يُعد التطوع شكلًا مهمًا من أشكال رأس المال الاجتماعي، حيث يساهم بشكل كبير في الترابط المجتمعي، ويساعد في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا، ويعزز الثقة بين المواطنين من خلال تعميق معايير التضامن التي تعتبر ضرورية لاستقرار المجتمعات؛ فكيف تبدو صورة التطوع في المجتمعات المختلفة؟ هذا ما سيتناوله المقال من خلال تسليط الضوء على حجم ومشاركة المواطنين في العمل التطوعي في جميع أنحاء العالم، على النحو الذي جعل 4.2 مليارات شخص يقدمون المال أو الوقت أو يساعدون شخصًا لا يعرفونه في عام 2022 بما يمثل 72% من سكان العالم البالغين.
وفق تقرير حالة التطوع في العالم 2022، يبلغ العدد الإجمالي للمتطوعين والمتطوعات من سن 15 سنة فما فوق شهريًا، ما يجاوز 862.3 مليون متطوع ومتطوعة في جميع أنحاء العالم؛ حيث وصل معدل التطوع الشهري في الدول العربية إلى 9% من السكان البالغين، وفي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وصل إلى 10.5%، أما معدل التطوع في أوروبا وآسيا الوسطى فبلغ 10.6%، بينما تفوقت بكثير معدلات منطقة أفريقيا، ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ إذ بلغت معدلات التطوع الشهرية نسبة 17.5%، و17.2% على التوالي.
معدلات التطوع الشهرية للمتطوعين والمتطوعات في سن 15 سنة فأكثر | ||
المنطقة | العدد الشهري للمتطوعين/ات | معدل التطوع الشهري (%) |
آسيا والمحيط الهادئ | 563.946.000 | 17.2% |
أفريقيا | 109.192.500 | 17.5% |
أوروبا وآسيا الوسطى | 81.179.200 | 10.6% |
أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي | 52.306.340 | 10.5% |
الدول العربية | 26.201.390 | 9% |
دول أخرى | 29.553.210 | 9.1% |
* جدول (1): إعداد الباحثة بالاعتماد على تقرير حالة التطوع في العالم 2022.
الخريطة العالمية للتطوع
أصدرت مؤسسة المساعدات الخيرية “كاف” بلندن، أحدث تقرير لـ مؤشر العطاء العالمي 2023، والذي يستمد بياناته من مسح أجرته مؤسسة جالوب الدولية لاستطلاعات الرأي، حيث شمل 147,186ألف مقابلة مع بالغين في 142 دولة على مدار عام 2022 لتحديد مؤشر العطاء العالمي عبر ثلاثة أسئلة ومؤشرات؛ هي مساعدة شخص غريب، والتبرع بالمال، والتطوع بالوقت والجهد، بهدف رصد أكثر الدول والشعوب عطاءً في العالم.
مقارنة النسب العالمية لمؤشر العطاء العالمي لآخر 5 سنوات | ||||
العام | درجة مؤشر العطاء العالمي | التطوع بمساعدة شخص غريب | التطوع بالمال | التطوع بالوقت |
2022 | 39 | 60% | 34% | 24% |
2021 | 40 | 62% | 35% | 23% |
2020 | 35 | 55% | 31% | 19% |
2019 | 33 | 51% | 28% | 19% |
2018 | 31 | 47% | 27% | 18% |
* جدول (2): إعداد الباحثة بالاعتماد على مؤشرات العطاء العالمي.
توضح البيانات أعلاه أن عام 2021 كان أكثر السنوات كرمًا وعطاءً، حيث وصلت مساعدة الغرباء في هذا العام إلى أعلى مستوى لها، فقام ثلاثة من كل خمسة بالغين في جميع أنحاء العالم بمساعدة شخص غريب لا يعرفونه، بنسبة 62%، وهو ما يعادل 3.5 مليارات شخص، بينما أفاد أكثر من واحد من كل ثلاثة أفراد حول العالم بنسبة وصلت 35٪ أنهم تبرعوا بالمال للأعمال الخيرية، وأفاد ما يقرب من واحد من كل أربعة أشخاص على مستوى العالم بنسبة وصلت 23٪ أنهم تطوعوا بوقتهم للأعمال الخيرية، أما فيما يتعلق بعام 2022 فقد تم الحفاظ على مستويات الكرم والعطاء الحادثة في عام 2021، ولكن بنسب تتفاوت قليلًا؛ حيث بلغت درجة مؤشر العطاء العالمي 39 درجة، أي أقل بنقطة واحدة فقط من المستوى المرتفع المسجل في عام 2021 والذي وصل إلى 40 درجة، فيما وصلت مساعدة الغرباء في عام 2022 نسبة 60%، ونسبة من تبرعوا بالمال 34%، ومن تطوعوا بوقتهم نسبة 24%.
