شنت إسرائيل حربًا ضروسًا على قطاع غزة قتلت فيه آلاف المدنيين إثر إطلاق حركة حماس عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 على خلفية الإجحاف الإسرائيلي المستمر بالحقوق الفلسطينية، والتي استهدفت خلالها المواقع العسكرية الإسرائيلية في مستوطنات غلاف غزة وسعت إلى أسر جنود إسرائيليين من أجل إطلاق سراح الآلاف من الأسرى الفلسطينيين من خلال عملية تبادل –وفقًا لما أعلنته حماس-[i]. وقد اتخذ البرلمان المصري موقفًا صلبًا إزاء محاولات تصفية القضية الفلسطينية مستخدمًا صلاحياته الدستورية والقانونية وعددًا من الأدوات الرقابية. فقد فوض البرلمان خلال جلستين طارئتين الرئيس عبد الفتاح السيسي في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية الأمن القومي وتأمين حدود البلاد ودعم الفلسطينيين[ii]، مما يستدعي الكشف عن محددات ذلك الموقف، وتحديد التحركات البرلمانية في كل من مجلسي النواب والشيوخ من خلال تحليل الجلسات الرسمية لمدة ثلاثة أشهر، بدءًا من شن الحرب على غزة في أكتوبر وحتى نهاية يناير 2024. وذلك كما في التالي:
أولًا: محددات موقف البرلمان من الحرب على غزة:
- الدور التاريخي لمصر في دعم ومساندة القضية الفلسطينية
على مدار العقود الماضية، قدمت مصر نحو مائة ألف شهيد ومائتي ألف جريح خلال حروبها مع إسرائيل من أجل القضية الفلسطينية. فقد عارضت مصر قرار تقسيم فلسطين باعتبار أنه أنكر حق الشعب الفلسطيني في الممارسة الكاملة لتقرير المصير على مجمل أرضه[iii]. ولم ينقطع الدعم المصري للقضية الفلسطينية على مدار تاريخها فقد شارك الجيش المصري في حرب 1948 لإنقاذ فلسطين من عدوان العصابات الصهيونية المسلحة[iv]. وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر كانت القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماته ودعا لعقد مؤتمر الخرطوم الذي رفع فيه شعار “لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض” مع إسرائيل والذي سُمي بمؤتمر اللاءات الثلاث، كما كان لمصر بقيادته دور كبير في توحيد الصف الفلسطيني من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية[v]. أما الرئيس أنور السادات فكانت له رؤية متطورة لاستعادة الحقوق الفلسطينية بعد الانتصار العسكري العظيم في أكتوبر 1973 والبناء عليه بعد ذلك للوصول للسلام، وكان ذلك جليًا في خطابه داخل الكنيست حيث أكد “أنه لم يأتِ لعقد اتفاق منفرد بين مصر وإسرائيل، ليس هذا وارد في سياسة مصر، وأي سلام مع أي دولة من دول المواجهة وإسرائيل فلن يقيم السلام الدائم العادل في المنطقة كلها، بل أكثر من ذلك أنه حتى لو تحقق السلام مع دول المواجهة كلها وإسرائيل بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية فإن ذلك لن يحقق قيام السلام الدائم العادل”[vi].
واستمر دعم مصر للقضية الفلسطينية خلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وفي عام 1989، طرح خطته للسلام حيث تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقًا لقرار مجلس الأمن، ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف الاستيطان الإسرائيلي، وفي سبتمبر عام 1993 شارك الرئيس الأسبق مبارك في توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين في الحكم الذاتي، وفي 2003 أيدت مصر وثيقة جنيف بين الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع في المنطقة. وفي عام 2010 عندما تجدد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة رفضت القيادة المصرية فتح معبر رفح مؤكدة أنه لن يُسمح بتصفية القضية الفلسطينية[vii]، ولعبت مصر دورًا في الإشراف على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وتوقيع اتفاق المصالحة عام 2005، وزادت الضغوط الإسرائيلية أثناء فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ولكن مصر رفضت بشدة. جدير بالذكر أن الرئيس السابق عدلي منصور اهتم بالقضية الفلسطينية رغم انشغاله بالملفات الداخلية التي كانت شديدة التعقيد عقب الثورتين المصريتين، لكن نجحت مصر في عهده في إقناع حركتي “فتح وحماس” بالتوقيع على اتفاقية المصالحة التي طالما سعى إليها وأكد عليها في لقاءاته وحواراته.
وبعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصبه ظلت القضية الفلسطينية قضية مركزية بالنسبة لمصر، وبذلت جهودًا كثيرة لتثبيت وقف إطلاق النار لتجنب المزيد من العنف وإراقة دماء المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني. بالإضافة إلى التأكيد المستمر على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، علاوة على الجهود الإنسانية التي قدمتها مصر من خلال فتح معبر رفح لاستقبال الجرحى الفلسطينيين وإرسال المساعدات الغذائية والطبية للشعب الفلسطيني. واستمر موقف مصر ثابتًا من رفض التهجير فقد أكدت منذ عام 2014 رفضها التام للممارسات الإسرائيلية الوحشية التي تعد انتهاكًا للقانون الدولي، وطالبت بوقف الممارسات التي تنتهك حرمة المسجد الأقصى، كما قامت برعاية اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس عام 2017. ووجه الرئيس السيسي عقب عدوان مايو 2021 بنقل المرضى والحالات الحرجة للعلاج إلى القاهرة، كما أرسل الهلال الأحمر المصري موادّ إغاثية ومستلزمات طبية إلى القطاع، وجهزت وزارة الصحة المصرية عدة مستشفيات لاستقبال الجرحى والمصابين القادمين من قطاع غزة، عبر منفذ رفح البري. ونجحت الجهود المصرية في تثبيت هدنة في قطاع غزة منذ 2014 مرتين؛ أولهما في 2018، وثانيهما في مايو 2021، وكذلك في الوساطة لوقف إطلاق النار في القطاع، إلى جانب المساهمة المصرية في إعادة إعمار غزة[viii]. يضاف إلى ذلك استضافة اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين يوليو 2023 لبحث التطورات الفلسطينية وسبل استعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام[ix].
