عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية يوم الثلاثاء الموافق ثلاثين من يناير 2024، ندوة بعنوان “٥٠ عامًا على حرب أكتوبر ١٩٧٣“. وذلك في إطار مشاركة المركز في النسخة الــ٥٥ لمعرض القاهرة الدولي للكتاب للمرة الرابعة على التوالي. تحدث في الندوة كلٌ من الدكتور خالد عكاشة المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، واللواء محمد قشقوش عضو الهيئة الاستشارية بالمركز، والدكتورة دلال محمود عضو الهيئة الاستشارية ومدير برنامج الأمن والدفاع بالمركز، واللواء أركان حرب مجدي حجازي مستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا الاستراتيجية، وأدار الندوة الأستاذ محمد مصطفى شردي الكاتب الصحفي الإعلامي، إلى جانب حضور مجموعة من الخبراء والمتخصصين والسادة الإعلاميين.
استهل الأستاذ محمد مصطفى شردي إدارة الندوة بالتعبير عن سعادته لإطلاق المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية موسوعة عن حرب أكتوبر ١٩٧٣، موضحًا أن الفارق الذي أحدثه المركز يتمثل في تقديمه للمكتبة المصرية والعربية تاريخ ما قامت به الدولة المصرية، إذ إن مصر لم تنشر عن الحرب كثيرًا ولم يكن هناك كُتُب كافية لمصر حول الحرب بشكل توثيقي، حيث إن الوثائق التي توفرت تمثلت في نظرة العالم الغربي للحرب فقط. كما أشار إلى أن الموسوعة غطت ٣ أركان أساسية لحرب أكتوبر، مُشددًا على أن الحرب بدأت قبل عام ١٩٧٣، حيث ركز الأستاذ شردي على الوضع قبل الحرب ومعاناة المصريين من النكسة، واستمرت الحرب بعد عام ١٩٧٣، حتى تم الاعتراف بمصر كدولة منتصرة، وعقد معاهدة السلام وبدأ مرحلة جديدة من التاريخ المصري المعاصر.
الدكتور خالد عكاشة، المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية:
ومن جهته، أكد الدكتور خالد عكاشة على أن المكتبة المصرية تفتقر إلى وجود إصدارات مخصصة لحرب أكتوبر 1973، وأن هناك حاجة لأن يكون هناك إصدار سنوي حول الحرب، وهو ما دفع المركز إلى إصدار الموسوعة. كما دفعت أيضًا الكتابات والمؤلفات الدولية حول الحرب إلى سرعة إصدارها؛ نظرًا إلى أنه هناك حاجة للتأكيد على أن المكتبة المصرية لا تزال خالية من العديد من الزوايا المهمة للحرب؛ حيث يتم تناول الحرب من زوايا قاصرة ومحدودة للغاية، وهي فراغ تستغله بعض الأطراف الخارجية من أجل تزييف الحقائق وترسيخ أمور غير حقيقة ونشر الشائعات. كما مثّل البعد الوطني والإنساني والذي يعني تعزيز الجانب الوطني للقراء المصريين، كدوافع أساسية للخبراء والمتخصصين في الفكر الاستراتيجي والعسكري والمحترفين في إطلاقها، وخاصة بالنسبة للأجيال القادمة.
أشار عكاشة إلى أن الموسوعة تسلط الضوء على التجربة المصرية الفريدة حتى نهاية الحرب وتحرير آخر الأراضي المصرية المحتلة وهي مدينة طابا، وأن رفع الانكسار الموجود قبل الحرب، كان من أهم الانتصارات في حرب أكتوبر، حيث أثرت على الروح المعنوية المصرية بشكل إيجابي، والتي كانت محبطة للغاية بعد نكسة 1967. موضحًا أن من أبرز الانتصارات التي قامت بها القوات المسلحة المصرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، هي الانتصار الجزئي في معركة رأس العش، والذي كان دليلًا قويًا على الانتصار في نهاية الحرب.