أولًا: الدول الأكثر كرمًا وعطاءً في العالم
جاءت الدول العشر الأكثر كرمًا في العالم هي على الترتيب؛ إندونيسيا في المرتبة الأولى، تلتها أوكرانيا، ثم كينيا، وجاءت ليبيريا في المرتبة الرابعة، تلتها الولايات المتحدة، فميانمار ثم الكويت، بينما حلت كندا في الترتيب الثامن تَلتها نيجيريا، واحتلت نيوزيلندا المرتبة العاشرة.
* شكل (1): إعداد الباحثة بالاعتماد على مؤشر العطاء العالمي 2023.
* شكل (2): إعداد الباحثة بالاعتماد على مؤشر العطاء العالمي 2023.
ويتضح من البيانات السابقة أن إندونيسيا هي الدولة الأكثر كرمًا وعطاءً في العالم، حيث احتفظت دولة إندونيسيا بأعلى معدل للعمل التطوعي للعام السادس على التوالي؛ ومن المحتمل أن يرجع هذا في جزء كبير منه إلى المبدأ الإندونيسي المقرر “للتعاون المتبادل” وخاصة في أوقات الكوارث؛ والتي انتعشت بعد زلزال عام 2018، وخلال الوباء، ففي عام 2021 أظهرت إندونيسيا مستويات عالية من التضامن حيث أفاد ستة من كل عشرة بالغين بنسبة بلغت 63% في إندونيسيا أنهم تطوعوا في عام 2021.
أما أوكرانيا فهي الدولة الأكثر صعودًا هذا العام، حيث سجلت أكبر زيادة في العالم على أساس سنوي في درجة المؤشر في عام 2022، وانتقلت من المركز العاشر في 2021 إلى المركز الثاني في 2022، ويُفَسر ذلك بأنه استجابة ومسئولية استثنائية في أوقات الأزمات، وخاصة في مواجهة الغزو الروسي لها، وهذه التغييرات الكبيرة تسلط الضوء على مرونة الأوكرانيين وتعاطفهم والتزامهم الثابت بدعم المحتاجين في أوقات المحن والأزمات. وعن المركز الثالث فحازت عليه كينيا على الرغم من ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد البطالة، وذلك بسبب التقاليد الخيرية والإنسانية القوية بأهمية المساعدة بجزء مما يملكه المرء.
ثانيًا: الدول الأقل كرمًا وعطاءً في العالم
وضح مؤشر العطاء العالمي الدول العشر الأقل عطاءً؛ حيث سجلت بولندا أدنى مرتبة، تلتها كرواتيا، ثم على التوالي شكلت اليمن واليابان واليونان بقية البلدان الخمسة التي سجلت أدنى درجات في عام 2022 ثم جاء الخمس دول الأخرى على التوالي أفغانستان، وكمبوديا، ولبنان، وفيتنام، وبلغاريا.
* شكل (3): إعداد الباحثة بالاعتماد على مؤشر العطاء العالمي 2023.
* شكل (4): إعداد الباحثة بالاعتماد على مؤشر العطاء العالمي 2023.
ويتضح من البيانات السابقة، وجود اليابان في مرتبة متدنية على الرغم من أن الديمقراطية في اليابان ناضجة وتتمتع باستقرار سياسي واجتماعي بدرجة عالية، وقد يرجع ذلك لطبيعة ثقافية، حيث إن ما ينظر إليه أنه عمل خيري في الولايات المتحدة، يفهم في اليابان على أنه مسئولية، أما عن اليمن وأفغانستان ولبنان فترجع الأسباب إلى انتشار الفقر والمجاعة والاضطرابات الأهلية والحروب وعدم الاستقرار السياسي.
