لا يزال تلوث الهواء يمثل أكبر تهديد للصحة البيئية في جميع أنحاء العالم. تتسبب جودة الهواء الرديئة في 93 مليار يوم من العيش مع المرض، وأكثر من 6.5 ملايين حالة وفاة كل عام، فضلًا عن التكلفة الاقتصادية الإجمالية التي تعادل أكثر من 8 تريليونات دولار، متجاوزة 6.1 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي العالمي. يتسبب التعرض لتلوث الهواء في حدوث العديد من الأمراض الخطيرة التي تهدد بشكل مباشر الحياة، وتشمل: الربو، والسرطان، وأمراض الرئة، وأمراض القلب، والوفاة المبكرة. وعلى الرغم من الجهود المستمرة لتقليل تلوث الهواء والحفاظ على البيئة، إلا أنه من خلال تحليل بيانات تقرير جودة الهواء العالمي 2022، نجحت 13 دولة فقط من أصل 131 دولة ومنطقة مدرجة في هذا التقرير في تحقيق تركيزات (PM 2.5)، وهي المعروفة بمؤشر كثافة الجسيمات الدقيقة والخطرة المحمولة جوًا، عند أو أقل من إرشادات منظمة الصحة العالمية لهذه التركيزات سنويًا، والبالغة 5 ميكروجرام / م 3، وباقي المناطق تعاني من نسب متفاوتة من تلوث الهواء يؤثر على الصحة والحياة بشكل عام.
- ملوثات الهواء حسب منظمة الصحة العالمية
تضمن تحديث عام 2021 لقاعدة بيانات جودة الهواء التابعة لمنظمة الصحة العالمية للمرة الأولى قياسات لمتوسط التركيزات السنوية لثاني أكسيد النيتروجين على الأرض، وهو مادة ملوثة تنتشر في المناطق الحضرية وتنذر بوجود الجسيمات الدقيقة والأوزون. بالإضافة إلى تحديث قياسات الجسيمات الدقيقة التي يساوي قطرها أو يقل عن 10 ميكروجرام أو 2,5 ميكروجرام. وتنشأ كلتا الفئتين من الملوثات أساسًا بسبب الأنشطة البشرية المرتبطة باحتراق الوقود الأحفوري.
حددت المنظمة بعض العناصر التي تسبب تلوث الهواء ووضعت لها مؤشرات أو تركيزات آمنة يمكن السماح للبلدان الوقوف عندها وتجنب التعرض لمخاطر تلوث الهواء، وأوضحت أيضًا أن الدول التي تتخطى هذه التركيزات ستعاني من كل تداعيات تلوث الهواء صحيًا واقتصاديًا وبيئيًا. وحددت المنظمة مستويات جودة الهواء فيما يخص خمسة ملوثات، تشير الأدلة إلى أن التعرض لها يدمر الصحة، وعند اتخاذ إجراءات بشأن هذه الملوثات المسماة تقليدية مثل (الجسيمات (PM) – والأوزون (O3)- وثاني أكسيد النيتروجين (NO2) – وثاني أكسيد الكبريت (S2O) – وأول أكسيد الكربون (CO))، فإن ذلك يحد أيضًا من الملوثات الضارة الأخرى العالقة في الهواء. ويوضح الجدول التالي تحديثًا لنسب تركيزات الجسيمات الأساسية بالميكروجرام / م3 وفقًا للمنظمة، مقارنة بالقانون المصري.
محددات القانون رقم 4 لسنة 1994 | معايير منظمة الصحة العالمية عام 2021 | معايير منظمة الصحة العالمية عام 2005 | الجسيمات |
50 | 5 | 10 | PM 2.5 |
70 | 15 | 20 | PM 10 |
60-80 | 25 | 40 | NO2 |
وتنطوي المخاطر الصحية المرتبطة بالجسيمات التي يساوي أو يقل قطرها عن 2.5 و10 ميكروجرام، والتي تعرف باسم (PM2.5) و(PM 10) على الترتيب، على أهمية خاصة بالنسبة للصحة العامة. فهي قادرة على النفاذ إلى عمق الرئتين بل يمكن للجسيمات (2.5 PM) أن تنفذ إلى مجرى الدم، مما يؤثر على القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وحتى على أجهزة أخرى. وتنتج الجسيمات في المقام الأول عن احتراق الوقود في قطاعات مختلفة، بما في ذلك النقل والطاقة والصناعة والزراعة والمنازل. وقد صنفت الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة للمنظمة في عام 2013، تلوث الهواء خارج المباني والجسيمات في عداد مسببات السرطان.
