يقول نتنياهو: “إن الهجوم في رفح هو مفتاح النصر”، فهل هذا صحيح؟! الجميع يعرف أن إسرائيل هُزمت معنويًا وسقطت أركان نظرية أمنها، وأنها تبحث عن إنجاز يُحسب لها كنصر في حرب هُزمت فيها فعليًا. لقد حددت إسرائيل هدفًا صعبًا في هذه الحرب التي بدأت من السابع من أكتوبر 2023، وهو القضاء على حركة حماس. تؤكد إسرائيل أنها تريد مطاردة عناصر حماس وتدمر بنيتهم في رفح باعتبارها الجزء المتبقي من عمليات التمشيط التي تقوم بها القوات الإسرائيلية لقطاع غزة كله.
وفي سبيل هذا الهدف تتجاهل الحكومة الإسرائيلية الرفض الدولي والإقليمي لعمليتها العسكرية المحتملة في مدينة رفح على الحدود المصرية، فهناك تداعيات خطيرة تلوح في الأفق إذا ما بدأت إسرائيل عملية عسكرية موسعة في مدينة رفح، فهناك جملة من انتهاكات قانونية تقوم بها إسرائيل من جرّاء هذه العملية المحتملة، سواء انتهاكات لها كدولة احتلال لإقليم حكم ذاتي، أو انتهاكات لاتفاقياتها المبرمة مع مصر عام 1979، ناهيك للانتهاكات الإنسانية التي تتعارض مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان وكذا تتعارض مع القانون الدولي الإنساني. بالإضافة إلى احتمالية أن تدفع العملية العسكرية التي تخطط لها تل أبيب، مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين تجاه الأراضي المصرية في سيناء واختراق الحدود، فضلًا عن احتمال قيام الجيش الإسرائيلي بشن هجمات في محور فيلادلفيا وهو أمر ترفضه القاهرة.
عملية تحرير الرهينتين
وواقع الأمر أن إسرائيل قد نفذت هجمة على مخيم الشابورة في خان يونس لتحرير رهينتين لدى حماس، وذلك في فجر يوم 12 فبراير 2024، والذي يبعد مسافة تزيد عن 7 كم داخل مدينة رفح. نفذت العملية قوات اليمام لمكافحة الإرهاب، مع الاستعانة بقوات معاونة من مقاتلي وحدة النخبة “شياتيت-13” ووحدات مدرعة من اللواء السابع المدرع، مع الدعم الفني الذي وفرته طائرة من طراز “سي-30” المخصصة لعمليات التنصت الاستخباراتي. أما الدعم النيراني فقد تم على مرحلتين، الأولى: تمت من خلال طائرات الهليكوبتر المقاتلة من طراز “أباتشي”، والتي استهدفت البنايات المجاورة لموقع الرهائن عن طريق الصواريخ لتصيب أهدافها في طوابق محددة، صدرت منها نيران مضادة باتجاه مقاتلي القوة الخاصة الإسرائيلية، كما عملت أيضًا المروحيات لمرافقة القوة بعد عملية الإخلاء لاصطحابهم خارج منطقة الخطر، ومن ثم مرافقة الهليكوبتر الحاملة للرهائن.
أما المرحلة الثانية من الدعم النيراني، وفقًا لمصادر إسرائيلية، فقد استهدفت مركز قيادة ميداني مباشر بالقرب من منطقة العملية لمحاولة تحجيم رد فعل حماس بقدر الإمكان، ومن ثم تقديم ضربات موسعة بعد انسحاب القوة الإسرائيلية المرافقة للرهائن، وانتهت العملية بتحرير رهينتين ومقتل 74 فلسطينيًا وفقًا لمسئولي الصحة في غزة.
وعلى الرغم من تحرير أسيرين فقط من مجمل 134 أسيرًا داخل القطاع، اعتبرت إسرائيل المهمة كإحدى أهم مهمات تحرير الأسرى في تاريخ الجيش الإسرائيلي حسب إعلامها المحلي.
