عقد المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية ندوة بعنوان “توقعات مصرية للإقليم والعالم 2024” بمعرض القاهرة للكتاب، النسخة الـ55، يوم السبت 3 فبراير 2024. وكانت الندوة تهدف إلى مناقشة الكتاب السنوي الذي يصدره المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية حول أبرز التوقعات المحتملة لمستقبل مصر والإقليم والعالم في العام 2024، ويشمل هذا الكتاب محاور عديدة تشمل القضايا العالمية والإقليمية والأمنية والاقتصادية والتكنولوجية، فضلًا عن استشراف مستقبل مصر سواء على مستوى السياسة الخارجية أو الاقتصاد أو المجال السياسي العام.
وشارك في الندوة 4 متحدثين وهم: د. عبد المنعم سعيد، رئيس الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، د. مدحت نافع، مستشار وزير التموين والتجارة السابق والخبير الاقتصادي، د. جمال عبد الجواد، عضو الهيئة الاستشارية ومدير برنامج السياسيات العامة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ود. خالد حنفي، الخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، وأدار الندوة د. خالد عكاشة، المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
ملخص ما جاء في الندوة
افتتح د. خالد عكاشة الندوة واستهل حديثه عن أهمية الندوة، وإيضاح كيف يحرص المركز المصري على إصدار توقعات للعام الجديد بالاستناد إلى دراسة أحداث الأعوام السابقة، وبالتالي استشراف أحداث العام الجديد القادم. وأشار إلى أن إصدار “توقعات 2024” يشارك فيه ما يزيد على 24 خبيرًا وباحثًا مصريًا للإجابة عن سؤال واحد، وهو “إلى أين يتجه العالم في أعتاب العام الجديد؟”. وأكّد د. خالد عكاشة أن نسبة كبيرة من توقعات الخبراء والباحثين المشاركين قد تحققت على مدار السنوات الماضية، منذ أول إصدار توقعات للمركز في عام 2019، مما شجع على استكمال إصدار هذه التوقعات في مطلع كل عام.
وأشار أيضًا إلى أن هذا الإصدار، بجانب إجابته على تساؤلات إلى أين تتجه مصر خلال العام الجديد، يضع أيضًا سيناريوهات لحرب غزة، فضلًا عن توقع مسارات وصراعات القوى العالمية، كما يحدد اتجاهات التسلح الإقليمي، ويلقي الضوء على الأمن البحري وتداعياته على الإقليم والعالم، ومسارات الحرب في أوكرانيا، والتنافس الأمريكي الصيني، فضلًا عن العوامل المؤثرة على الاقتصاد والتكنولوجيا وأسواق الطاقة في العالم.
د. عبد المنعم سعيد:
أشار د. عبد المنعم إلى أهمية التفريق بين التوقع والتنبؤ، حيث إن التوقع يكون مبنيًا على البحث العلمي والدراسة للأحداث الماضية وتوقع ما يمكن أن يحدث بناءً على ذلك، وتحتوي هذه التوقعات على اتجاهات وتحولات ينبغي لمصر مراعاتها عند اتخاذ القرارات. وأكد على أن توقعات عام 2024 تركز على القضايا العالمية، وتجيب عبر الإصدار عن التساؤلات التي تخص النظام الدولي القائم على علاقات القوى العظمى فيما بينها، وتسلط الضوء أيضًا على الانتخابات الأمريكية 2024، التي تعبر عن انقسام حقيقي داخل الجسد الأمريكي، وتشير إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي من المتوقع أن تزداد سوءًا بسبب الصراعات العالمية، ومصر ليست بمنأى عن هذه التحديات، لكنها قادرة على مواجهة هذه الأزمة.