- اتجاه السياسات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية وتصدي مؤسسة الرئاسة الحاسم لمحاولات التهجير القسري
قامت إسرائيل بتدمير عدة أهداف لحماس في غزة، وشنت غارات متواصلة على القطاع وقصفت مدارس تابعة للأونروا. وتعمدت الهجوم على أهداف مدنية مثل مجمع الشفاء الطبي ومستشفى المعمداني، وقصف محيط مستشفى الأوروبي جنوب القطاع. ولم تكتفِ بذلك، بل توغلت بريًا في غزة وتعنتت في إدخال المساعدات وحرمت المدنيين الفلسطينيين الحق في الحياة وظلت تجبرهم على النزوح إلى جنوب القطاع نحو رفح الفلسطينية، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برغبته –المخالفة لجميع قواعد القانون الدولي- في تهجير الفلسطينيين إلى مصر مما يعد تصفية للقضية، ووصل الأمر لطلب نتنياهو من دول أوروبية الضغط على مصر لقبول ذلك[x].
بناءً على ذلك، تواصلت الجهود المصرية لوقف الحرب على غزة، ومواجهة المخططات الإسرائيلية، فقد أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالات مكثفة بهدف إيقاف إطلاق النار، واستقبل العديد من المسئولين والسياسيين دوليًا وإقليميًا إلى جانب التشاور مع القوى الإقليمية والدولية الأساسية، وكذا العمل مع المجموعة العربية في مجلس الأمن على إيجاد وسائل ضغط دولية تجبر إسرائيل على التجاوب مع الرغبة المصرية في فرض هدنة إنسانية. وطالبت مصر إسرائيل بتجنب استهداف الجانب الفلسطيني من معبر رفح حتى يتسنى إيصال المساعدات الدولية إلى القطاع. استكمالًا لتلك الجهود اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع مجلس الأمن القومي المصري وصدر عن الاجتماع ستة قرارات تتمثل في مواصلة الاتصالات مع الشركاء الدوليين والإقليميين من أجل خفض التصعيد ووقف استهداف المدنيين، وتكثيف الاتصالات مع المنظمات الدولية الإغاثية والإقليمية من أجل إيصال المساعدات المطلوبة، والتشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وإبراز استعداد مصر للقيام بأي جهد من أجل التهدئة وإطلاق واستئناف عملية حقيقية للسلام، والتأكيد بأن أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته، وتوجيه مصر الدعوة لاستضافة قمة إقليمية دولية من أجل تناول تطورات ومستقبل القضية الفلسطينية[xi]. وبالفعل انعقدت “قمة القاهرة للسلام” يوم 21 أكتوبر 2023 بالعاصمة الإدارية بمشاركة دولية وإقليمية واسعة.
تجدر الإشارة إلى أنه حينما طلب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن السماح لرعاياهم بالعبور لم يسمح الرئيس السيسي بذلك إلا لو تحققت شروط ثلاثة، تتحدد في وقف إطلاق النار لفترة مؤقتة كهدنة، والسماح بدخول المساعدات إلى غزة، وتوفير ممر آمن، كما أقامت مصر أكبر جسر مساعدات ونظمت حملات للتبرع بالدم لدعم غزة. وأكد الرئيس أن مصر مستمرة في مساعيها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غـزة لتجنيب الشعب الفلسطيني المزيد من المعاناة الإنسانية. وتصدى الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوة للدعوات الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية الخبيثة لتصدير المشكلة لمصر، وأشار خلال استقباله المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء “يعني نقل القتال إليها، وستكون قاعدة لضرب إسرائيل”. وأوضح أن الأمر لن يقتصر على تهجير الفلسطينيين من غزة، بل سيمتد إلى تهجيرهم أيضًا من الضفة الغربية إلى الأردن، ومن الممكن نقل الفلسطينيين إلى صحراء النقب[xii].
- التعبير عن الموقف الشعبي المتضامن مع القضية الفلسطينية
نظمت العديد من الأحزاب وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، ونقابة الصحفيين وقفات احتجاجية لتفويض الرئيس السيسي ودعم موقف مصر الرافض لتهــجير الفلسـطينيين، كما نظم شباب التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي اعتصامًا أمام بوابة معبر رفح مطالبين بدخول موادّ الإغاثة لقطاع غزة وكان هتافهم “مرابطون حتى الإغاثة”. وخرجت المظاهرات الشعبية في مختلف المحافظات والجامعات وغيرها لتأييد موقف الدولة المصرية وإظهار التضامن مع الفلسطينيين[xiii]. من زاوية أخرى، ظهرت عدة حملات لمقاطعة العلامات التجارية ومنتجات الشركات الداعمة لإسرائيل، ومنها ما قدم وجبات مجانية لجيش الاحتلال، ولاقت تلك الدعوات استحسان بعضهم، بينما أحجم بعض آخر من المواطنين عن الاستجابة لها تحسبًا لتضرر العمالة المصرية العاملة بها[xiv]. ويستمر تدفق القوافل الإغاثية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي وحياة كريمة المُحملة بالمساعدات الإنسانية كالمواد الغذائية ومياه الشرب والأدوية والمستلزمات الطبية في العبور لغزة عن طريق معبر رفح البري[xv]. وعلى ضوء تلك المحددات اندفع البرلمان المصري في التحرك سريعًا بآليات وأدوات متعددة لمساندة القضية الفلسطينة.
ثانيًا- فاعلية التحركات البرلمانية في مجلسي النواب والشيوخ:
- تحركات مجلس النواب.
- تناول مجلس النواب للحرب على غزة في الجلسات العامة.
- الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 15 أكتوبر 2023
كانت استجابة المجلس لتصاعد الأحداث سريعة وواعية لمحاولات الزج بمصر في مخططات تستهدف أمنها. فقد أكدت كلمة المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب بشأن الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال تلك الجلسة، والتي عقدت بعد أيام قليلة من انطلاق عملية طوفان الأقصى، أن القضية الفلسطينية كانـت ولا تزال قضيـة مصـر، وكفـاح الشـعب الفلسطيني فـــي مواجهـة قــوات الاحتـلال هـو حق مشروع كفلته أحكام القانون الدولي، فحصـار قطـاع غـزة وقطـع كـافـة سـبل الإغاثـة عنـه هـو أمـر محظـور بموجـب القوانين الدوليـة ويتنافـى مـع الأعــراف الإنسانية. ويعد موقف السيد رئيس جمهورية مصر العربية تجاه الأحداث الجارية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وإعـلانه عدم تخلي مصـر عـن الأشقاء في فلسطين والمحافظـة علـى مقدراتهـم مـا هـو إلا تجســيد لمـا يـدور بخلـد وضميـر كل مواطـن مـصـري، وكاشـف بمـا لا يـدع مجـالًا للشـك عـن مـدى الحكمـة والرصانــة التـي يتمتـع بهـا فــي التعامـل مـع الموقـف لا سـيمـا فـي ظـل بعـض الأفعــال الـتـي تصـدر مـن بعـض الأطـراف بغيـة إقحـام مصـر أو جرهـا نـحـو تنفيذ مخططــات لـم ولـن تنزلـق نحوها الدولة المصرية. وجاء التأكيـد واضحًا عـلـى أن مصـر ترفـض بشكل قاطـع أيـة دعـــــوات للتهجيـر القســــري للفلسطينيين في قطـاع غـزة لمـا فـي ذلـك مـن تصفيـة للقضية الفلسطينية وضياع للحق الفلسطيني، إلى جانب الإشارة أن مصـر أولـت أهميـة قصـوى للشـق الإنســــــاني تخفيفـًا لمعانـاة الشـعب الفلسطيني جنبًا إلـى جنـب مـع اتصالاتهـا بكافة الأطراف الإقليمية والدوليـة لاحتـواء هـذا التصعيد غير المسبوق[xvi].
- الجلسة الطارئة لمجلس النواب يوم 19 أكتوبر 2023
نكس مجلس النواب أعلامه من أعلى مقر المجلس حدادًا على أرواح الضحايا الأبرياء لجريمة قصف المستشفى الأهلي المعمداني بقطاع غزة، وعلى جميع الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، عملًا بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بإعلان حالة الحداد العام في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية لمدة ثلاثة أيام اعتبارًا من الموافق 18 أكتوبر 2023 وحتى يوم الجمعة الموافق 20 أكتوبر 2023. وقد عقد مجلس النواب جلسة طارئة يوم 19 أكتوبر 2023 ودعا المستشار أحمد سعد الدين وكيل أول مجلس النواب -رئيس الجلسة- السادة الأعضاء للوقوف وقراءة الفاتحة ترحمًا على أرواح الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني خلال الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس النواب برئاسة المستشار أحمد سعد الدين لنظر التداعيات الجارية بالأراضي الفلسطينية، وذلك لغياب المستشار الدكتور حنفي جبالي بسبب تأخر عودته من بغداد عقب المشاركة في أعمال المؤتمر الخامس والثلاثين الطارئ للاتحاد البرلماني العربي بشأن الأوضاع المتدهورة في الأراضي الفلسطينية، والمُنعقد في العاصمة العراقية بغداد[xvii]. وقد جاء في كلمة المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس مجلس النواب بشأن الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والتي ألقاها نيابة عنه المستشار أحمد سعد الدين أن “ما اقترفه بكل وحشية وهمجية الكيان الإسرائيلي المحتل بقصف المستشفى الأهلي المعمداني بغزة والذي راح ضحيته عديد من المدنيين الأبرياء ما بين شهيد وجريح، فهذا الكيان الغاصب لم يرتكب جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل إنه قتل الإنسانية مع سبق الإصرار والتعمد. أعلنها صراحة من تحت قبة مجلس النواب المصري أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة والشعب المصري إذ استشعر أن الكيان المحتل يحاول –ولو بشكل غير مباشر- المساس بسيادة مصر عن طريق هذا التهجير غير الشرعي، فإنه سيخرج بالملايين من كل فج عميق للتعبير عن رفضه الكامل لتلك المحاولات والأفكار اليائسة مساندًا وملتفًا حول قيادته السياسية وقواته المسلحة”. وأشاد مجلس النواب بجهود الرئيس عبد الفتاح السيسي وأكد أن مـا يقـوم بـه مـن تحـركات سياسـة وإنسانية تجـاه الأحـداث الداميـة بالدولة الفلسطينية هي تحركات لا تنبـع إلا مـن قـائـد رشيد جسور هدفــه الأسمى إعلاء الحــــــــق، وأنه تجسيد لضميـر الأمة المصريـة التـي ناضلـت ولا تزال تنـاضـل مـن أجل السلام رغم امتلاكهـا لقـوة هائلـة يعلمهـا القاصى قبل الدانـي، قـوة تحسن استخدامهـــــــا في الدفـاع عن الوطن وليس في العدوان على الغير.
اتساقًا مع ذلك الموقف اتخذ مجلس النواب عدة خطوات إجرائية أهمها: الموافـقة عـلـى إرسـال برقيـة للسيد رئيـس الجمهوريـة للتعبيـر فيهـا عــن دعــــم المجلــس الكامـل وتأييــده لفخامتـه وللقـوات المسلحة المصريـة فـي كـل مـا يتخذونـه مـن خطـوات لتأمـين الأمن القومي المصري، والموافـقة عـلـى إرسـال رســالة إلـى الاتحـاد البرلمانــــــي الدولــي باللغتين العربيـة والإنجليزيـة تتضمـن موقـف مجلـس النـواب المصـري مـن الانتهاكات الإسرائيلية الحاليـة علـى الأراضي الفلسطينية، كما أهاب المجلس بجميـع البرلمانــات أن تتبنـى قـرارات تديـن الانتهاكات الإسرائيلية علـى الأراضي الفلسطينية وتكفـل حماية المدنيين الأبريـاء إعمـالًا للمواثيق الدوليـة والأعــراف الإنسانية[xviii].
- الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر 2023
استخدم مجلس النواب أدواته الرقابية، وناقش خلال تلك الجلسة عدد 16 طلبَ إحاطة موجهة إلى السيد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء بشأن التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة تجاه منع محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة. وقـد حـرص الدكتور مصطفـى مدبولـي علـى التعقيـب بالجلسـة العامـة علـى كل مـا أثاره السادة النـواب في طلبـات الإحاطـة، مشددًا أن مصـر لـن تـتـوانى عـن استخدام كافة الإجراءات التـي تضمـن حمـايـة وصـون حدودهـا وفقًـا لقواعـد القانون الدولــي، ومؤكدًا أن موقـف مـصـر ثابـت مـن احـتـرام معاهدة السلام المصريـة الإسرائيلية والالتزام بنصوصها وتتطلع في المقابل لمثل هذا الموقف مـن جانـب إسرائيل، وأن مصر علـى ثقـة كاملـة أن الأشقاء الفلسطينيين على وعي تام أن الموقف المصري يخـدم بشكل مباشـر القضية الفلسطينية ويفشل أي محاولات لتصفيتها.
في هذا الإطار، أوضح المستشار الدكتور حنفي جبالي بمناسبة مناقشة طلبات الإحاطة أنه مـن داخـل قاعـة مجلـس النـواب المصري يؤكد على رفـــض المجلـس القاطـع لإكراه الفلسطينيين عـلـى النـزوح داخليـًا أو تهجيرهم قسريًا خــارج أراضيهـم. وتحديـدًا صوب الأراضي المصرية في سيناء. وأن البيئـة التشريعية المصريـة تتضمـن مجموعـة مـن التشريعات الكفيلــة بــردع محـــاولات الاعتـداء علـى أمنهـا سـواء من الداخـل، أو الخـارج. وفـي مقدمـة تلـك التشريعات قانـون العقوبات، وكـذا قانون مكافحة الإرهاب والتشريعات المصرية تتوافـق بشـكـل تـام مـع المواثيـق والمعاهدات الدوليـة التـي صـادقـت عليهـا مصر. وكان الدور الشعبي في مساندة الفلسطينيين محل تقدير المجلس فقدم الدكتور حنفي جبالي التحيـة له وكذلك المؤسســـات الإعلاميـة علـى عملهـا الـدءوب ونقـل الحقيقـة. وأكـد مجلـس النـواب مـرة أخـرى عـلـى وقوفه متمترسًـا خـلــف الـرئيس عبد الفتـاح السيســــي والحكومة المصريـة فـي كـل مـا تتخـذه مـن إجـراءات لحماية الوطـن، وأنه يدعم كافة التدابير والإجراءات التي تتخذها الدولة المصرية تجاه منع محاولات التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة[xix].
- الجلسة العامة المنعقدة بتاريخ 14 يناير 2024
اهتم مجلـس النـواب في تلك الجلسة بكل من احتمالات توسع الصراع وتهديدات الملاحة في البحر الأحمر، والادعـاءات الإسرائيلية الكاذبة التي تسعى لتحميـل الدولة المصريـة مسئولية عـدم مـرور المساعدات لغزة. وظهر ذلك في كلمة المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس المجلس بشأن تصاعد الأحداث بالشرق الأوسط، حيث رأى أن العالــم فـــي الوقت الراهـن يدفـع ثمـن محدوديـة مسـاعيه لـرأب الصدع بين دولة فلسطيـــــــن ودولـــــــة الاحتـلال؛ الأمـر الــذي أدى إلـى اتسـاع رقعـة الصـراع ونشــوب توتــرات مقلقـة بالبحـــر الأحمـر انعكسـت بالسـلب على حركة الملاحة العالمية. على ضوء ذلك، يهيـب مجلـس النـواب بالمجتمـع الدولــي اتخـــاذ موقـف حــــــازم للحفـاظ علـى السـلم والأمــــــن الدوليـــين مــن خـــلال الإنهـاء الفـوري للحـرب الدائـرة ضد الشعب الفلسطيني.
أما بشأن مجريــات جلســات محكمـة العـدل الدولية بمناسبة نظرهـا الدعـوى المقامـة مـن دولـة جنـوب أفريقيـا ضـد دولــة إسرائيل لإدانتهـا بارتكاب جريمـة “إبادة جماعيـة” أثنـاء الـحـرب التـي تشـنـهـا علـى قـطـاع غزة، فقد أكـد المجلس عـلـى أن ادعـاءات ممثـل دفـاع دولة الاحتلال لتحميـل الدولة المصريـة مسئولية عـدم مـرور المساعدات الإغاثيـة عبر معبـر رفـح إلــى سـكان قطــاع غزة، هـي ادعـاءات مرفوضـة جملـة وتفصيلًا، ولا تعــدو ســــــــوى أن تكـون كذبًا محضًا. وتلك الادعـاءات تجافـي واقــعـــــًا ملموسًا يشهــــد عليــه المجتمــــــع الدولي عــــن الــــدور الحثيث للشعـب الـمصري بـقـيـــــــادة الرئيس عبد الفتاح السيسي فـي حـل النـزاع الدائر مـن ناحية، والحد من معانـــاة أهالــــي قطــاع غـزة مـن ناحيـة أخرى[xx].
شهدت أيضًا لجان مجلس النواب نشاطًا ملحوظًا وعلى سبيل المثال عقدت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب اجتماعًا مع السفير حازم فهمي مساعد وزير الخارجية لشئون الأمريكتين، وذلك لمناقشة جهود وزارة الخارجية، ولجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب لتوثيق الجرائم الإسرائيلية للحرب على غزة. وأولت اللجنة اهتمامًا بالتواصل البرلماني بين لجنة حقوق الإنسان وبين أعضاء لجان حقوق الإنسان واللجان المعنية بالبرلمانات الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية لمزيد من تنسيق الجهود بما يخدم السياسة الخارجية البرلمانية القائمة على حفظ الأمن الدولي واستقرار الشرق الأوسط ومواجهة التحديات[xxi].
