أسفرت انتخابات الجمعية الوطنية الباكستانية (مجلس النواب)، والتي أجريت يوم 3 مارس 2024، عن اختيار شهباز شريف، المرشح عن حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف، ليكون رئيسًا للوزراء في باكستان، وذلك بعد التوافق بين الحزب مع حزبي الشعب الباكستاني والحركة القومية المتحدة – الباكستانية، ولتتشكل بذلك حكومة ائتلافية جديدة في باكستان، عقب انتخابات شهدت العديد من المفاجآت وشابتها العديد من التساؤلات والاتهامات.
في الثامن من فبراير، نظمت باكستان انتخابات تشريعية لاختيار 266 نائبًا في الجمعية الوطنية، ولتجديد المجالس الإقليمية، أسفرت عن عدم حصول أي حزب على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة بشكل منفرد، لكنها حملت في الوقت نفسه مفاجأة تمثلت في أنه -على خلاف التوقعات التي راهنت على الفوز الحاسم لحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز- حصل المستقلون المدعومون من حزب حركة الإنصاف، والذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق “عمران خان”، على أكبر عدد من الأصوات، بما مكنهم من الحصول على 93 مقعدًا بالجمعية الوطنية، برغم ما تعرض له الحزب من تقييد تمثّل في الحكم على عمران خان قبل أيام من الانتخابات بالسجن لمدة 31 عامًا، علاوة على فرض تعتيم إعلامي وقيود على الحملة الانتخابية لمرشحي الحزب، ومنعهم من استخدام رمز “مضرب الكريكيت” المعروف بارتباطه دومًا بهؤلاء المرشحين، وهو ما شكل عاملًا إضافيًا للإضرار بالحملة الانتخابية الخاصة بالمرشحين، لا سيما في سياق ما تحظى به الرموز من أهمية بالغة بالانتخابات الباكستانية، وذلك بالنظر إلى أن نحو 40% من سكان باكستان أميون ويعتمدون على الرموز للإدلاء بأصواتهم.
كما أُثيرت ادعاءات بشأن وجود مخالفات بعملية الاقتراع صاحبها قرار الحكومة بقطع شبكات الهواتف والإنترنت، مما أدى إلى عرقلة عمليات الإبلاغ المباشر عن المخالفات في مراكز الاقتراع. علاوة على التأخير في عمليات فرز الأصوات وإعلان النتائج، بجانب التشكيك في نتائج الانتخابات عبر الإشارة إلى وجود تناقضات بين النتائج التي أُعلن عنها بمراكز الاقتراع مقابل النتائج النهائية المُعلنة من جانب لجنة الانتخابات الباكستانية. وبرغم نفي لجنة الانتخابات كافة هذه الاتهامات، فقد ألقت بظلال من الشك والتساؤل حول مصداقية الانتخابات ومدى شرعية الحكومة الجديدة ومستقبلها، وذلك في ضوء مجموعة التحديات الآنية، الداخلية والخارجية، المنوط بها التعامل معها منذ اليوم الأول.
أولًا: حالة الاستقطاب الداخلي
يعد من ضمن أكبر التحديات المواجهة للحكومة الجديدة هو مسألة الاستقطاب السياسي، فقد أثبتت الانتخابات عدم نجاح أي إجراءات من شأنها استبعاد حركة الإنصاف، ومن ثَمّ لا يضمن تشكيل حكومة ائتلافية من دون حزب حركة الإنصاف الباكستاني جلب الاستقرار للبلاد. أظهر استطلاع غالوب لقياس الرأي، في يناير 2024، ارتفاع شعبية عمران خان مقارنة بالشخصيات السياسية الباكستانية الأخرى، لتصل إلى 57%. وفي ظل ما تمر به البلاد من تضخم اقتصادي بلغ 30%، يُنظر إلى أي حكومة باكستانية بدون عمران خان وحزبه، على أنها حكومة تفتقر إلى المصداقية، نتيجة غياب التفويض الشعبي الكافي لها، لا سيما شريحة الشباب والطبقة الوسطى الداعمة لحزب عمران خان.