وأعطى د. عبد المنعم بعض الأمثلة على الأحداث الحالية والماضية المستخدمة في عملية التوقع، فأشار إلى أن “الربيع العربي” تسبب في صراعات كبيرة، وأننا لا نزال نعاني من تداعيات هذه الصراعات حتى الآن. وأكد أيضًا على أن حرب غزة لم تكن حربًا واحدة، بل هي حرب مركّبة تبدأ من داخل غزة وتأخذ في طريقها الحدود اللبنانية والسورية وتدخل بها قوى أخرى كإيران والولايات المتحدة، حيث أشار إلى أن الصراع في غزة يتحول الآن تدريجيًا من فلسطيني إسرائيلي إلى صراع إيراني أمريكي، وأنه سيستمر طيلة هذا العام، شئنا أم أبينا، لاعتبارات عدة. بالإضافة إلى ذلك أكد على أن الأمن القومي المصري في خطر بسبب مثلث العنف المحيط بمصر (فلسطين ومضيق باب المندب والسودان)، لكن بالرغم من ذلك، مصر يوجد بها خط رئيسي مستمر منذ 2014 حتى الآن يقوم على البناء والتنمية ولم يتوقف.
د. مدحت نافع
أكد د. مدحت نافع على أن كتاب التوقعات يستشرف قضايا متداخلة بشكل كبير، ويأتي كنوع من أنواع متابعة ما جاء في 2023. وأشار إلى أن الحرب المشتعلة في غزة تُعد العامل الرئيسي في تحديد الاتجاهات الاقتصادية في الفترة القادمة، خاصة وأنها تؤثر على إيرادات السياحة وقناة السويس، حيث إن تداعيات الأزمات العالمية تؤثر على الاقتصاد المصري، والمصادر المستقرة للنقد الأجنبي. وأنه بالإضافة إلى كل ما سبق، نضع في الاعتبار “التغيرات المناخية” التي لم يسلم منها العالم ومصر ليست بمنأى عنها.
أشار أيضًا د. مدحت نافع إلى أن مصر تعاني من أمراض اقتصادية مزمنة، يمكن تلخيصها في عجز الموازنة العامة والعجز الخارجي، وأن العجز التجاري أثّر على الواردات، وبالتالي أثّر على المعروض السلعي في الأسواق. وأكد على أن الأزمات العاجلة التي ستواجه مصر هي: أزمة التضخم، وأزمة الدين الخارجة، خاصة ما يتعلق بالديون التي لا يمكن التخلف عن سدادها، لكن بدأت الدولة المصرية والحكومة بالتحرك لمحاصرة العدو الأول للاقتصاد والاستثمار وهو التضخم.
بالإضافة إلى ذلك أكد على أن في 2024، ستكون توقعات النمو العالمية أفضل من 2023، وأن في مصر ستكون توقعات النمو متفاوتة إذا تم محاصرة التضخم ومعالجة الآثار السلبية لما يحدث في غزة، وأن معدلات البطالة في مصر جيدة، وتقلل من الركود التضخمي، حيث إن المشروعات لم تتوقف جرّاء الأزمة الاقتصادية وبالتالي استوعبت كثيرًا من العمالة. وأخيرًا أضاف، أن لمحاصرة التضخم، علينا اتباع سياسة الكبح المالي، وتأجيل الإنفاق الحكومي خارج وداخل الموازنة، والسيطرة على الاقتراض، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في إدارة الأزمات الاقتصادية.
د. جمال عبد الجواد
أشار د. جمال عبد الجواد إلى أن السمة الأساسية لوضع السياسة الداخلية تبدأ من الانفتاح المتزايد في المجال العام، وتوقع المزيد من الانفتاح في المجال العام المصري، وأضاف أن في عام 2023 كانت هناك حلحلة ملحوظة في ملف قضايا المحبوسين على ذمة “القضايا السياسية”، وأن هذا مؤشر على انفتاح المجال العام. كما أشار إلى أن الحوار الوطني بدأ بطيئًا ومتأخرًا، ولكنه وفّر وأضاف للحياة السياسية شيئًا لم يكن موجود فيها خلال العقد الماضي، حيث إنه اتسم بوجود عدد من التيارات السياسية والاجتماعية المختلفة، تحدثوا جميعًا بدرجة عالية من الحرية، وبلا سقف من القيود المتعارف عليها، وهذا مؤشر مهم لمستقبل الحياة السياسية في مصر.
