من المؤكد أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة سوف تنتهى آجلا أم عاجلا مهما كانت نتائجها، وإن كنت أرى أن إسرائيل التى تحتل حاليا أجزاء كبيرة من القطاع لن تنسحب منه بسهولة تحت دعاوى المبررات الأمنية وضمان عدم تكرار أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضى وتؤيدها فى ذلك الولايات المتحدة رغم التحفظات المتعلقة بضرورة تجنب قتل المدنيين. ومن الملاحظ أن هناك تدفقا غير مسبوق فى التصريحات الأمريكية والأوروبية بشأن ضرورة إقامة دولة فلسطينية فى إطار حل الدولتين وتأكيد أن هذا الحل السياسى يعتبر أساس الاستقرار فى المنطقة، وهنا لابد أن يتذكر الجميع أن هذا هو الموقف المصرى الذى عبرت عنه القيادة السياسية مرارا وحذرت من مغبة استمرار التجاهل الدولى لهذه القضية المركزية. وبالرغم من أن هذه التصريحات الإيجابية لم تضف جديدا عن المواقف المعروفة التى تتبناها الإدارة الأمريكية الديمقراطية بشأن حل الدولتين كما يتبناها الإتحاد الأوروبى، فإن هذه التصريحات تصاعدت عقب تطورين رئيسيين أولهما الحرب الإسرائيلية على غزة التى مازالت تدور رحاها منذ أكثر من أربعة أشهر، وثانيهما التدخل الإيرانى فى هذه الأزمة من خلال تسخين الجبهة الشمالية لإسرائيل وتوتر الوضع بينها وبين حزب الله، بالإضافة إلى إطلاق الحوثيين الصواريخ على السفن المارة فى مضيق باب المندب مما أثر بالسلب على حركة التجارة الدولية. إذن يمكن القول إن أهم المتغيرات التى شهدتها المنطقة مؤخرا تمثلت فى إعادة الاهتمام الدولى بالقضية الفلسطينية رغم أن الأمر لم يتعد مجرد التصريحات حتى الآن انتظارا لإنتهاء الحرب على غزة وبالتالى يتم التحرك طبقا لطبيعة النتائج المتوقعة وذلك فى إطار ما يسمى مستقبل القطاع أو اليوم التالى ووضوح مواقف جميع القوى المنخرطة فى هذه الحرب.ويشير الواقع إلى أنه رغم حجم الكارثة التى حلت بقطاع غزة وقيام إسرائيل بتدمير آلاف المنازل والمؤسسات والبنية التحتية وقتل وإصابة آلاف المدنيين الأبرياء وتحويل معظم أنحاء غزة إلى مناطق غير قابلة للحياة وانتشار المجاعات والأمراض، فإن الواجب يحتم علينا أن نظل نبحث عن شعاع أمل فى هذا النفق الشديد الظلمة مهما كانت النتائج الكارثية التى سوف تتطلب سنوات طويلة لمعالجتها واحتواء آثارها المدمرة. والسؤال الأهم الذى يطرح نفسه هنا يتمثل فى كيف يمكن أن نحول هذه التصريحات الإيجابية التى تتردد بين الحين والآخر إلى واقع على الأرض، والتحدى هنا كيف يمكن أن ندفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى التحرك بجدية نحو إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء النزاع الممتد لعقود وأن يكون هذا الموقف بداية جديدة لانتهاء العهد الذى تميز بتجاهل أبسط حقوق الشعب الفلسطينى الصامد فى أن تكون له دولته المستقلة مثل باقى شعوب العالم. وبالتالى علينا أن نبحث عن الآليات الواقعية التى يمكن للمجتمع الدولى أن يتبناها فور انتهاء الحرب ثم نتحرك فى مسار شاق نصل فى نهايته إلى إقامة الدولة الفلسطينية على 4 مستويات:
هى المستوى العربى:
– استصدار قرار من الجامعة العربية يشتمل على مجموعة من المبادئ الرئيسية (دعم السلطة الفلسطينية – المشاركة فى إعادة الإعمار – المطالبة باستئناف المفاوضات للوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينية).
– تحرك المجموعة العربية على المستويين الإقليمى والدولى من أجل حشد كل الجهود نحو تدشين مرحلة جديدة لدفع عملية السلام.
على المستوى الفلسطينى:
– ضرورة عودة السلطة الفلسطينية لتتولى حكم القطاع كما كان الوضع سائدا منذ اتفاق أوسلو وحتى ماقبل يونيو 2007 على أن تتم هذه العودة من خلال توافق دولى وداخلى يعلن إنتهاء الانقسام الفلسطينى.
– التنسيق مع السلطة الفلسطينية لتشكيل حكومة جديدة (تكنوقراط) مقبولة من الجميع وذات مهام محددة من بينها الجانب الأمنى من أجل البدء فى إعادة الحياة إلى غزة تدريجيا.
– إعلان السلطة الفلسطينية اعتزامها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمجلس الوطنى فور هدوء الأوضاع.
على المستوى الإسرائيلى:
– عدم بقاء الجيش الإسرائيلى فى القطاع عقب انتهاء الحرب على غزة.
– الموافقة على استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية دون أى شروط مسبقة.
– تخفيف الإجراءات التى تقوم إسرائيل باتخاذها فى الضفة الغربية والمسجد الأقصى التى من شأنها إعادة تأجيج الأوضاع مرة أخرى.
على المستوى الأمريكى:
– البدء فى بلورة الآلية المناسبة لوضع مبدأ حل الدولتين موضع التنفيذ.• تقديم كل الدعم الممكن للسلطة الفلسطينية وإلغاء القرارات المجحفة بحق منظمة التحرير الفلسطينية.
– إقناع إسرائيل بأن الحفاظ على المصالح الأمريكية فى المنطقة واستمرار قطار التطبيع الإسرائيلى العربى يتطلب إقامة الدولة الفلسطينية.على المستوى الدولى
– استصدار قرار من مجلس الأمن يتضمن دعم السلطة الفلسطينية وحل الدولتين وهو الأمر الذى سوف يمهد لعودة السلطة إلى غزة بطريقة شرعية وآمنة ومقبولة.
– الاتفاق على إعادة إعمار القطاع من خلال تشكيل مجموعة مانحة تتكون من دول إقليمية ودولية.
– ممارسة أقصى قدر من الضغوط على إسرائيل من أجل أن تنسحب من القطاع فور انتهاء الحرب، ولامانع من بحث أى ترتيبات أمنية محدودة فى إطار مفاوضات السلام عند استئنافها.
◙◙ الخلاصة أننا حاليا أمام كارثة إنسانية ولكننا فى نفس الوقت أمام فرصة لابد من استثمارها وبما يتطلب أن تكون كل الأطراف على مستوى المسئولية حتى لاتتكرر مأساة غزة مرة أخرى ومن أجل إسقاط كل الذرائع من بعض القوى التى تحاول أن تستغل الموضوع الفلسطينى كمبرر للقيام بأعمال من شأنها إيجاد حالة من عدم الاستقرار فى المنطقة.