عَقَدَ المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يوم الأربعاء الموافق 3 أبريل، ورشة عمل بعنوان “دلالات مشروع التعديلات الدستورية ومهمته في الإصلاح السياسي في مصر”. استضافت الورشة المستشار السياسي والقانوني لحزب الوفد سابقًا، والمحامي الدكتور “عصام شيحة”. وشارك في الورشة عدد من خبراء وباحثي المركز.
تناولت ورشة العمل مجموعة من المحاور الأساسية حول مشروع التعديلات الدستورية، مثل: دلالات تمديد فترات الرئاسة إلى 6 سنوات، والنقاش حول أهمية إنشاء غرفة ثانية بجانب مجلس النواب، ودلالات تسمية الغرفة الثانية باسم “مجلس الشيوخ”. كما تطرّق د. شيحة لأبرز التحديات التي تواجه الحياة السياسية في مصر، وعلى رأسها ضرورة تجديد الخطاب السياسي. وفي الخاتمة، عرض د. شيحة مجموعة من القراءات الاستشرافية.
اختزال مخل لمشروع التعديلات الدستورية في مواد “الرئاسة”
استهل د. عصام شيحة الورشة بالتشديد على أهمية صياغة دستور جديد لمصر؛ تلبيةً لطموحات بناء دولة وطنية حديثة، وطبيعة المستقبل الذي تستعد له الدولة (حكومة وشعبًا). لكن “شيحة” يرى أن أكبر تحدٍّ يُواجه مشروع التعديلات الدستورية في الوقت الحالي هو اختزاله في البنود المتعلقة بفترات الرئاسة فقط، دون دراسة البنود الأخرى، معتبرًا أن عملية الاختزال تمت على يد من أسماهم “المحسوبين على الدولة”. وأرجع تفسير هذا الاختزال إلى سببين اثنين: أولهما، خلق جماعة الإخوان الإرهابية اتجاهات رأي عام مضللة، تنحاز إلى خلق صورة اختزالية عن المشروع في بنود الرئاسة فقط. وثانيهما، ما يحمله الشعب المصري من مشاعر طيبة لشخص الرئيس، الذي قدّم أغلى ما يبحث عنه المصريون، وهو عنصر الأمن والاستقرار.

وبالإشارة إلى العنصر الأخير (الأمن والاستقرار)، أكد “شيحة” أن المستثمرين الأجانب أو الوطنيين، هم أولى الفئات التي تبحث عن الاستقرار، إذ حرّك هذه الفئة التخوف من “الفراغ السياسي” الذي قد يحمله عام 2022 (عام انتهاء الولاية الثانية للرئيس عبدالفتاح السيسي). ويتسق ذلك مع أهمية إبراز بند تقديم منصب نائب الرئيس، الذي يدفع بمزيد من الاستقرار الذي ينصرف على جميع مناحي الدولة، وأطياف المجتمع، بما فيها المرأة المصرية الباحثة عن الاستقرار.
التمييز الإيجابي للمرأة والأقباط
فيما يتعلق بالمرأة المصرية، تطرق “شيحة” إلى كوتة المرأة، حيث أكّد أنه في إطار اهتمام السيد الرئيس بالمرأة المصرية وإعلانه عام 2017 عام المرأة، إنما يكشف عن بادرة إيجابية لتقديره العظيم الذي دأب على تأكيده مرارًا من خلال عدة استحقاقات. في هذا السياق، يأتي تعديل المادة 102 التي تنص على زيادة تمثيل المرأة لنسبة تصل إلى 25% لتكلل هذه الاستحقاقات. ورغم رأي البعض أن هذا التمييز يتناقض مع الدستور الذي يؤكد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق ومنها الحقوق السياسية؛ إلا أن تشكيل المرأة لحوالي 49% من إجمالي عدد السكان وإظهارها في السنوات الأخيرة جهدًا غير مسبوق في العمل الوطني العام، كل هذه العوامل مثّلت دافعًا قويًّا لفرض تلك النسبة.
ورأى “شيحة” أنه بالرجوع إلى الحياة النيابية المصرية كانت برلمانات عام 1979 و1984 و2015، هي الأعلى تمثيلًا للمرأة، ومع ذلك لم تغير المرأة المصرية الأجندة البرلمانية لصالحها، بل بالعكس فالقوانين الخاصة بالمرأة والفئات المهمشة قد طرحت من قبل السلطة التنفيذية وليس البرلمان، لذلك ولتعظيم الاستفادة من نظام الكوتة يجب أن يراعى الآتي:
- أن تغتنم المرأة المصرية تلك الفرصة للانخراط في العمل السياسي، وعدم الارتكاز إلى مكاسب ثابتة من خلال الكوتة.