شدد المدير العام للمركز المصري على تميز الجيش المصري في وقت الحرب الذي يكمن في أنه متنوع، وشمل كافة فئات الشعب المصري، حيث تم تمثيل كافة أطياف الشعب في الجيش، مما عكس التكاتف الوطني الكبير. وأوضح عكاشة أن حرب 1973 قد انتهت بطلب إسرائيل بوقف إطلاق النار من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك على إثر الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش منذ حرب الاستنزاف المصرية ضد إسرائيل.
وقال عكاشة: إنه بالمقارنة ما بين الأجيال الماضية والأجيال الحاضرة، يجدر الإشارة إلى أنه قديمًا كان خريجو الجامعات يتوجهون لتأدية خدمتهم العسكرية والالتحاق بالجيش المصري بدافع الاستعداد للمعركة، وهو ما كان سائدًا على مدار الست سنوت التي تلت هزيمة 1967. إذ هناك علاقة تبادلية بين القوات المسلحة المصرية والشعب المصري، حيث أدى الجانبان دورهما الوطني على أعلى درجات الصدق والإخلاص وقام الجيش المصري بالتضحية من أجل الشعب المصري وحمايته، وفي المقابل أيضًا قدّم الشعب المصري تضحيات عن طريق مشاركة القوات المسلحة في الحرب، والمشاركة في نجاحها.
علاوة على ذلك، أكد عكاشة أن هناك دورًا محوريًا أيضًا لعلماء الاجتماع المشاركين في كتابة الموسوعة الصادرة عن المركز في التأكيد على دور الشعب المصري في حرب أكتوبر. وأوضح عكاشة أنه شارك في الموسوعة 50 باحثًا وخبيرًا؛ بهدف سدّ الفراغ العلمي والبحثي للكتب والأبحاث المتعلقة بحرب أكتوبر. تمحور الاختيار على أساس وجود المتخصصين المختلفين، مثل القادة والنخبة العسكريين في كافة الأسلحة المشاركة في الحرب وذلك لأنهم جزء أساسي من الانتصار، وقد ساعد في تحريره الدكتور محمد قشقوش، والدكتورة دلال محمود، ومجموعة من الدبلوماسيين المصريين أصحاب الخبرة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، شارك في كتابة الموسوعة مجموعة من الخبراء والباحثين الاقتصاديين، وذلك من أجل تحليل الواقع الاقتصادي المصري في هذه الفترة، ومعرفة كيف تعاملت الإدارة المصرية مع الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الحرب، تم الاستعانة أيضًا بالخبراء الاستراتيجيين لتحليل الوضع قبل وأثناء وبعد الحرب من الناحية التخطيطية والاستراتيجية.
اللواء محمد قشقوش عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية:
ومن جانبه، أشار اللواء محمد قشقوش إلى أنه تم تقسيم الموسوعة إلى ثلاث مراحل، في مقدمتها المرحلة الأولى التي بدأت بنتيجة حرب ١٩٦٧ وليست الحرب نفسها إلى ٥ أكتوبر 1973، ثم المرحلة الثانية التي بدأت من حرب أكتوبر حتى وقف إطلاق النار في ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣ وفض الاشتباك ١٨ يناير ١٩٧٤، فيما ركزت المرحلة الثالثة على تحرير آخر جزء من الأراضي المصرية. إذ بدأ العمل في الموسوعة من هزيمة إلى انتصار عسكري بُني عليه انتصار سياسي، وانتصار قانون دولي برجوع طابا بحكم المحكمة الدولية.
