أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي النسخة الحادية عشرة من مُؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024، وهو تقرير سنوي يُصدره المعهد باللغة الإنجليزية منذُ عام 2012، باستخدام قاعدة البيانات Dragonfly’s Terrorism Tracker، وبعض المصادر الأُخرى، ويُقدم من خلاله مُلخصًا شاملًا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسية لظاهرة الإرهاب، ويحلل عددًا من الأبعاد المهمة المُرتبطة بها، مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث فيها، وطبيعتها الديناميكية التي تتغير بمرور الوقت، والدوافع الجيوسياسية والأهداف الأيديولوجية للجماعات الإرهابية والاستراتيجيات التي يستخدمها الإرهابيون. وفي هذا الصدد، نقدم في سلسلة من الموضوعات قراءة تفصيلية لمضمون نسخة المُؤشر الأخيرة المنشورة بتاريخ 29 فبراير 2024، والتي تتناول في فصولها الأربعة حصيلة الهجمات الإرهابية والوفيات الناجمة عنها، وملامح وأنماط النشاط الإرهابي خلال عام 2023 في 163 دولة يشملها المُؤشر بالدراسة والتحليل.
الملامح العامة للنشاط الإرهابي خلال 2023
سجّل المُؤشر أبرز الملامح العامة التي اتّسم بها النشاط الإرهابي خلال عام 2023، وتباين التأثيرات والتداعيات المرتبطة بهذا النشاط من منطقة لأخرى، وذلك على النحو التالي:
• انخفاض أعداد الهجمات مقابل ارتفاع شدة تأثيرها: شهدت العديد من دول العالم خلال عام 2023 زيادة في الهجمات الإرهابية “شديدة الفتك”، رغم انخفاض المُستوى الإجمالي للنشاط الإرهابي؛ حيثُ ارتفعت الوفيات الناجمة عن الإرهاب بنسبة 22% لتصل إلى 8352 حالة وفاة، وهو أعلى مُستوى لها منذُ عام 2017. ومع ذلك، انخفض إجمالي عدد الهجمات الإرهابية بنسبة 22% إلى 3350، وهو أقل عدد من الحوادث المسجلة منذ عام 2009، كما انخفض عدد البلدان التي شهدت هجومًا إرهابيًا واحدًا على الأقل من 60 هجومًا خلال عام 2022 إلى 50 هجومًا عام 2023.
وأوعز المُؤشر زيادة فتك الهجمات الإرهابية التي وقعت عام 2023، رغم انخفاض أعدادها، إلى وقوع هجمات شديدة التعقيد خلال معارك القتال الدائرة بين التنظيمات الإرهابية وبعضها البعض كما الحال في التنافس الجهادي المُحتدم بين جماعة بوكو حرام، وتنظيم داعش، وجماعة نصرة الإسلام والمُسلمين في أفريقيا. فيما أرجع المُؤشر المُحرك الرئيسي للزيادة في تعداد الوفيات الناجمة عن الإرهاب إلى ما وصفه بـ “الهجوم الإرهابي لحركة حماس” في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، وصنّفه باعتباره الهجوم الأكبر منذُ هجمات 11 سبتمبر 2001، وأشار إلى أن هذا الهجوم وما تبعه من رد إسرائيلي، خلّف تداعيات كبيرة تُهدد بزعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
• تراجع التأثير الإرهابي في أفغانستان والعراق: سجّل المُؤشر انخفاضًا حادًا في تأثيرات الإرهاب على بعض الدول ومنها أفغانستان؛ إذ انخفضت الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية بنسبة 81% لتصل إلى 119 في عام 2023، وهذه هي المرة الأولى منذ بدء المؤشر التي يتم فيها تسجيل أقل من 500 حالة وفاة بسبب الإرهاب في البلاد، كما شهد العراق انخفاضًا مُماثلًا مسجلًا 69 حالة وفاة فقط عام 2023 مقارنةً بـ 197 خلال 2022، مما أدى خروجه من قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب للمرة الأولى.
