عقدت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري يوم 6 مارس 2024 اجتماعًا استثنائيًا أصدرت فيه قرارها برفع سعر الفائدة البنكية بمقدار 600 نقطة أساس (6%) وذلك استمرارًا لسياسة التقييد النقدي التي يتبعها البنك المركزي للسيطرة على جموح التضخم في الاقتصاد المصري، ومن ناحية أخرى وفي إطار تقييد السوق الموازي لسعر الصرف قامت لجنة السياسات بالسماح لسعر الصرف أن يتحدد وفقًا لآليات السوق لإغلاق الفجوة السعرية بين السوق الرسمي والسوق الموازي، تعتبر تلك القرارات إيجابية على مستوى الاقتصاد الكلي؛ لأنها إشارة واضحة وصريحة في تقديم استقرار داخل الاقتصاد المصري بتوحيد أسعار الصرف، ومن ثَمّ رؤية واضحة للاستثمار خلال الفترة المقبلة.
البورصة المصرية.. صعود وهبوط
واجهت البورصة المصرية حركات غير مستقرة على مدار جلستي التداول بعد قرار لجنة السياسات النقدية، ففي اليوم الأول تحرك المؤشر بعنف بين الصعود ليصل إلى 32000 نقطة ثم معاودة الهبوط لنقاط الصعود إلى المستوى صفر وزيادة نقاط الهبوط 950 نقطة بنسبة تخطت 3% من المؤشر الرئيسي ليصل إلى 29743 نقطة، ويغلق عليها مع إجمالي قيمة تداولات تخطت 9 مليارات جنيه مصري لأول مرة، وفي الجلسة التالية للقرار استمرت حالة التذبذب، بين الصعود والهبوط أكثر من مرة خلال، ولكن إيجابية الإغلاق عند 31300 نقطة للمؤشر الرئيسي للبورصة المصرية أعطت نظرة إيجابية إلى القادم على المدى القصير.
كان من المفترض أن تلك القرارات يكون لها الأثر الإيجابي السريع على البورصة المصرية، ولكن كان لسوق الأوراق المالية أداء مختلف متذبذب وغير مستقر لإعادة تسعير سعر الصرف على أسهم الشركات المدرجة؛ مصنعة وعقارية ومستوردة ومصدرة، وإعادة تقييم تلك الشركات وفقًا للمعطيات والأحداث الاقتصادية الجديدة في السوق.
أداء أطراف سوق البورصة المصرية
ينقسم أطراف سوق الأوراق المالية نوعيًا إلى المؤسسات بأنواعها؛ (مؤسسات مصرية – مؤسسات عربية – مؤسسات أجنبية) وأفراد (مصرية – عربية – أجنبية)، ووفقًا لما كان سائدًا خلال الفترة السابقة سيطر الأفراد المصريون والمؤسسات المصرية على تداولات البورصة المصرية وقلّ ظهور الأجانب والعرب بسبب عدم تحديد موقف سعر الصرف وشح العملات الأجنبية وتأخر تحويل الأموال بالنقد الأجنبي خارجيًا، أظهرت بيانات التداول خلال جلسات ما بعد القرار وفقًا لموقع البورصة المصرية أن المؤسسات المصرية هي البائع الأكبر مع ظهور واضح وقوي للمؤسسات الأجنبية والعربية وذلك منتظر منذ فترة، ولكن الأفراد المصريين ظلوا كصاف مشتر.
ولكن بشكل عام يُظهر السوق حالة من عدم الاستقرار الواضح وحركات التذبذب العنيفة بين الصعود والهبوط نتيجة لإعادة التسعير وجني الأرباح وإعادة تنظيم المحافظ الاستثمارية من جديد.