ثالثًا: الدول العربية على مؤشر العطاء العالمي
على صعيد الدول العربية، تصدرت الكويت المرتبة الأولى عربيًا والسابعة عالميًا في المؤشر العالمي للعطاء لعام 2023، متبوعة بالإمارات في المرتبة الـ 11 عالميًا، ثم ليبيا في المرتبة الـ 44، والعراق في المرتبة الـ 51، والسعودية في المرتبة الـ 69، وجزر القمر في المرتبة الـ 93، تلتها الجزائر في المرتبة الـ 111، والأردن في المرتبة الـ 124، وفلسطين في المرتبة الـ 125، والمغرب في المرتبة الـ 128، ومصر في المرتبة الـ 129، وتونس في المرتبة الـ 131، ولبنان في المرتبة الـ 135، وأخيرًا تحل اليمن في المرتبة الـ 140.
ترتيب الدول العربية من الأكثر للأقل تبرعًا وعطاءً | |||||
التطوع بالوقت | التبرع بالمــال | مساعدة شخص غريب | قيمة المؤشر | الترتيب العالمي | الدولة |
37% | 54% | 79% | 57 | 7 | الكويت |
34% | 60% | 63% | 52 | 11 | الإمارات |
23% | 29% | 80% | 44 | 44 | ليبيا |
17% | 35% | 75% | 42 | 51 | العراق |
16% | 37% | 67% | 40 | 69 | السعودية |
34% | 23% | 63% | 40 | 71 | موريتانيا |
32% | 19% | 58% | 36 | 93 | جزر القمر |
19% | 25% | 53% | 32 | 111 | الجزائر |
8% | 13% | 64% | 28 | 124 | الأردن |
9% | 11% | 61% | 27 | 125 | فلسطين |
8% | 2% | 70% | 26 | 128 | المغرب |
4% | 9% | 63% | 25 | 129 | مصر |
9% | 6% | 57% | 24 | 131 | تونس |
10% | 18% | 42% | 23 | 135 | لبنان |
6% | 4% | 46% | 18 | 140 | اليمن |
* جدول (3): إعداد الباحثة بالاعتماد على مؤشر العطاء العالمي 2023.
ويلاحظ من الجدول أعلاه أن الدول العربية الأغنى اقتصاديًا والتي لديها وفورات مالية مثل الكويت والإمارات وليبيا والعراق والسعودية هي المتقدمة في مؤشر العطاء العالمي، حيث يتميز معظمها بحداثة جهاز الدولة، واختراقها للمجتمع، إلى جانب عدد السكان الصغير. وعلى صعيد آخر، نجد أن الدول محدودة الموارد، والتي لديها ميراث طويل مع أجهزة الحكم والإدارة البيروقراطية، مثل مصر ولبنان وتونس والمغرب تأتي في مراتب متأخرة في مؤشر العطاء العالمي.
فنجد أن مصر، على الرغم من أن مؤشر العطاء العالمي 2023 لم يمنحها مرتبة متقدمة، حيث حلت في المرتبة 129عالميًا ضمن 142 دولة شملها المؤشر، بمعدل 25 نقطة من أصل 100 نقطة، إلا أنه أشار إلى تميز المصريين في الانخراط في مساعدة الغرباء، إذ يقوم 63 في المائة من المصريين بمساعدة الغرباء. أما فيما يتعلق بالتبرع بالوقت فقد حل المصريون في أدنى قائمة الأشخاص الذين يتبرعون بالوقت، إذ بيّن المؤشر أن 4% فقط من المصريين يتطوعون بوقتهم للعمل الخيري وقد يرجع ذلك إلى تدني ثقافة العمل التطوعي.
كما يبلغ نسبة المصريين الذين يتبرعون بالمال للعمل الخيري 9% وهو ما قد نرجعه إلى التحديات الاقتصادية التي تواجه الدولة المصرية، كما قد يرجع إلى أن المصريين لديهم نزعة التبرع في الخفاء أو الصدقة المخفية، امتثالًا لقول الله تعالى: “إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”، وما روي أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: “رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.
وأخيرًا؛ فعلى الرغم من الاهتمام المتزايد بالتطوع، فإن عددًا قليلًا من دول العالم هو الذي يقوم بقياس التطوع على المستوى المحلي، مع وجود نقص في الدراسات التي تهتم بالتطوع وتفسر النتائج التي تظهرها أرقام ومؤشرات التطوع العالمية، وخاصةً في دول الجنوب العالمي، بما فيها مصر، حيث تغيب الدراسات والبيانات المتعلقة بالسلوك التطوعي؛ وهو ما يطرح ضرورة قيام الحكومة المصرية بتبني مقياس للتطوع، والاستفادة من خبرات المجتمعات الأخرى في تعزيز العمل التطوعي وخلق البيئة المناسبة له وفق ظروف وثقافة المجتمع المصري.