يزعم أعضاء حزب حركة الإنصاف فوز مرشحيهم المستقلين بنحو 180 مقعدًا، مطالبين بالاعتراف بالتفويض الحقيقي للشعب الباكستاني. ولتعزيز أوضاعهم داخل الجمعية الوطنية، انضم الفائزون المستقلون من الحزب إلى حزب الاتحاد السني بهدف الحصول على حصة من المقاعد السبعين المخصصة للنساء والأقليات الدينية، والتي يتم توزيعها بين الأحزاب البرلمانية على أساس تناسبي. لا يقتصر نجاح المستقلين المدعومين من حركة الإنصاف عند حدّ الجمعية الوطنية، فقد استطاعوا أيضًا تحقيق فوز مؤثر بمجالس المقاطعات الإقليمية الثلاث (البنجاب، والسند، وبلوشستان)، فيما اكتسح المستقلون انتخابات الجمعية الإقليمية في إقليم خيبر بختونخوا، وتمكنوا من تشكيل الحكومة الإقليمية للمقاطعة، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تقييد حركة الحكومة الجديدة.
لا تقتصر التحديات التي تواجهها الحكومة الائتلافية على تلك القادمة من حزب حركة الإنصاف، وإنما يأتي الجزء الآخر من قلب الائتلاف نفسه، وذلك نتيجة الدعم المشروط الذي يقدمه حزب الشعب الباكستاني، المنافس التاريخي لحزب الرابطة الإسلامية، والذي يطمح في العودة بمفرده إلى السلطة.
بانتخابه رئيسًا للوزراء، ستشهد باكستان حكومة مماثلة إلى حد كبير تلك التي كانت قائمة حتى أغسطس 2023، والتي تولى فيها شهباز شريف، باعتباره زعيم حزب الرابطة الإسلامية – جناح نواز، رئاسة الوزراء عقب تصويت البرلمان الباكستاني على حجب الثقة عن حكومة عمران خان، في أبريل 2022، وذلك بعد ما اضطر للاتفاق مع منافسه التاريخي، حزب الشعب الباكستاني، على الإطاحة بخان، وانتخاب شريف رئيسًا للوزراء، وهو ما تكرر مرة أخرى خلال الانتخابات الأخيرة، حيث توصل الطرفان إلى صيغة اتفاق تضمن ترأس شهباز للحكومة الباكستانية، وتولي آصف علي زرداري، زعيم حزب الشعب الباكستاني، رئاسة باكستان.
وعلى الرغم من كون الهدف الذي اجتمع عليه الحزبان لا يزال قائمًا، حيث الرغبة في تحجيم شعبية ونفوذ حزب عمران خان، فقد عبرت فترة المفاوضات السابقة لإعلان الاتفاق عن حالة الانقسام بين الجانبين. فقد أُثير رفض حزب الشعب صيغة تقاسم السلطة مع حزب الرابطة الإسلامية، بما يتضمنه الأمر من تناوب رؤساء الوزراء، كما أُثير رفض الحزب جميع المناصب الوزارية، لتجنب أن يكون طرفًا في القرارات التي لا تحظى بشعبية والمطلوبة للإصلاح الاقتصادي. ولم يتم التوصل إلى الاتفاق إلا بعد أن وافق حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز على دعم حزب الشعب الباكستاني في محاولته لتأمين جميع المناصب الدستورية العليا لصالح الحزب، ولا سيما منصب رئيس الجمهورية. وفي المقابل، أبدى بعض أعضاء حزب الرابطة الإسلامية اعتراضهم على شروط حزب الشعب الباكستاني، وأنه لا يمكن للحكومة الائتلافية العمل تبعًا لهذه الاشتراطات. ومن ثَمّ، يظل من المنتظر رؤية مدى قدرة الحكومة الائتلافية على معالجة الأزمات المتعددة في ضوء وضعها المنقسم.
ثانيًا: إدارة الملف الاقتصادي
تواجه باكستان وضعًا اقتصاديًا شديد التعقيد، حيث يتعين على الحكومة الجديدة إدارة ما يتراوح بين 25 و30 مليار دولار من التزامات الديون الخارجية في السنة المالية التي تبدأ في يوليو المقبل، في ظل استمرار احتياطياتها من العملات الأجنبية في التأرجح، الأمر الذي يحتم عليها ضرورة التفاوض سريعًا على حزمة مالية جديدة مع صندوق النقد الدولي.