السندات وأذون الخزانة.. ارتفاع الفائدة يشجع المستثمرين
بقرار لجنة السياسيات برفع الفائدة يقدم الاقتصاد المصري الآن ثالث أعلى عائد على العملة المحلية مع متوسط عائد 30% من المتوقع أن يستقبلها المستثمرون الأجانب والعرب بشكل إيجابي بعد أن تم استبعاد سوق السندات المصري سابقًا من قائمة مؤسسة JB Morgan & co للسندات بالعملة المحلية للتعثر والأزمات التي كان يعانيها الاقتصاد المصري خلال الفترة السابقة، هذا فضلًا عن أن توقيع الاتفاقية الجديدة مع صندوق النقد الدولي أعطى ضمانة أخرى للمستثمرين في تلك الأسواق على الأقل لمدة عام بضمان استرداد أموالهم بالفائدة المغرية لتلك الأموال الساخنة، ويظهر من الأحداث أن العالم الخارجي استقبل تلك الأخبار بشكل إيجابى والدليل قيام وكالة فيتش إحدى وكالات التصنيف الائتماني المتخصصين في متابعة الأداء الاقتصادي وإصدار تقارير تخص قدرة الاقتصاد على سداد الديون بتغيير النظرة المستقبلية لمصر من نظرة مستقبلية سلبية إلى إيجابية مع بقاء التصنيف الائتماني.
توقعات البورصة المصرية في الأجل القصير
من المتوقع أن يكون هناك تحول إيجابي على المدى القصير مع ترقب المستثمرين لأداء الاقتصاد على المدى المتوسط بناءً على القرارات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة، فمن المتوقع أن تظهر البورصة المصرية وسوق الأسهم على المدى القصير تفاؤلًا بتلك القرارات، يعقبه صعود المؤشرات مع إعادة تسعير العملة المحلية أمام العملات الأجنبية خاصة بالنسبة للمستثمرين الرافضين لمستوى سعر الفائدة الحالي الذي تقدمه المصارف المصرية.
لكن ذلك الأداء الإيجابي لسوق المال المصري قد يستمر في حال جذب صناديق الاستثمار غير المباشر التي تستثمر في أسواق الأسهم حول العالم، تلك الصناديق ستكون بمثابة الدافع الرئيسي لصعود البورصة المصرية على المدى المتوسط والطويل، هذا إلى جانب تنفيذ برنامج الطروحات المزمع تنفيذه، حيث إن الشركات المصرية خارج البورصة لا تزال هدفًا استثماريًا قويًا لتلك المؤسسات لقدرتها الكبيرة على توليد ربحية ولأسعارها المناسبة، لكن تلك الشركات ليس لها أسهم بسوق الأوراق المالية المصرية، وهو ما يمثل عائقًا أساسيًا أمام سهولة الاستثمار بها من جانب المؤسسات الدولية، ومن ثم فإن طرح جزء من شركات برنامج الطروحات الحكومي بسوق الأوراق المالية المصري يعد أمرًا رئيسيًا لدخول المؤسسات الأجنبية والعربية بالاستثمار في سوق الأوراق المالية المصرية، وسيكون لهذا الدخول دور مهم في إثراء الاقتصاد بالنقد الأجنبي، ولما لهذه المؤسسات من استراتيجية في الاحتفاظ بالأسهم والمساعدة على توسع الشركات وزيادة إنتاجيتها على المدى المتوسط والطويل، ويساعد على توفير السيولة النقدية داخل سوق الأوراق المالية مما يدفع المؤشرات إلى الصعود.
توقعات أداء سوق السندات في الأجل القصير
من المتوقع أن ينشط هذا السوق وخاصة سوق السندات والأوراق المالية ذات العائد الثابت خلال الفترة المقبلة، ويكون جاذبًا للمؤسسات الأجنبية والعربية والبنوك المصرية لما يقدمه من فوائد مرتفعة وآمنة لمدة لا تقل عن عام، من جانب آخر، في هذا السياق فقد بدأت وكالة موديز للتصنيف الائتماني قرارًا برفع النظرة الإيجابية للاقتصاد المصري، وذلك يعد إحدى أهم ثمار التسعير العادل للجنيه الذي تم اتخاذه، ومن المتوقع أن تتعاقب مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية على تحسين تقييم مصر الائتماني بالسوق قريبًا، خاصة مع تدفق أموال صندوق النقد ومشروع رأس الحكمة وتحسن قدرة مصر على توفير نقد أجنبي داخل البنك المركزي المصري.