وقال قشقوش: إن الحرب انتهت وبعد ذلك تنحى الرئيس جمال عبد الناصر، الأمر الذي أشعل الشارع المصري بكل الشرائح رجال ونساء، والذي عكس رفضه للهزيمة ورغبته في تحويلها إلى نصر، كما رفض تنحي عبد الناصر؛ لأنه كان رمز هذه المرحلة، إذ إنه كان رمز للعروبة والوحدة العربية. لذلك عندما عاد عبد الناصر بناءً على رغبة الشعب أكد على أمرين في غاية الأهمية وهما؛ “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” و”ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”. كما أكد قشقوش على رفض إسرائيل جميع المبادرات العربية وغير العربية طوال ٦ سنوات، ومحاولات العشرة رؤساء الذين ذهبوا إلى تل أبيب وتحدثوا مع إسرائيل.
أوضح قشقوش أن نتيجة المرحلة الأولى من الموسوعة تمثلت في احتلال سيناء التي تشكل ٦٪ من مساحة مصر وهزيمة الجيش المصري وإغلاق قناة السويس، ويكمن ملخص حرب ١٩٦٧ في أنها “هزيمة بلا حرب”. وأن مهمة المرحلة الثانية أصبحت التغلب على الأثر النفسي السيء لدى الجيش المصري والشعب المصري. وكانت تلك المرحلة انتقالية بين الهزيمة والحرب، حيث كانت مرحلة مهمة، وكُسر فيها الحاجز النفسي لدى الجيش والشعب. وانتهت المرحلة بحرب ١٩٧٣ وكان هناك خطة خداع استراتيجي وتم التغلب على عدو قوي، وانتهت الحرب بمراحلها بهذا الانتصار، والذي وصف بأنه “كبير” نظرًا لأن الإمكانيات المصرية كانت أقل من الإمكانيات الإسرائيلية. وقال قشقوش: إن المرحلة الثالثة بدأت من وقف إطلاق النار وفض الاشتباك حتى تحرير طابا، وهو ما يمكن بلورته في انتصاريين، الأول انتصار سياسي أدى إلى اتفاق سلام واسترداد كل الأرض وتبقي الجزء الصغير في طابا، والثاني انتصار القانون الدولي حيث خاضت مصر ٦ سنوات في المحكمة الدولية حتى استردت الأرض المصرية المحتلة.
اللواء أركان حرب مجدي حجازي، مستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية:
أما اللواء أركان حرب مجدي حجازي فقد رأى أن سلاح الدفاع الجوي له خصوصية لأنه لم يكن موجود قبل حرب 1973، حيث كان لدى الجيش المصري وسائل دفاع جوي فقط، وليس سلاح كامل، منها أجهزة الرادار الجوي، والصواريخ، والمدفعية الجوية، ولكن جميع تلك الوسائل كانت تتم بالتشارك مع أسلحة الجيش الأخرى وليس بشكل منفرد. أشار حجازي إلى أن هزيمة 1967 كانت بمثابة إنذار ودافع قوي من أجل تدشين سلاح الدفاع الجوي، حيث تمثلت الأزمة في النكسة في هزيمة الجيش المصري بسبب السلاح الجوي الإسرائيلي. ولذلك وبعد 8 أشهر فقط من الهزيمة تحديدًا في فبراير 1968، صدر قرار بتدشين سلاح الدفاع الجوي المصري، وهو إنجاز كبير ودليل على سرعة تطوير القوات المصرية لأسلحتها. وقد عقب ذلك استقبال سلاح الدفاع الجوي أسلحة وعتاد جوي روسي.
قال حجازي: إنه تم تقسيم مرحلة حرب الاستنزاف إلى ثلاث المراحل، المرحلة الأولى (الردع الإسرائيلي في مواجهة الصمود المصري) استمرت من يونيو 1967 حتى مارس 14 مارس 1968، وتميزت تلك المرحلة بأن القوات كانت تهاجم وتدافع في الوقت نفسه، وتخطط للانتصار. فيما بدأت المرحلة الثانية (الترويع الإسرائيلي في مواجهة الدفاع النشط المصري) من 20 يوليو وحتى نهاية عام 1969، وفي هذه المرحلة لم تتمكن إسرائيل من إجبار مصر على وقف الأعمال القتالية. أما المرحلة الثالثة بدأت من 13 أبريل إلى 8 أغسطس 1970، والتي شملت إعادة تموضع كتائب الصواريخ واستمر الصراع حتى بعد الخط الثاني. وفي 30 يونيو 1970 تم الهجوم على 12 طائرة إسرائيلية، وهي أول صدمة أخذها العدو الإسرائيلي.
