عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، اليوم الاثنين 5 فبراير 2024، ندوة بعنوان “مستقبل الدور المصري في القضية الفلسطينية“، في إطار مشاركة المركز بفاعليات الدورة 55 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث ناقشت الدور المصري التاريخي في القضية الفلسطينية وآفاقه المستقبلية في ضوء التطورات المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
أدار الندوة الدكتور جمال عبد الجواد، عضو الهيئة الاستشارية ومدير برنامج السياسات العامة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، بمشاركة كل من اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والدكتور محمد فايز فرحات، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والدكتور صبحي عسيلة، عضو الهيئة الاستشارية ورئيس وحدة الرأي العام بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، والدكتور محمد أبو مطر، أستاذ القانون العام المشارك –رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة الأزهر– فلسطين، كمتحدثين رئيسيين، إلى جانب حضور مجموعة من الخبراء والمتخصصين والسادة الإعلاميين.
ومن جهته، أكد الدكتور جمال عبد الجواد، أن القضية الفلسطينية تفرض نفسها على الساحة نظرًا إلى تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة، والتي لا يُمكن تجاهلها في مصر والعالم، لافتًا إلى أن قدر مصر الإقليمي أنها دولة جوار جغرافي لفلسطين، لذلك فهي معنية بالقضية الفلسطينية أكثر من بقية دول العالم، كما أن لها نصيبًا في أن تسهم في مساعدة الشعب الفلسطيني للوصول إلى حقوقه الوطنية المشروعة.
فيما أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري، أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري، وهي على رأس أولويات الشعب المصري وحكومته، وهي تعتبر دائرة أمن قومي مباشر بسبب الحدود المشتركة مع كلٍّ من غزة وإسرائيل، مشددًا على أن مصر لم تتوانَ عن دورها في القضية طوال السنوات الماضية، وكانت الداعم الأول إقليميا ودوليًا لها. ورأى الدويري أن ما يجعل الحرب الأخيرة بالنسبة لحماس مختلفة، هي أنها المرة الأولى التي يتمّ فيها اجتياز الحدود واغتيال إسرائيليين بهذا العدد لأول مرة.
وقال الدويري إنه يمكن تقسيم التحرك المصري إلى ثلاثة أقسام هي: محاولة احتواء الأحداث منذ 7 أكتوبر، وإجراء اتصالات مع جميع الجهات المختلفة، والتصميم على المواقف وأبرزها التأكيد على رفض تهجير الفلسطينيين لسيناء، ورفض سياسة العقاب الجماعي واستمرار فتح معبر رفح.
وأوضح الدويري وجود حاجة لوقف إطلاق النار، والعمل على عقد هدنة إنسانية وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، مؤكدًا أنه لا سلام في الشرق الأوسط بدون حل القضية الفلسطينية، ولا أمان لإسرائيل بدون وجود دولة فلسطينية. مشددًا على أن مصر ترى أن غزة والضفة الغربية هي وحدة جغرافية.
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد أبو مطر، أن الدور المصري يُشكل حائط الصد أمام كافة المحاولات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وعلى رأسها مساعي تهجير الفلسطينيين. لافتًا إلى أن الفلسطينيين شعب خاضع للاحتلال الإسرائيلي ويسعى للتحرر الوطني، وبالتالي فإنه يمتلك الحق في استخدام كافة الأدوات التي يتيحها القانون الدولي للتحرر، وعلى رأسها المقاومة المسلحة دون أن تدفع إسرائيل في المقابل بفكرة “الحق في الدفاع عن نفسها”، نظرًا إلى أن المقاومة المسلحة جزء أساسي من الحق القانوني الذي يتمتع به الشعب المحتل بموجب القانون الدولي.
ورأى أبو مطر أن هناك محاولات إسرائيلية للتحايل على القانون الدولي من خلال ابتداع وسائل للتنصل من التزاماتها القانونية تجاه الفلسطينيين، من هذه الوسائل “التحذير المسبق وأوامر الإخلاء”، لكنها تشكل انتهاكًا للقانون الدولي كونها تستهدف المدنيين، كما أن الوقت المتاح للإخلاء دائمًا ما يكون غير كافٍ، وبالتالي فإنه حجة لاستهداف المدنيين أرادت من خلالها أن يعتاد المجتمع الدولي على مشهد قتل الفلسطينيين. ومن الوسائل الأخرى للتحايل الترويج لفكرة “الدفاع الشرعي الوقائي” وقد طبقتها إسرائيل للمرة الأولى عام 1980 عندما قصفت المفاعل النووي العراقي.
وأكد أبو مطر أن إسرائيل متورطة في ارتكاب مجموعة من الجرائم بموجب القانون الدولي، وعلى رأسها جريمة العدوان، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، مشيرًا إلى وجود مسارات قانونية عديدة لمواجهة الجرائم الإسرائيلية، المسار الأول: المحكمة الدولية، وفي هذا السياق فإن قرار محكمة العدل الدولية كان مهمًا لأنه بموجب هذا القرار أصبحت إسرائيل لا تمتلك حصانة بموجب القانون الدولي، وليست بمعزل عن الحصانة القضائية، وأصبحت موسومة أمام المجتمع الدولي، لكن من المهم عدم وضع كافة المواجهة القانونية في يد المحاكم الدولية كونها دائمًا ما تكون مسيسة.