تضمنت العملية الإسرائيلية الكثير من التكتيكات المركبة، والتنسيق بين مختلف الوحدات القتالية، وعلى الرغم من النجاح النهائي بتحرير الرهينتين، واستغلال القيادة السياسية والعسكرية لهذا النجاح لرفع بعض الحرج عن الإخفاق التام منذ عملية “طوفان الأقصى”. ووفقًا للتحليلات الفنية لعملية تحرير الرهائن؛ فإن هناك جهدًا استخباريًا مكثفًا لتحديد مكان الرهينتين، وتدريبًا من العمليات الخاصة على تحريرهما، بالإضافة لتخطيط الدخول والخروج لعناصر التنفيذ.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل كان الهدف الحقيقي لهذه العملية هو تحرير اثنين من الرهائن الإسرائيلية فقط، أم استعراض لقوة التدمير الذي يمكن أن يحققه اجتياح بري تقوم به القوات الإسرائيلية في مدينة رفح، أم جس نبض الرافضين لعملية عسكرية إسرائيلية موسعة في رفح؟
رد الفعل المصري على عملية خان يونس
عملت مصر على مواصلة اتصالاتها وتحركاتها مع مختلف الأطراف (الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين وقطر)، من أجل التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنفاذ التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين، ودعت إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل للتجاوب مع تلك الجهود، وتجنب اتخاذ إجراءات تزيد من تعقيد الموقف، وتتسبب في الإضرار بمصالح الجميع دون استثناء.
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصر التزامها باحترام القانون الدولي والتزامات اتفاقياتها، فقد تعاملت مع الموقف بالحذر الموضوعي من خلال تحصين حدودها مع غزة بشكل كبير، حيث أقامت منطقة عازلة بطول 5 كيلومترات وجدرانًا خرسانية فوق وتحت الأرض. كما طالبت “بضرورة تكاتف جميع الجهود الدولية والإقليمية للحيلولة دون استهداف مدينة رفح الفلسطينية، التي باتت تأوي ما يقرب من 1.3 مليون فلسطيني نزحوا إليها لكونها آخر المناطق الآمنة بالقطاع”، حسب بيان صادر عن الخارجية المصرية.
ومع استمرار هذه الجهود اتضح من جولة تفاوضية شهدتها القاهرة يوم 13 فبراير حضرها مسئولون إسرائيليون وأمريكيون لمناقشة تحقيق الهدنة، وانتهت الجولة دون صدور مقترح محدد للمرحلة القادمة.
هل تُقْدِمُ إسرائيل فعليًا على اجتياح رفح؟
هناك تضارب في الرؤى حول المرحلة القادمة في حرب غزة حول مدى إقدام إسرائيل على اجتياح مدينة رفح بريًا ومدى نجاح جهود التوصل إلى هدنة، وهناك سيناريوهات محتملة وفقًا للتقديرات المختلفة، وأهمها:
الأول: إن إسرائيل سوف تنفذ الاجتياح البري لرفح، وذلك يظهره إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي على هذا الاجتياح، فإن مستقبله السياسي وربما الشخصي يرتبط باستمرار حالة الحرب ذاتها وربما اتساعها، وكذلك استهدافه لتحقيق نصر واضح يسمح له بالخروج الآمن من السلطة في إسرائيل. وربما يشجعه على هذا رد الفعل الأمريكي المطمئن، فقد تحول موقف الولايات المتحدة من الرفض النهائي لعملية عسكرية في رفح، إلى الموافقة عليها بشرط تأمين المدنيين، فوفقًا لموقع “تايمز أوف إسرائيل”، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اتصال بينهما استمر لمدة 45 دقيقة يوم 11 فبراير: “إنه لا ينبغي على إسرائيل المضي قدمًا في حملتها العسكرية في مدينة رفح الحدودية المكتظة بالسكان دون خطة “موثوقة” لحماية المدنيين”. ويستند أصحاب هذا الرأي أن نتنياهو يؤكد أن هناك عدة بدائل لتأمين المدنيين في محاولة لإرضاء الولايات المتحدة، مثل قوله إنه على استعداد لفتح ممرات آمنة للمدنيين ليتجهوا إلى شمال غزة.
الثاني: إن إسرائيل ستتجاوب مع المفاوضات الجارية ولن تقدم على اجتياح رفح بريًا، وأن العملية التي نفذتها كانت للضغط السياسي في المفاوضات وفرض شروطها فيها، خاصة بعد أن اعتبرت أن مطالب حركة حماس مبالغ فيها. كذلك فإن هناك انقسامًا في مجموعة صنع القرار الإسرائيلية بين الحكومة اليمينية المتشددة من جهة والقيادات العسكرية، التي تؤكد أن اجتياح رفح يهدد استقرار العلاقات مع مصر، ويغضب الولايات المتحدة في عام الانتخابات الرئاسية. وعلى مستوى آخر فإن إسرائيل تواجه مشكلات اقتصادية حادة أدت إلى ضغوط كبيرة على الحكومة الإسرائيلية، فللمرة الأولى على الإطلاق، قامت وكالة موديز بخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى “A2” من “A1” وذلك بفعل التبعات التي تفرضها الحرب في غزة على الاقتصاد، وأبقت الوكالة نظرتها المستقبلية الائتمانية سلبية؛ الأمر الذي يشير إلى إمكانية خفض التصنيف مرة أخرى.