أكد حجازي على أنه هناك أسبوعان يعدان من أهم الأسابيع في الحرب، وهم من 30 يونيو إلى 7 يوليو 1970، حيث تم اسقاط 20 طائرة للعدو الإسرائيلي، ومن 30 يوليو إلى 8 أغسطس 1970، تم اسقاط 12 طيارة للعدو الإسرائيلي، والذي تزامن مع مماطلة إسرائيل من أجل الموافقة على مبادرة السلام واسترداد الأراضي المصرية المحتلة آنذاك.
الدكتورة دلال محمود، عضو الهيئة الاستشارية ومدير برنامج الأمن والدفاع بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية:
فيما أكدت الدكتورة دلال محمود على أن فهم العقلية الإسرائيلية يتمثل في ٣ خصائص؛ في مقدمتها الاستعلاء أو النظرة الدونية للآخر، وذلك نظرًا لمعتقدات لدى الإسرائيليين، ويتمثل ثانيها في شعور المغتصب، حيث إنهم يغتصبون حقوقًا ليست لهم، لذلك يسعون في القضاء على صاحب الحق لأنهم يعلمون أن صاحب الحق لن يتنازل عن حقه، ويتعلق ثالثها بسعي إسرائيل دائمًا للوصول إلى الأمن.
كما أشارت إلى أن مفهوم الدول العربية الضعيفة وأنهم لا يعرفون التخطيط ويُروجون داخليًا أمام شعوبهم باستخدام المصطلحات الضخمة، ذلك هو المنطق الإسرائيلي الذي ساعد مصر على كسر هذه الصورة السلبية. إذ إن مصر والدول العربية قادرون على التخطيط الاستراتيجي والتعبوي وعلى تحقيق عنصر المفاجأة الصادمة وعلى المناورة ولن يتنازلوا عن حقوقهم.
أوضحت الدكتورة دلال محمود أن منذ ذلك التاريخ وإسرائيل لا تريد حرب أكتوبر جديدة؛ لأنها تعلم أن الجيش قوي والدولة المصرية قوية، حيث عقب عام ١٩٧٣ وبعد الهزيمة الكبرى لإسرائيل وكسر الأمن الإسرائيلي حاولت أنها تسيطر على المشهد من خلال كسر التفوق المصري. كما أشارت إلى أن إسرائيل لديها معتقدات تروجها للداخل والخارج، وذلك هو الضعف لديها ويتسبب في إحداث الانقسامات داخل النخبة السياسية. وقالت إن المواطن الإسرائيلي يريد أن يشعر بالأمان وذلك لم يتحقق ولن يتحقق لأن إسرائيل دولة قائمة على الاغتصاب.
وفي الختام، شارك المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية للسنة الرابعة على التوالي في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، في نسخته الـ 55، خلال الفترة من 25 يناير حتى 6 فبراير 2024، بمجموعة من الكتب والإصدارات الخاصة والدوريات؛ بهدف تسليط الأضواء على أبرز التحولات التي يشهدها العالم والإقليم حاليًا ومعالجة مختلف القضايا السياسية والاقتصادية، ومنها الحرب في غزة، ومصر والقضية الفلسطينية بين الماضي والحاضر، وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والأزمة السودانية. كما عقد المركز المصري مجموعة من الندوات التي ناقشت عددًا من القضايا المحورية، وذلك في إطار حرص المركز على تقديم محتوى رفيع المستوى لجميع رواد المعرض.