فمنذ يونيو الماضي، وبسبب حزمة الإنقاذ قصيرة الأجل بقيمة ثلاثة مليارات دولار التي نجح شهباز شريف في الحصول عليها بعد التفاوض شخصيًا مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي “كريستالينا جورجييفا”، نجحت باكستان في تجنب الإفلاس وتحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي الهش، إلا أنه من المقرر أن تنتهي هذه الحزمة في أبريل المقبل، وهو ما يفرض على الحكومة الجديدة مسار التفاوض مع صندوق النقد بشأن برنامج ضخم متعدد السنوات، الأمر الذي سيشكل بدوره تحديًا كبيرًا أمام هذه الحكومة، نظرًا لما سيتطلبه هذا البرنامج من إصلاحات اقتصادية قاسية، تتضمن التزام الحكومة بمسار الانضباط المالي، وتطبيق إصلاحات ضريبية لا تحظى بشعبية، وخصخصة الشركات المملوكة للدولة وسحب دعم الطاقة. في المقابل، فمن شأن تمديد المفاوضات أو الفشل في تأمين اتفاق طويل الأجل أن يؤدي إلى زيادة ضغوط السيولة الخارجية وزيادة احتمالات التخلف عن السداد.
ويزيد من تعقيد إدارة الملف الاقتصادي، التبعات الشعبية المحتملة جرّاء تطبيق الحكومة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث من المؤكد أن تؤدي أي خسارة في الوظائف الناجمة عن الخصخصة إلى تأجيج الغضب الشعبي، كما قد تواجه الحكومة إزاء أي تحرك من جانبها لتوسيع القاعدة الضريبية مقاومة شديدة من أصحاب المصالح القوية في قطاعات الزراعة والعقارات وتجارة التجزئة. وفي سياق تنامي احتمال الرفض الشعبي لمتطلبات الإصلاح الاقتصادي، سيتعين على رئيس الوزراء مواجهة المعارضة المحتملة لسياسات الإصلاح الاقتصادي، ليس فقط من جانب حزب حركة إنصاف، وإنما أيضًا من جانب شركائه بالائتلاف الحاكم، الذين يخشون فقدان قاعدتهم الشعبية.
على صعيد آخر، تستمر التحويلات المالية -وهي المصدر الأكبر للاحتياطيات الأجنبية في باكستان في الوقت الحالي- في التراجع، نتيجة حالة عدم اليقين السياسي والتقلبات التي شهدتها البلاد خلال الفترة الماضية، وأثارت ترددًا من جانب الباكستانيين في الخارج، ودفعتهم نحو تقليل تحويلاتهم المالية إلى البلاد. وربما يستمر هذا التراجع في ظل استمرار حالة الهشاشة الاقتصادية، وتشكيكهم بنتيجة الانتخابات.
ثالثًا: عدم الاستقرار الأمني
يتمثل التحدي الثالث الذي تواجهه الحكومة الجديدة في معالجة الوضع الأمني في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان. فقد شهدت المنطقتان تصعيدًا حادًا في الهجمات الإرهابية خلال الأشهر الأخيرة التي شنتها فصائل حركة طالبان باكستان، وداعش خراسان والقوميون البلوش المسلحون.
ففي 30 يناير 2024، هاجم انتحاريان ينتميان إلى جماعات انفصالية بلوشية مجمعين عسكريين في بلوشستان، لكن نجحت قوات الأمن الباكستانية في استهداف وتحييد الانتحاريين قبل أن يتمكنا من تفجير نفسيهما. وفي 5 فبراير 2024، أعلن متحدث باسم حركة طالبان الباكستانية مسئولية الحركة عن الهجوم الذي وقع في مركز للشرطة بإقليم خيبر بختونخوا، وأسفر عن مقتل 10 أفراد. وقبل يوم واحد من الانتخابات، تبنى تنظيم داعش مسئوليته عن الهجومين الإرهابيين اللذين وقعا في إقليم بلوشستان. كما شهد يوم الانتخابات نفسه مجموعة متفرقة من الهجمات في شمال غرب وجنوب غرب البلاد.