• تفاقم خطر الإرهاب في الساحل الأفريقي: سّجلت منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا للعام السابع على التوالي أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن الإرهاب على مستوى العالم بزيادة قدرها 21% مقارنةً بعام 2022. وتتركز غالبية التأثيرات المُرتبطة بالنشاط الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي، حيثُ تقع خمس من الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب خلال عام 2023 في هذه المنطقة، وثمة دلائل على أن عدوى التهديدات الإرهابية بدأت تنتشر إلى البلدان المُجاورة، إذ سجلت كل من بنين وتوغو –لأول مرة– أكثر من 40 حالة وفاة بسبب الإرهاب. ويوضح الشكل التالي الدول الخمس التي سجّلت أكبر عدد من الوفيّات الناجمة عن الإرهاب خلال عام 2023:
كما حظيت بوركينافاسو –للعام الثاني على التوالي– بنصيب الأسد من أعداد الوفيّات الناجمة عن الإرهاب، حيثُ سجّل المُؤشر 1907 حالات وفاة خلال عام 2023، وهو رقم يُقارب “رُبع إجمالي” تلك الوفيات على مستوى العالم. وتظهر حدة النشاط الإرهابي المُتزايد في بوركينافاسو كذلك في زيادة عدد الهجمات المُميتة، مع وقوع أكثر من 7 وفيات لكل هجوم عام 2023، مُقارنةً بأقل من 4 وفيّات لكل هجوم عام 2022.
• التركز الجُغرافي للنشاط الإرهابي: لا يزال النشاط الإرهابي يتركز بشكل كبير في عدد صغير من البلدان؛ حيثُ سجّلت عشر دول فقط 87% من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب عام 2023. وقد اشتد هذا التركيز الجغرافي للنشاط الإرهابي على مدى العقد الماضي، مع انخفاض عدد البلدان التي سجلت حالة وفاة واحدة على الأقل بسبب الإرهاب من 57 في عام 2015 إلى 41 في عام 2023. وهو ما يُوضحه الشكل التالي:
الجماعات الإرهابية الأكثر فتكًا
كانت الجماعات الإرهابية الأربع المسئولة عن أكبر عدد من الوفيات خلال عام 2023، بحسب المُؤشر، هي تنظيم داعش وحركة حماس وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وحركة الشباب المُجاهدين بالصومال، حيثُ كانت مسئولة عن 4443 حالة وفاة، وهو ما يُمثل أكثر من 75% من إجمالي الوفيات المنسوبة إلى جماعة إرهابية معينة، مقارنة بمسئوليتها عن أقل من 25% فقط من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب خلال 2014، وهو ما يُسلط الضوء على التحولات العالمية الكبيرة في النشاط الإرهابي على مدى العقد الماضي.
وبشكل عام، تُواجه عملية تحديد الجماعات الإرهابية الأكثر نشاطًا والمسئولة عن أكبر عدد من الوفيات بعض الصعوبات؛ أولها: امتلاك العديد من الجماعات الإرهابية أفرعًا إقليمية مختلفة تعمل في شراكة أو جزئيًا تحت القيادة نفسها. وثانيها: عدم تبني بعض الجماعات الإرهابية -في كثر من الأحيان- المسئولية عن الهجمات، مما يجعل تحديد الجماعة المُنفذة لها أمرًا صعبًا، لا سيما في مناطق وبؤر الصراع النشطة؛ فمن بين 3350 هجومًا إرهابيًا تم تسجيله عام 2023، نُسب 54% فقط منهم إلى جماعة ما، مُقارنةً بـ 48% عام 2022، و45% عام 2021. وكانت البلدان التي شهدت أكبر عدد من الهجمات غير المنسوبة إلى جماعة ما هي: ميانمار وبوركينافاسو ومالي وباكستان. وفي الغالب تبقى تلك الهجمات التي تتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في بيئات النزاع، وكذلك الهجمات التي تسببت في عدد قليل جدًا من الوفيات، مجهولة المصدر ولا تعلن أي جماعة ضلوعها في تنفيذها، ويُمكن تفسير ذلك في ضوء عدم رغبة بعض الجماعات الإرهابية تبني أعمال عنف بسيطة يُمكن اعتبارها فاشلة، أو هجمات ذات تأثيرات عالية الشدة قد يترتب عليها ردود أفعال عنيفة من الحكومة والسكان المحليين، مما يعيق جهود تجنيدهم لعناصر جديدة ويتسبب في زيادة جهود مكافحة التمرد ضدهم. وفيما يلي قائمة التنظيمات الأربعة الأكثر فتكًا خلال عام 2023:
1. تنظيم داعش: ظلّ تنظيم داعش الجماعة الإرهابية الأكثر دموية عام 2023، إذ تسببت هجماته في مقتل 1636 شخصًا رغم انخفاض الوفيات المنسوبة إلى التنظيم والجماعات التابعة له بنسبة 17% خلال العام الماضي، فضلًا عن انخفاض أعداد الهجمات التي نفذها من 717 عام 2022 إلى 470 عام 2023، بانخفاض قدره 35%، وبذلك تصبح هجمات داعش والوفيات الناجمة عنها عند أدنى مستوياتها منذ عام 2018. وقد وقعت هجمات داعش خلال عام 2023 في مناطق آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وروسيا، وأوراسيا، وجنوب آسيا. وكانت سوريا الدولة الأكثر تضررًا من هجمات التنظيم، حيث سجلت 224 هجومًا عام 2023 ارتفاعًا من 152 هجومًا عام 2022. كما سجلت كذلك أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن هجمات داعش، حيث وقع ربع إجمالي الوفيات الناجمة عن التنظيم في سوريا. بينما حافظ داعش على مستوى نشاطه الإرهابي في نيجيريا بالعدد نفسه تقريبًا من الهجمات، لكنها أسفرت عن المزيد من الوفيات والتي ارتفعت بنسبة 27% إلى 276 مقارنة بـ 218 عام 2022. وكان الهجوم الأكثر دموية المنسوب إلى التنظيم خلال عام 2023 هو كمين نصب لأربعة أرتال عسكرية في منطقة الساحل في بوركينافاسو خلال فبراير من العام نفسه، ما أسفر عن مقتل 71 جنديًا.
كما شهد أكتوبر عام 2023 أول هجوم يتبناه داعش في أوروبا منذُ عامين، عندما قتل مُسلح مدنيين سويديين اثنين وأصاب سائق سيارة بلجيكي في هجوم ببروكسل، وفي حين أعلن التنظيم مسئوليته عن الهجوم، ذكر بعض المسئولين أنه لا توجد مؤشرات على أن المشتبه به عضو في شبكة إرهابية. فيما يواصل داعش شن هجماته في جنوب آسيا، وإن كان على نطاق أصغر مما كان عليه في السنوات السابقة؛ حيثُ كان التنظيم مسئولًا عن 39 هجومًا و148 حالة وفاة في المنطقة عام 2023، وهو انخفاض كبير مقارنة بـ 149 هجومًا و506 حالات وفاة عام 2022. كما انخفض نشاط داعش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أدنى مستوى له منذ عام 2013، مع انخفاض أعداد هجمات التنظيم بنسبة 24% والوفيات الناجمة عنها بنسبة 29% خلال 2022.
وعلى الصعيد التكتيكي، لا تزال الهجمات المسلحة هي التكتيك المفضل لتنظيم داعش للسنة الخامسة على التوالي، تليها التفجيرات الانتحارية. فخلال 2023، وقع 331 هجومًا مسلحًا أسفر عن مقتل 1156 شخصًا، مقارنة بـ 431 هجومًا و1312 حالة وفاة في العام السابق، وقد وصل معدل الوفيات الناجمة عن الهجمات المسلحة التي نفذها التنظيم إلى أعلى مستوى منذ عام 2017، حيث بلغ في المتوسط 3.5 حالات وفاة لكل هجوم عام 2023 مقارنةً بثلاث حالات خلال 2022. فيما لا يزال الهدف الأكثر شيوعًا لهجمات داعش هو قوات الجيش، حيث وقعت نصف هجمات التنظيم و35% من الوفيات ضد أهداف عسكرية، بينما كان المدنيون الهدف التالي الأكثر شيوعًا، حيث يمثلون 28% من جميع ضحايا داعش عام 2023.
2. حركة حماس: صنّف المؤشر حركة حماس كثاني أكثر الجماعات الإرهابية دمويةً خلال 2023، وذكر أنها كانت مسئولة عن 8 هجمات أسفرت 7 منها عن مقتل 9 أشخاص، فيما أدى هجومها في 7 أكتوبر إلى مقتل 1200 شخص، وإصابة أكثر من 4500، واحتجاز 250 آخرين كرهائن. ووفقًا للمؤشر، تطلب هذا الهجوم مستوى عاليًا من الإعداد والتطور والسرية في الأشهر التي سبقت وقوعه، واستفادت فيه حماس من التكنولوجيا الحديثة، واختارت توقيت تنفيذه بشكل استراتيجي يتزامن مع تواريخ مهمة.