تحدث أيضًا د. جمال عن الانتخابات الرئاسية المصرية التي كانت تأسيسية وحددت كيف سيكون الشكل السياسي في مصر الفترة القادمة، حيث إنها شهدت قدرًا من التعددية ولم يحدث هذا منذ وقت طويل، حيث كانت هناك تنافسية جدية تعكس تفكير الأحزاب السياسية في مصر، التي ستلعب دورًا مهمًا في الحياة السياسية المصرية المقبلة. وأكد أيضًا أن هناك توقعات لإصلاحات سياسية مرتبطة بالحوار الوطني، ويمكن إصدار قوانين جديدة تتعلق بالانتخابات البرلمانية والحبس الاحتياطي، وأن بشكل عام هناك توافق على كيف ستدار الحياة السياسية في مصر الفترة القادمة، حيث سيتم تجنب الدعاية السلبية، وقد استقرت القوى السياسية المصرية بالفعل على طريقة للتفاهم فيما بينها على صياغة الخطاب العام.
د. خالد حنفي
أكد د. خالد حنفي على أن فريق عمل التوقعات، على مدار 4 سنوات، قام على أساس منهجي، وأن هذا الإصدار من الإصدارات النادرة في مصر المتعلقة باستشراف المستقبل. وأشار إلى أن مصر الآن بحاجة إلى حوار معمق ومتزايد، وهناك طلب على استدعاء كافة القوى داخل مصر لمجابهة التحديات القائمة. وأشار إلى أن هناك موجة واسعة تتعلق بالتوقعات، وتزايدت بعد ثورات 2011، حيث إن هذه الثورات أوجدت حالة من الخلل في مسألة التوقع، وبالتالي كانت هناك معضلة فيما يتعلق بالمفاجآت، وبالتالي بدأت القوى الإقليمية والدولية في محاولات عدة لاستشراف القادم.
كما أشار إلى أن التوقعات تواجه مشكلة أساسية تتعلق بالحيز الزمني، خاصة وأن هناك تغيرات كثيرة قد يشهدها عام واحد، ولكن يبقى الأهم هو كيف تتعامل الدولة مع هذه التغيرات. وأضاف أن هذا الإصدار يتميز بأنه يجمع بين أجيال مختلفة من الباحثين والخبراء، وأن التوقعات تستطيع إعطاء رؤية للمستقبل، وتمكّن صانع القرار من التكيف والتعايش مع فكرة المجهول، وأنها تلعب دورًا مهمًا في دعم القدرة الاستباقية للمجتمعات، وأضاف أن المركز المصري راكم على مدار السنوات الماضية خبرة نادرة في مسألة التوقع والاستشراف.
وأكد د. خالد على أنه منذ السابع من أكتوبر يشهد العالم انتشارًا لحالة من التأزم داخل الإقليم، بدءًا من الحرب الإسرائيلية مرورًا بضربات البحر الأحمر والضربات الأمريكية وتشكيل تحالف دولي لمواجهة المجموعات المسلحة المرتبطة بإيران، وغيرها، وأنه على الأرجح ستستمر الحرب في غزة طويلًا، كونها ستؤثر (كثورات 2011) على بنية المنطقة والإقليم والقوى الدولية. كما أضاف أن هناك مستويين لتحليل الظواهر السياسية؛ مستوى مرئي، ومستوى غير مرئي، وما جرى في السابع من أكتوبر جاء بسبب وجود خلل هيكلي أدى إلى اختلالات تحت السطح أدت إلى الانفجار فيما بعد، وأننا بحاجة إلى رفع قدرة التنبؤ في مصر، وخاصة أن مصر في إقليم معقد، حيث إن الاستشراف سيساعد مصر على التكيف والاستجابة وتقليل آثار الصدمات.
وفي النهاية، تمت مناقشة بعض القضايا المهمة مع الحضور، مثل مستقبل دور التكنولوجيا المتقدمة في الصناعات المصرية، وضرورة تعزيز مفهوم أمن الطاقة، بالإضافة إلى أهمية مستقبل ملف الهيدروجين الأخضر، حيث تمت الإشارة إلى أن مصر صاحبة دور ريادي وكبير في ملف الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة الصديقة للبيئة على مستوى العالم، وأنه سيساعد في دعم أمن الطاقة المصري وتحسين المستوى الاقتصادي في السنوات المقبلة.