ومن المسارات الأخرى التي طرحها أبو مطر رفع دعاوى ضد إسرائيل أمام المحاكم الوطنية في بعض الدول التي تمتلك محاكم وطنية يتم أمامها محاكمة مجرمي الحرب، حتى لو لم يكونوا من مواطنيها، وكذلك رفع دعاوى أمام المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان. وأخيرًا، يُمكن تشكيل محكمة جنائية خاصة بحيث يكون مشروعًا سياسيًا تتبناه جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي.
أما الدكتور صبحي عسيلة، فأوضح أن الشعب المصري أيد هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023 كرهًا في إسرائيل وليس حبًا في حماس، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا ضمنيًا بين القيادة السياسية المصرية والرأي العام المصري على الموقف من القضية الفلسطينية، ورغم محاولة اختراقه وزعزعته في العديد من المواقف إلا أن هذين الموقفين ظلا موازيين وداعمين لبعضهما على مدار السنوات. وأوضح أن القنوات المصرية لعبت دورًا مهمًا في عرض تفاصيل العدوان الإسرائيلي على غزة، وعلى رأسها قناة “القاهرة” الإخبارية.
ومن جهته، أكد الدكتور محمد فايز فرحات، أن النظام الدولي يمر بمرحلة تحول أحد مظاهرها ظهور قوى صاعدة مثل روسيا والصين، ولكن لكل منهما أدواتها في محاولات تغيير النظام الدولي القائم. فروسيا تعتمد بشكل كبير على القوة العسكرية، بالإضافة إلى اعتماد اقتصادها على الموارد الأولية مثل الغاز والنفط. أما الصين فهي صاعدة بقوة أكبر من الناحية العسكرية وتستخدم التحديث العسكري، لكن أيضًا تسعى لتسريع عملية التطور التكنولوجي والمنافسة مع الولايات المتحدة في هذه المسألة. موضحًا أن هاتين القوتين أصبحتا منشغلتين بقضاياهما الإقليمية المختلفة، ولديهما أجندتهما الأمنية المختلفة، فروسيا تسعى لحسم الحرب الأوكرانية، بينما تنخرط الصين في قضية تايوان، إلى جانب قضية التنافس العسكري والتكنولوجي مع الولايات المتحدة العسكري.
واعتبر فرحات أن هذا يعني تراجع قضايا الشرق الأوسط بشكل كبير بالنسبة للصين وروسيا، ولجوئهما لتوظيف القضية الفلسطينية والتفاعلات في الشرق الأوسط بشكل عام كجزء من جولات الصراع مع الولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر، توظف واشنطن القضية الفلسطينية لإيصال رسائل واضحة على مستوى النظام الدولي، أولها: أنها القوة الرئيسية في النظام الدولي، وأنها تقود التفاعلات في إقليم الشرق الأوسط. وثانيها: أنها القوة الرئيسية المعنية بالأمن الإقليمي، لا سيَّما أن روسيا والصين قدمتا رؤى للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط لكنها ظلت مبادرات خافتة لم يتفاعل معها الإقليم ولم تستطع روسيا والصين الدفاع عنها بشكل كافٍ. وثالثها: إعادة هيبتها فيما يتعلق بقدرتها على ردع قوة إقليمية معينة في المنطقة مثل إيران. ورابعها: إيصال رسالة بوجودها عسكريًا في منطقة أعالي البحار بالبحر الأحمر، فالوجود الأمريكي في البحر الأحمر لا يُمكن فهمه في أحد أبعاده إلا من منظور الصراع مع الصين. وخامسها: الحفاظ على الردع الأمريكي أمام كل ما تعتبره مصادر تهديد لحرية الملاحة في العالم.
ورأى فرحات أن هناك أضرارًا لحقت بالنظام الدولي من خلال حرب غزة ومن قبلها الحرب الأوكرانية، بما في ذلك الإضرار بمبدأ حرية التجارة والعولمة وعدم التدخل في الشئون الداخلية والتسوية السلمية للمنازعات، والإضرار بمنظومة الأمم المتحدة وكل وكالاتها المتخصصة، فقد تعرض الأمين العام للأمم المتحدة لانتقادات مرتبطة بموقفه من إسرائيل، كذلك هناك إضرار لحق بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي، وهو ما لوحظ من خلال السجال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، وبالتالي أصبحنا إزاء موجة من الإضرار الضخم بحزمة من المبادئ التي قام عليها النظام القانوني الدولي، وبالأخص المبادئ المستقرة منذ فترات طويلة تعود للحرب العالمية الثانية.
يذكر أن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية شارك للسنة الرابعة على التوالي في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، في نسخته الـ55، المنعقد بمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية خلال الفترة من 25 يناير الجاري حتى 6 فبراير 2024، بمجموعة من الكتب والإصدارات الخاصة والدوريات الجديدة التي تلقي الضوء على أبرز التحولات التي يشهدها العالم والإقليم وتعالج مختلف القضايا السياسية والاقتصادية.
وتأتي مشاركة المركز المصري تأكيدًا على دوره الفكري الرائد خلال السنوات الماضية، وفي ظل مساهماته البحثية التي تتضمن أبرز القضايا المثارة حاليًا على الساحة العالمية، كالحرب في غزة، والدور المصري في القضية الفلسطينية، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والأزمة السودانية.