كما يضيف أصحاب هذا الرأي أنه من الصعب تكرار هذه العملية الناجحة؛ لأن تنفيذ العملية كان معقدًا ومكلفًا. وبمقارنة المجهود الذي تطلب أسابيع لدراسة تحرير رهينتين فقط مع العدد الكبير المراد تحريره في النهاية، والذي يزيد عن 130 رهينة لذا؛ سيتطلب من الجيش الإسرائيلي القيام بتحضيرات لشهور عديدة لمحاولة الانتهاء من هذه المسألة، وهو ما لا يتحمله الرأي العام الإسرائيلي حتى مع محاولة تخفيف الوضع بنجاح العملية الأخيرة، ولكنها ستكون محفزًا رئيسيًا لازدياد الاحتجاجات المطالبة بتحرير باقي الرهائن٠
ومن ثم ينتهي هذا الاتجاه بأنه على الرغم من إصرار نتنياهو وحكومته على الاستمرار في الحرب لضمان بقائهم والعمل على تصفية القضية الفلسطينية، فإن المؤشرات الواقعية ترجح أنها ستضطر للاتجاه الدبلوماسي لعمل صفقة تبادل للأسرى لمنع تعريض حياتهم للخطر أثناء عمليات التحرير، لكن بمزيد من الشروط والمساومات التي تجيد استخدامها في التفاوض، خاصة إذا ما قدرت حماس أيضًا أن التفاوض هو البديل الأنسب للحفاظ على المدنيين.
الثالث: يعتقد أصحاب هذا الرأي أن اتجاه إسرائيل سواء إلى اجتياح قطاع رفح والاستمرار في الحرب أم اتجاهها للتفاوض والاعتماد على الدبلوماسية، أمر يتوقف على بعض العوامل الأخرى، أهمها: اتجاهات الرأي العام داخل إسرائيل بالأساس وإدراكه للتداعيات المحتملة من مثل هذا القرار عليهم، ومدى نجاح الإدارة الأمريكية في السيطرة على تعنت نتنياهو وذلك إما بتأمين وضعه السياسي أو العمل على إخراجه من المشهد السياسي والتفاهم مع قيادة يمينية أخرى بما يناسب التوجه العام في إسرائيل. ومن العوامل أيضًا نجاح الضغوط الإقليمية من مصر والأردن وغيرهما من دول المنطقة في إقناع إسرائيل لإعادة تقييم قرارها المنتظر تجاه رفح. نجاح كافة الجهود الدولية والإقليمية في منع عرقلة جهود التفاوض لوقف إطلاق النار والوصول لصيغة لتبادل الأسرى. وعلى مستوى آخر، فإن الوصول لتفاهم ما بين السلطة الفلسطينية وحماس على من يتولى إدارة القطاع سواء حكومة تكنوقراط أو أي صيغة أخرى، من شأن هذا التفاهم أن يقوض استغلال إسرائيل لاستمرار حماس في القطاع بما يجعلها تستمر في الحرب.
مجمل القول، إن الأيام القليلة القادمة وربما الساعات القادمة هي ما ستجيب على التساؤل الذي يحمله هذا المقال، ويوضح هل تحرير رهينتي إسرائيل سيدفعها لاجتياح مدينة رفح ليتحقق النصر الذي يطمح إليه نتنياهو، أم سيكون مفتاحًا للتهدئة والدبلوماسية ويجبرها على الاتجاه للتفاوض الحقيقي لوقف إطلاق النار ولو بشكل مؤقت؛ إذ إن هناك بعض الكتابات التي تعتبر مشاركة إسرائيل في التفاوض يتم لاستنزاف الوقت فقط لحين تستعد لعملية عسكرية برية واسعة النطاق في رفح مع الاستعداد لتداعياتها المحتملة، أو لإرضاء الولايات المتحدة فقط. وبعبارة موجزة هُزمت إسرائيل فعليًا، وما تسعى لتحقيقه لن يغير من الأمر في شيء، والأمل أن تستطيع الأصوات الرشيدة داخل إسرائيل من احتواء الخسائر التي لحقت بها، ومنع الحكومة الإسرائيلية من توسيع هذه الخسائر.
الكلمات الدالة: عملية إنقاذ، الرهائن، رفح، طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، طوفان الأقصى، غزة، غزة تحت القصف، فلسطين، قطاع غزة،
تبويب النشر: التسلح