وسلطت المنظمة الضوء في البيانات المحدثة لعام 2023 أيضًا على الممارسات الجيدة لإدارة أنواع معينة من الجسيمات (مثل الكربون الأسود/الكربون الأولي، والجسيمات متناهية الصغر، والجسيمات الناشئة عن عواصف رملية وترابية) التي لا تتوافر بشأنها حاليًا أدلة كمية كافية أو بيانات لتحديد مستويات جودة الهواء وفقًا لمبادئ توجيهية. وهي تنطبق على البيئات الخارجية والداخلية في جميع أنحاء العالم.
- أين يقف العالم من مستويات تلوث الهواء؟
وضعت منظمة الصحة العالمية الحدود الصحية لملوثات (PM2.5) بمتوسط سنوي قدره (0-5) ميكروجرام / م3. ووضعت مستويات لما يفوق هذه الحدود المسموح بها وحددت دول العالم التي تقف عند هذه المستويات، ليتبين أن ما يزيد على 90% من دول العالم تتعدي الحدود الصحية لملوثات الهواء حسب البيانات المجمعة من 131 دولة في مؤشر جودة الهواء 2022، ويظهر ذلك في الجدول التالي:
المتوسط السنوي لتركيز PM2.5 (ميكروجرام / م3) | النسبة المئوية للبلدان حسب تقرير الصحة العالمية 2022 | عدد الدول |
0 – 5 | 9.9% | 19 |
5.1 – 10 | 18.3% | 37 |
10.1 – 15 | 19.8% | 39 |
15.1 – 25 | 28.2% | 55 |
25.1 – 35 | 9.9% | 19 |
35.1 – 50 | 7.6% | 15 |
> 50 | 6.1% | 12 |
وفقًا لمؤشر جودة الهواء العالمي، استوفت 13 دولة فقط التركيز الموصى به لتركيزات PM2.5 في عام 2022، وكان من بينها أستراليا وفنلندا وبورتوريكو وأيسلندا. بينما سجل ما يقرب من 14٪ من دول العالم مستويات تلوث الهواء تجاوزت جميع المستويات المستهدفة على الإطلاق وهي أعلى من 50 ميكروجرام / م3. كما أن العديد من المدن في أمريكا الشمالية وأوروبا شهدت تركيزات ثابتة وأقل نسبيًا من PM2.5 خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى عدد من الدول خاصة تلك الموجودة في آسيا قد خطت خطوات واسعة في خفض مستويات تلوث الهواء. ومع ذلك، لا يزال العديد منهم يسجلون تركيزات PM2.5 تزيد على ستة أضعاف إرشادات منظمة الصحة العالمية. والجدول التالي يوضح أكثر 20 مدينة تلوثًا للهواء حول العالم لعام 2022.
متوسط تركيز PM2.5ميكروجرام/م3 | المدينة | الترتيب | متوسط تركيز PM2.5ميكروجرام/م3 | المدينة | الترتيب |
88.6 | غازي اباد – الهند | 11 | 97.4 | لاهور- باكستان | 1 |
87.8 | داروهيرا- الهند | 12 | 94.3 | هوتان- الصين | 2 |
86.7 | بغداد – العراق | 13 | 92.7 | بهيوادي – الهند | 3 |
85.9 | شابارا – الهند | 14 | 92.6 | دلهي- الهند | 4 |
85.5 | مظفرناغار-الهند | 15 | 91.8 | بيشاور- باكستان | 5 |
84.5 | فيصل آباد – باكستان | 16 | 90.3 | داربهانجا – الهند | 6 |
83.2 | نويدا الكبرى – الهند | 17 | 90.2 | أسوبور- الهند | 7 |
82.2 | بهادورجاره – الهند | 18 | 89.7 | نجامينا- تشاد | 8 |
79.7 | فريداباد- الهند | 19 | 89.1 | نيودلهي – الهند | 9 |
79.2 | مظفربور- الهند | 20 | 88.9 | باتنا – الهند | 10 |
المصدر: https://www.iqair.com/ca/world-air-quality-report
وبذلك يظهر الجدول أن الهند وحدها تحتوي على 14 مدينة ضمن أكثر 20 مدينة تلوثًا في العالم، تعدت بذلك الصين التي كانت متفوقة في مستويات التلوث في السنوات السابقة، وظهرت دولة واحدة عربية هي العراق، ودولة أفريقية هي تشاد.