3. جماعة نصرة الإسلام والمُسلمين: كانت الجماعة ثالث أكثر الجماعات الإرهابية دمويةً خلال 2023، حيثُ نُسب إليها 112 هجومًا (وقعت 56% منها في بوركينافاسو، و24% في مالي)، ووصلت الوفيات الناجمة عن تلك الهجمات إلى 1099 حالة وفاة، بزيادة قدرها أربعة أضعاف تقريبًا مُقارنةً بـ 281 حالة خلال 2022. كما ارتفع مُعدل فتك هجمات الجماعة إلى أعلى مُستوياته، بمتوسط 9.8 أشخاص لكل هجوم خلال العام الماضي، ارتفاعًا من 3.6 أشخاص عام 2022.
ووفقًا للمُؤشر، تُواصل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين جهودها لتوسيع أنشطتها خارج منطقة الساحل، حيث نفذّت هجمات في توغو للعام الثاني على التوالي، وتم تسجيل ثلاث هجمات أخرى لها في النيجر، أسفرت عن مقتل 208 أشخاص، وهو أكبر عدد من الوفيات سجلته الجماعة في البلاد، يشمل ذلك الهجوم الأكثر دموية الذي شنته في نوفمبر 2023، عندما قتل مسلحون ما لا يقل عن 200 جندي في كمين لأربعة أعمدة عسكرية في تيلابيري. وفي حين لم تعلن أي جهة مسئوليتها عن الهجوم، إلا أن وسائل الإعلام المحلية ذكرت أن الهجوم كان عملية مشتركة بين داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
وعلى الصعيد التكتيكي، لا تزال الهجمات المسلحة هي الشكل الأكثر دموية للهجمات التي تشنها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حيث تُشكل 82% من إجمالي الوفيات الناجمة عن مُمارسات الجماعة، والتي زادت بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2022، ارتفاعًا من 233 حالة وفاة، إلى 903 خلال العام الماضي. فيما استهدف السواد الأعظم من هجمات الجماعة قوات الجيش؛ إذ وقع ما لا يقل عن نصفها ضد أهداف عسكرية، لكن رغم ذلك وقع العدد الأكبر من الوفيات في صفوف المدنيين، حيثُ وصل إلى 416 عام 2023، ارتفاعًا من 111 عام 2022.
4. حركة الشباب المُجاهدين بالصومال: انخفض عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب المنسوبة إلى حركة الشباب بنسبة 38% تقريبًا من 800 عام 2022 إلى 499 عام 2023. وقد وقع 86% من هذه الوفيات في الصومال و14% في كينيا، حيثُ كانت الحركة مسئولة عن 70 حالة وفاة في البلاد، وهو أكبر عدد منذ عام 2019، ويرجع ذلك إلى تسبب عمليات مُكافحة الإرهاب التي تقودها الحكومة الصومالية ضد معاقل حركة الشباب في زيادة عدد مُقاتليها الذين يعبرون إلى كينيا، مُستغلين في ذلك نقص موظفي إنفاذ القانون على طول الحدود بين البلدين، وكذا وجود فجوة أمنية خلقتها التغييرات التي طرأت على القيادة الأمنية في كينيا يستغلها المسلحون في شن الهجمات.
ويعكس الانخفاض في أعداد الوفيات كذلك الاتجاه الحاصل في عدد الهجمات التي نفذتها حركة الشباب خلال العام الماضي؛ إذ انخفض بنحو الثلث إلى 227 هجومًا مدفوعًا بنجاح عمليات مُكافحة الإرهاب التي قادتها الحكومة الصومالية والقوات المُتحالفة معها. وكان هذا واضحًا خاصةً في مناطق مثل بنادير وشبيلها الوسطى. لكن رغم التقدم الأولي الذي حققته حكومة الصومال في عملياتها ضد حركة الشباب، إلا أنها واجهت انتكاسات ملحوظة خلال الربع الأخير من 2022، مما دفعها إلى مُطالبة الأمم المتحدة بتأجيل الانسحاب المقرر لـ 3000 جندي من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي لمدة ثلاثة أشهر، وقد جاء الطلب نتيجة لهجوم أجبر قوات الأمن على الانسحاب من البلدات التي تم الاستيلاء عليها مؤخرًا.
وعلى الصعيد التكتيكي، استخدمت حركة الشباب بشكل رئيسي التفجيرات والهجمات المُسلحة، حيثُ وقع ما يقرب من 69% من الوفيات الناجمة عن ممارسات الحركة نتيجة التفجيرات الانتحارية، في حين شكلت الهجمات المُسلحة 25% من الوفيات. فيما كانت 41% من تلك الهجمات موجهة ضد الجيش، و22% منها ضد المدنيين.