومات الصاروخية الباليستية، مع دقة أقل وفرص أقل للنجاح أو الطائرات من دون طيار الانتحارية مع فرصة أكبر للاقتراب، ولكن بفاعلية طفيفة في حالة النجاح بالاستهداف أو الصواريخ البحرية الأخطر بين جميع الوسائل لاحتوائها على رادار ذاتي للتوجيه دون الحاجة لمنظومة من الخلف، ولكن السرعة القليلة هي التي تؤثر على نجاح الاستهداف لأنها تزيد من نسبة الاعتراض.
الثاني في خليج عدن: الخيار الأسهل بسبب بقاء السفينة الإيرانية حتى كتابة هذا التقرير، مما يسهل عملية متابعة الأهداف، واستهدافها للجانب الحوثي مع وقت قليل، وصعوبة من الجانب الأمريكي لإيجاد المنظومات، وتدميرها بضربة وقائية أو اعتراض القذائف في حالة إطلاقها؛ بسبب التضاريس الجبلية في جنوب اليمن التي تعوق عمليات الرصد والتعقب.
2- الاستراتيجية الأمريكية وخياراتها الآن:
طريقة تخطيط الهجمات واختيار الأهداف وتأثيرها
الهجوم الجوي الأمريكي والبريطاني المحدود قد تم بالطريقة الكلاسيكية للتنسيق، والتكامل ما بين وحدات الاستطلاع، والوحدات البحرية والجوية متعددة الجنسيات، ليتم التعامل بواسطة تشكيلات جوية كبيرة تتراوح ما بين 20-50 طائرة، والتي يتدرب عليها الجانبان الإنجليزي والأمريكي وباقي دول الناتو وتعرف باسم “COMAO (Composite Air Operations)”، وتدخل كآلية تنفيذ ضمن العقيدة الغربية الاستراتيجية “ASB”، ويتم التدرب عليها عادة في عدة مناسبات تتم بشكل سنوي أو كل سنتين للناتو مثل “العلم الأحمر- أمريكا”، وتشارك بشكل سنوي المقاتلات الإنجليزية في النسخة الأولى من السنة وحتى نسخة 2024 الحالية أيضًا، و”TLP- إسبانيا”، و”أتلانتيك ترايدانت- فرنسا”، و”محارب الكوبرا- إنجلترا”، و”الهونيكوس- يونان”، و”نسر الأناضول- تركيا”، وغيرها التي تتم بها مثل هذه السيناريوهات. لذلك كان من الممكن توقع مراحل الهجمة بأن تتم على 3 مراحل بواسطة التنسيق بين الوحدات المختلفة وتشمل “التمهيد النيراني “،و”الهجوم الانتقائي”، و”مراجعة النتائج وإعادة الاستهداف”.
الضربات التكتيكية المحدودة كانت مركزة على أنظمة الرصد، والاستهداف وغرف القيادة والسيطرة، والاتصالات، لأن بتحييد هذه العناصر الأساسية للمليشيا سيصعب استخدام الترسانة الحوثية بسبب فقدان الدعم الإلكتروني، ليس فقط للرصد والتعقب، ولكن أيضًا للتنسيق ما بين المجموعات القتالية.
الخيار الأمريكي الآن:
الوحدات الأمريكية انتقلت من مرحلة دفاعية وإظهار للقوة إلى تشكيلات هجومية تمثلت في تقسيم الوحدات إلى 3 تشكيلات:
* الأول: الحاملة الأمريكية تحت حماية الطراد “تيكونديروجا”، والمدمرة الإنجليزية “تايب- 45” شمالًا قبالة السواحل السعودية لتكون تحت حماية بطاريات الباتريوت، التي تزيد من التأمين الجانبي للتشكيل البحري من جهة الساحل؛ حيث التضاريس قد تلعب دورًا في عرقلة عملية رصد الصواريخ الكروز والمسيرات الحوثية.
* الثاني: تشكيل من مدمرتين “إرلي بورك” أمام السواحل اليمنية مجهزة بصواريخ “توماهوك”.
* الثالث: مدمرتان “أرلي بورك” في خليج عدن أمام السواحل اليمنية مجهزة بصواريخ “توماهوك”.
المتوقع من القوات الجوية الأمريكية هو العمل بحسب الأسلوب الوقائي المتضمن في العقيدة القتالية “ASB” في التعامل مع الأهداف غير النمطية المتفرقة ذات القدرات الهجومية “A2/ AD” عن طريق التتبع والرصد المستمر لمنظومات القيادة، والسيطرة والاستطلاع، والاستهداف للخصم بشكل رئيسي، ومن ثم الاتجاه للمنظومات الهجومية بشكل ثانوي.
بالتطبيق على ما يتم في حالة التعامل الأمريكي مع الحوثي، فإن الأسلوب المتبع سيكون معتمدًا على الآتي:
* الاستهداف المتحرك- DT/ Dynamic Targeting “لوحدات الرادار، والاستطلاع والرصد، والتعقب والاستهداف.
* الاستهداف للوحدات سريعة التحرك كمنظومات الصواريخ الباليستية، والمضادة للسفن والدفاع الجوي TST- Time Sensitive Targeting، وسيتم ذلك بواسطة استمرار النشاط الاستطلاعي الاستخباراتي من الجو والأقمار الصناعية بجانب عناصر الاستخبارات على الأرض.ليتم تحييده بواسطة الوسائل المتاحة من الصواريخ من السفن أو الطيران البحري المقاتل.
ختامًا، يبدو أن الحوثيين لن يوقفوا هجماتهم على السفن التجارية في الوقت القريب، ولكن نية التصعيد المستمرة قد لا تكون بالفاعلية والكثافة نفسيهما، مثل الهجمات السابقة قبيل الهجوم الجوي الأمريكي والبريطاني؛ بسبب إفقادهم القدرة على التنسيق والرصد والاستهداف، ولكن يستبدل الحوثيون الطرق القديمة بأخرى قد تبدو تقليدية، ولكن منطق العمل بتشكيلات صغيرة متفرقة يصعّب من عملية تعقبها من قبل القوات الأمريكية وتحييدها، لذلك سيعمل الجانب الأمريكي بشكل استخباراتي لقطع الدعم اللوجستي الإيراني الذي سيستمر بكل تأكيد لتعويض الخسائر الحوثية، ومن الواضح بأن الوضع سيتفاقم في حالة استمرت إيران بدفع الحوثيين في وجه الترسانة الأمريكية التي تبدو بأن خياراتها ضئيلة، بسبب التكلفة الكبيرة التي يخشاها أصحاب القرار في الجيش الأمريكي في تعلم واضح من الدرس السعودي في اليمن.