تسلط هذه الحوادث الضوء على الضرورة الملحة لمعالجة الملف الأمني في باكستان، وأهمية تأمين التعاون بين الحكومة الاتحادية مع حكومات المقاطعات الإقليمية، التي يترأس بعضها المستقلون المدعومون من حركة الإنصاف، الأمر الذي قد يزيد من تعقيد عملية المعالجة الأمنية، خاصة في حال ما إذا اتجه الوزراء المدعومون من الحركة في إقليم خيبر بختونخوا إلى بحث سبل تجديد المفاوضات -المرفوضة من جانب المؤسسة العسكرية- مع حركة طالبان الباكستانية، والتي كانت جارية خلال فترة ولاية عمران خان، وتوقفت في أغسطس 2022، نتيجة رفض الحكومة الباكستانية لمطالب الحركة بفك دمج المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية مع مقاطعة خيبر بختونخوا (مسقط رأس الحركة)، وفرض سيطرة الحركة على المنطقة القبلية. فمن جهتها تريد حركة طالبان باكستان تأسيس دولة مستقلة في هذه المناطق الحدودية مع أفغانستان، وهو ما دفعها نحو خرق وقف إطلاق النار مع الحكومة في نوفمبر 2022، ورفض جميع مطالب الحكومة الخاصة بوقف العنف ونزع سلاح الحركة وحلّها تنظيميًا.
ومن ثَمّ، يظل من شأن تصاعد أعمال العنف في المناطق القبلية الباكستانية وبلوشستان، التي تضم مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية الرئيسية، أن تبقى الحكومة في حالة تأهب قصوى مستمرة. وفي هذا الصدد، شدد شهباز شريف عقب أداء اليمين الدستوري لرئاسة الحكومة على أنه سيعمل فورًا على مكافحة الإرهاب ومعالجة أسبابه الجذرية.
رابعًا: إدارة العلاقات الخارجية
يبرز ملف إدارة العلاقات الخارجية باعتباره من الملفات الشائكة التي يتعين على الحكومة الجديدة التعامل معها منذ اليوم الأول لها، لا سيما في ضوء التنديدات الغربية التي طالت عملية الانتخابات الباكستانية، وهو ما يفرض على الحكومة الجديدة إيلاء اهتمام أكبر بملف السياسة الخارجية، وذلك في ضوء حاجتها إلى تدعيم علاقتها الثنائية مع الدول المؤثرة بصندوق النقد الدولي، خاصة الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مساهم بالصندوق، حيث من المتوقع أن تعمل الحكومة الجديدة على الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن. في المقابل، ستستمر إسلام أباد في مساعي تجديد العلاقات مع الصين، والتي شهدت بعض الفتور خلال الفترة الماضية نتيجة تنامي المخاوف الأمنية الصينية بشأن المشاريع المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، فضلًا عن كون ثلث إجمالي ديون باكستان مستحقة للصين. لذا، قد تتجه الحكومة نحو معالجة مخاوف بكين الأمنية للحفاظ على تدفق ثابت ومتواصل للاستثمار الصيني المنشود.
وفي إطار علاقاتها الإقليمية، تبرز العلاقات مع إيران وأفغانستان والهند باعتبارها من الملفات الشائكة، والتي لا تزال وزارة الخارجية الباكستانية تديرها بتوجيه من المؤسسة العسكرية.
فيما يتعلق بإيران، فبرغم مما شهدته الأيام الماضية من ارتفاع في منسوب التوتر بين البلدين جرّاء إجراء طهران ضربات ضد مواقع تدعي تبعيتها لجيش العدل في بلوشستان الباكستانية، أعقبها قيام إسلام أباد بهجمات ضد مواقع مزعومة لجيش تحرير بلوشستان في إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني، فقد آثر الطرفان عدم تطوير الصراع، وانتهت محادثات وزيري خارجية البلدين التي عقدت في نهاية شهر يناير 2024، بإسلام أباد، إلى الاتفاق على “إنشاء آلية تشاورية رفيعة المستوى على مستوى وزيري خارجية البلدين، للإشراف على التقدم الذي يتم إحرازه في مختلف مجالات التعاون”. كما اتفقا على التعاون لمكافحة الإرهاب، ونشر ضباط اتصال في أقرب وقت، وتشغيل الأسواق الحدودية في المستقبل القريب. ومن ثَمّ، قد تتمثل مهمة الحكومة الجديدة في كيفية ضبط مستوى العلاقات مع إيران دون تحولها إلى صراع، وذلك عبر البحث عن سبل تطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية العميقة، والتي من شأنها أن تسهم في إيجاد حل طويل الأمد لقضية عدم الاستقرار على الحدود وتجنب التصعيد المحتمل.