- أن تكون لدى الأحزاب جرأة في اتخاذ القرار بدفع المرأة في المناصب السياسية عن طريق دعمها والتحرك لتدريبها في المحليات، وانتقاء الكوادر النسائية المؤهلة منهن لتمثيلهن تحت قبة البرلمان.
- مشاركة المنظمات النسائية في تغيير النظرة النمطية تجاه المرأة، وإقناع المجتمع المصري بضرورة مشاركتها سياسيًّا واجتماعيًّا.
وأضاف “شيحة” في هذا السياق، أن التمييز الايجابي للمصريين بالخارج والحصول على نصيبهم من التمثيل المناسب، خطوة مهمة تؤدي إلى توسيع مشاركتهم السياسية، وتعزيز انتمائهم الوطني، والالتزام برعاية مصالحهم وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم.
أما فيما يتعلق بالتمييز الايجابي لذوي القدرات الخاصة، فقد اعتبره “شيحة” أمرًا طبيعيًّا مقارنة بعدد ذوي القدرات الخاصة في مصر، والذي يصل إلى حوالي عشرة ملايين، فالتمييز الإيجابي يتيح لهم الفرصة للانخراط في العمل العام والسياسي والاحتكاك العملي بمشاكل المجتمع، ما يمثل نقلة نوعية ومرحلة جديدة لذوي القدرات الخاصة في مصر.
وفي الإطار نفسه وفيما يخص كوتة الأقباط، أفاد “شيحة” بأن الكوتة قد تساعد في تغيير سلوكيات المواطنين واعتقاداتهم المتشبعة بدعاوى دينية متطرفة، وأنه بالمحافظة على التمثيل الملائم للأقباط يمكن إبطال كل الدعاوى التي يتشدق بها المغرضون في المحافل العالمية حول اضطهاد المسيحيين داخل المجتمع المصري.

مجلس الشيوخ.. فرصة لتقديم نخب جديدة
أما فيما يخص مجلس الشيوخ، فقد أشار “شيحة” إلى أن الممارسة العملية أوضحت الحاجة بالفعل إلى استحداث غرفة ثانية للتشريع، وعدم الاعتماد على مجلس النواب فحسب، وذلك للأسباب التالية:
- عزوف بعض الكفاءات والكوادر التي لديها الحكمة والحصافة والخبرة عن الانخراط في الحياة السياسية، وخوض العملية الانتخابية، وبالتالي يمثل مجلس الشيوخ بيئة مناسبة تتيح لهم المشاركة والاستفادة منهم بالقدر الكافي.
- تدعيم المشاركة المجتمعية المباشرة في صناعة القرار، على نحو يخفف العبء عن البرلمان، ويساهم في تقاسم الأدوار بين الغرفتين. كما يساعد ذلك في ربط الشارع بالمجالس التشريعية.
- أن مجلس الشيوخ يكفل التمثيل العادل للمحافظات، ما يؤدي إلى تخفيف النزعات القبلية والعصبية.
- أن المجلس يُتيح التمثيل الملائم للمرأة وشباب الأحزاب والقوى السياسية. كما يتيح الفرصة لمشاركة المجتمع المدني في صناعة القرار، وتحسين وتعزيز أوضاع حقوق الإنسان، بما يُثري الحياة السياسية في مصر.
ولضمان جدوى مجلس الشيوخ، أوضح “شيحة” أنه ينبغي اختيار رئيس للمجلس قادر على إدارته والتعامل مع تنوع الاختصاصات بداخله، وأن يكون لدى المجلس مكاتب بحثية قادرة على فهم مشاكل الشارع المصري، وحل أزماته، بجانب قدرتها على صياغة الخطاب السياسي، مع التأكيد على بُعد المجلس كل البعد عن المحسوبية، أو أن يكون وسيلة لاسترضاء من لم يوفق في خوض الانتخابات البرلمانية.