ويلاحظ أن مجلس النواب عقد عدة جلسات أخرى خلال فترة التحليل (3 أشهر) لكنها تطرقت لقضايا أخرى غير الحرب على غزة. وتتناول الورقة مواقف عدد من أعضاء مجلس النواب بشأن الحرب على غزة كما ظهرت في تصريحاتهم وكلماتهم البرلمانية فيما يلي.
- تناول أعضاء مجلس النواب للحرب على غزة
يتبين أن مواقف أعضاء المجلس –ممن شملهم التحليل بناءً على توفر ونشر المواد الإعلامية لآرائهم- كانت متفقة مع الاتجاه السائد بالجلسات العامة، واهتم أعضاء مجلس النواب بأبعاد مختلفة للحرب على غزة ظهرت في مواقفهم وتصريحاتهم تمثلت في: استنكار العدوان الإسرائيلي وجرائمه ضد الإنسانية في قطاع غزة، واستهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف وإعاقة دخول المساعدات للمدنيين[xxii]، والتحذير من اتساع دوامة العنف في المنطقة، ومحورية القضية الفلسطينية في الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وتأييد موقف الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه لا تهاون أو تفريط في أمن مصر القومي تحت أي ظرف، وأن “أمن مصر القومي مسئوليته الأولى”، والتأكيد على ثبات موقف الدولة المصرية الداعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة والجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة المصرية لحل القضية، والإشادة بإعداد التحالف الوطني للعمل الأهلي، ومؤسسة حياة كريمة قوافل مساعدات، وتخصيص حسابات في البنوك المصرية لجمع التبرعات لتقديم كل أوجه الدعم الممكنة للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني[xxiii]. إلى جانب استقبال الجرحى الفلسطنينين لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية، فضلًا عن المتابعة الدقيقة من كافة مؤسسات الدولة لتقديم الخدمات الصحية على أعلى مستوى للمصابين[xxiv] وهو ما يعكس الموقف المصري الشعبي والرسمي.
وقد أشار النواب أيضًا إلى أن مصر كانت حاضرة بقوة منذ اندلاع الأزمة التي جاءت نتاج استفزازات متواصلة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، والإدراك التام من جانب القيادة والجيش المصري لكافة التحديات، والثقة في إحكام سيطرة الجيش على الحدود والعمق في سيناء وتأمينها، والمساندة الكاملة للقيادة السياسية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وتفويضها لمواجهة تلك المخاطر[xxv]، والاتفاق على أن محاولات دفع الفلسطينيين للنزوح إلى سيناء يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وهي خطة إسرائيلية قديمة. ودعا عدد من النواب إلى تكاتف كل قوى الشعب المصري وفئاته مع الرئيس السيسي لإجهاض هذه المحاولات والمخططات التي تستهدف سلامة الأراضي المصرية إلى جانب ممارسة أقصى درجات ضبط النفس[xxvi]. واقترح بعضهم الدعوة إلى تفعيل لجنة القدس والعمل العربي المشترك لمواجهة الإجرام الصهيوني[xxvii]. وأوضح النواب أن مصر هي الدولة الوحيدة في هذه الحرب التي تصدت للعدوان منذ بدايته، فقد تبنت غالبية دول العالم السردية الإسرائيلية من اللحظة الأولى، لكن مصر كانت لها سردية مواجهة، وظهرت في بيانات وزارة الخارجية السريعة، مطالبة إسرائيل بضبط النفس[xxviii].
أشاد النواب أيضًا بجهود وزارة الخارجية ومنها على سبيل المثال لقاء وزير الخارجية سامح شكري، “سيما بحوث” وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، وما تناوله اللقاء من التركيز على الانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، لا سيما ما تتعرض له المرأة الفلسطينية وكذلك الأطفال من انتهاكات صارخة. وطالبوا بتحرك دولي لتنفيذ الرؤية المصرية لحل الأزمة في ضوء قمة القاهرة للسلام، وكذلك قمة الرياض للدول العربية والإسلامية، التي خرجت بالعديد من التوصيات التي من شأنها إنهاء الصراع وحل الأزمة.
لقد رفض النواب تمامًا الادعاءات الإسرائيلية بغلق معبر رفح، وبينوا أن السبب الحقيقي في تأخر المساعدات هو التعنت من الجانب الإسرائيلي الذي يرفض دخول المساعدات ويؤخر وصولها لأهالي قطاع غزة، وقد تصدرت مصر الدول الداعمة للفلسطينين من حيث حجم المساعدات[xxix]. وثمة استحسان لدور الدولة المصرية الرسمي في رفض دخول المواطنة الأمريكية من معبر رفح دون اتفاق شامل لدخول المساعدات الإغاثية. [xxx]وقد نوّه بعض النواب لأهمية عرض القضية الفلسطينية بصورتها الكاملة على البرلمان الأوروبي، والاتحاد البرلماني الدولي، والكونجرس الأمريكي ومحاولة محو ازدواجية المعايير في التعامل مع تلك القضية التي ظهرت من خلال تشجيع الغرب للممارسات الإسرائيلية من قتل وذبح وهدم على نطاق واسع[xxxi]. وتجاهل الانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، لا سيما في ظل تزايد أعداد الشهداء الفلسطينيين والمصابين وفي مقدمتهم النساء والأطفال، الأمر الذي يتعارض تمامًا مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان[xxxii]. وينتهك اتفاقية جنيف ١٩٤٩ والبرتوكولات والملاحق لعام ١٩٧٧ المتعلقة بالنزاعات المسلحة الدولية والداخلية وكذلك نظام روما الأساسي لعام ١٩٩٨[xxxiii].
يضاف إلى ما سبق تثمين المقترح المصري لوقف الحرب في غزة باعتباره محاولة مصرية لتقريب وجهات نظر جميع الأطراف، ويتضمن ثلاث مراحل متتالية ومرتبطة معًا، وتنتهي إلى وقف إطلاق النار مما يعكس حرص الدولة المصرية قيادة وشعبًا على حقن الدماء والتوقف عن إهدار المزيد من أرواح المدنيين العزل بالإضافة إلى منع توسع الصراع في المنطقة وإعادة السلام والاستقرار، والتأكيد على حق الفلسطينين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية[xxxiv].