أما عن العلاقات مع أفغانستان، فمن غير المرجح أن تشهد العلاقات تحسنًا، وإنما قد يتطور مستوى العداء، نتيجة الهجمات المكثفة التي تشنها حركة طالبان الباكستانية ضد المدنيين وأفراد الجيش والشرطة الباكستانيين، علاوة على استمرار الأزمة الحدودية بين البلدين، حيث أشار “شير محمد عباس ستانيكزاي”، نائب وزير الخارجية في الحكومة الأفغانية المؤقتة، في فبراير الماضي، إلى عدم اعتراف كابول بخط ديورند كحدود مع باكستان، معتبرًا أن “المناطق ذات الأغلبية البشتونية على الجانب الآخر من الحدود داخل الأراضي الباكستانية تنتمي أيضا إلى أفغانستان”، الأمر الذي استنكرته وزارة الخارجية الباكستانية مشيرة إلى أن مثل هذه التصريحات لن تغير الحقائق الجغرافية والتاريخية المستندة إلى القانون الدولي، وأنه يتعين على الجانب الأفغاني معالجة المخاوف الأمنية الحقيقية لباكستان.
وعن العلاقات مع الهند، فقد أُثير حديث بشأن احتمال توجه الحكومة الجديدة نحو تحسين العلاقات مع نيودلهي، وذلك في ظل ما يتردد بشأن العلاقات الوطيدة التي تجمع شهباز شريف، ومن قبل نواز شريف خلال فترات توليه رئاسة الوزراء، مع الهند. ومع ذلك، فإن هناك العديد من العوامل الأخرى المتحكمة في مسار العلاقات مع الهند، والتي يعد من أهمها موقف الرأي العام، ومدى تقبله لأي مبادرات من شأنها تطوير العلاقات مع نيودلهي. فيما قد يؤدي تصاعد الاضطرابات الدينية داخل الهند، والتي تستهدف الأقلية المسلمة، إلى تأجيج التوترات بين البلدين. ولكن في الوقت نفسه، قد يؤدي انتخاب “ناريندرا مودي” كرئيس للوزراء للمرة الثالثة (وربما الأخيرة)، إلى وجود رغبة لديه في توطيد أركان إرثه من خلال حل التوترات مع باكستان. ومع ذلك، سيظل النزاع حول كشمير أكبر عائق أمام أي جهود من شأنها تهدئة التوترات، لا سيما بعد ما أيدت المحكمة العليا في الهند، في ديسمبر 2023، قرار الحكومة الهندية الصادر في عام 2019، بخصوص إلغاء الحكم شبه الذاتي لكشمير، وإجراء انتخابات بـ “ولاية كشمير” على غرار الولايات الهندية، خلال موعد أقصاه 30 سبتمبر 2024.
وتأسيسًا على ما تقدم، تواجه الحكومة الباكستانية العديد من التحديات، والتي ربما تكون أعقد من تلك التي واجهتها خلال ولايتها الماضية، وهو ما من شأنه أن يقوض أكثر من احتمالات استمرار الحكومة الجديدة، وذلك في ضوء عدم تمكن أي رئيس وزراء في باكستان حتى الآن من الاحتفاظ بمنصبه حتى نهاية ولايته.
فيما يعد أهم تحدٍ ينبغي على الحكومة معالجته هو ضرورة خفض حدة الاستقطاب والانقسام الراهن، لا سيما في ضوء الإجراءات الاقتصادية القاسية التي يتعين على الحكومة اتخاذها اتساقًا مع ما اشترطه صندوق النقد الدولي، والتي تتطلب دعمًا شعبيًا يتجاوز حالة الاستقطاب. كما يبرز عامل إبقاء شهباز شريف على علاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية، التي تعد فاعلًا أساسيًا بالحياة السياسية الباكستانية، ضمن أهم عوامل استقرار واستمرار ولاية الحكومة الجديدة.