وأضاف “شيحة” أنه على الرغم من الاتجاه القائم برفض الغرفة التشريعية الثانية لما تمثله من عبء إضافي على موازنة الدولة؛ إلا أن تزويد المجلس بعدد من الكفاءات والخبرات المؤثرة في صنع القرار، والمكاسب السياسية التي سيجري تحقيقها، سيقود بالضرورة إلى استقرار المجتمع الذي لا يقارن بأي حال من الأحوال بالعائق المادي
تصحيح الصورة الذهنية لـ”البرلماني” المصري
أشار “شيحة” إلى أن التخوف من العدد الكبير للنواب تحت قبة البرلمان يعود إلى الخوف من التأثير السلبي للكم على حساب الكيف. ولمزيدٍ من التوضيح، أشار “شيحة” إلى أنه من الضروري إسقاط أكبر قدرٍ من الاهتمام الإعلامي على النائب المصري؛ أي “تلميع” النواب، وهو ما لن يتأتى مع هذه الأعداد الكبيرة.
ويقدم مزيدٌ من التسليط الإعلامي للنائب فائدتين؛ الأولى هي تصحيح الصورة الذهنية للنائب البرلماني، سيما مع انحسار دوره وتأثيره بين الشعب المصري. الثاني منحه رأسمال رمزيًّا قويًّا (وهي الشهرة والسمعة الطيبة) ما يساعد النائب في تكوين صورة قوية بين أقرانه وقواعده الشعبية، وبالتالي يمكّنه من التأثير.
واستكمالًا للإشارة إلى أهمية رأس المال الرمزي للنائب البرلماني، أوصى “شيحة” بضرورة تدريب النواب، وتسليط الضوء على دورهم في المؤتمرات الوطنية والدولية.
الدور المأمول من الدولة داخل الحياة الحزبية المصرية
عند الحديث عن الحياة الحزبية في مصر، تطرق “شيحة” إلى السيولة الحزبية التي أصابت مصر بعد ثورة يناير 2011، والتي أفرزت نحو 106 أحزاب تقريبًا؛ حيث أرجع هذه الظاهرة إلى غياب دور الدولة في تقييد الظاهرة، لذا جاءت أهم توصيات “شيحة” في علاج هذه الظاهرة في ضرورة تدخل الدولة في الحياة الحزبية عن طريق التمويل؛ إذ يرى أنه من المهم وضع شروط وخصائص محددة للحزب في مصر قبل منحه التمويل، وهو ما سيدفع الأحزاب إلى انتهاج سلوكين رئيسيين: الأول، هو إعداد قوائم انتخابية قوية ترتبط بقواعد شعبية راسخة تستعد لكسب الانتخابات من الجولة الأولى، والثاني، تصحيح الصورة الذهنية للحزب في مصر.
وفي السياق ذاته، وبالإشارة إلى الصورة الذهنية للحزب، أكد “شيحة” ضرورة سعي الأحزاب لإنتاج أفلام تشويقية، وعقد مؤتمرات وندوات تبرز جهودها بشكل جيد.
وعند الإشارة إلى التصريح الأخير لرئيس البرلمان المصري د. علي عبدالعال حول فكرة دمج الأحزاب المتقاربة أيديولوجيًّا، جاء في تقدير “شيحة” استحالة تطبيق الفكرة، وذلك لعاملين اثنين: الأول، هو فكرة التسابق على زعامة الحزب، إذ سيفشل رؤساء الأحزاب في الاتفاق على زعيم واحد. والعامل الثاني، هو ضعف قيمة العمل الجماعي التي تفتقدها الكثير من الأحزاب في مصر. واستدرك “شيحة” مؤكدًا أن ذلك لا يعني عدم وجاهة فكرة دمج الأحزاب، سيما وأنها ستدفع إلى حل التحدي الأساسي في تطوير الحياة السياسية المصرية، وهو وجود البديل السياسي المتمرس.
جدوى التعديلات الدستورية
أوضح “عصام شيحة” أنه من خلال التجربة يمكن أن نخلص إلى ضرورة تعديل الدستور، في حين أنه من خلال الممارسة تم استخلاص العوائق التي تحول دون تحقيق الإنجازات المتوقعة، مثل معرفة نسب التعليم والصحة في الموازنة؛ لذا تأتي التعديلات لحل ذلك. فعلى سبيل المثال، لم يتم إيجاد السبل لتفعيل المواد الخاصة بنسب التعليم والصحة، وكذلك تقييد سلطات الرئيس في اختيار وزرائه. وكذلك فإن التعديلات ليست نصوصًا مقدسة حتى يستحيل تعديلها. كما أشار إلى ضرورة زيادة مدة سنوات الرئيس، إذ ينبغي أن تكون مدة الرئيس أكبر من مدة البرلمان، وهو ما أرجعه إلى الاعتبار التاريخي الذي طالما وصف مصر بسمة المركزية، كما أن التجارب الدولية تشير إلى صيغة المدد الرئاسية المعقولة والتي تقترب من 6 سنوات، ولكن عند دراسة التجارب الدولية يجب أن تكون قريبة من خصائص المشهد السياسي في مصر.