والجدول التالي يوضح عدد من الدول التي نجحت في تحسين مستويات تلوث الهواء لديها وإن كانت ما زالت تتعدى الحدود الصحية المسموح بها
المتوسط السنوي لتركيز PM2.5 لعام 2022 | المتوسط السنوي لتركيز PM2.5 لعام 2018 | المدينة |
47.4 | 76 | القاهرة- مصر |
46.7 | 58.6 | مومباي- الهند |
43.7 | 55.3 | دبي- الإمارات |
36.2 | 45.3 | جاكرتا- إندونيسيا |
36.1 | ــــــ | لاغوس- نيجيريا |
29.8 | 50.9 | بكين- الصين |
25.6 | 28 | ليما- بيرو |
22.1 | 19.7 | مكسيكو سيتي- المكسيك |
21.3 | 33.2 | قوانغتشو- الصين |
14.6 | ــــــ | مانيلا- الفلبين |
تداعيات سوء جودة الهواء
تعد نوعية الهواء الرديئة أحد الأسباب الرئيسية للوفيات المبكرة في جميع أنحاء العالم، فوفقًا لدراسة عام 2020 من قبل معهد الآثار الصحية، توفي 6.67 مليون شخص نتيجة لتلوث الهواء في عام 2019. بالإضافة إلى ملايين الوفيات المبكرة كل عام، حيث إن التكلفة العالمية للأضرار الصحية المرتبطة بتلوث الهواء تقع حاليًا عند 8.1 تريليون دولار.
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تتضاعف معدلات الوفيات غير العرضية بمقدار 1.08 لكل زيادة قدرها 10 ميكروجرام/ م3 في تركيز PM2.5، إلى أن تصل فقط إلى 35 ميكروجرام/متر3. علاوة على ذلك، قد لا تكون معدلات نمو الوفيات خطية، مما يؤدي إلى المزيد من الوفيات وبصورة أسرع، واعتبارًا من عام 2022 فإن 14% من سكان العالم يعيشون في ظروف تفوق هذه المستويات، وبالتالي ستواجه هذه التأثيرات الصحية لتلوث الهواء ومن بينها (تشاد، والهند، وباكستان، وقطر، ونيجيريا).
وتوصي المنظمة بضرورة العمل على خفض مستويات التلوث وفقًا لأهداف محددة وبشكل تدريجي، حيث يمكن تجنب نحو 80% من الوفيات المرتبطة بجسيمات PM2.5 في العالم إذا تم تخفيض مستويات تلوث الهواء الحالية إلى المستويات المقترحة في المبادئ التوجيهية المحدثة، وفي الوقت نفسه سيؤدي تحقيق الأهداف المؤقتة إلى التخفيف من عبء المرض، مما سيعود بالنفع على البلدان التي لديها مستويات عالية من مستويات تركيز جسيمات PM2.5 وعلى فئات أوسع من السكان.
- مصر ومؤشرات جودة الهواء
المصدر الرئيسي لتلوث الهواء في مصر يأتي من الجسيمات لكل من تركيزات PM2.5 وPM10، وهي تأتي أساسا من قطاعات النقل والصناعة والحرق المكشوف لمواد النفايات العضوية الصلبة. نظرًا لقربها من المناطق الصحراوية المحيطة بالبلاد. تأتي القاهرة دائمًا أكثر تلوثًا للهواء وفقًا للمعايير المقبولة عالميًا. وغالبًا ما يكون الهواء فوق القاهرة سميكًا ورمادي اللون ويظهر كضباب، حيث يختلط أول أكسيد الكربون CO)) المنبعث من وسائل النقل مع جزيئات PM، وهو ما يسبب تلوثًا ملحوظًا في سماء القاهرة.