وفي السياق ذاته، عبر عدد من النواب عن استيائهم من تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو عضو حزب “عوتسما يهوديت” المتطرف، والتي طرح خلالها إسقاط قنبلة نووية على القطاع كأحد خيارات إسرائيل في الحرب في غزة، مما يؤكد بكل وضوح الرغبة الإسرائيلية في إبادة الشعب الفلسطيني الأعزل، وعجز المجتمع الدولي أمام قوة الاحتلال الإسرائيلي الذي ينتهك في العلن جميع المواثيق والقوانين الدولية[xxxv]. وانتقد النواب وقف عدد من الدول تمويل منظمة الأونروا التي تقدم مساعدات للشعب الفلسطيني، وأشاروا إلى ضرورة توضيح الموقف من تلك المستجدات[xxxvi].
وكشف أحد النواب أن إدارات الفيس بوك وتويتر واليوتيوب تقوم بحذف المنشورات والفيديوهات والصور المتعلقة بالأخبار والمجازر التي تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ مما دفعه لنشر كل ما يستطيع الوصول إليه عبر تطبيق التليجرام[xxxvii]. وانتقد اتجاه بعض دول المنطقة للتطبيع مع إسرائيل قبل اندلاع طوفان الأقصى وعقد “اتفاقات إبراهام” للسلام وتقدم ببيان عاجل للمجلس في هذا الشأن[xxxviii] . وفي سابقة برلمانية ربما الأولى من نوعها تقدم أحد النواب باقتراح برغبة في 21 يناير 2024 إلى المستشار الدكتور حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب لإحالته إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى وتقديمه إلى وزير الخارجية المصري السفير سامح شكري، وينص الاقتراح على صدور قرار بمنع دخول وزيارة قادة حركة “إيغور” العالمية لمصر بسبب موقفهم الداعم لعدوان إسرائيل على غزة ووصف حماس بالإرهابية، وأيضًا كل الهيئات والشخصيات الداعمة لإسرائيل في عدوانها على غزة[xxxix].
- تحركات مجلس الشيوخ
أ- تناول مجلس الشيوخ للحرب على غزة في الجلسات العامة
- الجلسة العامة لمجلس الشيوخ 24 ديسمبر 2023
استأنف مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المجلس جلساته العامة 24 ديسمبر 2023، وألقى المستشار عبد الرازق كلمة وجّه فيها التهنئة لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بمناسبة إعادة انتخابه، وشرح دلالات نسب المشاركة غير المسبوقة في الانتخابات الرئاسية، وكان من أهمها دعم الشعب وتفويضه للرئيس عبد الفتاح السيسي في اتخاذ كل ما يلزم لحماية الأمن القومي المصري من المخاطر التي تحيط بحدود الدولة من جميع الجهات، وعلى الأخص الحدود الشرقية التي تشهد اعتداءً إسرائيليًا غاشمًا على شعب غزة الأعزل ودمار القطاع دمارًا لم يرَ العالم مثله منذ الحرب العالمية الثانية بغية تهجير شعب غزة إلى سيناء، الذي قابله السيد الرئيس بموقف صلب واضح رافض لتلك الحرب ورافض للتهجير القسري لا سيما إلى مصر. فدلت هذه الانتخابات على أن الشعب يؤيده فيما اتخذه من قرارات أو إجراءات ويفوضه فيما يراه سيادته لازمًا لصالح الوطن[xl].
- الجلسة الطارئة لمجلس الشيوخ ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣
قرر مجلس الشيوخ تنكيس أعلام المجلس حدادًا على أرواح الضحايا الأبرياء لجريمة قصف المستشفى الأهلي المعمداني بقطاع غزة، وعلى جميع الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق وذلك عملًا بقرار الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بإعلان حالة الحداد العام في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية لمدة ثلاثة أيام السابق الإشارة إليه[xli].
وعقد مجلس الشيوخ برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المجلس اليوم الأربعاء 18 أكتوبر 2023 جلسة طارئة، وذلك لنظر تداعيات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية. وطلب من أعضاء المجلس الوقوف حدادًا وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني وأعرب المستشار عبد الوهاب عبد الرازق في كلمته عن أنه يتابع بكل أسى وألم الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني الشقيق، ذلك الاعتداء الوحشي غير المبرر، والذي يخالف كل المعاهدات والمواثيق والأعراف الدولية والقيم الإنسانية. وأوضح أن مجلس الشيوخ “إذ يدين هذه الحرب، ويعتبرها حرب إبادة جماعية، وتطهيرًا عرقيًا، تشنها القوات الإسرائيلية على شعب غزة الأعزل المحاصر، خلفت آلاف الشهداء والجرحى من أطفال ونساء وشيوخ، كما لم ترحم المرضى والجرحى في مستشفى الأهلي المعمداني شرق مدينة غزة؛ فقتلت وجرحت المئات، مثلما قتلت أطفال مدرسة بحر البقر من قبل، فضلًا عن الدمار الشامل الذي ترتكبه تلك القوات الغازية الغاشمة، المخالفة لكل القيم الأخلاقية والإنسانية، معتمدة على تأييد سافر لا أخلاقي من بعض الدول الغربية. ومجلس الشيوخ إذ يجتمع اليوم في أول جلسة طارئة لمناقشة تداعيات تلك الحرب لرفضها ورفض سياسة تهجير أبناء غزة من أرضهم ووطنهم، فإنه يدعو المجتمع الدولي وبرلمانات العالم إلى إدانتها واتخاذ مواقف وإجراءات حاسمة لوقفها ومحاسبة المسئولين عنها، كما يدعو مجلس الأمن الدولي إلى القيام بدوره في حماية الشعب الأعزل، وفي حماية الأمن والسلم في هذه المنطقة خشية اندلاع حرب إقليمية تزعزع السلم والأمن الدوليين، ولن ينجو منها أحد. كما يدعو مجلس الشيوخ المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية من مصر والعالم إلى قطاع غزة في ظل الأوضاع الإنسانية والأمنية القاسية التي يعيشها أهالي القطاع.”