دور الجيش في تاريخ الحركة الوطنية المصرية
وعند سؤال “عصام شيحة” عما إذا كانت البنود المتعلقة بمهام القوات المسلحة المصرية قد تفتح باب التخوف من حدود أدوارها المستقبلية، أجاب “شيحة” بأن الجيش المصري مكون من كافة أطياف الشعب، وهم ليسوا ميليشيات مؤجرة حتى يتم التخوف منهم. وكذلك يعرف المصريون أهمية وقوف الجيش معهم ضد جماعة الإخوان الإرهابية. ومنذ عهد “محمد علي” كانت مواقف الجيش مع الشعب والحركة الوطنية المصرية. كما أن دور الجيش هو حماية الدولة ومؤسساتها، وهذا ما أكدته تلك المادة.
استقلال القضاء شرط لبناء الدولة الحديثة
ردًّا على سؤال: “هل تتوقع تعديل بنود القضاء بعد أن تقدم نادي القضاة ببيان يرفض فيه تقريبًا البنود المتعلقة بمنظومة القضاء في مشروع التعديلات الدستورية؟ أشار “عصام شيحة” إلى “أنه ضمن شروط استكمال بناء الدولة الوطنية الحديثة، يجب الحرص على استقلال السلطات القضائية، قبل كل شيء”. واستكمل “شيحة” بأنه ليس من المعقول أن تسعى الدولة إلى تنظيم عمل منظومة القضاء تحت إشرافها فقط بسبب واقعة ترشيح المستشار “يحيى الدكروري” لرئاسة مجلس الدولة. وتوقع “شيحة” أن يوافق القضاة على فكرة ترشيح خمسة مرشحين بدلًا من ثلاثة.

ماذا بعد الحوار المجتمعي؟
رغم تحفظ “عصام شيحة” على حدود دائرة الحوار المجتمعي في البرلمان التي لم تتسع لتشمل أطيافًا كان من المهم ضمها؛ إلا أنه شدد على ضرورة الحفاظ على حالة الزخم المجتمعي التي خلقها الحوار في منطقة “المركز” (يقصد البرلمان)، ومن ثم نشرها إلى الأطراف حيث الأقاليم والقرى والنجوع، إذ يرى أنه على النواب العودة إلى قواعدهم الانتخابية الشعبية، والبدء في نقل الوعي بأدوات بسيطة ومباشرة إلى أهالي الدلتا والصعيد. كما شدد على ضرورة “الاستماع” إلى أصوات المصريين، والإجابة على تساؤلاتهم لتفويت الفرصة على القنوات المشبوهة التي تحاول مناوأة النظام المصري، وبالتالي يقع المصريون فريسة لهذه القنوات.
قراءات استشرافية
تضمنت الورشة بعض القراءات الاستشرافية التي قدّمها الدكتور “عصام شيحة”، والتي كان بعضها حول حجم التعديل الذي قد يلحق بمشروع التعديلات الدستورية. وأشار في هذا السياق إلى أن مادة العدالة الانتقالية قد تُلغى؛ لأنه تم تفعيلها، بالإضافة إلى أنه لا يوجد لدينا حرب أهلية ولا فصل عنصري، وكان دافع تلك المادة وقت الثورة هو جبر الضرر ودرء الخطر، والدولة قامت بصرف معاشات للشهداء والمصابين، لذا فالحل كان موجودًا لدى القانون العادي.
وفي إشارة إلى البنود المتعلقة بمؤسسات الإعلام في مشروع التعديلات، توقع د. شيحة أن تُستحدث وزارة الإعلام بهدف ضبط الإيقاع الإعلامي في مصر، وتوحيد الخطاب الإعلامي اتساقًا مع أهداف الدولة الاستراتيجية.
ختامًا، يرى د. عصام شيحة أن مشروع التعديلات الدستورية يقدم فرصة جيدة للسير نحو الإصلاح السياسي في مصر، عبر تقديمه أدوات جديدة مثل: استحداث منصب نائب الرئيس، وإقامة مجلس الشيوخ، وتمديد سنوات الرئيس في الحكم، وغيرها من البنود التي تستهدف الإصلاح السياسي. وبالتالي فمن الضروري استغلال هذه الأدوات في تحقيق الأهداف المرجوة والطموحات الرامية لاستكمال بناء دولة مصرية، وطنية، حديثة.