احتلت مصر المركز التاسع في مؤشر جودة الهواء العالمي لعام 2022 من بين 131 دولة على أساس تركيزات PM2.5، بنسبة 63.16 مرتفعة عن عام 2018 الذي سجلت فيه 62.2، ووفقًا للمؤشر فقد جاءت القاهرة كأكثر مدينة في تلوث الهواء في مصر بتركيز 47.4 مليجرام/م3، وجاءت مدينة القاهرة الجديدة كأنظف مدينة في مصر بتركيز 8.8 مليجرام/ م3 من تركيزات PM2.5، بمعدل 1.8 ضعف المسموح به من منظمة الصحة العالمية.
ووفقًا لقاعدة بيانات جودة الهواء لمنظمة الصحة العالمية، فقد وردت مصر خلال الأعوام 2013-2014-2015 لمناطق الدلتا والقاهرة الكبري في قياس تركيزات PM10 – ميكروجرام/م3، كما في الجدول التالي:
السنة | تركيزات PM10الدلتا | تركيزات PM10القاهرة الكبرى |
2013 | 167 | 179 |
2014 | 201 | 282 |
2015 | 249 | 284 |
- جهود تحسين جودة الهواء
قدمت مصر في استراتيجية مصر 2030 البعد البيئي في كل الخطط والبرامج الاقتصادية، وأصبح تضمين البعد البيئي جنبًا إلى جنب مع البعد الاقتصادي والاجتماعي للتنمية أمرًا حيويًا، وتضمنت الاستراتيجية عدة برامج قومية في مجال تحسين جودة ونوعية الهواء، حيث تهدف الحكومة إلى خفض تلوث الهواء من تركيزات الجسيمات العالقة بنسبة 50% بنهاية عام 2030 مقارنة بسنة الأساس ٢٠١٥ (١٥٧ ميكروجرام/م٣). كما تضمنت الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، أهدافًا وبرامج للحد من الانبعاثات الكربونية الضارة والغازات الدفيئة خاصة في قطاعات النقل والصناعة والطاقة والتي تسبب النسب الأكبر في تلوث الهواء، ومن ثم سيعود ذلك على تقليل تلوث الهواء وتحسين جودته.
كما تم زيادة عدد محطات شبكة رصد جودة الهواء لتبلــغ 121 محطة رصد عــام 2023 بدلًا من 108 عام 2020، موزعة على جميع انحاء الجمهوريــة لتوفيــر بيانات الرصد الصحيحة، ووصل عدد المنشآت الصناعية المرتبطة بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية إلى 95 منشأة صناعية بعدد 477 نقطة رصد، تشمل العديد من القطاعات الصناعية كصناعة الأسمنت وتصنيع الأسمدة وتوليد الطاقة الكهربائية. وتم زيادة عدد محطات الشبكة القومية لرصد مستويات الضوضاء البيئية إلى 43 محطة. بالإضافة إلى عدد من الأنشطة والجهود الأخرى بينها مشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ بالقاهرة الكبرى والممول من البنك الدولي بقيمة 200 مليون دولار. ويتكون من ٦ مكونات وتشمل:
- المكون الأول: تعزيز إدارة جودة الهواء ونظام الاستجابة.
- المكون الثاني: دعم تفعيل الخطط الرئيسية لإدارة المخلفات الصلبة في القاهرة الكبرى.
- المكون الثالث: خفض انبعاثات مركبات وسائل النقل العام، ويرتكز في مشروع تجريبي للحافلات الكهربائية (100 حافلة) لصالح هيئة النقل العام بالقاهرة.
- المكون الرابع: تعزيز القدرات والتغير السلوكي والتواصل.
- المكون الخامس: إدارة المشروع ورصده وتقييمه ويدعم تعزيز القدرات التشغيلية والائتمانية والفنية لوحدة تنسيق المشروع.
- المكون السادس: تحسين إدارة المخلفات الإلكترونية ومخلفات الرعاية الطبية لتقليل انبعاثات المركبات العضوية الثابتة.