وبالنظر إلى مواقف المجلسين يتبين التناغم بينهما وتطابق المواقف في دعم مؤسسة الرئاسة لحماية البلاد، ومساندة الشعب الفلسطيني ضد العداون الإسرائيلي. فقد أكد رئيس مجلس الشيوخ أنه “إذ يدين تلك الحرب، فإنه يؤيد ويدعم الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية في كل ما يتخذه من إجراءات لحماية الأمن القومي المصري، وتأمين حدود الدولة، ودعم الشعب الفلسطيني”. واقترح تفويض الرئيس في اتخاذ كل ما يراه لدعم الأشقاء في فلسطين وحماية الأمن المصري وهو ما وافق عليه الأعضاء بالإجماع. كما دعا مجلس الشيوخ الشعب المصري -بكل طوائفه- إلى التكاتف صفًا واحدًا خلف رئيس الجمهورية والقوات المسلحة الباسلة. ومن جانب آخر، كانت استجابة أعضاء مجلس الشيوخ لعقد الجلسة الطارئة سريعة تعبر عن الحس الوطني، وجاوزت طلبات الأعضاء للحديث 120 طلبًا. [xlii] ولم يقتصر نشاط مجلس الشيوخ على الجلسات العامة فقط، إنما امتدّ للجان النوعية، مثلًا عقدت لجنة الشئون الخارجية والعربية والأفريقية في مجلس الشيوخ 22 أكتوبر 2023 اجتماعًا لمناقشة الجهود الرامية لتهدئة الأوضاع في قطاع غزة، وتداعيات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بشكل عام، وذلك بحضور ممثلي الحكومة[xliii].
ب- تناول أعضاء مجلس الشيوخ للحرب على غزة
تركزت مواقف أعضاء مجلس الشيوخ –ممن شملهم التحليل بناءً على توفر ونشر المواد الإعلامية لآرائهم- على عدة أبعاد متنوعة وشاملة وتتشابه إلى حد كبير مع مواقف أعضاء مجلس النواب مع الأخذ في الاعتبار أن صلاحيات مجلس الشيوخ في مجملها ذات طابع استشاري وإبداء الرأي في مشروعات القوانين وخطة التنمية وما يحال إليه من موضوعات، ويمكن للمجلس طلب مناقشة عامة وتقديم اقتراح برغبة في موضوع عام[xliv].
تدور تلك الأبعاد حول: بشاعة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل حيث يكاد لا يكون له نظير في تاريخ الحروب الحديثة، وإرجاع أسباب انفجار طوفان الأقصى إلى عشرات السنوات من قيام إسرائيل بتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وإساءة الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى نفسها وإلى العرب والمسلمين بما اجترأت عليه من انتهاكات مستمرة وممنهجة للأقصى.
ركز النواب أيضًا على دور مصر المعتاد على المستويين الشعبي والرسمي على مر العصور باعتبارها الداعم الأول للقضية الفلسطينية، وعدم سماح مصر بتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار أيًا كانت الأسباب، وحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على التشديد على أمن مصر القومي باعتباره خطًا أحمر لا يجوز السماح أو التهاون بشأنه، وإشارته الدائمة إلى الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية باعتباره المسار الأوحد لمواجهة العنف في المنطقة وإقرار السلام والاستقرار[xlv]، والإشادة بتصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه بالمستشار الألماني فقد كان من أقوى التصريحات منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى، وأنه إذا كان للكيان المحتل أن يريد إفراغ قطاع غزة فليكن في صحراء النقب لا مكان آخر، وتقدير الجهود المصرية على المستوى الدبلوماسي أو الرسمي أو الشعبي، والحرص على إدخال الموادّ الإغاثية والمساعدات لقطاع غزة[xlvi]. وكذلك الإشادة بمشاركة الرئيس السيسي في القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بالرياض لبحث تنسيق الجهود العربية والإسلامية لوقف العدوان الإسرائیلي وتعد امتدادًا لقمة القاهرة للسلام، فمصر أول من تحرك عربيًا ودوليًا لوقف العدوان الإسرائيلي[xlvii].
أظهر غالبية النواب تأييدًا كبيرًا لتحرك مصر في مختلف الاتجاهات عربيًا ودوليًا لوضع نهاية للحرب ومنها لقاء الرئيس السيسي ووزير خارجية الولايات المتحدة بلينكن[xlviii]، والثناء على نجاح مصر في الوصول إلى عقد صفقة تبادل وهدنة بقطاع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية والوقود، وتمكن الدبلوماسية المصرية من أن تظل مصر في موقع الوسيط الساعي للسلام، والحرص على التشاور مع الأطراف الفاعلة في احتواء الأزمة والمشاركة في كل مبادرة لدعم الأشقاء في فلسطين. وتوقع أن يكون على مصر عبء أكبر في المرحلة القادمة للوصول لوقف كامل لإطلاق النار وحل دائم للقضية الفلسطينية[xlix].
أبدى بعض النواب تأكيدًا على أهمية المقترح المصري لوقف الحرب في غزة، واعتباره محاولة مصرية لحقن الدماء والتوقف عن إهدار مزيدًا من أرواح المدنيين العزل، بالإضافة إلى منع توسع الصراع في المنطقة[l]. وتمت الإشارة إلى أن نتائج الحرب على غزة تلقي بظلالها على الصراعات بين الدول الكبرى لتمديد مناطق النفوذ والاستيلاء على مناطق نفوذ جديدة[li]، والتحذير من اتساع دائرة العنف والقتال لتشمل جبهات جديدة تهدد المنطقة بأسرها، وانتقاد تحيز الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجانب الإسرائيلي[lii]، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي مسئولياته لتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة، بحيث يتم إدخال المساعدات بالكميات الكافية لإنهاء الكارثة الإنسانية بالقطاع وأن تسفر جهود التهدئة عن تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية، بما يعالج جذور الوضع الراهن، والتمسك بمسار حل الدولتين كأساس تحقيق الاستقرار[liii].
استهجن النواب الطرح الإسرائيلي بإيجاد وطن بديل للأشقاء الفلسطينيين في سيناء، بعد طردهم من أراضيهم، فقد كان ذلك المخطط أحد أهم الأسباب التي ثار الشعب المصري من أجلها ضد جماعة الإخوان الإرهابية، علاوة على معارضة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وكافة فصائل المقاومة بشدة هذا الطرح الذي يعيد إنتاج النكبة الفلسطينية وينتج عنه ملايين اللاجئين[liv]. ورفض مصر التام لأي مخططات إسرائيلية ترمي إلى تقسيم قطاع غزة أو تهجير أهله أو غيرها،[lv] واليقين بأن هدف الحرب على غزة هو تحقيق ما سُمي من قبل بصفقة القرن منذ سنوات ومحاولة تمريرها بأسلوب آخر لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها[lvi]. وأكد النواب على ضرورة اصطفاف الجميع خلف قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حتمية الدفاع عن تراب الوطن وعدم المساس بأمن مصر.
على تلك الخلفية، ناشد النواب دول العالم الوعي الصحيح بالقضية الفلسطينية وإدراك أن المقاومة الفلسطينية المشروعة هي أبعد ما يكون عن تصنيف الإرهاب[lvii]، وطرح بعض النواب مقارنة بين التغطية الإعلامية لكل من الحرب على غزة والحرب على أوكرانيا مما يظهر تناقض المواقف والانحياز الواضح من جانب الإعلام الدولي لأوكرانيا، فالعدوان على غزة مثل سقطة كبرى لصحف ومواقع وقنوات دولية روجت روايات الاحتلال الكاذبة[lviii]. إلى جانب انتقاد وقف عدد من الدول تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ورفض مصر لوقف التمويل انطلاقًا من دور المنظمة الرئيسي في مساعدة الفلسطينيين منذ عقود[lix].
اتجه بعض النواب للمقارنة بين الجرائم الإسرائيلية وحالات مماثلة وارتأوا أن ما تقوم به إسرائيل جريمة مكتملة الأركان، وهذه الأفعال وفقًا للميثاق التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية روما واتفاقية جنيف لسنة 1949 مشينة، فآخر حكم للمحكمة الجنائية الدولية كان لزعيم الكونغو، وحكم عليه بـثلاثين عامًا في جرائم أقل مما تفعله إسرائيل بكثير[lx]. تبنى عدد من النواب تفسير الإصرار الإسرائيلي على إطالة أمد الحرب على غزة بأن القيادات الإسرائيلية وفي مقدمتها نتنياهو تعلم أن انتهاء العدوان يعني تقديمها للمحاكمة الدولية[lxi]. وقام النواب بمطالبة الجهات الإقليمية والدولية، بمواصلة توثيق ورصد الانتهاكات الخاصة التي يقوم بها الاحتلال، وبحث التحركات أمام محكمة العدل الدولية إلى جانب مواصلة الجهود الرسمية والدبلوماسية البرلمانية من خلال التواصل مع مختلف البرلمانات[lxii].
من جانب آخر، ظهر بوضوح التأكيد على صحة المسار الذي انتهجته الدولة المصرية بزيادة تسليح الجيش المصري وتنويع مصادر السلاح، ودون تلك الرؤية التي اعتمدها الرئيس عبد الفتاح السيسي مبكرًا لما كانت مصر قادرة على التحرك من منطلق القوة والثقة في أن الجيش المصري قادر على دحر كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن[lxiii]. اهتم النواب أيضًا بتوضيح أهمية الرسائل التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي للعالم خلال تفقد إجراءات تفتيش حرب الفرقة الرابعة بالجيش الثالث الميداني، ومفادها أن الجيش المصري بقوته ومكانته وقدرته وكفاءته هدفه الأساسي هو حماية مصر وأمنها القومي دون تجاوز، إلى جانب طمأنة الشعب المصري بأن الجيش المصري قادر على حماية الأمن القومي[lxiv].
حذر أحد النواب خلال مناقشة تقرير لجنة الطاقة عن سوق الكربون من حدوث أكبر حالة تلوث في التاريخ المصري نتيجة الحرب على غزة، مطالبًا بضرورة إبلاغ الجهات المعنية، فطبقًا للمراصد العالمية أسقطت إسرائيل ما قيمته قنبلتين ذريتين على غزة، بالإضافة إلى تفجير آلاف الأطنان من المتفجرات فوق رءوس المدنيين. فما يحدث في غزة ينعكس بالضرورة على مصر، ومن ثم اقترح تقديم بلاغ وفقًا لبروتوكول كيوتو 1997، بتعويض المتضرر من المتسبب، ومصر وإسرائيل يشملهما هذا البروتوكول، وحثّ الجهات الرسمية المصرية التحرك في هذا الإطار، وطالب الجهات المعنية العالمية بسرعة التحرك لتوثيق قياسات جودة الهواء في المنطقة[lxv].
خلاصة القول إن تحركات البرلمان إزاء الحرب على غزة ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية تدل أن لديه حسن تنبه للمخاطر وفعالية في الاضطلاع بدوره على الصعيدين التشريعي، من خلال التأكيد على صلاحية التشريعات القائمة في تمكين مصر من اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية أمنها القومي والرقابي، حيث استخدم أدواته الرقابية كطلبات الإحاطة وإلقاء بيانات عاجلة لمساندة الشعب الفلسطيني ومتابعة ما تقوم به الحكومة المصرية لحماية المصالح الوطنية، بل استطاع البرلمان متابعة مستجدات الحرب على غزة وتفاعل معها إلى جانب التعبير الدقيق عن الرأي العام المصري والموقف الشعبي تجاه القضية الفلسطينية، ليس في الداخل فقط، وإنما في المحافل الدولية عبر الدبلوماسية البرلمانية.